فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب من قال: «لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين»

( بابُُ: مَنْ قَالَ لَمْ يتْرُكِ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ مَا بَيْنَ الدَّفَتَيْنِ)

أَي: هَذَا بابُُ فِي بَيَان من قَالَ إِلَى آخِره، وَقد ترْجم لهَذَا الْبابُُ للرَّدّ على الروافض الَّذين ادعوا أَن كثيرا من الْقُرْآن ذهب لذهاب حَملته وَأَن التَّنْصِيص على إِمَامَة عَليّ بن أبي طَالب واستحقاقه الْخلَافَة عِنْد موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ثَابتا فِي الْقُرْآن، وَأَن الصَّحَابَة كتموه، وَهَذِه دَعْوَى بَاطِلَة مَرْدُودَة وحاشا الصَّحَابَة عَن ذَلِك.
قَوْله: ( إلاَّ مَا بَين الدفتين) أَي: الْقُرْآن الْمَكْتُوب بَين دفتي الْمَصَاحِف، وَهِي تَثْنِيَة دفة بِفَتْح الدَّال وَتَشْديد الْفَاء قَالَ فِي الْمغرب: الدفة الْجنب وَكَذَلِكَ الدُّف: وَمن دفتا السرج للوحين اللَّذين يقعان على جَنْبي الدَّابَّة، ودفتا الْمُصحف اللَّتَان ضمتاه من جانبيه، وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا الجلدان اللَّذَان بَين جَانِبي الْمُصحف، وَقيل: ترك من الحَدِيث أَكثر من الْقُرْآن.
وَأجِيب: بِأَنَّهُ مَا ترك مَكْتُوبًا بأَمْره إلاَّ الْقُرْآن.
وَقيل: قد تقدم فِي بابُُ كِتَابَة الْعلم.
من حَدِيث الشّعبِيّ عَن أبي جُحَيْفَة، قَالَ: قلت لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: هَل عنْدكُمْ كتاب؟ قَالَ: لَا إلاَّ كتاب الله، أَو فهم أعْطِيه رجل مُسلم، أَو مَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة الحَدِيث وَأجِيب بِأَنَّهُ لَعَلَّهَا لم تكن مَكْتُوبَة بِأَمْر رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم.
.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: وَقد يُجَاب بِأَن بعض النَّاس كَانُوا يَزْعمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، أوصى إِلَيّ عَليّ، فالسؤال هُوَ عَن شَيْء يتَعَلَّق بِذكر الْإِمَامَة فَقَالَ: مَا ترك شَيْئا مُتَعَلقا بِذكر الْإِمَامَة إلاَّ مَا بَين الدفتين من الْآيَات الَّتِي يتَمَسَّك بهَا فِي الْأمة.
وَهَذَا حسن وَفِي التَّلْوِيح: ( إلاَّ مَا بَين الدفتين) يحْتَمل أَنه مَا ترك شَيْئا من الدُّنْيَا أَو مَا ترك علما مسطورا سوى الْقُرْآن الْعَزِيز.



[ قــ :4750 ... غــ :5019 ]
- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنا وشَدَّادُ بنُ مَعْقلٍ علَى ابنِ عبَّاسٍ، رَضِي الله عَنْهُمَا، فَقَالَ لَهُ شدَّادُ بنُ مَعْقلٍ: أتَرَكَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مِنْ شَيْء؟ قَالَ: مَا تَرَكَ إلاَّ مَا بَيْنَ الدَّفَّتيْنِ.
قَالَ: ودَخَلْنا علَى مُحَمَّدٍ بنِ الْحَنِفِيَّة فَسألْناهُ، فَقَالَ: مَا تَرَكَ إلاَّ مَا بَيْن الدَّفَتَيْنِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث فِي الِاسْتِدْلَال على الروافض وَبَيَان بطلَان دَعوَاهُم بقول مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة وَهُوَ ابْن عَليّ بن أبي طَالب الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة، وَهِي خَوْلَة بنت جَعْفَر من نَبِي حنيفَة، وَكَانَت سبي الْيَمَامَة الَّذين سباهم أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبقول عبد الله بن عَبَّاس: وَفِيه نُكْتَة لطفية من البُخَارِيّ حَيْثُ اسْتدلَّ على الروافض فِي بطلَان مَذْهَبهم بِمُحَمد بن الْحَنَفِيَّة الَّذين يدعونَ إِمَامَته.
فَلَو كَانَ شَيْء يتَعَلَّق بإمامة أَبِيه عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لما كَانَ يَسعهُ كِتْمَانه لجلاله قدره وَقُوَّة دينه، وَكَذَلِكَ اسْتدلَّ بقول ابْن عَبَّاس: فَإِنَّهُ ابْن عمر عَليّ بن أبي طَالب وَأَشد النَّاس لَهُ لُزُوما وإطلاعا على حَاله، فَلَو كَانَ عِنْده شَيْء من ذَلِك مَا وَسعه كِتْمَانه لِكَثْرَة علمه وَقُوَّة دينه وجلالة قدره.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث عَن قُتَيْبَة بن سعيد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع بِضَم الرَّاء وَفتح الْفَاء الْأَسدي الْمَكِّيّ، سكن الْكُوفَة وَمَات بعد الثَّلَاثِينَ وَمِائَة، وَشَدَّاد على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ ابْن معقل، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف وباللام: الْأَسدي الْكُوفِي التَّابِعِيّ الْكَبِير من أَصْحَاب ابْن مَسْعُود، عَليّ بن أبي طَالب، وَلم يَقع لَهُ ذكر فِي البُخَارِيّ إِلَّا فِي هَذَا الْموضع.

قَوْله: ( اترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار.
قَوْله: ( من شَيْء) فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: شَيْئا سوى الْقُرْآن.
قَوْله: ( قَالَ: ودخلنا) الْقَائِل هُوَ عبد الْعَزِيز بن رفيع.