فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب التسمية على الذبيحة، ومن ترك متعمدا

( بابُُُ: { التَّسْمِيَّةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَمَنْ تَرَكَ مُتَعَمِّدا} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حكم التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة، وَفِي بَيَان من ترك التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة حَالَة كَونه مُتَعَمدا وَهَذِه التَّرْجَمَة هَكَذَا هِيَ عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي بعض النّسخ كتاب الذَّبَائِح، وَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَنَّهُ ترْجم أَولا.
كتاب الصَّيْد والذبائح وَكتاب الذَّبَائِح، وَيكون ذكره تَكْرَارا بِلَا فَائِدَة وَقيد بقوله: ( مُتَعَمدا) إِشَارَة إِلَى أَنه إِذا ترك التَّسْمِيَة نَاسِيا على الذَّبِيحَة لَا يكون مَانِعا من الْحل كَمَا مر الْخلاف فِيهِ.

{ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ مَنْ نَسِيَ فَلا بَأْسَ}
أَي: قَالَ ابْن عَبَّاس من نسبي التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة فَلَا بَأْس، يَعْنِي: لَا تحرم الذَّبِيحَة، وَوصل هَذَا التَّعْلِيق الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق شُعْبَة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن أبي الشعْثَاء.
قَالَ: حَدثنِي عين عَن ابْن عَبَّاس أَنه لم ير بِهِ بَأْسا.
يَعْنِي: إِذا نسي.
وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عُيَيْنَة بِهَذَا الْإِسْنَاد فَقَالَ فِي سَنَده.
عَن عين، يَعْنِي: عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِيمَن ذبح وَنسي التَّسْمِيَة فَقَالَ الْمُسلم فِيهِ اسْم الله وَإِن لم يذكر التَّسْمِيَة، وَسَنَده صَحِيح وَهُوَ مَوْقُوف، وَذكره مَالك بلاغا عَن ابْن عَبَّاس وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا.

{ وَقَالَ الله تَعَالَى: { وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَلَيْهِ وَإنَّهُ لَفِسْق} وَالنَّاسِي: لَا يُسَمَّى فَاسِقا.
وَقَولُهُ: وَإنَّ الشيَّاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أوْلِيَائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإنْ أطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}
( الْأَنْعَام: 121)
أورد هَذِه الْآيَة تَقْوِيَة لاحتجاج الْحَنَفِيَّة بهَا فِي قَوْلهم: إِن التَّسْمِيَة شَرط فَإِن تَركهَا عَامِدًا فَلَا يحل أكله وَإِن تَركهَا نَاسِيا فَلَا عَلَيْهِ شَيْء وَبَين وَجه ذَلِك بقوله: ( وَالنَّاسِي لَا يُسمى فَاسِقًا) وَذكر الْآيَة الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ من تَمام الْآيَة.
تَقْوِيَة لاحتجاج الشَّافِعِيَّة حَيْثُ قَالُوا: مَا لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ كِنَايَة عَن الْميتَة أَو مَا ذكر اسْم غير الله عَلَيْهِ.
قرينَة وَإنَّهُ لفسق وَهُوَ مؤول بِمَا أهل بِهِ لغير الله وَقَوله: ( وَإِن الشَّيَاطِين ليوحون) أَي: ليوسوسون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ من الْمُشْركين ليجادلوكم بقَوْلهمْ: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا قَتله الله قَالُوا: وَبِهَذَا ترجح تَأْوِيل من أَوله بالميتة وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام أَن قَوْله تَعَالَى: { وَلَا تَأْكُلُوا} الْآيَة.
نهى، وَالنَّهْي الْمُطلق للتَّحْرِيم وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: ( وَأَنه لفسق) وأكدا النَّهْي بِحرف من لِأَنَّهُ فِي مَوضِع النَّهْي للْمُبَالَغَة فَيَقْتَضِي حُرْمَة كل جُزْء مِنْهُ وَالْهَاء فِي قَوْله: ( وَإنَّهُ لفسق) إِن كَانَت كِتَابَة من الْأكل فالفسق أكل الْحَرَام، وَإِن كَانَت كِنَايَة عَن الْمَذْبُوح فالمذبوح الَّذِي يُسمى فسقا يكون حَرَامًا، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { أَو فسقا أهل لغير الله} وَفِي الْآيَة.
بَيَان أَن الْحُرْمَة لعدم ذكر اسْم الله تَعَالَى لِأَن التَّحْرِيم يُوصف بذلك الْوَصْف وَهُوَ الْمُوجب للْحُرْمَة كالميتة والموقوذة، وَبِهَذَا تبين فَسَاد حمل الْآيَة على الْميتَة وذبائح الْمُشْركين فَإِن الْحُرْمَة هُنَاكَ لَيست لعدم ذكر اسْم الله تَعَالَى حَتَّى إِنَّه، وَإِن ذكر اسْم الله لم يحل فَإِن قلت: النَّص مُجمل لِأَنَّهُ يحْتَمل الذّكر حَالَة الذّبْح وَحَالَة الطَّبْخ وَحَالَة الْأكل فَلم يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ قلت: مَا سوى حَالَة الذّبْح لَيْسَ بِمُرَاد بِالْإِجْمَاع، وَأجْمع السّلف على أَن المُرَاد حَالَة الذّبْح فَلَا يكون مُجملا وَقد حررنا الْكَلَام فِي هَذَا الْمقَام مَبْسُوطا فِي شرحنا البناية فِي شرح الْهِدَايَة، فَمن أَرَادَ التَّحْقِيق فِيهِ فَليرْجع إِلَيْهِ.



