فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب ما جاء في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما

(بابُُ مَا جاءَ فِي قَبْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي صفة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَصفَة قبر أبي بكر الصّديق وَعمر الْفَارُوق من كَون قبرهم فِي بَيت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَكَونه مسنما أَو غير مسنم، وَكَونه بارزا أَو غير بارز، وَمن كَون أبي بكر وَعمر مَعَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه فَضِيلَة عَظِيمَة لَهما فِيمَا لَا يشاركهما فِيهَا أحد، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا كَانَا وزيريه فِي حَال حَيَاته، وصارا ضجيعيه بعد مماته، وَهَذِه فَضِيلَة عَظِيمَة خصهما الله تَعَالَى بهَا، وكرامة حياهما بهَا لم تحصل لأحد: أَلا ترى وَصِيَّة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، إِلَى ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَن لَا يدفنها مَعَهم خشيَة أَن تزكّى بذلك، وَهَذَا من تواضعها وإقرارها بِالْحَقِّ لأَهله، وإيثارها بِهِ على نَفسهَا، وَرَأَتْ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَهلا وَأَيْضًا لقرب طينتهما من طينته، فَفِي حَدِيث أبي سعيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة عِنْد قبر، فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقيل: فلَان الحبشي، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا إلاه إلاَّ الله، سيق من أرضه وسمائه إِلَى تربته الَّتِي مِنْهَا خلق) .
قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَإِنَّمَا استأذنها عمر فِي ذَلِك وَرغب إِلَيْهَا فِيهِ لِأَن الْموضع كَانَ بَيتهَا، وَلها فِيهِ حق، وَلها أَن تُؤثر بِهِ نَفسهَا لذَلِك، فآثرت بِهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
وَقد كَانَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، رَأَتْ رُؤْيا دلتها على مَا فعلت حِين رَأَتْ ثَلَاثَة أقمار سقطن فِي حُجْرَتهَا، فقصتها على والدها لما توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدفن فِي بَيتهَا، فَقَالَ لَهَا أَبُو بكر: هَذَا أول أقمارك وَهُوَ خَيرهَا.

وَقَوْلُ الله {فأقبره}
قَول الله: مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله: فأقبره، بالتأويل، يَعْنِي قَول الله مقول فِيهِ فأقبره يُشِير بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أَمَاتَهُ فأقبره} (عبس: 12) .
وَذَلِكَ بعد أَن خلقه سويا ثمَّ أَمَاتَهُ، أَي: قبض روحه فأقبره أَي: جعله ذَا قبر يدْفن فِيهِ، وَقيل: جعل لَهُ من يقبره ويواريه وَلَا يلقى للسباع وَالطير، ليَكُون مكرما حَيا وَمَيتًا، وَلم يقل: قَبره، لِأَن فَاعل ذَلِك هُوَ الله تَعَالَى، أَي: صيره مقبورا فَلَيْسَ كَفعل الْآدَمِيّ، وَالْعرب تَقول: طردت فلَانا عني، وَالله أطرده أَي: جعله طريدا.

أقْبَرْتُ الرَّجُلَ إذَا جَعَلْتَ لَهُ قَبْرا وقَبَرْتُهُ دَفَنْتُهُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْفرق فِي الْمَعْنى بَين: أقبرت، الَّذِي هُوَ من الثلاثي الْمَزِيد من بابُُ: الْأَفْعَال، وَبَين: قبرت، الَّذِي من الثلاثي الْمُجَرّد، وبيَّن أَن معنى: أقبرت، جعلت لَهُ قبرا، وَأَن معنى: قبرت فلَانا: دَفَنته.

كِفَاتا يَكُونُونَ فِيهَا أحْيَاءً ويُدْفَنُونَ فِيهَا أمْوَاتا

أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا} (المرسلات: 52) .
وَقَوله: كفاتا، كلمة من الْقُرْآن الْكَرِيم، وَقَوله: يكونُونَ فِيهَا تَفْسِيره.
وروى عبد بن حميد من طَرِيق مُجَاهِد، قَالَ فِي قَوْله: {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا أَحيَاء وأمواتا} (المرسلات: 52) .
قَالَ يكونُونَ فِيهَا مَا أَرَادوا، ثمَّ يدفنون فِيهَا.
انْتهى.
والكفات من: كفت الشَّيْء أكفته إِذا جمعته وضممته.
قَالَه الزّجاج:.

     وَقَالَ  الْفراء: نكفتهم أَمْوَاتًا فِي بَطنهَا، أَي: نحفظهم ونحرزهم وَنصب الْأَحْيَاء والأموات بِوُقُوع الكفات عَلَيْهِ.
وَفِي (تَفْسِير الطَّبَرِيّ) : كفاتا وعَاء.
وَعَن ابْن عَبَّاس: كُنَّا، وَعَن مُجَاهِد: {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا} (المرسلات: 52) .
قَالَ: نكفت أذاهم وَمَا يخرج مِنْهُم.
وَفِي (الْمُحكم) : كفته وكفته: قَبضه وضمه.
قَالَ: وَعِنْدِي أَن الكفات فِي الْآيَة الْكَرِيمَة مصدر من: كفت.

