فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء؟

(بابُُ هَلْ يُؤَذِّنُ أوْ يُقِيمُ إذَا جَمَعَ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشاءِ)

أَي: هَذَا بابُُ يذكر فِيهِ: هَل يُؤذن الْمُصَلِّي الْمُسَافِر إِذا جمع بَين صَلَاتي الْمغرب وَالْعشَاء؟ فَإِن قلت: مَا فِي حَدِيث ابْن عمر ذكر الْأَذَان وَلَا فِي حَدِيث أنس ذكر الْأَذَان وَلَا ذكر الْإِقَامَة، فَكيف وَجه هَذِه التَّرْجَمَة؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي مَا حَاصله: إِن من إِطْلَاق لفظ الصَّلَاتَيْنِ يُسْتَفَاد أَن المُرَاد هما الصَّلَاتَان بأركانهما وشروطهما وسننهما من الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَغَيرهمَا، لِأَن الْمُطلق ينْصَرف إِلَى الْكَامِل.

     وَقَالَ  ابْن بطال: قَوْله: يُقيم، يَعْنِي فِي حَدِيث ابْن عمر، يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: بِمَا تُقَام بِهِ الصَّلَوَات فِي أَوْقَاتهَا من الْأَذَان وَالْإِقَامَة، وَيحْتَمل أَن يُرِيد الْإِقَامَة وَحدهَا، وَيُقَال: لم يرد بقوله: يُقيم نفس الْأَدَاء، وَإِنَّمَا أَرَادَ يُقيم للمغرب يَعْنِي يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ لَهَا، فعلى هَذَا كَانَ مُرَاده بالترجمة: هَل يُؤذن أَو يقْتَصر على الْإِقَامَة؟.

     وَقَالَ  بَعضهم: وَلَعَلَّ المُصَنّف أَشَارَ بذلك إِلَى مَا ورد فِي بعض طرق حَدِيث ابْن عمر، فَفِي الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق عمر بن مُحَمَّد بن زيد عَن نَافِع (عَن ابْن عمر فِي قصَّة جمعه بَين الْمغرب وَالْعشَاء، فَنزل فَأَقَامَ الصَّلَاة، وَكَانَ لَا يُنَادي بِشَيْء من الصَّلَاة فِي السّفر، فَقَامَ فَجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء) ، ثمَّ رفع الحَدِيث قلت: هَذَا كَلَام بعيد، لِأَنَّهُ كَيفَ يضع تَرْجَمَة وَحَدِيث بابُُهَا لَا يدل عَلَيْهِ صَرِيحًا وَيُشِير بذلك إِلَى حَدِيث لَيْسَ فِي كِتَابه.



[ قــ :1071 ... غــ :1109 ]
- حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي سالِمٌ عَنْ عَبْدِ الله ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قالَ رأيْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا أعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلاَةَ المَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وبَيْنَ العِشَاءِ قَالَ سالِمٌ وكانَ عَبْدُ الله يَفْعَلُهُ إذَا أعْجَلَهُ السَّيْرُ ويُقِيمُ المَغْرِبَ فيُصَلِّيِهَا ثَلاَثا ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ العِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ ولاَ يُسَبِّحُ بَيْنَهُمَا بِرَكْعةٍ وَلاَ بَعْدَ لعِشَاءِ بِسَجْدَةٍ حتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تستأنس مِمَّا ذَكرْنَاهُ آنِفا، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مَعَ صدر الحَدِيث قد ذكره فِي أول: بابُُ يُصَلِّي الْمغرب ثَلَاثًا فِي السّفر فَإِنَّهُ قَالَ هُنَاكَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان وَهُوَ الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم، قَالَ: أَخْبرنِي سَالم.
.
إِلَى قَوْله: وَزَاد اللَّيْث نَحوه.
قَوْله: (يُؤَخر صَلَاة الْمغرب) ، لم يبين إِلَى مَتى يُؤَخر، وَقد بَينه مُسلم من طَرِيق عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِأَنَّهُ بعد أَن يغيب الشَّفق، وَقد ذكرنَا اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِيهِ، وَبينا أَن الشَّفق على نَوْعَيْنِ وَمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا.
قَوْله: (ثمَّ قَلما يلبث) كلمة: مَا، للمدة أَي: ثمَّ قل مُدَّة لبثه، وَذَلِكَ اللّّبْث لقَضَاء بعض حَوَائِجه مِمَّا هُوَ ضَرُورِيّ.
قَوْله: (وَلَا يسبح بَينهمَا) أَي: وَلَا يتَنَفَّل بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِرَكْعَة، وَأَرَادَ بهَا الرَّكْعَتَيْنِ من بابُُ إِطْلَاق الْجُزْء على الْكل.
قَوْله: (وَلَا بعد الْعشَاء) أَي: وَلَا يسبح أَيْضا بعد صَلَاة الْعشَاء بِسَجْدَة أَي: بِرَكْعَتَيْنِ من بابُُ إِطْلَاق الْجُزْء على الْكل.
كَمَا فِي قَوْله: (بِرَكْعَة) .
قَوْله: (حَتَّى يقوم) أَي: إِلَى أَن يقوم (من جَوف اللَّيْل) ، فَفِيهِ كَانَ يسبح أَي: يتَنَفَّل، وَالْحَاصِل أَن ابْن عمر مَا كَانَ يتَطَوَّع فِي السّفر لَا قبل الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا، وَكَانَ يُصَلِّي فِي جَوف اللَّيْل، كَمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَن هشيم عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع (عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ لَا يتَطَوَّع فِي السّفر قبل الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا وَكَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل) .
.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيّ: وَرُوِيَ عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يتَطَوَّع فِي السّفر قبل الصَّلَاة وَلَا بعْدهَا) ، وَرُوِيَ عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ يتَطَوَّع فِي السّفر ثمَّ اخْتلف أهل الْعلم بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأى بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَطَوَّع الرجل فِي السّفر، وَبِه يَقُول أَحْمد وَإِسْحَاق، وَلم تَرَ طَائِفَة من أهل الْعلم أَن يُصَلِّي قبلهَا وَلَا بعْدهَا، وَمعنى: من لم يتَطَوَّع قبُول الرُّخْصَة، وَمن تطوع فَلهُ فِي ذَلِك فضل كثير، وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم يختارون التَّطَوُّع فِي السّفر.