[ قــ :5203 ... غــ :5498 ]
- حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ حدَّثنا أبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدٍ بنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بنِ رَفَاعَةَ ابنِ رَافِعٍ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِذِي الخُلِيفَةِ فَأصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأصَبْنا إبِلاً وَغَنَما وَكَانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي أُخْرَياتِ النَّاسِ فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا القُدُورَ فَدُفِعَ إلَيْهِمُ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأمَر بِالْقُدُورِ فَأكْفِئْتْ ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْها بَعِيرٌ وَكَانَ فِي القَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأعْياهُمْ فَأهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ الله تَعَالَى فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّ لِهاذِهِ البَهَائِمِ أوَابِدَ كَأوَابِدِ الوَحْشِ فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنعُوا بِهِ هاكَذَا قَالَ:.

     وَقَالَ  جَدِّي: إنَّا لَنَرْجُو أوْ نَخافُ أنْ نَلْقَى العَدُوَّ غَدا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًي، أفَنَذْبَحُ بَالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: مَا أنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أمَّا السِّنُّ فَعظْمٌ، وَأمَّا الظُّفُرُ فَمدَى الحَبَشَةِ.


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ( وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكل) ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل أَبُو سَلمَة الْبَصْرِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ: التَّبُوذَكِي، وَأَبُو عوَانَة الوضاح الْيَشْكُرِي، وَسَعِيد بن مَسْرُوق هُوَ وَالِد سُفْيَان الثَّوْريّ وعباية، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة وَبعد الْألف يَاء آخر الْحُرُوف ابْن رِفَاعَة بِكَسْر الرَّاء وبالفاء وبالعين الْمُهْملَة ابْن رَافع ضد الْخَافِض ابْن خديج بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالجيم ابْن رَافع الْأنْصَارِيّ، وعباية هَذَا يروي عَن جده رَافع بن خديج.
.

     وَقَالَ  الغساني فِي بعض الرِّوَايَات عَبَايَة عَن أَبِيه عَن جده زِيَادَة لفظ عَن أَبِيه وَهُوَ سَهْو.

والْحَدِيث مضى فِي الشّركَة فِي: بابُُ من عدل عشرَة من الْغنم بجزور فِي الْقسم، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُحَمَّد عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن أَبِيه عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة عَن جده رَافع بن خديج إِلَى آخِره، وَفِيه أَيْضا: عَن عَليّ بن الحكم الْأنْصَارِيّ، وَفِي الْجِهَاد فِي: بابُُ مَا يكره من ذبح الْإِبِل وَالْغنم فِي الْمَغَانِم، ومضي الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا.

قَوْله: ( بِذِي الحُليقة) ، قَالَ الدَّاودِيّ: والحليفة الْمَذْكُورَة هُنَا من أَرض تهَامَة بَين الطَّائِف وَمَكَّة وَلَيْسَت الَّتِي بِالْقربِ من الْمَدِينَة وَكَذَا قَالَ يَعْقُوب: هِيَ مَوضِع بَين حادة وَذَات عرق من تهَامَة وَلَيْسَت بالمهل، وَذكر ابْن بطال عَن الْقَابِسِيّ أَنَّهَا الْمهل فَقَالَ عَنهُ وَكَانَ فِي هَذِه الْغَنِيمَة بِذِي الحليفة من الْمَدِينَة، وَكَذَا ذكره النَّوَوِيّ،.

