فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب أجر المرأة إذا تصدقت، أو أطعمت، من بيت زوجها، غير مفسدة

( بابُُ أجْرِ المَرْأةِ إذَا تَصَدَّقَتْ أوْ أطْعَمَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان أجر الْمَرْأَة إِذا تَصَدَّقت من مَال زَوجهَا أَو أطعمت شَيْئا من بَيت زَوجهَا حَال كَونهَا غير مفْسدَة، وَلم يُقيد هُنَا بِالْأَمر، وَقيد بِهِ فِي الخازن فِي الْبابُُ الَّذِي قبله، لِأَن للْمَرْأَة أَن تتصرف فِي بَيت زَوجهَا للرضى بذلك غَالِبا، وَلَكِن بِشَرْط عدم الْإِفْسَاد، بِخِلَاف الخازن لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تصرف إلاَّ بِالْإِذْنِ، وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث همام عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ: ( إِذا أنفقت الْمَرْأَة من كسب زَوجهَا من غير أمره فلهَا نصف أجره) ، وَسَيَأْتِي الحَدِيث فِي الْبيُوع.

وَقَالَ النَّوَوِيّ: إعلم أَنه لَا بُد فِي الْعَامِل، وَهُوَ الخازن، وَفِي الزَّوْجَة والمملوك من إِذن الْمَالِك فِي ذَلِك، فَإِن لم يكن لَهُ إِذن أصلا فَلَا يجوز لأحد من هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة، بل عَلَيْهِم وزر تصرفهم فِي مَال غَيرهم بِغَيْر إِذْنه، وَالْإِذْن ضَرْبَان.
أَحدهمَا: الْإِذْن الصَّرِيح فِي النَّفَقَة وَالصَّدَََقَة.
وَالثَّانِي: الْإِذْن الْمَفْهُوم من اطراد الْعرف: كإعطاء السَّائِل كسرة وَنَحْوهَا مِمَّا جرت بِهِ الْعَادة، واطراد الْعرف فِيهِ، وَعلم بِالْعرْفِ رضى الزَّوْج وَالْمَالِك بِهِ، فإذنه فِي ذَلِك حَاصِل وَإِن لم يتَكَلَّم، وَهَذَا إِذا علم رِضَاهُ لاطراد الْعرف، وَعلم أَن نَفسه كنفوس غَالب النَّاس فِي السماحة بذلك والرضى بِهِ، فَأن اضْطربَ الْعرف وَشك فِي رِضَاهُ أَو كَانَ شحيح النَّفس يشح بذلك، وَعلم من حَاله ذَلِك أَو شكّ فِيهِ، لم يجز للْمَرْأَة وَغَيرهَا التَّصَدُّق من مَاله إلاَّ بِصَرِيح إِذْنه، وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة آنِفا فَمَعْنَاه: من غير أمره الصَّرِيح فِي ذَلِك الْقدر المهين، وَيكون مَعهَا إِذن سَابق يتَنَاوَل لهَذَا القدرلا وَغَيره، وَذَلِكَ هُوَ الْإِذْن الَّذِي قدمْنَاهُ سَابِقًا إِمَّا بِالصَّرِيحِ وَإِمَّا بِالْعرْفِ، وَلَا بُد من هَذَا التَّأْوِيل لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الْأجر مُنَاصَفَة فِي رِوَايَة أبي دَاوُد، رَحمَه الله، فلهَا نصف أجره وَمَعْلُوم أَنَّهَا إِذا أنفقت من غير إِذن صَرِيح وَلَا مَعْرُوف من الْعرف فَلَا أجر لَهَا، بل عَلَيْهَا وزر، فَتعين تَأْوِيله.



[ قــ :1383 ... غــ :1439 ]
- حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا مَنْصُورٌ وَالأعْمَشُ عنْ أبِي وَائِلٍ عنْ مَسْرُوقِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَصَدَّقَتِ المَرْأةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا.


حدَّثنا عُمَرُ بنُ حَفْصٍ قَالَ حدَّثنا أبي قَالَ حدَّثنا الأعْمَشُ عنْ شَقيقٍ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالتْ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أطْعَمَتِ الْمَرْأةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ لَهَا أجْرُهَا ولَهُ مِثْلُهُ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذالِكَ لَهُ بِمَا اكْتَسَبَ ولَهَا بِمَا أنْفَقَتْ..




[ قــ :1384 ... غــ :1441 ]
- حدَّثنا يَحْيَى بنُ يَحْيَى قَالَ أخبرنَا جَرِيرٌ عنْ مَنْصُورٍ عنْ شَقِيقٍ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا أنْفَقَتِ المَرْأةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ فَلَهَا أجْرُهَا وَلِلزَّوْجِ بِمَا اكْتَسَبَتْ وَلِلْخَازِنَ مِثْلُ ذالِكَ..
هَذِه ثَلَاثَة طرق فِي حَدِيث عَائِشَة تَدور على أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن مَسْرُوق عَنْهَا، ومطابقتها للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
الأول: عَن آدم بن أبي إِيَاس عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر وَسليمَان الْأَعْمَش، كِلَاهُمَا (عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من طَرِيق الْأَعَمّ عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق إِلَى آخِره، وَلم يسق البُخَارِيّ تَمام هَذَا الطَّرِيق، لكنه ذكره بِتَمَامِهِ على سَبِيل التَّحْوِيل.
قَوْله: (تَعْنِي) أَي عَائِشَة، حَدِيث: (إِذا تَصَدَّقت الْمَرْأَة من بَيت زَوجهَا) .
الطَّرِيق الثَّانِي عَن عمر بن حَفْص عَن أَبِيه خفص بن غياث عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش ... إِلَى آخِره.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث الْأَعْمَش.
الطَّرِيق الثَّالِث عَن يحيى بن يحيى أبي زَكَرِيَّا التَّمِيمِي عَن جرير بن عبد الحميد عَن مَنْصُور ابْن الْمُعْتَمِر ... إِلَى آخِره.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي: بابُُ من أَمر خادمه بِالصَّدَقَةِ، عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير عَن مَنْصُور إِلَى آخِره، وَأخرجه أَيْضا فِي: بابُُ أجر الْخَادِم، عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن جرير عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة ... إِلَى آخِره، وَقد مضى الْكَلَام فِيهَا مُسْتَوفى هُنَاكَ.