فهرس الكتاب

عمدة القاري - باب: التيمم ضربة

( بابُُ التَيَمُّمِ ضَرْبَةً)

أَي: هَذَا بابُُ يُقَال فِيهِ: التَّيَمُّم ضَرْبَة،.

     وَقَالَ  الْكرْمَانِي: بابُُ التَّيَمُّم ضَرْبَة بِالنّصب، وَفِي بَعْضهَا بِالرَّفْع قلت: لم يبين وَجه ذَلِك.
قلت: رِوَايَة الْكشميهني: بابُُ، بِلَا تَنْوِين بل بِالْإِضَافَة إِلَى التَّيَمُّم، وضربة مَنْصُوب على الْحَال، وَالتَّقْدِير: هَذَا بابُُ فِي بَيَان صفة التَّيَمُّم حَال كَونه ضَرْبَة وَاحِدَة، وَقد ذكرنَا أَن فِي صفة التَّيَمُّم أقوالاً، وَأَن رِوَايَة؛ ضَرْبَة وَاحِدَة، من رِوَايَة: ضربتين، عِنْد البُخَارِيّ، فَلذَلِك بوب عَلَيْهِ، وَرِوَايَة الْأَكْثَرين: بابُُ، منون على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَقَوله؛ ( التَّيَمُّم ضَرْبَة) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ خبر، وَالتَّيَمُّم، مُبْتَدأ.



[ قــ :343 ... غــ :347 ]
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سَلاَمٍ قالَ أخْبَرَنَا أبُو مُعاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قالَ كُنْتُ جالِساً مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَقَالَ لَهُ أبُو مُوسَى لوْ أنَّ رَجُلاً أجْنَبَ فَلَمْ يَجِدِ المَاءَ شَهْراً أمَا كانَ يَتَيمَّمُ وَيُصَلِّي فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ { فَلَمْ تَجِدُوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لوْ رُخِّصَ لَهُمْ فِي هَذَا لأَوْشَكُوا إِذَا بَرَدَ عَلَيْهِمُ المَاءُ أنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ.

قُلْتُ وَإنَّمَا كَرِهْتُمْ هَذَا لِذَا قالَ نَعَمَ فقالَ أبُو مُوسَى أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ بَعَثَنِي رسولُ الله فِي حاجَةٍ فأجْنَبْتُ فَلمْ أجِدِ المَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنبيِّ فقَالَ إِنَّما كانَ يَكفْيكَ أنْ تَصْنَعَ هَكَذَا فَضَرَبَ بِكَفِّهِ ضَرْبَةً عَلَى الأرْضِ ثُم نَفَضَها ثُم مَسَحَ بِهِما ظَهْرَ كفِّهِ بِشِمِالِهِ أوْ ظَهْرَ شِمِالِهِ بِكَفِّهِ ثُمَّ مَسَحَ بِهِما وَجْههُ فقالَ عَبْدُ اللَّهِ أفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ رَضِي اعنهما.


هَذِه طَريقَة أُخْرَى، وَهِي أتم من الطريقتين المذكورتين، عَن مُحَمَّد بن سَلام، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام بتَخْفِيف اللَّام البيكندي عَن أبي مُعَاوِيَة الضَّرِير مُحَمَّد بن خازم بالمعجمتين عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن شَقِيق بن سَلمَة، وَهُوَ أَبُو وَائِل الْمَذْكُور فِي الْبابُُ السَّابِق فِي الطَّرِيقَة الأولى، وَهِي رِوَايَة بشر بن خَالِد.
قَوْله: ( أجنب) أَي: إِذا صَار جنبا.
قَوْله: ( أما كَانَ يتَيَمَّم؟) والهمزة فِيهِ فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي، وَفِي رِوَايَة مُسلم: ( كَيفَ تصنع بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ عبد ا: لَا يتَيَمَّم وَإِن لم يجد المَاء شهرا) وَنَحْوه لأبي دَاوُد.
( قَالَ: فَقَالَ أَبُو مُوسَى: فَكيف تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَة) ؟ ثمَّ الْهمزَة فِيهِ أما مقحمة وَإِمَّا للتقرير، و: مَا، نَافِيَة على أَصْلهَا، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ الْأَوَّلين وَقع جَوَابا: للو، إِمَّا على تَقْدِير الإقحام، فَإِن وجوده كَعَدَمِهِ، وَأما على تَقْدِير التَّقْرِير، فَإِنَّهُ لم يبْق على معنى الِاسْتِفْهَام الَّذِي هُوَ الْمَانِع من وُقُوعه جَزَاء للشّرط، وَالْقَوْل مُقَدّر قبل لَو.
وَحَاصِله يَقُولُونَ: لَو أجنب رجل مَا تيَمّم، كَيفَ تَصْنَعُونَ؟ وعَلى التَّقْدِير الثَّالِث: وَقع جَوَابا: بِتَقْدِير القَوْل أَي: لَو أجنب رجل يُقَال فِي حَقه: إِمَّا يتَيَمَّم، وَيحْتَمل أَن يكون جَوَاب: لَو، هُوَ: فَكيف تَصْنَعُونَ؟ .