[ قــ :1334 ... غــ :1389 ]
- حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني سُلَيْمَانُ عنْ هِشَامٍ ح وحدَّثني مُحَمَّدُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا أبُو مَرْوَانَ يَحْيى بنُ أبِي زَكَرِيَّاءَ عنْ هِشَامٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ قالَتْ إنْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَتَعَذَّرُ فِي مَرَضِهِ أيْنَ أَنا اليَوْمَ أيْنَ أَنا غَدا اسْتِبْطَاءً لِيَوْمِ عائِشَةَ فَلَمَّا كانَ يَوْمِي قَبَضَهُ الله بَيْنَ سَحْري ونَحْرِي وَدُفِنَ فِي بَيْتِي..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دفن فِي بَيت عَائِشَة، وَفِيه قَبره، والترجمة فِي قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: إِسْمَاعِيل بن أبي أويس واسْمه عبد الله إِبْنِ أُخْت مَالك بن أنس، وَقد تقدم.
الثَّانِي: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب.
الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير.
الرَّابِع: مُحَمَّد بن حَرْب ضد الصُّلْح أَبُو عبد الله النَّسَائِيّ، بِفَتْح النُّون وبالشين الْمُعْجَمَة، مَاتَ سنة خمس وَخمسين وَمِائَتَيْنِ.
الْخَامِس: أَبُو مَرْوَان يحيى بن أبي زَكَرِيَّا الغساني، مَاتَ سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَة.
السَّادِس: عُرْوَة ابْن الزبير بن الْعَوام.
السَّابِع: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه إِسْمَاعِيل وَسليمَان وَهِشَام وَعُرْوَة مدنيون وَمُحَمّد بن حَرْب شَيْخه واسطي وَيحيى بن أبي زَكَرِيَّا شَامي سكن وَاسِط.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِن كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كلمة: إِن، هَذِه مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة، فَتدخل على الجملتين، فَإِن دخلت على الإسمية جَازَ إعمالها خلافًا للكوفيين.
وَحكى سِيبَوَيْهٍ: إِن عمرا لمنطلقٌ، وَإِن دخلت على الفعلية وَجب إهمالها، وَهَهُنَا دخلت على الفعلية، وَالْأَكْثَر كَون الْفِعْل مَاضِيا.
قَوْله: (ليتعذر) بِالْعينِ الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة أَي: يطْلب الْعذر، فِيمَا يحاوله من الِانْتِقَال إِلَى بَيت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَيُمكن أَن يكون بِمَعْنى: يتعسر، أَي: يتعسر عَلَيْهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الصَّبْر.
وَعند ابْن التِّين فِي رِوَايَة أبي الْحسن: ليتقدر، بِالْقَافِ وَالدَّال الْمُهْملَة.
قَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ يسْأَل عَن قدر مَا بَقِي إِلَى يَوْمهَا ليهون عَلَيْهِ بعض مَا يجد، لِأَن الْمَرِيض يجد عِنْد بعض أَهله مَا لَا يجده عِنْد غَيره من الْأنس والسكون.
قَوْله: (أَيْن أَنا الْيَوْم) أَي: أَيْن أكون فِي هَذَا الْيَوْم، وَأَيْنَ أكون غَدا.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: يُرِيد بقوله: (أَيْن أَنا الْيَوْم) : لمن النّوبَة الْيَوْم؟ وَلمن النّوبَة غَدا؟ أَي: فِي حجرَة أَي امْرَأَة من النِّسَاء أكون غَدا؟ استبطاء ليَوْم عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، يستطيل الْيَوْم اشتياقا إِلَيْهَا وَإِلَى نوبتها.
قَوْله: (فَلَمَّا كَانَ يومي) أَي: فِي النّوبَة.
قَوْله: (بَين سحرِي وَنَحْرِي) السحر، بِفَتْح السِّين وَسُكُون الْحَاء الْمُهْمَلَتَيْنِ: مَا التزق بالحلقوم والمريء من أَعلَى الْبَطن، وَالسحر، بِفتْحَتَيْنِ كَذَلِك وبضم السِّين كَذَلِك، وَالسحر أَيْضا: الرئة، وَالْجمع: سحور، ذكره ابْن سَيّده.
وَذكر ابْن عديس أَيْضا فِي الرئة: سحرًا، بِفتْحَتَيْنِ.
وَفِي (الصِّحَاح) السحر الرئة وَالْجمع أسحار، كبرد وأبراد.
.

     وَقَالَ  الْفراء: السحر أَكثر قَول الْعَرَب السحر والنحر، بالنُّون: الصَّدْر.
.

     وَقَالَ  ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابه (الْغَرِيب) : بَلغنِي عَن عمَارَة بن عقيل بن بِلَال بن جرير أَنه قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شجري وَنَحْرِي، بالشين المنقوطة وَالْجِيم، فَسئلَ عَن ذَلِك فشبك بَين أَصَابِعه وقدمها من صَدره، كَأَنَّهُ يضم شَيْئا إِلَيْهِ، أَرَادَ أَنه قبض وَقد ضمته بِيَدَيْهَا إِلَى نحرها وصدرها، وَالشَّجر التشبيك.
وَفِي (الْمُخَصّص) : الشّجر طرفا اللحيين من أَسْفَل،.
وَقيل: هُوَ مُؤخر الْفَم، وَالْجمع أَشجَار وشجور.

وَيُسْتَفَاد من الحَدِيث فَضِيلَة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَوْله: (وَدفن فِي بَيْتِي) نِسْبَة الْبَيْت إِلَيْهَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: (وَقرن فِي بيوتكن} (الْأَحْزَاب: 33) .
لِأَن الْبيُوت كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.





[ قــ :1335 ... غــ :1390 ]
- حدَّثنا مُوسى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عنْ هِلالٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ لَعَنَ الله اليَهُودَ والنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ لَوْلاَ ذالِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أنَّهُ خَشِيَ أوْ خُشِيَ أنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدا وعنْ هِلالٍ قَالَ كَنَّانِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ ولَمْ يُولَدْ لِي.

.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (أبرز قَبره) ، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْمنْقري، تكَرر ذكره، وَأَبُو عوَانَة، بِفَتْح الْعين: الوضاح بن عبد الله الْيَشْكُرِي، وهلال بن حميد، وَيُقَال ابْن أبي حميد، وَيُقَال ابْن عبد الله الجهيني الْوزان، بِفَتْح الْوَاو وَتَشْديد الزَّاي وبالنون، مر فِي: بابُُ مَا يكره من اتِّخَاذ الْمَسَاجِد، مَعَ الحَدِيث فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عبيد الله بن مُوسَى عَن شَيبَان عَن هِلَال الْوزان عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا فِيهِ الْكِفَايَة.

قَوْله: (لَوْلَا ذَلِك) من كَلَام عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَوْله: (أبرز) ، على صِيغَة الْمَجْهُول أَي: أظهر.
قَوْله: (خشِي) ، على صِيغَة الْمَعْلُوم، أَي: خشِي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (أَو خشِي) على صِيغَة الْمَجْهُول، فالخاشي الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، أَو عَائِشَة، أَو رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وَعَن هِلَال) يَعْنِي: بلإسناد الْمَذْكُور.
قَوْله: (كناني: عُرْوَة) أَي: ابْن الزبير بن الْعَوام الَّذِي روى عَنهُ هَذَا الحَدِيث، وَاخْتلفُوا فِي كنية هِلَال، فَقيل: أَبُو أُميَّة، وَقيل: أَبُو الجهم، وَقيل: أَبُو عَمْرو وَهُوَ الْمَشْهُور، وَمعنى: كناني أَي: جعلني ذَا كنية ونسبني إِلَيْهَا.
وَلَعَلَّ غَرَض البُخَارِيّ بإيراد هَذَا الْكَلَام التَّنْبِيه على لِقَاء هِلَال عُرْوَة.
قَوْله: (وَلم يُولد لي) جملَة حَالية أَي: كناني بكنية وَالْحَال لم يُولد لي ولد، لِأَن الْغَالِب لَا يكنى الشَّخْص إلاَّ باسم أول أَوْلَاده، وَهَذَا كناه وَلَا جَاءَ لَهُ ولد.