     وَقَالَ : كَانَ ذَلِك عِنْد رجوعهم من الطَّائِف سنة ثَمَان.
قَوْله: ( أخريات النَّاس) ، جمع الْأُخْرَى تَأْنِيث الآخر.
قَوْله: ( كفئت) ، أَي: قلبت قَالُوا: إِنَّمَا أَمرهم بالإكفاء وإراقة مَا فِيهَا عُقُوبَة لَهُم لاستعجالهم فِي السّير وتركهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي الأخريات معرضًا لمن يَقْصِدهُ من الْعَدو وَنَحْوه.
وَقيل: لِأَن الْأكل من الْغَنِيمَة الْمُشْتَركَة قبل الْقِسْمَة لَا يحل فِي دَار الْإِسْلَام.
قَوْله: ( فَعدل) ، أَي: قَابل وَكَانَ هَذَا بِالنّظرِ إِلَى قيمَة الْوَقْت، وَلَيْسَ هَذَا مُخَالفا لقاعدة الْأُضْحِية فِي إِقَامَة الْبَعِير مقَام سبع شِيَاه إِذْ ذَاك بِحَسب الْغَالِب فِي قيمَة الشَّاة وَالْإِبِل المعتدلة.
قَوْله: ( فند) ، أَي: نفر وَذهب على وَجهه هَارِبا.
قَوْله: ( فأعياهم) ، أَي: أتعبهم وأعجزهم.
قَوْله: ( أوابد) ، جمع الآبدة الَّتِي تأبدت أَي: توحشت ونفرت من الْإِنْس.
قَوْله: ( هَكَذَا) ، أَي: مجروحا بِأَيّ وَجه كَانَ قدرتم عَلَيْهِ فَإِن حكمه حكم الصَّيْد فِي ذَلِك.
قَوْله: ( قَالَ:.

     وَقَالَ  جدي)
أَي: قَالَ عَبَايَة: قَالَ جدي رَافع بن خديج.
قَوْله: ( إِنَّا لنرجوا ونخاف) شكّ من الرَّاوِي.
قَوْله: ( نرجو) إِشَارَة إِلَى حرصهم على لِقَاء الْعَدو لما يرجونه من فضل الشَّهَادَة أَو الْغَنِيمَة.
وَقَوله: ( نَخَاف) إِشَارَة إِلَى أَنهم لَا يحبونَ أَن يهجم عَلَيْهِم الْعَدو بَغْتَة وَفِي رِوَايَة أبي الْأَحْوَص أَن نلق الْعَدو غَدا بِالْجَزْمِ ولعلهم عرفُوا ذَلِك بالقرائن وَالْغَرَض من ذكر لِقَاء الْعَدو عِنْد السُّؤَال عَن الذّبْح بالقصب أَنهم لَو استعملوا السيوف فِي المذابح لكلت عِنْد اللِّقَاء ولعجزوا عَن الْمُقَاتلَة بهَا.
قَوْله: ( مدى) ، جمع مدية وَهِي الشَّفْرَة.
قَوْله: ( مَا أنهر الدَّم) أَي: مَا أسَال الدَّم كَمَا يسيل المَاء فِي النَّهر، وَكلمَة إِمَّا شَرْطِيَّة وَإِمَّا مَوْصُولَة.

     وَقَالَ  عِيَاض: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَات بالراء، وَذكره أَبُو ذَر الْخُشَنِي بالزاي،.

     وَقَالَ  النَّهر بِمَعْنى الدّفع وَهُوَ غَرِيب.
قَوْله: ( لَيْسَ السن وَالظفر) بِالنّصب على الِاسْتِثْنَاء بِكَلِمَة لَيْسَ، وَيجوز الرّفْع أَي: لَيْسَ السن وَالظفر مجزيا وَفِي رِوَايَة أبي الْأَحْوَص: مَا لم يكن سنّ أَو ظفر، وَفِي رِوَايَة عمر بن عبيد غير السن وَالظفر، وَفِي رِوَايَة دَاوُد بن عِيسَى إِلَّا سنا أَو ظفرا.
قَوْله: ( وَسَأُخْبِرُكُمْ) وَفِي رِوَايَة أبي ذَر: سأحدثكم.
قَوْله: ( فَعظم) يَعْنِي: لَا يجوز بِهِ فَإِنَّهُ يَتَنَجَّس بِالدَّمِ، وَهُوَ زَاد الْجِنّ أَو لِأَنَّهُ غَالِبا لَا يقطع إِنَّمَا يجرح فتزهق النَّفس من غير أَن يتَيَقَّن وُقُوع الذَّكَاة بِهِ.
وَأما الظفر فَإِن مَعْنَاهُ أَن الْحَبَشَة يدمون مذابح الشَّاة بأظفارهم حَتَّى تزهق النَّفس خنقا وتعذيبا.