فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي تَوْكِيدِ السُّحُورِ

رقم الحديث 2034 [2034] ( مَا كَتَبْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ أَوِ الْمَنْفِيُّ شَيْءٌ اخْتُصُّوا بِهِ عَلَى النَّاسِ ( وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ) وَسَبَبُ قَوْلِ عَلِيٍّ هَذَا يَظْهَرُ بِمَا رُوِّينَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ الْأَعْرَجِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بَالْأَمْرِ فَيُقَالُ لَهُ قَدْ فَعَلْنَا فَيَقُولُ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَقَالَ لَهُ الْأَشْتَرُ هَذَا الَّذِي تَقُولُ شَيْءٌ عَهِدَهُ إِلَيْكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا عَهِدَ إِلَيَّ شَيْئًا خَاصًّا دُونَ النَّاسِ إِلَّا شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ فَهُوَ فِي صَحِيفَةٍ فِي قِرَابِ سَيْفِي فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَخْرَجَ الصَّحِيفَةَ فَإِذَا فِيهَا ( الْمَدِينَةُ حَرَامٌ) أَيْ حَرَمٌ كَمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْ حَرَمٌ مُحَرَّمَةٌ ( مَا بَيْنَ عَائِرَ) بَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْأَلِفِ مَهْمُوزًا آخِرُهُ رَاءٌ جَبَلٌ بَالْمَدِينَةِ ( إِلَى ثَوْرٍ) وَهَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ إِلَى ثَوْرٍ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مَا بَيْنَ عَيْرَ إِلَى أُحُدٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَا يَعْرِفُونَ جَبَلًا عِنْدَهُمْ يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ وَإِنَّمَا ثَوْرٌ بِمَكَّةَ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ ثَوْرٌ جَبَلٌ بِمَكَّةَ وَجَبَلٌ بَالْمَدِينَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرَ إِلَى ثَوْرٍ
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَكَابِرِ الْأَعْلَامِ إِنَّ هَذَا تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ إِلَى أُحُدٍ لِأَنَّ ثَوْرًا إِنَّمَا هُوَ بِمَكَّةَ فَغَيْرُ جَيِّدٍ لِمَا أَخْبَرَنِي الشُّجَاعُ الْبَعْلِيُّ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي محمد عبد السلام الْبَصْرِيِّ أَنَّ حِذَاءَ أُحُدٍ جَانِحًا إِلَى وَرَائِهِ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ وَتَكَرَّرَ سُؤَالِي عَنْهُ طَوَائِفَ مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِفِينَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ فَكُلٌّ أَخْبَرَ أَنَّ اسْمَهُ ثَوْرٌ وَلِمَا كَتَبَ إِلَيَّ الشَّيْخُ عَفِيفُ الدِّينِ الْمَطَرِيُّ عَنْ وَالِدِهِ الْحَافِظِ الثِّقَةِ قَالَ إِنَّ خَلْفَ أُحُدٍ عَنْ شِمَالِهِ جَبَلًا صَغِيرًا مُدَوَّرًا يُسَمَّى ثَوْرًا يَعْرِفهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ
قَالَهُ صَاحِبُ تَحْقِيقِ النُّصْرَةِ
وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْأَحْكَامِ قَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ الْعَالِمُ أَبُو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عَنْ يَسَارِهِ جَانِحًا إِلَى وَرَائِهِ جَبَلًا صَغِيرًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ تَكَرَّرَ سُؤَالُهُ عَنْهُ لِطَوَائِفَ مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِفِينَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْجِبَالِ فَكُلٌّ أَخْبَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْجَبَلَ اسْمُهُ ثَوْرٌ وَتَوَارَدُوا عَلَى ذَلِكَ
قَالَ فَعَلِمْنَا أَنَّ ذِكْرَ ثَوْرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ صَحِيحٌ وَأَنَّ عَدَمَ عِلْمِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ بِهِ لِعَدَمِ شُهْرَتِهِ وَعَدَمِ بَحْثِهِمْ عَنْهُ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حُسَيْنٍ الْمَرَاغِيُّ نَزِيلُ الْمَدِينَةِ فِي مُخْتَصَرِهِ لِأَخْبَارِ الْمَدِينَةِ إِنَّ خَلَفَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَنْقُلُونَ عَنْ سَلَفِهِمْ أَنَّ خَلْفَ أُحُدٍ مِنْ جِهَةِ الشِّمَالِ جَبَلًا صَغِيرًا إِلَى الْحُمْرَةِ بِتَدْوِيرٍ يُسَمَّى ثَوْرًا
قَالَ وَقَدْ تَحَقَّقْتُهُ بَالْمُشَاهَدَةِ