وَفِيه: جَوَاز التكنية سَوَاء جَاءَ للمكني ولد أَو لَا، وَقد كنى الشَّارِع عَائِشَة بِابْن أُخْتهَا، عبد الله بن الزبير.

حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا أبُو بَكْرِ بنِ عَيَّاشٍ عنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أنَّهُ حدَّثَهُ أنَّهُ رَأى قَبْرَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسَنَّما
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: مُحَمَّد بن مقَاتل أَبُو الْحسن الْمروزِي المجاور بِمَكَّة.
الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك الْمروزِي.
الثَّالِث: أَبُو بكر بن عَيَّاش، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة وَفِي آخِره شين مُعْجمَة: الْكُوفِي المقرىء الْمُحدث، مَاتَ سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَمِائَة.
الرَّابِع: سُفْيَان بن دِينَار الْكُوفِي التمار، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْمِيم: وَهُوَ من كبار أَتبَاع التَّابِعين، وَقد لحق عصر الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَلم تعرف لَهُ رِوَايَة عَن صَحَابِيّ.
وَفِي (تَارِيخ البُخَارِيّ: سُفْيَان بن زِيَاد، وَيُقَال: ابْن دِينَار التمار الْعُصْفُرِي، وَزعم الْبَاجِيّ: أَن بَعضهم فرق بَين ابْن زِيَاد وَبَين أبي دِينَار، وَزعم أَنه هُوَ الْمَذْكُور عِنْد البُخَارِيّ فِي (الصَّحِيح) ، وكل مِنْهُمَا كُوفِي عصفري، وَلم يروِ البُخَارِيّ عَن أبي دِينَار التمار إلاَّ قَوْله هَذَا، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وروى ابْن أبي شيبَة هَذَا القَوْل، وَزَاد: (وقبر أبي بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، مسنمين) .
وَرَوَاهُ أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : وقبر أبي بكر وَعمر كَذَلِك،.

     وَقَالَ  إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: أَخْبرنِي من رأى قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحبيه مسنمة نَاشِزَة من الأَرْض عَلَيْهَا مرمر أَبيض.
.

     وَقَالَ  الشّعبِيّ، رَحمَه الله تَعَالَى: رَأَيْت قُبُور شُهَدَاء أحد مسنمة، وَكَذَا فعل بِقَبْر عمر وَابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
.

     وَقَالَ  اللَّيْث: حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب أَنه يسْتَحبّ أَن تُسنم الْقُبُور وَلَا ترفع وَلَا يكون عَلَيْهَا تُرَاب كثير، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين وَالثَّوْري وَمَالك وَأحمد، وَاخْتَارَهُ جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة مِنْهُم، الْمُزنِيّ: أَن الْقُبُور تُسنم لِأَنَّهَا أمنع من الْجُلُوس عَلَيْهَا،.

     وَقَالَ  أَشهب وَابْن حبيب: أحب إِلَى أَن يسنم الْقَبْر، وَإِن يرفع فَلَا بَأْس.
.

     وَقَالَ  طَاوُوس: كَانَ يعجبهم أَن يرفع الْقَبْر شَيْئا حَتَّى يعلم أَنه قبر، وَادّعى القَاضِي حُسَيْن اتِّفَاق أَصْحَاب الشَّافِعِي على التسنيم، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ جمَاعَة من قدماء الشَّافِعِيَّة استحبوا التسطيح، كَمَا نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي، وَبِه جزم الْمَاوَرْدِيّ وَآخَرُونَ.
وَفِي (التَّوْضِيح) :.

     وَقَالَ  الشَّافِعِي: تسطح الْقُبُور وَلَا تبنى وَلَا ترفع وَتَكون على وَجه الأَرْض نَحوا من شبر.
قَالَ: وبلغنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سطح قبر ابْنه إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وَوضع عَلَيْهِ الْحَصْبَاء ورش عَلَيْهِ المَاء، وَأَن مَقْبرَة الْأَنْصَار والمهاجرين مسطحة قُبُورهم، وَرُوِيَ عَن مَالك مثله وَاحْتج الشَّافِعِي أَيْضا بِمَا روى التِّرْمِذِيّ عَن أبي الْهياج الْأَسدي، واسْمه: حَيَّان.
قَالَ لي عَليّ: أَلا أَبْعَثك على مَا بَلغنِي عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَن لَا أدع قبرا مشرفا إلاَّ سويته، وَلَا تمثالاً إلاَّ طمسته) .
وَبِمَا روى أَبُو دَاوُد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: دخلت عَليّ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، فَقلت: يَا أُمَّاهُ اكشفي لي قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكشفت لي عَن ثَلَاثَة قُبُور لَا مشرفة وَلَا لاطئة مبطوحة ببطحاء الْعَرَصَة الْحَمْرَاء، فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقدما، وَأَبا بكر رَأسه بَين كَتِفي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعمرا رَأسه عِنْد رجْلي النبيصلى الله عَلَيْهِ وَسلم) .
.

     وَقَالَ  صَاحب (الْهِدَايَة) : ويسنم الْقَبْر من التسنيم، وتسنيمه، رَفعه من الأَرْض، مِقْدَار شبر أَو أَكثر قَلِيلا.
وَفِي (ديوَان الْأَدَب) : يُقَال: قبر مسنم، أَي: غير مسطح، وَبِه قَالَ مُوسَى بن طَلْحَة وَيزِيد بن أبي حبيب، وَالثَّوْري وَاللَّيْث وَمَالك وَأحمد.
وَفِي (الْمُغنِي) : وَاخْتَارَ التسنيم أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ وَأَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة والجويني وَالْغَزالِيّ وَالرُّويَانِيّ والسرخسي، وَذكر القَاضِي حُسَيْن اتِّفَاقهم عَلَيْهِ، وخالفوا الشَّافِعِي فِي ذَلِك، وَالْجَوَاب عَمَّا رَوَاهُ الشَّافِعِي: أَنه ضَعِيف ومرسل وَهُوَ لَا يحْتَج بالمرسل، وَعَما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ: أَن المُرَاد من المشرفة الْمَذْكُورَة فِيهِ هِيَ المبنية الَّتِي يطْلب بهَا المباهاة، وَعَما رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَن رِوَايَة البُخَارِيّ تعارضها.
فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالْبَغوِيّ: وَرِوَايَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد أصح، وَأولى أَن تكون مَحْفُوظَة، قلت: قَالَ صَاحب (اللّبابُُ) : هَذِه كبوة مِنْهُمَا بِمَا رفلا فِيهِ من ثِيَاب التعصب والعناد، وإلاَّ فَأَحْمَد يرجح رِوَايَة أبي دَاوُد على رِوَايَة البُخَارِيّ فِي (صَحِيحه) .
.

