فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب إذا استأجر أجيرا، على أن يقيم حائطا، يريد أن ينقض جاز

( بابٌُ إذَا اسْتَأجَرَ أَجِيرا علَى أنْ يُقِيمَ حائِطا يُرِيدُ أنْ يَنْقَضَّ جازَ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ إِذا اسْتَأْجر أحد أَجِيرا لأجل إِقَامَة حَائِط يُرِيد أَن ينْقض، أَي: بسقط، يُقَال: انقض الطَّائِر سقط من الْهَوَاء بِسُرْعَة.
قَوْله: ( جَازَ) ، جَوَاب: إِذا،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: تبويب البُخَارِيّ يدل على أَن هَذَا جَائِز لجَمِيع النَّاس، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك للخضر، عَلَيْهِ السَّلَام، خَاصَّة، وَلَعَلَّ البُخَارِيّ أَرَادَ أَن يَبْنِي لَهُ حَائِطا من الأَصْل، أَو يصلح لَهُ حَائِطا.
انْتهى.
قلت: يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا جَائِزا لجَمِيع النَّاس، وتخصيصه بالخضر، عَلَيْهِ السَّلَام، لَا دَلِيل عَلَيْهِ، وَجه ذَلِك على الْعُمُوم أَن حَائِط رجل إِذا أشرف على السُّقُوط، فخيف من سُقُوطه، فاستأجر أحدا يعلقه حَتَّى لَا يسْقط فَإِنَّهُ يجوز بِلَا خلاف، ثمَّ بعد التَّعْلِيق إِمَّا أَن يرمه وَيقطع عَيبه، أَو يهده ويبنيه جَدِيدا.
.

     وَقَالَ  الْمُهلب: إِنَّمَا جَازَ الِاسْتِئْجَار عَلَيْهِ لقَوْل مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: { لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} ( الْكَهْف: 77) .
وَالْأَجْر لَا يُؤْخَذ إلاَّ على عمل مَعْلُوم، وَإِنَّمَا كَانَ يكون لَهُ الْأجر لَو عَامله عَلَيْهِ قبل عمله، وَأما بعد أَن أَقَامَهُ بِغَيْر إِذن صَاحبه فَلَا يجْبر صَاحبه على غرم شَيْء،.

     وَقَالَ  ابْن الْمُنْذر: وَفِيه جَوَاز الِاسْتِئْجَار على الْبناء.



[ قــ :2174 ... غــ :2267 ]
- حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ مُسَى قَالَ أخبرنَا هِشامُ بنُ يُوسُفَ أنَّ ابنَ جُرَيْجٍ أخبرَهُمْ قَالَ أخْبَرَنِي يَعْلَى بنُ مُسْلِمٍ وعَمْرُو بنُ دِينارٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ يَزيدُ أحَدُهُمَا علَى صاحِبه وغَيْرُهُما قَالَ قدْ سَمِعتُهُ يُحَدِّثُهُ عنْ سَعِيدٍ قَالَ قَالَ لي ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ حدَّثني أبيُّ بنُ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانْطَلَقا فوَجَدا جِدَارا يُرِيدُ أنْ ينقَضَّ قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ هَكَذَا ورَفَعَ يدَيْهِ فاسْتَقامَ قالَ يَعْلَى حَسِبْتُ أنَّ سَعِيدا قَالَ فمَسَحَهُ بِيَدِهِ فاسْتَقامَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجْرا قَالَ سَعيدٌ أجْرا نأكُلُهُ.
.


مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: { فَوجدَ جدارا يُرِيد أَن ينفض فأقامه} .

ذكر رِجَاله وهم ثَمَانِيَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن مُوسَى بن يزِيد الْفراء أَبُو إِسْحَاق، يعرف بالصغير.
الثَّانِي: هِشَام بن يُوسُف أَبُو عبد الرَّحْمَن، قَاضِي الْيمن.
الثَّالِث: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن جريج.
الرَّابِع: يعلى بن مُسلم بن هُرْمُز.
الْخَامِس: عَمْرو بن دِينَار الْقرشِي الْأَثْرَم.
السَّادِس: سعيد بن جُبَير.
السَّابِع: عبد الله بن عَبَّاس.
الثَّامِن: أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين وبصيغة الْإِخْبَار بِجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: السماع.
وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين.
وَفِيه: القَوْل فِي سِتَّة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه رازي وَأَن هشاما يماني وَأَن ابْن جريج وَعمر مكيان وَسَعِيد بن جُبَير كُوفِي.
وَفِيه: يروي ابْن جريج عَن شيخين.
وَفِيه: يزِيد أَحدهمَا أَي: يعلى أَو عَمْرو.

قَوْله: ( سمعته) ، الضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى الْغَيْر، أَي: قَالَ ابْن جريج: وَسمعت غَيرهمَا أَيْضا يحدث عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ الْكرْمَانِي: يلْزم من زِيَادَة أَحدهمَا على صَاحبه نوع محَال، وَهُوَ أَن يكون الشَّيْء مزيدا ومزيدا عَلَيْهِ، ثمَّ أجَاب: بِأَنَّهُ إِن أَرَادَ بِأَحَدِهِمَا وَاحِدًا معينا مِنْهُمَا فَلَا إِشْكَال وَإِن أَرَادَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فَمَعْنَاه أَنه يزِيد شَيْئا غير مَا زَاده الآخر، فَهُوَ مزِيد بِاعْتِبَار شَيْء مزيدعليه، بِاعْتِبَار شَيْء آخر، ثمَّ قَالَ: هَذَا الْمَرْوِيّ مَجْهُول، إِذْ لَا يعلم الزِّيَادَة مِنْهُ، ثمَّ أجَاب: علم من سِيَاقه زِيَادَة يعلى إِذْ قَالَ: حسبت.

وَقد ذكرنَا تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من كل الْوُجُوه فِي كتاب الْعلم فِي: بابُُ ذهَاب مُوسَى فِي الْبَحْر إِلَى الْخضر، وَهنا ذكر قِطْعَة من حَدِيث مُوسَى وَالْخضر، وَقد أوردهُ مُسْتَوفى فِي التَّفْسِير.
قَوْله: ( يُرِيد) نِسْبَة الْإِرَادَة إِلَى الْجِدَار مجَاز.
وَفِيه: حجَّة على من يُنكر الْمجَاز.
قَوْله: { أَن ينْقض} وقرىء: ينقاض، أَي: ينقلع من أَصله، وَيُقَال للبئر إِذا انهارت: انقاضت، بالضاد الْمُعْجَمَة، وقرىء بِالْمُهْمَلَةِ مَوضِع الْألف، أَي: ينشق طولا.
قَوْله: ( يرفع يَدَيْهِ) ، أَي: إِلَى الْجِدَار، فاستقام، وَهُوَ تَفْسِير لقَوْله: فأقامه، وروى: يَده، بِالْإِفْرَادِ.