قَوْله: ( فِي سُورَة الْمَائِدَة) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( فَكيف تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة؟) وَلَيْسَ فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ لفظ: الْآي، وَقَوله: ( فَلم تَجدوا) ، هُوَ بَيَان للمراد من الْآيَة، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَصْلِيّ: ( فَإِن لم تَجدوا) ، وَهُوَ مُغَاير للتلاوة.
وَقيل: إِنَّه كَانَ كَذَلِك فِي رِوَايَة أبي ذَر ثمَّ أصلحها على وفْق الْآيَة، وَإِنَّمَا عين سُورَة الْمَائِدَة لكَونهَا أظهر فِي مَشْرُوعِيَّة تيَمّم الْجنب من آيَة النِّسَاء، لتقدم حكم الْوضُوء فِي الْمَائِدَة،.

     وَقَالَ  الْخطابِيّ وَغَيره: فِيهِ دَلِيل على عبد اكان يرى أَن المُرَاد بالملامسة الْجِمَاع، فَلهَذَا لم يدْفع دَلِيل أبي مُوسَى وإلاَّ لَكَانَ يَقُول لَهُ: المُرَاد من الْمُلَامسَة التقاء البشرتين فِيمَا دون الْجِمَاع، وَجعل التَّيَمُّم بَدَلا من الْوضُوء لَا يسْتَلْزم أَن يكون بَدَلا من الْغسْل.
قلت: لَو أَرَادَ بالملامسة الْجِمَاع لَكَانَ مُخَالفَة لِلْآيَةِ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا تأولها على معنى غير الْجِمَاع، كَمَا ذكرنَا عَن قريب.
قَوْله: ( أَن يتيمموا الصَّعِيد) أَي: أَن يقصدوه، ويروى: ( أَن يتيمموا بالصعيد) .
قَوْله: ( قلت) ، هُوَ مقول شَقِيق، كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي.
قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل الْقَائِل ذَلِك هُوَ الْأَعْمَش، وَالْمقول لَهُ هُوَ شَقِيق، كَمَا صرح بذلك فِي رِوَايَة عمر بن حَفْص الَّتِي مَضَت قبل هَذِه.
قَوْله: ( هَذَا) أَي: تيَمّم الْجنب.
قَوْله: ( لذا) أَي: لأجل تيَمّم صَاحب الْبرد.
قَوْله: ( كَمَا تمرغ الدَّابَّة) ، بِالتَّشْدِيدِ وَضم الْغَيْن الْمُعْجَمَة، وَأَصله: تتمرغ بالتائين فحذفت إِحْدَاهمَا للتَّخْفِيف، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: { نَارا تلظى} ( اللَّيْل: 41) أَصله: تتلظى.
قَوْله: ( بكفه ضَرْبَة) ويروى: ( بكفيه) .

وَقَالَ الْكرْمَانِي: اعْلَم أَن هَذِه الْكَيْفِيَّة مشكلة من جِهَات: أَولا: مِمَّا ثَبت من الطَّرِيق الآخر أَنه ضربتان،.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: الْأَصَح الْمَنْصُوص ضربتان: وَثَانِيا: من جِهَة الِاكْتِفَاء بمسح ظهر كف وَاحِدَة، وبالاتفاق مسح كلا ظَهْري الْكَفَّيْنِ.
وَاجِب، وَلم يجوز أحد الاجتزاء بِأَحَدِهِمَا.
وثالثاً: من حَيْثُ إِن الْكَفّ إِذا اسْتعْمل ترابه فِي ظهر الشمَال كَيفَ مسح بِهِ الْوَجْه وَهُوَ صَار مُسْتَعْملا.
ورابعاً: من جِهَة أَنه لم يمسح الذارعين.
وخامساً: من عدم مُرَاعَاة التَّرْتِيب وَتَقْدِيم الْكَفّ على الْوَجْه انْتهى.