     وَقَالَ  صَاحب (الْمُغنِي) : رِوَايَة البُخَارِيّ أصح وَأولى.
.

     وَقَالَ  شمس الْأَئِمَّة السَّرخسِيّ: التربيع من شعار الرافضة،.

     وَقَالَ  ابْن قدامَة: التسطيح هُوَ شعار أهل الْبدع، فَكَانَ مَكْرُوها.
.

     وَقَالَ  الْمُزنِيّ فِي (كتاب الْجَنَائِز) : إِذا ثَبت أحد الْخَبَرَيْنِ المسطح أَو المسنم فَأشبه الْأَمريْنِ بِالْمَيتِ مَا لَا يشبه المصانع ليجلس عَلَيْهِ، والمسطح يشبه مَا يصنع للجلوس، وَلَيْسَ المسنم هُوَ مَوضِع الْجُلُوس، وَقد نهى عَن الْجُلُوس على الْقُبُور.
.

     وَقَالَ  الْمُزنِيّ؛ وَفِي التسنيم منع الْجُلُوس فَهُوَ أمنع من أَن يجلس عَلَيْهَا، وأشبه بِأَمْر الْآخِرَة، وَلَكِن لَا يُزَاد فِيهِ أَكثر من ترابه، وَيعلم ليعرف فيدعى لَهُ،.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَقَول سُفْيَان التمار لَا حجَّة فِيهِ، كَمَا قَالَه الْبَيْهَقِيّ لاحْتِمَال أَن قَبره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن فِي الأول مسنما، ثمَّ ذكر مَا ذَكرْنَاهُ عَن أبي دَاوُد.
قلت: قد أبعد عَن مَنْهَج الصَّوَاب من يحْتَج بالإحتمال، مَعَ أَن هَذَا الْقَائِل لَا يقدم شَيْئا على رِوَايَة البُخَارِيّ، وَعند قيام التعصب يحيد عَن ذَلِك، ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل: ثمَّ الإختلاف فِي ذَلِك أَيهمَا أفضل لَا فِي أصل الْجَوَاز، ثمَّ قَالَ: ويرجح التسطيح مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث فضَالة بن عبيد أَنه مر بِقَبْر فسوي، ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَأْمر بتسويتها قلت: إِنَّمَا أَمر بالتسوية لأجل الْبناء الَّذِي يبْنى عَلَيْهَا، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ للمباهاة كَمَا ذكرنَا، وَذكر الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مَحْمُود بن النجار فِي كِتَابه (الدرة الثمينة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة) : أَن قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقبر صَاحِبيهِ فِي صفة بَيت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
قَالَ: وَفِي الْبَيْت مَوضِع قبر فِي السهوة المشرفة، قَالَ سعيد بن الْمسيب: فِيهِ يدْفن عِيسَى ابْن مَرْيَم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَعَن عبد الله بن سَلام، قَالَ: يدْفن عِيسَى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيكون قَبره رَابِعا.
وَعَن عُثْمَان بن نسطاس، قَالَ: رَأَيْت قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما هَدمه عمر بن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مرتفعا نَحْو أَرْبَعَة أَصَابِع، وَرَأَيْت قبر أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرَاء قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقبر عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَسْفَل مِنْهُ، وَعَن عمْرَة عَن عَائِشَة، قَالَت: رَأس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا يَلِي الْمغرب، وَرَأس أبي بكر عِنْد رجلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعمر خلف ظهر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن نَافِع بن أبي نعيم قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمامهما إِلَى الْقبْلَة مقدما ثمَّ قبر أبي بكر حذاء مَنْكِبي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقبر عمر حذاء مَنْكِبي أبي بكر، وَعَن مُحَمَّد بن الْمُبَارك.
قَالَ: قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا، وقبر أبي بكر خَلفه، وقبر عمر عِنْد رجْلي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
.

     وَقَالَ  ابْن عقيل: قبر أبي بكر عِنْد رجلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وقبر عمر عِنْد رجْلي أبي بكر.
.

     وَقَالَ  ابْن التِّين: يُقَال: إِن أَبَا بكر خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد جَازَ ملحده ملحد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَأس عمر عِنْد رجْلي أبي بكر قد حازت رِجْلَاهُ رجْلي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ذكرت فِي صفة قُبُورهم أَقْوَال فالأكثر هَكَذَا.
وَقد استدلت جمَاعَة على فَضِيلَة الشَّيْخَيْنِ بمجاورتهما ملحده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولقرب طينهما من طينه، لما فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي الحبشي الْمَذْكُور فِي أَوَائِل الْبابُُ، وَله شَوَاهِد أَكْثَرهَا صَحِيحَة.
مِنْهَا: حَدِيث جُنْدُب بن سُفْيَان يرفعهُ: (إِذا أَرَادَ الله قبض عبد بِأَرْض جعل لَهُ بهَا حَاجَة) .
وَحَدِيث ابْن مَسْعُود ومطرز بن مكامس وَعُرْوَة بن مُضرس بِنَحْوِهِ.
وَفِي (الْحِلْية) لأبي نعيم الْحَافِظ: عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا من مَوْلُود إلاَّ وَقد ذَر عَلَيْهِ من تُرَاب حفرته) .
.

     وَقَالَ : هَذَا حَدِيث غَرِيب.
وَفِي (نَوَادِر الْأُصُول) للحكيم أبي عبد الله التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مرّة الطّيب عَن عبد الله بن مَسْعُود (أَن الْملك الْمُوكل بالرحم يَأْخُذ النُّطْفَة فيعجنها بِالتُّرَابِ الَّذِي يدْفن فِي بقعته، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم} (طه: 55) .
وَفِي (التَّمْهِيد) من حَدِيث عبد الْوَهَّاب بن عَطاء الْخفاف: حَدثنَا أبي عَن دَاوُد بن أبي هِنْد حَدثنِي عَطاء الْخُرَاسَانِي: (أَن الْملك ينْطَلق فَيَأْخُذ من تُرَاب الْمَكَان الَّذِي يدْفن فِيهِ، فيذره على النُّطْفَة فتخلق من التُّرَاب، وَمن النُّطْفَة، فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم وَمِنْهَا نخرجكم تَارَة أُخْرَى} (طه: 55) .
وَعند التِّرْمِذِيّ أبي عبد الله، قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: لَو حَلَفت حَلَفت صَادِقا بارا غير شاكٍ وَلَا مستثن أَن الله تَعَالَى مَا خلق نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أَبَا بكر وَلَا عمر إلاَّ من طِينَة وَاحِدَة، ثمَّ ردهم إِلَى تِلْكَ الطينة.