( فَمَنْ أَحْدَثَ) أَيْ أَظْهَرَ ( حَدَثًا) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالدَّالِ أَيْ مُخَالِفًا لِمَا جَاءَ بِهِ الرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَنِ ابْتَدَعَ بِهَا بِدْعَةً ( أَوْ آوَى) بَالْمَدِّ ( مُحْدِثًا) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ مُبْتَدِعًا ( وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) فِيهِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ
قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ لَكِنِ الْمُرَادُ بَاللَّعْنِ هُنَا الْعَذَابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذَنْبِهِ لَا كَلَعْنِ الْكَافِرِ الْمُبْعَدِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ كُلَّ الْإِبْعَادِ ( لَا يُقْبَلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( مِنْهُ) مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ ( عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُقَالُ فِي تَفْسِيرِ الْعَدْلِ إِنَّهُ الْفَرِيضَةُ وَالصَّرْفِ النَّافِلَةُ
وَمَعْنَى الْعَدْلِ هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَمَعْنَى الصَّرْفِ الرِّبْحُ وَالزِّيَادَةُ وَمِنْهُ صَرْفُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ
وَالنَّوَافِلُ الزِّيَادَاتُ عَلَى الْأُصُولِ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ صَرْفًا انْتَهَى ( ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ عَهْدُهُمْ وَأَمَانُهُمْ ( وَاحِدَةٌ) أَيْ إِنَّهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا يَخْتَلِفُ بَاخْتِلَافِ الْمَرَاتِبِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهَا لِتَفَرُّدِ الْعَاقِدِ بِهَا
وَكَأَنَّ الَّذِي يَنْقُصُ ذِمَّةَ نَفْسِهِ وَهِيَ مَا يُذَمُّ الرَّجُلُ عَلَى إِضَاعَتِهِ مِنْ عَهْدٍ وَأَمَانٍ كَأَنَّهُمْ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ الَّذِي إِذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ ( يَسْعَى بِهَا) أَيْ يَتَوَلَّاهَا وَيَلِي أَمْرَهَا ( أَدْنَاهُمْ) أَيْ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ مَرْتَبَةً
وَالْمَعْنَى أَنَّ ذِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ سَوَاءَ صَدَرَتْ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ شَرِيفٍ أَوْ وَضِيعٍ
قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِذَا أَمَّنَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُؤْمِّنُ عَبْدًا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يُحَاصِرَ الْإِمَامُ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ فَيُعْطِي بَعْضَ عَسْكَرَةِ الْمُسْلِمِينَ أَمَانًا لِبَعْضِ الْكُفَّارِ فَإِنَّ أَمَانَهُ مَاضٍ وَإِنْ كَانَ الْمُجِيرُ عَبْدًا وَهُوَ أَدْنَاهُمْ وَأَقَلُّهُمْ
وَهَذَا خَاصٌّ فِي أَمَانِ بَعْضِ الْكُفَّارِ دُونَ جَمَاعَتِهِمْ وَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُعْطِيَ أَمَانًا عَامًّا لِجَمَاعَةِ الْكُفَّارِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَمَانُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ أَصْلًا وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ انْتَهَى ( فَمَنْ أَخْفَرَ) بَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ نَقَضَ عَهْدَهُ وَأَمَانَهُ لِلْكَافِرِ بِأَنْ قَتَلَ ذَلِكَ الْكَافِرَ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ وحقيقته إزالة حفرته أَيْ عَهْدَهُ وَأَمَانَهُ ( وَمَنْ وَالَى قَوْمًا) بِأَنْ يقول معتق لِغَيْرِ مُعْتِقِهِ أَنْتَ مَوْلَايَ ( بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ) لَيْسَ لِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ وَقَصْرِهِ عَلَيْهِ بَلْ بُنِيَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْذَنَ مَوَالِيَهُ لَمْ يَأْذَنُوا لَهُ
قال الطيبي قيل أراد به ولاء المولاة لَا وَلَاءَ الْعِتْقِ كَمَنِ انْتَسَبَ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّرْطِ حَتَّى يَجُوزَ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَ مَوَالِيهِ إِذَا أَذِنُوا لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى التَّوْكِيدِ لِتَحْرِيمِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