قلت: هَذِه خَمْسَة إشكالات أوردهَا.
ثمَّ تكلّف فِي الْجَواب عَنْهَا، ثمَّ قَالَ فِي آخِره: هَذَا غَايَة وسعنا فِي تَقْرِيره وَلَعَلَّ عِنْد غَيرنَا خيرا مِنْهُ.
أَقُول: وبا التَّوْفِيق: ملخص جَوَابه عَن الأول بِالْمَنْعِ بِأَنا لَا نسلم أَن هَذَا التَّيَمُّم كَانَ بضربة وَاحِدَة.
قلت: مَنعه مَمْنُوع لِأَنَّهُ كَانَ بضربة وَاحِدَة، لِأَنَّهُ صرح فِيهِ بِأَن: الضَّرْبَة الْوَاحِدَة كَافِيَة، فَيحمل هَذَا على الْجَوَاز، وَمَا ورد من الزِّيَادَة عَلَيْهَا على الْكَمَال.
وَقَوله:.

     وَقَالَ  النَّوَوِيّ: الْأَصَح الْمَنْصُوص ضربتان، اعْتِرَاض على الحَدِيث بِالْمذهبِ، وَهُوَ غير صَحِيح.
وَأجَاب عَن الثَّانِي: بِأَنَّهُ لَا بُد من تَقْدِير: ثمَّ ضرب ضَرْبَة أُخْرَى وَمسح بهَا يَدَيْهِ.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّقْدِير لِأَن أصل الْفَرْض يقوم بضربة وَاحِدَة، كَمَا فِي الْوضُوء، على أَن مَذْهَب جُمْهُور الْعلمَاء الِاكْتِفَاء بضربة وَاحِدَة، كَذَا ذكره ابْن الْمُنْذر، وَاخْتَارَهُ هُوَ أَيْضا، وَالْبُخَارِيّ أَيْضا، فَلذَلِك بوب عَلَيْهِ.
وَأجَاب عَن الثَّالِث: بِمَا لَا طائل تَحْتَهُ، وَالْجَوَاب السديد مُلَخصا: أَن التُّرَاب لَا يَأْخُذ حكم الِاسْتِعْمَال، وَهَذَا الحكم فِي المَاء دون التُّرَاب.
وَأجَاب عَن الرَّابِع: بِمَنْع إِيجَاب مسح الذراعين، وأكد ذَلِك بقوله: وَلِهَذَا قَالُوا مسح الْكَفَّيْنِ أصح فِي الرِّوَايَة، وَمسح الذارعين أشبه بالأصول.
قلت: فعلى هَذَا، الْإِشْكَال الرَّابِع غير وَارِد من الأول.
وَأجَاب عَن الْخَامِس: بِمَنْع إِيجَاب التَّرْتِيب كَمَا هُوَ مَذْهَب الْحَنَفِيَّة.
قلت: هَذِه استعانة بِرَأْي من هُوَ يُخَالف رَأْيه.

قَوْله: ( ثمَّ مسح بهَا ظهر كَفه) ، ويروى: ( مسح بهما) .
قَوْله: ( أَو ظهر شِمَاله بكفه) ، كَذَا هُوَ بِالشَّكِّ فِي جَمِيع الرِّوَايَات إلاَّ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فَإِنَّهُ رَوَاهُ أَيْضا من طَرِيق أبي مُعَاوِيَة، كَمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلَفظه، فَقَالَ: ( إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تصنع هَكَذَا، وَضرب بيدَيْهِ على الأَرْض فنفضهما ثمَّ ضرب بِشمَالِهِ على يَمِينه وبيمينه على شِمَاله على الْكَفَّيْنِ ثمَّ مسح وَجهه) .
انْتهى.
وَهَذَا يحرر رِوَايَة غَيره، لِأَن الحَدِيث وَاحِد، وَاخْتِلَاف الْأَلْفَاظ باخْتلَاف الرِّوَايَة، وَفِيه دَلِيل صَرِيح على أَن التَّيَمُّم ضَرْبَة وَاحِدَة للْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ جَمِيعًا، وَلَكِن الْعَامَّة أجابوا عَن هَذَا: إِن هَذَا الضَّرْب الْمَذْكُور كَانَ للتعليم وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ بَيَان جَمِيع مَا يحصل بِهِ التَّيَمُّم، لِأَن اتعالى أوجب غسل الْيَدَيْنِ إِلَى الْمرْفقين فِي الْوضُوء فِي أول الْآيَة، ثمَّ قَالَ فِي التَّيَمُّم { فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ} ( النِّسَاء: 34، والمائدة: 6) وَالظَّاهِر أَن الْيَد الْمُطلقَة هُنَا هِيَ المقي دة فِي الْوضُوء.
فَافْهَم.

قَوْله: ( فَقَالَ عبد ا) ، ويروى: قَالَ عبد ابدون: الْفَاء.
قَوْله: ( ألم تَرَ عمر؟) وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وكريمة: ( أفلم تَرَ؟) بِزِيَادَة الْفَاء، فِيهِ.
قَوْله: ( لم يقنع بقول عمار) ، وَوجه عدم قناعته بقول عمار هُوَ أَنه كَانَ مَعَه فِي تِلْكَ الفضية، وَلم يتَذَكَّر عمر ذَلِك أصلا، وَلِهَذَا قَالَ لعمَّار، فِيمَا رَوَاهُ مُسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى: ( اتَّقِ ايا عمار فِيمَا ترويه وَتثبت فِيهِ فلعلك نسيت أَو اشْتبهَ عَلَيْك، فَإِنِّي كنت مَعَك وَلَا أَتَذكر شَيْئا من هَذَا) ، وَمعنى قَول عمار؛ إِنِّي رَأَيْت الْمصلحَة فِي الْإِمْسَاك عَن التحديث بِهِ راجحة على التحديث وافقتك وَأَمْسَكت، فَإِنِّي قد بلّغته وَلم يبْق عَليّ حرج؛ فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي اتعالى عَنهُ: إِنَّا نوليك مَا توليت.
أَي: لَا يلْزم من كوني لَا أتذكره أَن لَا يكون حَقًا فِي نفس الْأَمر، فَلَيْسَ لي مَنعك من التحديث بِهِ.

وَزَادَ يَعْلَى عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شقيقٍ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأبِي مُوسَى فَقَالَ أبُو مُوسَى ألَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ إِنَّ رَسولَ اللَّهِ بَعَثَنِي أَنا وَأنت فَأَجْنَبْتُ فَتمَعَّكْتُ بالصَّعِيدِ فَأَتيْنا رسولَ اللَّهِ فأَخْبَرْنَاهُ فقَال إِنَّما كانَ يَكْفيكَ هَكَذَا وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً؟ .

يعلى، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَسُكُون الْعين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام: ابْن عبيد أَبُو يُوسُف الطنافسي الْحَنَفِيّ الْكُوفِي، مَاتَ سنة تسع وَمِائَتَيْنِ.
قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا إِمَّا دَاخل تَحت إِسْنَاد مُحَمَّد بن سَلام، وَإِمَّا تَعْلِيق من البُخَارِيّ مَعَ احْتِمَال سَماع البُخَارِيّ مِنْهُ، لِأَنَّهُ أدْرك عصره.
قلت: هَذَا تَعْلِيق وَصله أَحْمد فِي ( مُسْنده) وَوَصله الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن ابْن زَيْدَانَ: حدّثنا أَحْمد بن حَازِم حدّثنا يعلى حدّثنا الْأَعْمَش فَذكره.
قَوْله: ( إِن رَسُول ا) ، ويروى: ( إِن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام) .
قَوْله: ( بَعَثَنِي أَنا وَأَنت) .
قيل: كَانَ الْقيَاس بَعَثَنِي إيَّايَ وَإِيَّاك، لِأَن: أَنا، ضمير مَرْفُوع فَكيف وَقع تَأْكِيدًا للضمير الْمَنْصُوب؟ والمعطوف فِي حكم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ؟ وَأجِيب: بِأَن الضمائر يُقَام بَعْضهَا مقَام الْبَعْض، وتجري بَينهمَا المناوبة.
قَوْله: ( هَكَذَا) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: ( هَذَا) .
قَوْله: ( وَاحِدَة) يَعْنِي ضَرْبَة وَاحِدَة، وَهَذَا التَّقْدِير هُوَ الْمُنَاسب لغَرَض البُخَارِيّ لِأَنَّهُ ترْجم الْبابُُ بقوله: بابُُ التَّيَمُّم ضَرْبَة، وَيحْتَمل أَن يقدر مسحة وَاحِدَة وَهُوَ الظَّاهِر من اللَّفْظ.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَيكون التَّيَمُّم بالضربتين.
قلت: لَا يدل شَيْء هَهُنَا على ذَلِك، ثمَّ سَأَلَ، فَإِذا حَملته على الضَّرْبَة وَاسْتعْمل فِي الْوَجْه فَكيف مسح بِهِ الْكَفَّيْنِ؟ وَأجَاب: بِأَن السُّؤَال سَاقِط على مَذْهَب من قَالَ: التُّرَاب لَا يصير مُسْتَعْملا، وَأما على مَذْهَبنَا فوجهه أَنه يمسح الْوَجْه بكف وَاحِدَة، ثمَّ ينفض بعض الْغُبَار فِي الْكَفّ الْغَيْر المستعملة إِلَى الْأُخْرَى، أَو يدلك إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى ثمَّ يمسح الْيَدَيْنِ بهما.
قلت: هَذَا الَّذِي ذكره وَجعله مذهبا لَا يفهم من هَذَا الحَدِيث.


( بابٌُ)

وَقع هَكَذَا بابُُ مُجَردا عَن التَّرْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَلَيْسَ بموجود أصلا فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، فعلى رِوَايَته يكون الحَدِيث الَّذِي فِيهِ دَاخِلا فِي التَّرْجَمَة الْمَاضِيَة، فعلى قَول الْأَكْثَرين يكون: بابُُ، بِمَنْزِلَة؛ فصل، وَلَا يكون معرباً، لِأَن الْإِعْرَاب يكون بِالْعقدِ والتركيب.



[ قــ :344 ... غــ :348 ]
- حدّثنا عَبْدانُ قالَ أخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قالَ أخْبَرَنا عَوْفٌ عَنْ أبِي رَجاءٍ قالَ حدّثنا عِمْرَانُ بنُ حَصَيْنغ الخُزاعِيُّ أنَّ رسولَ اللَّهِ رَأى رَجُلاً مُعْتَزِلاً لَمْ يُصَلِّ فِي القَوْمِ فَقَالَ يَا فُلاَنُ مَا مَنَعَكَ أَن تُصَلِّيَ فِي القَوْمِ فَقَالَ يَا رَسولَ اللَّهِ أصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلا ماءَ قالَ عَلَيْكَ بالصعيدِ فَإِنَّهُ يَكْفيكَ.

عَبْدَانِ، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة.
وَعبد اهو ابْن الْمُبَارك، وعَوْف هُوَ ابْن الْأَعرَابِي، وَأَبُو رَجَاء العطاردي واسْمه عمرَان بن ملْحَان وَالْكل تقدمُوا.

وَمن لطائف هَذَا الْإِسْنَاد أَن فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والإخبار كَذَلِك فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.

وَهَذَا الحَدِيث مُخْتَصر من الحَدِيث الطَّوِيل الَّذِي مضى فِي: بابُُ الصَّعِيد الطّيب.
فَإِن قلت: هَذَا لَا يُطَابق التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ التَّصْرِيح بِكَوْن الضَّرْب فِي التَّيَمُّم مرّة وَاحِدَة.
قلت: إِن كَانَ لفظ: بابُُ، مَوْجُودا على رَأس الحَدِيث فَلَا يحْتَاج إِلَى الْجَواب لِأَنَّهُ حينئذٍ لَا اخْتِصَاص لَهُ بذلك، بل للْإِشَارَة إِلَى أَن الصَّعِيد كافٍ للْجنب وَغَيره، وَإِن كَانَ غير مَوْجُود فَجَوَابه أَنه أطلق وَلم يُقيد بضربة وَلَا ضربتين، وَأقله يكون مرّة وَاحِدَة، فَيدْخل فِي التَّرْجَمَة.
فَافْهَم، فَإِنَّهُ دَقِيق.