فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: متى يسجد من خلف الإمام؟

( بابُُ مَتَى يَسْجُدُ مَنْ خَلْفَ الإمَامِ)

أَي: هَذَا بابُُ تَرْجَمته: مَتى يسْجد من خلف الإِمَام، يَعْنِي إِذا اعتدل أَو جلس بَين السَّجْدَتَيْنِ.
قَوْله: ( من) فَاعل قَوْله: ( يسْجد) .

قَالَ أنَسٌ فإذَا سَجَدَ فاسْجُدُوا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يبين معنى مَتى يسْجد من خلف الإِمَام، وَهُوَ أَنه يسْجد إِذا سجد الإِمَام، بِنَاء على تقدم الشَّرْط على االجزاء، وَهَذَا التَّعْلِيق أخرجه مَوْصُولا فِي: بابُُ إِيجَاب التَّكْبِير، فَإِن فِيهِ: وَإِذا سجد فاسجدوا.
.

     وَقَالَ  بَعضهم: هُوَ طرف من حَدِيثه الْمَاضِي فِي الْبابُُ الَّذِي قبله قلت: لَيست هَذِه اللَّفْظَة فِي الحَدِيث الْمَاضِي، وَإِنَّمَا هِيَ فِي: بابُُ إِيجَاب التَّكْبِير، كَمَا ذكرنَا.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : وَفِي بعض النّسخ، قَالَ أنس: إِذا سجد فاسجدوا، يَعْنِي: من غير ذكره: عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.



[ قــ :669 ... غــ :690 ]
- حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عَن سُفْيَانَ قَالَ حدَّثني أَبُو إسْحَاقَ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الله بنُ يَزِيدَ قَالَ حدَّثني البَرَاءُ وَهْوَ غَيْرُ كَذُوبٍ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا قَالَ سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاجِدا ثُمَّ نَقَعُ سُجُودا بَعْدَهُ مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( ثمَّ نقع سجودا بعده) ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون سُجُود من خلف الإِمَام إِذا شرع الإِمَام فِي السَّجْدَة.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُسَدّد بن مسرهد، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان.
الثَّالِث: سُفْيَان الثَّوْريّ.
الرَّابِع: أَبُو إِسْحَاق، واسْمه: عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة: نِسْبَة إِلَى سبيع بطن من هَمدَان.
الْخَامِس: عبد الله بن يزِيد من الزِّيَادَة الخطمي كَذَا وَقع مَنْسُوبا عِنْد الإسماععيلي فِي رِوَايَة شُعْبَة عَن أبي إِسْحَاق، وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى خطمي، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الطَّاء: بطن من الْأَوْس.
.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيّ: عبد الله بن يزِيد بن زيد ابْن حُصَيْن بن عَمْرو الأوسي الخطمي أَبُو مُوسَى، شهد الْحُدَيْبِيَة وَمَات قبل ابْن الزبير.
السَّادِس: الْبَراء بن عَازِب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: عبد الله بن يزِيد الصَّحَابِيّ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ.
وَذكر الذَّهَبِيّ فِي ( تَجْرِيد الصَّحَابَة) وَالِد عبد الله ووالد الْبَراء كليهمَا من الصَّحَابَة، فَقَالَ: يزِيد بن زيد بن حُصَيْن الْأنْصَارِيّ الخطمي، وَالِد عبد الله وجد عدي بن ثَابت لأمه.
.

     وَقَالَ  أَيْضا: عَازِب بن الْحَارِث وَالِد الْبَراء، قَالَ البراءوفيه: اشْترى أَبُو بكر من عَازِب رجلا.
وَفِيه: أَن أَبَا إِسْحَاق كَانَ مَعْرُوفا بالرواية عَن الْبَراء بن عَازِب لكنه روى الحَدِيث الْمَذْكُور هَهُنَا بِوَاسِطَة.
وَهُوَ: عبد الله بن يزِيد.
وَفِيه: أَن أحد الروَاة كَانَ أَمِيرا وَهُوَ: عبد الله بن يزِيد، وَكَانَ أَمِيرا على الْكُوفَة فِي زمن عبد الله بن الزبير، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي: بابُُ رفع الْبَصَر فِي الصَّلَاة: أَن أَبَا إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت عبد الله ابْن يزِيد يخْطب.
وَفِيه: قَوْله: ( غير كذوب) وَهُوَ على وزن: فعول، وَهُوَ صِيغَة مُبَالغَة: كصبور وشكور، وَاخْتلفُوا فِي هَذَا قيل: فِي حق من؟ فَقَالَ يحيى بن معِين والْحميدِي وَابْن الْجَوْزِيّ: إِن الْإِشَارَة فِي قَول أبي إِسْحَاق: غير كذوب، إِلَى عبد الله بن يزِيد، لَا إِلَى الْبَراء، لِأَن الصَّحَابَة عدُول فَلَا يحْتَاج أحد مِنْهُم إِلَى تَزْكِيَة وتعديل.
.