[ قــ :107 ... غــ :1110 ]
- حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ حدَّثنا حَرْبٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيى قَالَ حدَّثني حَفْصُ بنُ عُبَيْدِ الله بنِ أنَسٍ أنَّ أنَسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ حدَّثَهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَجْمَعُ بَيْنَ هاتَيْنِ الصلاَتَيْنِ فِي السَّفَرِ يَعْنِي المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ.

( أنظر الحَدِيث 8011) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه مُفَسّر بِحَدِيث ابْن عمر السَّابِق، لِأَن فِي حَدِيث أنس إِجْمَالا كَمَا ترَاهُ، والمفسر، بِالْفَتْح تَابع للمفسر بِالْكَسْرِ، وَقد ذكرنَا وَجه التطابق فِي حَدِيث ابْن عمر، فَحصل فِي حَدِيث أنس أَيْضا من حَيْثُ التّبعِيَّة لَا غير، وَهَذَا الْقدر كَاف فِي ذَلِك.

ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: إِسْحَاق ذكره غير مَنْسُوب، وَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج لِأَنَّهُ قَالَ فِي: بابُُ مقدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وَفِي كتاب الدِّيات: حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، قَالَ: حَدثنَا عبد الصَّمد، وَيحْتَمل أَن يكون إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، لِأَن كلا من الإسحاقين يرويان عَن عبد الصَّمد، وَالْبُخَارِيّ يروي عَن كل مِنْهُمَا: وَقيل: جزم أَبُو نعيم فِي ( الْمُسْتَخْرج) أَنه إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه لِأَن كلا من الإسحاقيين يرويان عَن عبد الصَّمد وَالْبُخَارِيّ يروي عَن كل مِنْهُمَا وَقيل جزم أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج أَنه إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ الثَّانِي: عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث التنوري، وَقد مر.
الثَّالِث: حَرْب ضد الصُّلْح ابْن شَدَّاد أَبُو الْخطاب الْيَشْكُرِي، وَقد مر عَن قريب.
الرَّابِع: يحيى بن أبي كثير، وَقد مر غير مرّة.
الْخَامِس: حَفْص بن عبيد الله ابْن أنس.
السَّادِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع.
وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: اثْنَان بصريان وهما: عبد الصَّمد وَحرب، وَيحيى يمامي، وَحَفْص بَصرِي وَإِسْحَاق مروزي، سَوَاء كَانَ ابْن رَاهَوَيْه أَو ابْن مَنْصُور الكوسج.
وَفِيه: ثَلَاثَة مذكورون بِغَيْر نِسْبَة.

والْحَدِيث قد مر فِي الْبابُُ الَّذِي قبله: عَن حُسَيْن عَن يحيى ابْن أبي كثير عَن حَفْص بن عبيد الله.
.
إِلَى آخِره، وَالله تَعَالَى أعلم.