فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب الكباث، وهو ثمر الأراك

( بابُُُ: { الكباث وَهُوَ تَمَرُ الأرَاكِ} )

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان حل أكل الكباث، وَهُوَ بِفَتْح الْكَاف وَالْبَاء الْمُوَحدَة الْخَفِيفَة والثاء الْمُثَلَّثَة، وَهُوَ ثَمَر الْأَرَاك، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الرَّاء وبالكاف، وَهُوَ شجر مَعْرُوف لَهُ حمل كعناقيد الْعِنَب، واسْمه الكباث، وَإِذا نضج سمي المرد وَالْأسود مِنْهُ أَشد نضجا وَوَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن مشايخه: وَهُوَ ورق الْأَرَاك وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن التِّين فَقَالَ ورق الْأَرَاك لَيْسَ بِصَحِيح وَالَّذِي فِي اللُّغَة أَنه تمر الْأَرَاك.

     وَقَالَ  أَبُو عبيد هُوَ تمر الْأَرَاك إِذا يبس وَلَيْسَ لَهُ عجم،.

     وَقَالَ  أَبُو زِيَاد: يشبه التِّين يَأْكُلهُ النَّاس وَالْإِبِل وَالْغنم،.

     وَقَالَ  أَبُو عمر: وَهُوَ حَار مالح كَانَ فِيهِ ملحا.



[ قــ :5160 ... غــ :5453 ]
- حدَّثنا سَعِيدُ بنُ عُفَيْرٍ حدَّثنا ابنُ وَهَبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ: أخْبَرَنِي أبُو سَلَمَةَ قَالَ: أخبرَنِي جَابِرُ بنُ عَبْدِ الله.
قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَرِّ الظِّهْرَانِ نَجْنِي الكَبَاثَ، فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالأسْوَدِ مِنْهُ فَإنَّهُ أيْطَبُ، فَقَالَ: أكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إلاَّ رَعَاهَا.


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.

والْحَدِيث قد مضى فِي أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام.

قَوْله: ( بمر الظهْرَان) بِفَتْح الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء، والظهران بِلَفْظ تَثْنِيَة الظّهْر وَهُوَ مَوضِع على مرحلة من مَكَّة.
قَوْله: ( نجني) أَي: نقتطف الكبات، وَكَانَ هَذَا فِي أول الْإِسْلَام عِنْد عدم الأقوات فَإذْ قد أغْنى الله عباده بِالْحِنْطَةِ والحبوب الْكَثِيرَة وسعة الرزق فَلَا حَاجَة بهم إِلَى ثَمَر الْأَرَاك.
قَوْله: ( أيطب) ، مقلوب: أطيب، مثل أجذب وأجبذ، ومعناهما وَاحِد.
قَوْله: ( فَقَالَ) أَي: جَابر: ( أَكنت ترعى الْغنم) ؟ ويروى: فَقيل الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار، وَنقل ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ الْحِكْمَة فِي اخْتِصَاص الْغنم بذلك لكَونهَا لَا تركب فَلَا تزهو نفس راكبها.
.

     وَقَالَ  صَاحب ( التَّوْضِيح) كَانَ بَعضهم يركب تيوس الْمعز فِي الْبِلَاد الْكَثِيرَة الْجبَال والحرارة كَمَا ذكره المَسْعُودِيّ وَغَيره.
قلت: قَول من قَالَ: إِنَّه يركب تيوس الْمعز، عبارَة عَن كَون تيوسهم كَبِيرَة جدا حَتَّى إِن أحدا يركب على تَيْس وَلَا يفكر، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ أَنهم يركبونها كركوب غَيرهَا من الدَّوَابّ الَّتِي تركب.
قَوْله: ( وَهل من نَبِي) أَي: وَمَا من نَبِي ( إلاَّ رعى الْغنم) ؟ وَالْحكمَة فِيهِ أَن يَأْخُذ الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام، لأَنْفُسِهِمْ بالتواضع وتصفي قُلُوبهم بالخلوة ويترفوا من سياستها بِالنَّصِيحَةِ إِلَى سياسة أممهم بالشفقة عَلَيْهِم، وهدايتهم إِلَى الصّلاح.