     وَقَالَ  الْخَطِيب: إِن كَانَ هَذَا القَوْل من أبي إِسْحَاق فَهُوَ فِي عبد الله بن يزِيد، وَإِن كَانَ من عبد الله فَهُوَ فِي الْبَراء.
.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ: هَذَا القَوْل لَا يُوجب تُهْمَة فِي الرَّاوِي؛ وَإِنَّمَا يُوجب حَقِيقَة الصدْق لَهُ لِأَن هَذِه عَادَتهم إِذا أَرَادوا تَأْكِيد الْعلم بالراوي وَالْعَمَل بِمَا روى، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يَقُول: سَمِعت خليلي الصَّادِق المصدوق،.

     وَقَالَ  ابْن مَسْعُود: حَدثنِي الصَّادِق المصدوق، وسلك عِيَاض أَيْضا هَذَا المسلك.

     وَقَالَ : لم يرد بِهِ التَّعْدِيل وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَقْوِيَة الحَدِيث إِذْ حدث بِهِ الْبَراء، وَهُوَ غير مُتَّهم: وَمثل هَذَا قَول أبي مُسلم الْخَولَانِيّ: حَدثنِي الحبيب الْأمين.
.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: معنى الْكَلَام: حَدثنِي الْبَراء وَهُوَ غير مُتَّهم، كَمَا علمْتُم فثقوا بِمَا أخْبركُم بِهِ عَنهُ.

قلت: قد ظهر من كَلَام الْخطابِيّ وعياض وَالنَّوَوِيّ أَن هَذَا القَوْل فِي الْبَراء، ويترجح هَذَا بِوَجْهَيْنِ: الأول: أَنه رُوِيَ عَن أبي إِسْحَاق فِي بعض طرقه: سَمِعت عبد الله بن يزِيد وَهُوَ يخْطب يَقُول: حَدثنَا الْبَراء، وَكَانَ غير كذوب.
قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَنه كَلَام عبد الله بن يزِيد.
قلت: إِذا كَانَ هَذَا كَلَام عبد الله فَيكون ذَاك فِي الْبَراء، وأوضح من هَذَا وَأبين مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي ( صَحِيحه) من طَرِيق محَارب بن دثار، قَالَ: سَمِعت عبد الله بن يزِيد على الْمِنْبَر يَقُول: حَدثنِي الْبَراء وَكَانَ غير كذوب.
الثَّانِي: أَن الضَّمِير أَعنِي قَوْله: وَهُوَ يرجع إِلَى أقرب الْمَذْكُورين وَهُوَ الْبَراء، فَإِن قلت: كَيفَ نزه يحيى بن معِين الْبَراء عَن التَّعْدِيل لأجل صحبته وَلم ينزه عبد الله بن يزِيد وَهُوَ أَيْضا صَحَابِيّ؟ قلت: يحيى بن معِين لَا تثبت صحبته فَلذَلِك تنْسب هَذِه اللَّفْظَة إِلَيْهِ، وَوَافَقَهُ على ذَلِك مُصعب الزبيرِي، وَتوقف فِي صحبته أَحْمد وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو دَاوُد، وأثبتها ابْن البرقي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَآخَرُونَ.
فَإِن قلت: نفي الكذوبية لَا يسْتَلْزم نفي الكاذبية، مَعَ أَنه يجب نفي مُطلق الْكَذِب عَنْهُمَا قلت: مَعْنَاهُ غير ذِي كذب، كَمَا قيل فِي قَوْله تَعَالَى: { وَمَا رَبك بظلام للعبيد} ( فصلت: 46) .
أَي: وَمَا رَبك بِذِي ظلم.
فَإِن قلت: مَا سَبَب رِوَايَة عبد الله ابْن يزِيد هَذَا الحَدِيث؟ قلت: روى الطَّبَرَانِيّ من طَرِيقه أَنه كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِالْكُوفَةِ، فَكَانَ النَّاس يضعون رؤوسهم قبل أَن يضع رَأسه، ويرفعون قبل أَن يرفع رَأسه، فَذكر الحَدِيث فِي إِنْكَاره عَلَيْهِم.

ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي نعيم وَعَن حجاج عَن شُعْبَة وَعَن آدم عَن إِسْرَائِيل.
وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن أَحْمد بن يُونُس وَيحيى بن يحيى كِلَاهُمَا عَن زُهَيْر وَعَن أبي بكر بن خَلاد.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة بِهِ.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن بنْدَار عَن ابْن مهْدي عَن سُفْيَان بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن إِسْمَاعِيل بن علية وَعَن عَليّ بن الْحُسَيْن الدرهمي عَن أُميَّة بن خَالِد، كِلَاهُمَا عَن شُعْبَة بِهِ.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ( إِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده) وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: ( إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع) .
وَفِي رِوَايَة لمُسلم: ( فَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع فَقَالَ: سمع الله لمن حَمده لم نزل قيَاما) .
قَوْله: ( لم يحن) ، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة، من: حنيت الْعود عطفته وحنوت لُغَة، قَالَه الْجَوْهَرِي، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( لَا يحنو أحد، وَلَا يحني) ، رِوَايَتَانِ أَي: لَا يقوس ظَهره.
قَوْله: ( حَتَّى يَقع سَاجِدا) أَي: حَال كَونه سَاجِدا، وَفِي رِوَايَة الإسرائيلي عَن أبي إِسْحَاق: ( حَتَّى يضع جَبهته على الأَرْض) ، وَنَحْوه وَفِي رِوَايَة مُسلم من رِوَايَة زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن غنْدر عَن شُعْبَة: ( حَتَّى يسْجد ثمَّ يَسْجُدُونَ) .
قَوْله: ( ثمَّ نقع) بنُون الْمُتَكَلّم مَعَ الْغَيْر.
قَوْله: ( سجودا) حَال، وَهُوَ جمع: ساجد، ونقع، مَرْفُوع لَا غير، و: يَقع، الأول الَّذِي هُوَ مَنْصُوب فَاعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يجوز فِيهِ الْأَمْرَانِ: الرّفْع وَالنّصب.

ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: وجوب مُتَابعَة الإِمَام فِي أَفعاله، وَاسْتدلَّ بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ على أَن الْمَأْمُوم لَا يشرع فِي الرُّكْن حَتَّى يتمه الإِمَام، وَفِيه نظر، لِأَن الإِمَام إِذا أتم الرُّكْن ثمَّ شرع الْمَأْمُوم فِيهِ لَا يكون مُتَابعًا للْإِمَام وَلَا يعْتد بِمَا فعله، وَمعنى الحَدِيث أَن الْمَأْمُوم يشرع بعد شُرُوع الإِمَام فِي الرُّكْن وَقبل فَرَاغه مِنْهُ حَتَّى تُوجد الْمُتَابَعَة، وَوَقع فِي حَدِيث عَمْرو بن سليم أخرجه مُسلم: ( فَكَانَ لَا يحني أحد منا ظَهره حَتَّى يَسْتَقِيم سَاجِدا) .
وروى أَبُو يعلى من حَدِيث أنس: ( حَتَّى يتَمَكَّن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من السُّجُود) ، وَمعنى هَذَا كُله ظَاهر فِي أَن الْمَأْمُوم يشرع فِي الرُّكْن بعد شُرُوع الإِمَام فِيهِ، وَقبل فَرَاغه مِنْهُ.
وَاسْتدلَّ بِهِ قوم على طول الطُّمَأْنِينَة، وَفِيه نظر، لِأَن الحَدِيث لَا يدل على هَذَا.
وَفِيه: جَوَاز النّظر إِلَى الْأَمَام لأجل اتِّبَاعه فِي انتقالاته فِي الْأَركان.

حدَّثنا أَبُو نُعَيْمٍ عنْ سُفْيَانَ عنْ أبي أسْحَاقَ نَحْوَهُ بِهَذَا
أَبُو نعيم هُوَ الْفضل بن دُكَيْن، وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ وَأَبُو إِسْحَاق هُوَ السبيعِي الْمَذْكُور، وَهَذَا السَّنَد وَقع فِي البُخَارِيّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وكريمة، وَلَيْسَ بموجود فِي رِوَايَة البَاقِينَ.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّلْوِيح) : هَذَا السَّنَد مَذْكُور فِي نُسْخَة سَمَاعنَا، وَفِي بعض النّسخ عَلَيْهِ ضرب، وَلم يذكرهُ أَصْحَاب الْأَطْرَاف: أَبُو الْعَبَّاس الطرقي وَخلف وَأَبُو مَسْعُود فَمن بعدهمْ، وَلم يذكرهُ أَيْضا أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) قلت: أخرجه أَبُو عوَانَة عَن الصَّاغَانِي وَغَيره عَن أبي نعيم، وَلَفظه: ( كُنَّا إِذا صلينَا خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحن أحد منا ظَهره حَتَّى يضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَبهته) .