حدَّثنافَرْوَةُ قَالَ حدَّثنا علِيٌّ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ لَمَّا سَقَطَ عَلَيْهِمُ الحَائِطَ فِي زَمَانِ الوَلِيدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ أخَذُوا فِي بِنَائِهِ فَبَدَتْ لَهُمْ قَدَمٌ فَفَزِعُوا وظَنُّوا أنَّهَا قَدَمُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا وَجَدُوا أحَدا يَعْلَمُ ذالِكَ حَتَّى قَالَ لَهُمْ عُرْوَةُ لاَ وَالله مَا هِيَ قَدَمُ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هِيَ إلاَّ قَدَمُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.





[ قــ :1338 ... غــ :1391 ]
- وعَنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّهَا أوْصَتْ عَبْدَ الله بنَ الزُّبَيْرِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لاَ تَدْفِنِّي مَعَهُمْ وَادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي بِالْبَقِيعِ لَا أُزَكَّى بِهِ أبَدا.

(الحَدِيث 1931 طرفه فِي: 737) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن حَائِط مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سقط وبدا قدم ففزعوا وظنوا أَنَّهَا قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم تكن إلاَّ قدم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، دلّ هَذَا على قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الْقَبْر، والترجمة فِي قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: فَرْوَة، بِفَتْح الْفَاء وَسُكُون الرَّاء: ابْن أبي المغراء، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة وبالراء وبالمد وبالقصر: أَبُو الْقَاسِم.
الثَّانِي: عَليّ بن مسْهر، بِضَم الْمِيم: مر فِي مُبَاشرَة الْحَائِض.
الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة.
الرَّابِع: أَبوهُ عُرْوَة.
الْخَامِس: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين.
وَفِيه: العنعنة فِي خَمْسَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده روى عَنهُ،.

     وَقَالَ : مَاتَ سنة خمس وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ وَشَيْخه كوفيان وَهِشَام وَأَبوهُ مدنيان.
وَفِيه: حَدثنَا عَليّ بن حُسَيْن فِي رِوَايَة أبي ذَر، كَذَا هُوَ مَذْكُور باسم أَبِيه، وَفِي رِوَايَة غَيره لم يذكر اسْم أَبِيه.

ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لما سقط عَلَيْهِم الْحَائِط) أَي: حَائِط حجرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ: (لما سقط عَنْهُم) ، وَالسَّبَب فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو بكر الْآجُرِيّ من طَرِيق شُعَيْب بن إِسْحَاق عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ أَخْبرنِي قَالَ: كَانَ النَّاس يصلونَ إِلَى الْقَبْر فَأمر بِهِ عمر بن عبد الْعَزِيز فَرفع حَتَّى لَا يُصَلِّي إِلَيْهِ أحد، فَلَمَّا هدم بَدَت قدم بساق وركبة، فَفَزعَ عمر بن عبد الْعَزِيز فَأَتَاهُ عُرْوَة فَقَالَ: هَذَا سَاق عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وركبته، فَسرِّي عَن عمر بن عبد الْعَزِيز: وروى الْآجُرِيّ من طَرِيق مَالك بن مغول عَن رَجَاء بن حَيْوَة قَالَ: كتب الْوَلِيد بن عبد الْملك إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز، وَكَانَ قد اشْترى حجر أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن أهدمها ووسع بهَا الْمَسْجِد، فَقعدَ عمر فِي نَاحيَة ثمَّ أَمر بهدمها، فَمَا رَأَيْت باكيا أَكثر من يَوْمئِذٍ، ثمَّ بناه كَمَا أَرَادَ، فَلَمَّا أَن بنى الْبَيْت على الْقَبْر وَهدم الْبَيْت الأول ظَهرت الْقُبُور الثَّلَاثَة، وَكَانَ الرمل الَّذِي عَلَيْهَا قد انهار، فَفَزعَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَأَرَادَ أَن يقوم فيسويها بِنَفسِهِ، فَقلت لَهُ: أصلحك الله، إِنَّك إِن قُمْت قَامَ النَّاس مَعَك، فَلَو أمرت رجلا أَن يصلحها، ورجوت أَنه يَأْمُرنِي بذلك، فَقَالَ: يَا مُزَاحم يَعْنِي مَوْلَاهُ قُم فأصلحها.
قَالَ رَجَاء: فَكَانَ قبر أبي بكر عِنْد وسط النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعمر خلف أبي بكر رَأسه عِنْد وَسطه.
وَفِي (الإكليل) : عَن وردان، وَهُوَ الَّذِي بني بَيت عَائِشَة: لما سقط شقَّه الشَّرْقِي فِي أَيَّام عمر بن عبد الْعَزِيز، وَإِن الْقَدَمَيْنِ لما بدتا قَالَ سَالم بن عبد الله: أَيهَا الْأَمِير هَذَانِ قدما جدي وَجدك عمر.
.

     وَقَالَ  أَبُو الْفرج الْأمَوِي فِي (تَارِيخه) : وردان هَذَا هُوَ أَبُو امْرَأَة أشعب الطماع، وَفِي (الطَّبَقَات) قَالَ مَالك: قسم بَيت عَائِشَة ثَلَاثِينَ: قسم كَانَ فِيهِ الْقَبْر، وَقسم كَانَ تكون فِيهِ عَائِشَة وَبَينهمَا حَائِط، فَكَانَت عَائِشَة رُبمَا دخلت جنب الْقَبْر فصلا، فَلَمَّا دفن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم تدخله إلاَّ وَهِي جَامِعَة عَلَيْهَا ثِيَابهَا.
.

