فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الاستثناء في الأيمان


[ قــ :6369 ... غــ :6720 ]
- حدّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدّثنا سُفْيانُ عَنْ هِشام بنِ حُجَيْرٍ عنْ طاوُوس سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ سُلَيْمانُ: لأطُوفنَّ اللَّيْلَةَ عَل تِسْعِينَ امْرأةً كُلٌّ تَلِدُ غُلاماً يُقاتِلُ فِي سَبيلِ الله، فَقَالَ لَهُ صاحِبُهُ، قَالَ سُفْيانُ: يَعْنِي المَلَكَ: قُلْ إنْ شاءَ الله! فَنَسِي فَطافَ بِهِنَّ فَلَمْ تَأْتِ امْرأة منْهُنَّ بِوَلَدٍ إلاّ واحِدَةٌ بِشقِّ غلامٍ، فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ، قَالَ: لَوْ قَالَ: إنْ شاءَ الله لَمْ يَحْنَثْ، وكانَ دَرَكاً فِي حاجَتِهِ.
.

     وَقَالَ  مَرة: قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْ اسْتَثْنَى.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( لَو اسْتثْنى) أَي: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله.

وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام بن حُجَيْر بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالراء الْمَكِّيّ،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: لم يتَقَدَّم ذكره يَعْنِي فِيمَا مضى.

والْحَدِيث مضى بِغَيْر هَذَا الطَّرِيق فِي الْجِهَاد فِي: بابُُ من طلب الْوَلَد للْجِهَاد فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ.
.

     وَقَالَ  اللَّيْث: حَدثنِي جَعْفَر بن ربيعَة عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد، عَلَيْهِمَا السَّلَام: لأطوفن اللَّيْلَة على مائَة امْرَأَة أَو تسع وَتِسْعين ... الحَدِيث.

قَوْله: ( لأطوفن) اللَّام جَوَاب الْقسم كَأَنَّهُ قَالَ مثلا؛ وَالله لأطوفن، وَالنُّون فِيهِ للتَّأْكِيد، يُقَال طَاف بِهِ يَعْنِي ألم بِهِ وقاربه.
قَوْله: ( اللَّيْلَة) نصب على الظَّرْفِيَّة.
قَوْله: ( على تسعين امْرَأَة) .

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: قيل: لَيْسَ فِي حَدِيث الصَّحِيح أَكثر اخْتِلَافا فِي الْعدَد من حَدِيث سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، فِيهِ: مائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ وَسِتُّونَ، وَلَا مُنَافَاة إِذْ لَا اعْتِبَار لمَفْهُوم الْعدَد.
قَوْله: ( كل تَلد) أَي: كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ تَلد غُلَاما.
قَوْله: ( بشق غُلَام) بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْقَاف أَي: نصف غُلَام،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: الْحِنْث مَعْصِيّة، كَيفَ يجوز على سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام؟ ثمَّ قَالَ: لم يكن بِاخْتِيَارِهِ، أَو هُوَ صَغِيرَة مَعْفُو عَنْهَا.

قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى، لِأَنَّهُ حمل الْحِنْث على مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك، بل مَعْنَاهُ هُنَا عدم وُقُوع مَا أَرَادَ، وَفِيه نِسْبَة وُقُوع الصَّغِيرَة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه مَا فِيهِ، وَأول الحَدِيث مَوْقُوف على أبي هُرَيْرَة، وَلكنه رَفعه بقوله: يرويهِ، قَالَ: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله، لم يَحْنَث لِأَن قَوْله: يرويهِ، كِنَايَة عَن رفع الحَدِيث، وَهُوَ كَمَا لَو قَالَ مثلا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد وَقع فِي رِوَايَة الْحميدِي التَّصْرِيح بذلك، وَلَفظه: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... وَكَذَا أخرجه مُسلم عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان.

قَوْله: ( لم يَحْنَث) بالثاء الْمُثَلَّثَة المُرَاد بِعَدَمِ الْحِنْث عدم وُقُوع ماأراد،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: ويروي: لم يخب، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة من الخيبة وَهِي الحرمان.
قَوْله: ( وَكَانَ دركاً) بِفَتْح الرَّاء وسكونها.
أَي: إدراكاً أَو لحَاقًا أَو بُلُوغ أمل فِي حَاجته.
قَوْله: ( وَقَالَ مرّة) أَي: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو اسْتثْنى مَعْنَاهُ أَيْضا، لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله، وَلَكِن قَالَ مرّة: لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله، وَمرَّة أُخْرَى قَالَ: لَو اسْتثْنى، فاللفظ مُخْتَلف وَالْمعْنَى وَاحِد.
وَجَوَاب: لَو، مَحْذُوف أَي: لَو اسْتثْنى لم يَحْنَث،.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: لَيْسَ الِاسْتِثْنَاء فِي قصَّة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام، الَّذِي يرفع حكم الْيَمين وَيحل عقده، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى الْإِقْرَار لله بِالْمَشِيئَةِ وَالتَّسْلِيم لحكمه، فَهُوَ نَحْو قَوْله: { وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} ( الْكَهْف: 32) وَإِنَّمَا يرفع حكم الْيَمين إِذا نوى بِهِ الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين.

وحدّثنا أبُو الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ مِثْلَ حَدِيثٍ أبي هُرَيْرَةَ
الْقَائِل بقوله: وَحدثنَا، هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَقد أفْصح بِهِ مُسلم فِي رِوَايَته، وَهُوَ مَوْصُول بالسند الأول.
وَأَبُو الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز.
قَوْله: ( مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة) أَي: مثل الَّذِي سَاقه من طَرِيق طَاوُوس عَن أبي هُرَيْرَة، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن لِسُفْيَان فِيهِ سندان إِلَى أبي هُرَيْرَة: هِشَام عَن طَاوس، وَأَبُو الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج.