فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ الْمُعْتَكِفِ يَعُودُ الْمَرِيضَ

رقم الحديث 2155 [2155] جَمْعُ السَّبِيَّةِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمَنْهُوبَةُ
(بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ) بَالتَّصْغِيرِ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَرَاءَ عَرَفَاتٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ بِضْعَةَ عَشَرَ مِيلًا وَهُوَ مَصْرُوفٌ كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ (بَعْثًا) أَيْ جَيْشًا (إِلَى أَوْطَاسٍ) بَالصَّرْفِ وَقَدْ لَا يَنْصَرِفُ مَوْضِعٌ أَوْ بُقْعَةٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ (فَظَهَرُوا) أَيْ غَلَبُوا (تَحَرَّجُوا) أَيْ خَافُوا الحرج وهو الأثم (مِنْ غِشْيَانِهِنَّ أَيْ مِنْ وَطْئِهِنَّ (مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُنَّ مُزَوَّجَاتٌ وَالْمُزَوَّجَةُ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ زَوْجِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِبَاحَتَهُنَّ بِقَوْلِهِ (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلا ما ملكت أيمانكم) المراد بالمحصنات ها هنا الْمُزَوَّجَاتُ وَمَعْنَاهُ وَالْمُزَوَّجَاتُ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ إِلَّا مَا مَلَكْتُمْ بَالسَّبْيِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ زَوْجِهَا الْكَافِرِ وَتَحِلُّ لَكُمْ إِذَا انْقَضَى اسْتِبْرَاؤُهَا (إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ) أَيِ اسْتِبْرَاؤُهُنَّ وَهِيَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ عَنِ الْحَامِلِ وَبِحَيْضَةٍ عَنِ الْحَائِلِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ فِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ إِذَا سُبِيَا مَعًا فَقَدْ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ سُبِيَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ السَّبْيَ وَأَمَرَ أَنْ لَا تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ وَلَمْ يَسْأَلْ عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَغَيْرِهَا وَلَا عَمَّنْ كَانَتْ سُبِيَتْ مِنْهُنَّ مَعَ الزَّوْجِ أَوْ وَحْدَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْف يُوَرِّثهُ وَهُوَ لَا يَحِلّ لَهُ قَوْلَانِ أَحَدهمَا أَنَّ ذَلِكَ الْحَمْل قَدْ يَكُون مِنْ زَوْجهَا الْمُشْرِك فَلَا يَحِلّ لَهُ اِسْتِلْحَاقه وَتَوْرِيثه
وَقَدْ يَكُون إِذَا وَطِئَهَا تَنْفُش مَا كَانَ فِي الظَّاهِر حَمْلًا وَتَعَلَّقَ مِنْهُ فَيَظُنّهُ عَبْده وَهُوَ وَلَده فَيَسْتَخْدِمهُ اِسْتِخْدَام الْعَبْد وَيَنْفِيه عَنْهُ
وهذان الوجهان ذكر معناهما المنذري
قال بن الْقَيِّم وَهَذَا الْقَوْل ضَعِيف فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْن إِنْكَار الْأَمْرَيْنِ
اِسْتِخْدَامه وَاسْتِلْحَاقه وَقَدْ جَاءَ كَيْف يَسْتَعْبِدهُ وَيُوَرِّثهُ وَمَعْلُوم أَنَّ اِسْتِلْحَاقه وَاسْتِعْبَاده جَمْع بَيْن الْمُتَنَاقِضَيْنِ وَكَذَا إِذَا تَفَشَّى الَّذِي هُوَ حَمْل فِي الظَّاهِر وَعَلِقَتْ مِنْهُ لَا يُتَصَوَّر فِيهِ الِاسْتِلْحَاق والاستعباد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا سُبِيَا جَمِيعًا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَا كَانَ فِي الْمَقَاسِمِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فَإِنِ اشْتَرَاهَا رَجُلٌ فَشَاءَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا جَمَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَاتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بحيضة
وقد تأول بن عَبَّاسٍ الْآيَةَ فِي الْأَمَةِ يَشْتَرِيهَا وَلَهَا زَوْجٌ فَقَالَ بَيْعُهَا طَلَاقُهَا وَلِلْمُشْتَرِي اتِّخَاذُهَا لِنَفْسِهِ وَهُوَ خِلَافُ أَقَاوِيلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَحَدِيثُ بَرِيرَةَ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ
انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ



رقم الحديث 2156 [2156] ( فَرَأَى امْرَأَةً مُجِحًّا) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُشَدَّدَةٍ أَيْ حَامِلٌ تَقْرُبُ وِلَادَتُهَا ( أَلَمَّ بِهَا) أَيْ جَامَعَهَا وَالْإِلْمَامُ مِنْ كِنَايَاتِ الْوَطْءِ ( لَقَدْ هَمَمْتُ) أَيْ عَزَمْتُ وَقَصَدْتُ ( أَنْ أَلْعَنَهُ) أَيْ أَدْعُوَ عَلَيْهِ بَالْبُعْدِ عَنِ الرَّحْمَةِ ( لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ) أَيْ يَسْتَمِرُّ إِلَى مَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَإِنَّمَا هَمَّ بِلَعْنِهِ لِأَنَّهُ إِذَا أَلَمَّ بِأَمَتِهِ الَّتِي يَمْلِكُهَا وَهِيَ حَامِلٌ كَانَ تَارِكًا لِلِاسْتِبْرَاءِ وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِ ( كَيْفَ يُوَرِّثُهُ) أَيِ الْوَلَدُ ( وَهُوَ) أَيْ تَوْرِيثُهُ ( وَكَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ) أَيِ الْوَلَدُ ( وَهُوَ) أَيِ اسْتِخْدَامُهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ إِلَخْ أَنَّهُ قَدْ يَتَأَخَّرُ وِلَادَتُهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ بِحَيْثُ يَحْتَمِلُ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ هَذَا السَّابِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ قَبْلَهُ فَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنَ السَّابِي يَكُونُ وَلَدًا لَهُ وَيَتَوَارَثَانِ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ السَّابِي لَا يَتَوَارَثَانِ هُوَ وَالسَّابِي لِعَدَمِ الْقَرَابَةِ بَلْ لَهُ اسْتِخْدَامُهُ لِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ فَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَلْحِقُهُ وَيَجْعَلُهُ ابْنًا لَهُ وَيُوَرِّثُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ تَوْرِيثُهُ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يَحِلُّ تَوَارُثُهُ وَمُزَاحَمَتُهُ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ وَقَدْ يَسْتَخْدِمُهُ اسْتِخْدَامَ الْعَبِيدِ وَيَجْعَلُهُ عَبْدًا يَتَمَلَّكُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْهُ إِذَا وَضَعَتْهُ لِمُدَّةٍ مُحْتَمِلَةٍ كَوْنَهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍQفَالصَّوَاب الْقَوْل الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا وَطِئَهَا حَامِلًا صَارَ فِي الْحَمْل جُزْء مِنْهُ
فَإِنَّ الْوَطْء يَزِيد فِي تَخْلِيقه وَهُوَ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ عَبْد لَهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى أَنْ يَسْتَعْبِدهُ وَيَجْعَلهُ كَالْمَالِ الْمَوْرُوث عَنْهُ فَيُوَرِّثهُ أَيْ يَجْعَلهُ مَالًا مَوْرُوثًا عَنْهُ
وَقَدْ صَارَ فِيهِ جُزْء مِنْ الْأَب
قَالَ الْإِمَام أَحْمَد الْوَطْء يَزِيد فِي سَمْعه وَبَصَره
وَقَدْ صَرَّحَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي قَوْله لَا يَحِلّ لِرَجُلٍ أَنْ يَسْقِي مَاءَهُ زَرْع غَيْره وَمَعْلُوم أَنَّ الْمَاء الَّذِي يُسْقَى بِهِ الزَّرْع يَزِيد فِيهِ وَيَتَكَوَّن الزَّرْع مِنْهُ وَقَدْ شَبَّهَ وَطْء الْحَامِل بِسَاقِي الزَّرْع الْمَاء وَقَدْ جَعَلَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَحِلّ الْوَطْء حَرْثًا وَشَبَّهَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَمْل بِالزَّرْعِ وَوَطْء الْحَامِل بِسَقْيِ الزَّرْع
وَهَذَا دَلِيل ظَاهِر جِدًّا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز نِكَاح الزَّانِيَة حَتَّى تَعْلَم بَرَاءَة رَحِمهَا إِمَّا بِثَلَاثِ حِيَض أَوْ بِحَيْضَةٍ وَالْحَيْضَة أَقْوَى لِأَنَّ الماء الذي من الزنى وَالْحَمْل وَإِنْ يَكُنْ لَهُ حُرْمَة فَلِمَاءِ الزَّوْج حرمة وهو مِنْهُمَا
فَيَجِبُ عَلَيْهِ الِامْتِنَاعُ مِنْ وَطْئِهَا خَوْفًا مِنْ هَذَا الْمَحْظُورِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ



رقم الحديث 2157 [2157] ( لَا تُوطَأُ) بِهَمْزٍ فِي آخِرِهِ أَيْ لَا تُجَامَعُ ( وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ) أَيْ وَلَا تُوطَأُ حَائِلٌ ( حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً) بَالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ وَقَولُهُ لَا تُوطَأُ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ لَا تُجَامِعُوا مَسْبِيَّةً حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَلَا حَائِلًا ذَاتَ إِقْرَاءٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً كَامِلَةً وَلَوْ مَلَكَهَا وَهِيَ حَائِضٌ لا تعتد بتلك الحيضة حتى تستبرىء بِحَيْضَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرِهَا أَوْ كِبَرِهَا فَاسْتِبْرَاؤُهَا يَحْصُلُ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ أَصَحُّهُمَا الْأَوَّلُ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِحْدَاثَ الْمِلْكِ يُوجِبُ الِاسْتِبْرَاءَ وَبِظَاهِرِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ
كَذَا قَالَ القارىء نَقْلًا عَنْ مَيْرَكٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ شَرِيكٌ الْقَاضِي
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