     وَقَالَ  عَمْرو بن دِينَار وَعبيد الله ابْن أبي يزِيد: لم يكن على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَائِط، فَكَانَ أول من بنى عَلَيْهِ جدارا عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ عبيد الله: كَانَ جِدَاره قَصِيرا، ثمَّ بناه عبد الله بن الزبير وَزَاد فِيهِ.
وَفِي (الدرة الثمينة) لِابْنِ النجار: سقط جِدَار الْحُجْرَة مِمَّا يَلِي مَوضِع الْجَنَائِز فِي زمَان عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فظهرت الْقُبُور، فَمَا رُؤِيَ باكيا أَكثر من يَوْمئِذٍ فَأمر عمر بقباطي يستر بهَا الْموضع، وَأمر ابْن وردان أَن يكْشف عَن الأساس، فَلَمَّا بَدَت القدمان قَامَ عمر فَزعًا، فَقَالَ لَهُ عبيد الله بن عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَكَانَ حَاضرا: أَيهَا الْأَمِير لَا تفزع فهما قدما جدك عمر، ضَاقَ الْبَيْت عَنهُ فحفر لَهُ فِي الأساس، فَقَالَ لَهُ عمر: يَا ابْن وردان غطِّ مَا رَأَيْت، فَفعل.
وَفِي رِوَايَة: أَن عمر أَمر أَبَا حَفْصَة، مولى عَائِشَة وناسا مَعَه، فبنوا الْجِدَار وَجعلُوا فِيهِ كوَّة، فَلَمَّا فرغوا مِنْهُ ورفعوه دخل مُزَاحم مولى عمر فَقُمْ مَا سقط على الْقَبْر من التُّرَاب وَبنى عمر على الْحُجْرَة حاجزا فِي سقف الْمَسْجِد إِلَى الأَرْض، وَصَارَت الْحُجْرَة فِي وَسطه وَهُوَ على دورانها، فَلَمَّا ولي المتَوَكل أزرها بالرخام من حولهَا، فَلَمَّا كَانَ سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة، فِي خلَافَة المقتفي، جدد التأزير وَجعل قامة وبسطة، وَعمل لَهَا شباكا من الصندل والأبنوس وأداره حولهَا مِمَّا يَلِي السّقف، ثمَّ إِن الْحسن بن أبي الهيجا، صهر الصَّالح وَزِير المصريين، عمل لَهَا ستارة من الديبقي الْأَبْيَض مرقومة بالإبريسيم الْأَصْفَر والأحمر، ثمَّ جَاءَت من المستضيء بِأَمْر الله ستارة من الإبريسيم البنفسجي وعَلى دوران حاماتها مرقوم: أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، ثمَّ شيلت تِلْكَ ونفذت إِلَى مشْهد عَليّ بن أبي طَالب، وعلقت هَذِه.
ثمَّ إِن النَّاصِر لدين الله نفذ ستارة من الإبريسيم الْأسود وطرزها وحاماتها أَبيض، فعلقت فَوق تِلْكَ، ثمَّ لما حجت الْجِهَة الخليفية عملت ستارة على شكل الْمَذْكُورَة ونفذتها فعلقت.
قَوْله: (فِي زمَان الْوَلِيد بن عبد الْملك) بِفَتْح الْوَاو وَكسر اللَّام، وجده مَرْوَان بن الحكم ولي الْأَمر بعد موت عبد الْملك فِي سنة سِتّ وَثَمَانِينَ، وَكَانَ أكبر ولد عبد الْملك، وَكَانَت خِلَافَته تسع سِنِين وَثَمَانِية أشهر على الْمَشْهُور، وَكَانَت وَفَاته يَوْم السبت منتصف جُمَادَى الْآخِرَة من سنة سِتّ وَتِسْعين بِدِمَشْق بدير مَرْوَان، وَصلى عَلَيْهِ عمر بن عبد الْعَزِيز، وَحمل على أَعْنَاق الرِّجَال وَدفن بمقابر بابُُ الصَّغِير، وَقيل: بِبابُُ الفراديس، ثمَّ بعد وَفَاته بُويِعَ بالخلافة لِأَخِيهِ سُلَيْمَان بن عبد الْملك، وَكَانَ سُلَيْمَان بالرملة.
قَوْله: (فبدت لَهُم قدم) أَي: ظَهرت من البدو وَهُوَ الظُّهُور.
قَوْله: (وَعَن هِشَام عَن أَبِيه) هُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا مُسْندًا فِي الِاعْتِصَام عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام بِزِيَادَة، وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عَبدة عَن هِشَام وَزَاد فِيهِ: (وَكَانَ فِي بَيتهَا مَوضِع قبر) .
قَوْله: (لَا تدفني مَعَهم) أَي: مَعَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر وَعمر، وَإِنَّمَا قَالَت ذَلِك مَعَ أَنه بَقِي فِي الْبَيْت مَوضِع لَيْسَ فِيهِ أحد خوفًا من أَن يَجْعَل لَهَا بذلك مزية فضل.
وَفِي (التكملة) لِابْنِ الْأَبَّار، من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الله الْعمريّ: حَدثنَا شُعَيْب بن طَلْحَة من ولد أبي بكر عَن أَبِيه عَن جده (عَن عَائِشَة قَالَ: قَالَت للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لَا أَرَانِي إلاَّ سأكون بعْدك فتأذن لي أَن أدفن إِلَى جَانِبك؟ قَالَ: وأنى لَك، ذَلِك الْموضع مَا فِيهِ إلاَّ قَبْرِي وقبر أبي بكر وَعمر، وَفِيه عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام.
فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا قَوْلهَا لما طلب مِنْهَا أَن يدْفن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَعَهُمَا أردْت لنَفْسي قلت: قيل: لِأَن ظَاهره أَن الْبَيْت لَيْسَ فِيهِ غير مَوضِع عمر.
وَقيل: كَانَ ظنا من عَائِشَة.
وَقيل: كَانَ اجتهادها فِي ذَلِك تغير.
وَقيل: إِنَّمَا قَالَت ذَلِك قبل أَن يَقع لَهَا مَا وَقع فِي قَضِيَّة الْجمل، فاستحت بعد ذَلِك أَن تدفن هُنَاكَ.
.

     وَقَالَ  قَالَ عَنْهَا عمار بن يَاسر، وَهُوَ أحد من حاربها يَوْمئِذٍ: إِنَّهَا زَوْجَة نَبِيكُم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة.
قلت: إِذا صَحَّ مَا رَوَاهُ ابْن الْأَبَّار فَهُوَ جَوَاب قَاطع.
قَوْله: (وادفني مَعَ صواحبي) أَرَادَت بذلك بَقِيَّة نسَاء النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، المدفونات فِي البقيع.
قَوْله: (لَا أزكى بِهِ أبدا) أَي: لَا يثنى عَليّ بِسَبَبِهِ، و: أزكى، على صِيغَة الْمَجْهُول من التَّزْكِيَة.
قَالَ ابْن بطال: فِيهِ معنى التَّوَاضُع، كرهت عَائِشَة أَن يُقَال: إِنَّهَا مدفونة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيكون فِي ذَلِك تَعْظِيمًا لَهَا.





[ قــ :1339 ... غــ :139 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ قَالَ حدَّثنا جَرِيرُ بنُ عَبْدِ الحَمِيدِ قَالَ حدَّثنا حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ الأوْدِيِّ.
قَالَ رَأيْتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ.
قَالَ يَا عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ اذْهَبْ إلَى أُمِّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فَقُلْ يَقْرَأُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عَلَيْكِ السَّلاَمَ ثُمَّ سَلْهَا أنْ أُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيَّ قالَتْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي فَلأُوثِرَنَّهُ اليَوْمَ عَلَى نَفْسِي فَلَمَّا أقْبَلَ قَالَ لَهُ مَا لَدَيْكَ قَالَ أذِنَتْ لَكَ يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ مَا كانَ شَيءٌ أهَمَّ إلَيَّ مِنْ ذالِكَ الْمَضْجَعِ فإذَا قُبِضْتُ فاحْمِلُونِي ثُمَّ سَلِّمُوا ثُمَّ قُلْ يَسْتَأذِنُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فإنْ أذِنَتْ لِي فادْفِنُونِي وَإلاَّ فَرُدُّونِي إلَى مقَابِرِ المُسْلِمِينَ إنِّي لاَ أعْلَمُ أحَدا أحَقَّ بِهاذَا الأمْرِ مِنْ هاؤُلاَءِ النَّفر الَّذِيَ تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ عَنْهُمْ رَاض فَمَنِ اسْتَخْلَفُوا بَعْدِي فَهْوَ الخَلِيفَةُ فاسْمَعُوا لَهُ وأطِيعُوا فَسَمَّى عُثْمَانَ وعَلِيَّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَعَبْدَ الرَّحْمانِ بنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بنَ أبِي وَقَّاصٍ وَوَلَجَ عَلَيْهِ شابٌّ مِنَ الأنْصَارِ فَقَالَ أبْشِرْ يَا أمِيرَ المُؤمِنِينَ بِبُشْرَى الله كانَ لَكَ مِنَ القَدَمِ فِي الإسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتُ ثُمَّ اسْتُخْلِفْتَ فَعَدَلْتَ ثُمَّ الشَّهَادَةُ بَعْدَ هاذا كُلِّهِ فَقَالَ لَيْتنِي يَا ابنَ أخِي وَذالِكَ كَفافٌ لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي أُوصِي الخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بالمُهَاجِرِينَ الأوَّلِينَ خَيْرا أنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَأنْ يَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالأنْصَارِ خَيْرا الذِينَ تَبَوَّؤا الدَّارَ وَالإيمَانَ أنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِيهِمْ ويُعْفَى عنْ مُسِيئِهِمْ وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ الله وذِمَّةِ رسولهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَأنْ لاَ يُكَلَّفُوا فَوْقَ طاقَتِهِمْ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَضِيَّة عمر بن الْخطاب، لِأَن فِيهَا السُّؤَال بِأَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ، وهما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَمَا ذَاك إلاَّ فِي قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والترجمة فِي.

ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: قُتَيْبَة بن سعيد، وَقد تكَرر ذكره.
الثَّانِي: جرير، بِالْجِيم: ابْن عبد الحميد، مر فِي: بابُُ من جعل لأهل الْعلم أَيَّامًا.
الثَّالِث: حُصَيْن، بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالنون، مر فِي كتاب الصَّلَاة.
الرَّابِع: عَمْرو بن مَيْمُون الأودي، بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الْوَاو وبالدال الْمُهْملَة: نِسْبَة إِلَى أود بن صَعب بن سعد الْعَشِيرَة بن مذْحج، أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَلم يلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسمع عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَثَّقَهُ يحيى وَغَيره، مَاتَ سنة خمس وَسبعين.
ذكر مَعْنَاهُ: هَذَا الَّذِي ذكره عَمْرو بن مَيْمُون قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل سَيَأْتِي فِي مَنَاقِب عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله: (أَن أدفن، على صِيغَة الْمَجْهُول، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة.
قَوْله: (مَعَ صَاحِبي) ، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء، وَأَصله صاحبين لي، فَلَمَّا أضيف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم سَقَطت النُّون، وَأَرَادَ بصاحبيه: النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَبا بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (كنت أريده) أَي: كنت أُرِيد الدّفن مَعَ صَاحِبيهِ، قَوْله: (فلأوثرنه) من الإيثار، يُقَال: آثرت فلَانا على نَفسِي، إِذا اخْتَارَهُ على نَفسه وفضله عَلَيْهِ.
قَوْله: (فَلَمَّا أقبل) أَي: عبد الله بن عمر.
قَوْله: (مَا لديك؟) أَي: مَا عنْدك من الْخَبَر؟ قَوْله: (أَذِنت لَك) أَي: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، أَذِنت لَهُ بالدفن مَعَ صَاحِبيهِ.
قَوْله: (من ذَلِك المضجع) ، أَرَادَ بِهِ مَضْجَع النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومضجع أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (فَإِذا قبضت) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (وإلاَّ) أَي: وَإِن لم تأذنِ لي.
قَوْله: (إِنِّي لَا أعلم.
.
) إِلَى آخِره من جملَة وَصيته، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
قَوْله: (بِهَذَا الْأَمر) ، أَرَادَ بِهِ الْخلَافَة.
قَوْله: (من هَؤُلَاءِ النَّفر؟) النَّفر: عدَّة رجال من الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة.
قَوْله: (وَهُوَ عَنْهُم راضٍ) ، جملَة حَالية.
قَوْله: (فَمن استخلفوا) ، أَي: فَمن اسْتَخْلَفَهُ هَؤُلَاءِ النَّفر المذكورون فَهُوَ الْخَلِيفَة، أَي: فَهُوَ أَحَق بالخلافة، قَوْله: (فَسمى عُثْمَان) إِلَى آخِره، إِنَّمَا لم يذكر أَبَا عُبَيْدَة لِأَنَّهُ كَانَ قد مَاتَ، وَلم يذكر سعيد ابْن زيد لِأَنَّهُ كَانَ غَائِبا، قَالَ بَعضهم: لم يذكرهُ لِأَنَّهُ كَانَ قَرِيبه وصهره، فَفعل كَمَا فعل بِهِ عبد الله بن عمر.
قَوْله: (وولج عَلَيْهِ) أَي: دخل، من ولج يلج ولوجا.
قَوْله: (كَانَ لَك من الْقدَم) ، بِكَسْر الْقَاف وَفتح الدَّال، ويروى بِفَتْح الْقَاف: وَهُوَ السَّابِقَة فِي الْأَمر، يُقَال: لفُلَان قدم صدق، أَي: إثرة حَسَنَة، وَلَو صحت الرِّوَايَة بِالْكَسْرِ فَالْمَعْنى صَحِيح أَيْضا.
قَوْله: (ثمَّ اسْتخْلفت) على صِيغَة الْمَجْهُول.
قَوْله: (ثمَّ الشَّهَادَة) أَي: ثمَّ جاءتك الشَّهَادَة، فَيكون ارْتِفَاع: الشَّهَادَة، على أَنه فَاعل فعل مَحْذُوف، وَذَلِكَ أَنه قَتله علج يُسمى فَيْرُوز وكنيته أَبُو لؤلؤة، وَكَانَ غُلَاما للْمُغِيرَة بن شُعْبَة، وَكَانَ يدَّعي الْإِسْلَام، وَسَببه أَنه قَالَ لعمر: ألاَ تكلم مولَايَ يضع عني من خراجي؟ قَالَ: كم خراجك؟ قَالَ: دِينَار.
قَالَ: مَا أرى أَن أفعل، إِنَّك عَامل محسن وَمَا هَذَا بِكَثِير، فَغَضب مِنْهُ، فَلَمَّا خرج عمر إِلَى النَّاس لصَلَاة الصُّبْح جَاءَ عَدو الله فطعنه بسكين مَسْمُومَة ذَات طرفين فَقتله،.

     وَقَالَ  الْوَاقِدِيّ: طعن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَوْم الْأَرْبَعَاء لأَرْبَع ليالٍ بَقينَ من ذِي الْحجَّة سنة ثَلَاثَة وَعشْرين، وَدفن يَوْم الْأَحَد صباح هِلَال الْمحرم سنة أَربع وَعشْرين، وَكَانَ عمره يَوْم مَاتَ سِتِّينَ سنة، وَقيل: ثَلَاثًا وَسِتِّينَ، وَقيل: إِحْدَى وَسِتِّينَ، وَقيل: سِتَّة وَسِتِّينَ، وَكَانَت خِلَافَته عشر سِنِين وَخَمْسَة أشهر، وَإِحْدَى وَعشْرين لَيْلَة من متوفى أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَه الْوَاقِدِيّ.
فَإِن قلت: الشَّهِيد من قتل فِي قتال الْكفَّار على قَول الشَّافِعِيَّة، وعَلى قَول الْحَنَفِيَّة: من قتل ظلما وَلم يجب بقتْله دِيَة أَيْضا قلت: أما على قَوْلهم: فَإِنَّهُ كالشهيد فِي ثَوَاب الْآخِرَة، وَأما على قَوْلنَا فَإِنَّهُ قتل ظلما وَوَجَب الْقصاص على قَاتله، فَهُوَ شَهِيد حَقِيقَة.
فَإِن قلت: بالإرتثاث تسْقط الشَّهَادَة.
قلت: هُوَ قتل لأجل كلمة الْحق، وَالْقَوْل بِكَلِمَة الْحق من الدّين، وورود: (من قتل دون دينه فَهُوَ شَهِيد) .
قَوْله: (لَيْتَني) جَوَاب هُوَ قَوْله: (وَلَا عليَّ) أَي: لَيْتَني لَا عِقَاب عَليّ وَلَا ثَوَاب لي فِيهِ: أَي: أَتَمَنَّى أَن أكون رَأْسا بِرَأْس فِي أَمر الْخلَافَة، ويروى: وَلَا ليا، بإلحاق ألف الْإِطْلَاق فِي آخِره.
قَوْله: (كفاف) بِفَتْح الْكَاف بِمَعْنى الْمثل، قَالَه الْكرْمَانِي قلت: مَعْنَاهُ: أَن أَمر الْخلَافَة مكفوف عني شَرها، وَقيل: مَعْنَاهُ إِن لَا تنَال مني وَلَا أنال مِنْهَا، أَي: تكف عني وأكف عَنْهَا، والكفاف فِي الأَصْل هُوَ الَّذِي لَا يفضل عَن الشَّيْء وَيكون بِقدر الْحَاجة إِلَيْهِ، وإرتفاعه على أَنه خبر مُبْتَدأ، وَهُوَ قَوْله ذَلِك، وَهُوَ إِشَارَة إِلَى أَمر الْخلَافَة، وَهَذِه الْجُمْلَة مُعْتَرضَة بَين: لَيْت وخبرها، قَوْله: (أَن يعرف لَهُم) ، تَفْسِير لقَوْله: (خيرا) وَبَيَان لَهُ.
قَوْله: (بالمهاجرين الْأَوليين) وهم الَّذين هَاجرُوا قبل بيعَة الرضْوَان، أَو الَّذين صلوا إِلَى الْقبْلَتَيْنِ، أَو الَّذين شهدُوا بَدْرًا.
قَوْله: (وأوصيه بالأنصار الَّذين تبوأوا الدَّار) ، قد وَقع هُنَا خيرا بَين الصّفة والموصوف، وَوجه جَوَازه أَن مَجْمُوع الْكَلَام يدل على مَا تقدم، وَالْمرَاد من الدَّار: الْمَدِينَة، قدمهَا عَمْرو بن عَامر حِين رأى بسد مأرب مَا دله على فَسَاده فَاتخذ الْمَدِينَة وطنا لما أَرَادَ الله من كَرَامَة الْأَنْصَار لنصرة نبيه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَبِالْإِسْلَامِ.
قَوْله: (وَالْإِيمَان) ، قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: الْإِيمَان اسْم من أَسمَاء الْمَدِينَة، فَإِن لم يكن كَذَلِك فَيحمل أَن يُرِيد: تبوأوا الدَّار وَأَجَابُوا إِلَى الْإِيمَان من قبل أَن يهاجروا إِلَيْهِم.
قَوْله: (أَن يقبل) بدل من قَوْله: (خيرا) .
وَمَعْنَاهُ: يفعل بهم من التلطف وَالْبر مَا كَانَ يَفْعَله الرَّسُول والخليفتان بعده.
قَوْله: (ويُعفَى عَن مسيئهم) ، يَعْنِي: مَا دون الْحُدُود وَحُقُوق النَّاس.
قَوْله: (بِذِمَّة الله) ، أَي: بعهده وبذمة رَسُوله، وَيُقَال: بِذِمَّة الله، يَعْنِي بِأَهْل ذمَّة الله، وهم عَامَّة الْمُؤمنِينَ، لِأَن كلهم فِي ذمتهما، وَهَذَا تَعْمِيم بعد تَخْصِيص.
قَوْله: (من ورائهم) ، الوراء بِمَعْنى الْخلف، وَقد يكون بِمَعْنى القدام وَهُوَ من الأضداد.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: الْحِرْص على مجاورة الصَّالِحين فِي الْقُبُور طَمَعا فِي إِصَابَة الرَّحْمَة إِذا نزلت عَلَيْهِم، وَفِي دُعَاء من يزورهم من أهل الْخَيْر.
وَفِيه: أَن من وعد عدَّة جَازَ لَهُ الرُّجُوع فِيهَا وَلَا يلْزم بِالْوَفَاءِ.
وَفِيه: أَن من بعث رَسُولا فِي حَاجَة مهمة أَن لَهُ أَن يسْأَل الرَّسُول قبل وُصُوله إِلَيْهِ، وَلَا يعد ذَلِك من قلَّة الصَّبْر، بل من الْحِرْص على الْخَيْر.
وَفِيه: أَن الْخلَافَة بعد عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، شُورَى.
وَفِيه: التَّعْزِيَة لمن يحضرهُ الْمَوْت بِمَا يذكر من صَالح عمله.