فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى النِّكَاحِ

رقم الحديث 1787 [1787] ( لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ) يَعْنِي مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَا الْقِرَانِ وَلَا غَيْرِهِمَا ( خَلَوْنَ) أَيْ مَضَيْنَ ( مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ ( أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ) أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ فَسْخِنَا الْحَجَّ إِلَى عُمْرَتِنَا هَذِهِ الَّتِي تَمَتَّعْنَا فِيهَا بِالْجِمَاعِ وَالطِّيبِ وَاللُّبْسِ ( لِعَامِنَا هَذَا) أَيْ مَخْصُوصَةٌ بِهِ لَا تَجُوزُ فِي غَيْرِهِ ( أَمْ لِلْأَبَدِ) أَيْ جَمِيعِ الْأَعْصَارِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَالَ إِنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ لِكُلِّ أَحَدٍQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَعِنْد النَّسَائِيِّ عَنْ سُرَاقَة تَمَتَّعَ رَسُول الله وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ فَقُلْنَا أَلَنَا خَاصَّة أَمْ لِلْأَبَدِ قَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ وَهُوَ صَرِيح فِي أَنَّ الْعُمْرَة الَّتِي فَسَخُوا حَجّهمْ إِلَيْهَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّة بِهِمْ وَأَنَّهَا مَشْرُوعَة لِلْأُمَّةِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَقَوْل مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَاد بِهِ السُّؤَال عَنْ الْمُتْعَة فِي أَشْهُر الْحَجّ لَا عَنْ عُمْرَة الْفَسْخ بَاطِل مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّهُ لَمْ يَقَع السُّؤَال عَنْ ذَلِكَ وَلَا فِي اللَّفْظ مَا يَدُلّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ تَلِك الْعُمْرَة الْمُعَيَّنَة الَّتِي أُمِرُوا بِالْفَسْخِ إِلَيْهَا وَلِهَذَا أَشَارَ إِلَيْهَا بِعَيْنِهَا فَقَالَ مُتْعَتنَا هَذِهِ وَلَمْ يَقُلْ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ
الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ السَّائِل أَرَادَ ذلك فالنبي أَطْلَقَ الْجَوَاب بِأَنَّ تَلِك الْعُمْرَة مَشْرُوعَة إِلَى الْأَبَد وَمَعْلُوم أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى وَصْفَيْنِ كَوْنهَا عُمْرَة فُسِخَ الْحَجّ إِلَيْهَا وَكَوْنهَا فِي أَشْهُر الْحَجّ
فَلَوْ كَانَ الْمُرَاد أَحَد الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ كَوْنهَا فِي أَشْهُر الْحَجّ لَبَيَّنَهُ لِلسَّائِلِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْفَسْخ حَرَامًا بَاطِلًا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ إِنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهَا قَالُوا وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَحَدِيثِ الْحَرْثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ وَسَيَأْتِيَانِ عند المؤلف
قالوا ومعنى قوله للأبد جواز الاعتمار في أشهر الحج أو القران فهما جائزان إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَأَمَّا فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ فَمُخْتَصٌّ بِتِلْكَ السَّنَةِ
وَقَدْ عَارَضَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْفَسْخِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ ذَكَرَ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى مِنْهَا أَحَادِيثَ عَشَرَةٍ مِنْهُمْ وَهُمْ جَابِرٌ وَسُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ وأسماء وعائشة وبن عباس وأنس وبن عُمَرَ وَالرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ وَالْبَرَاءُ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ هُمْ حَفْصَةُ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو مُوسَى
قَالَ المنذريQفَكَيْفَ يُطْلَق الْجَوَاب عَمَّا يَجُوز وَيُشْرَع
وَمَا لَا يَحِلّ وَلَا يَصِحّ إِطْلَاقًا وَاحِدًا هَذَا مما ينزه عنه آحاد أمته فضلا عنه وَمَعْلُوم أَنَّ مَنْ سُئِلَ عَنْ أَمْر يَشْتَمِل عَلَى جَائِز وَمُحَرَّم وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّن لِلسَّائِلِ جَائِزه مِنْ حَرَامه وَلَا يُطْلَق الْجَوَاز وَالْمَشْرُوعِيَّة عَلَيْهِ إِطْلَاقًا وَاحِدًا
الثَّالِث أَنَّ النَّبِيّ قَدْ اِعْتَمَرَ قَبْل ذَلِكَ ثَلَاث عُمَر كُلّهنَّ فِي أَشْهُر الْحَجّ وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ الْخَاصّ وَالْعَامّ أَفَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ الرَّابِع أن النبي قَالَ لَهُمْ عِنْد إِحْرَامهمْ مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلّ وَفِي هَذَا أَعْظَم الْبَيَان لِجَوَازِ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ
الْخَامِس أَنَّهُ خَصَّ بِذَلِكَ الْفَسْخ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي.
وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْي فَأَمَرَهُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إِحْرَامه وَأَنْ لَا يَفْسَخ فَلَوْ كَانَ الْمُرَاد مَا ذَكَرُوهُ لَعَمَّ الْجَمِيع بِالْفَسْخِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْهَدْيِ أَثَر أَصْلًا فَإِنَّ سَبَب الْفَسْخ عِنْدهمْ الْإِعْلَام الْمُجَرَّد بِالْجَوَازِ وَهَذَا الْإِعْلَام لَا تَأْثِير لِلْهَدْيِ فِي الْمَنْع مِنْهُ
السَّادِس أَنَّ طُرُق الْإِعْلَام بِجَوَازِ الِاعْتِمَار فِي أَشْهُر الْحَجّ أَظْهَر وَأَبْيَن قَوْلًا وَفِعْلًا مِنْ الْفَسْخ فكيف يعدل عَنْ الْإِعْلَام بِأَقْرَب الطُّرُق وَأَبْيَنهَا وَأَسْهَلهَا وَأَدَلّهَا إِلَى الْفَسْخ الَّذِي لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِعْلَام وَالْخُرُوج مِنْ نُسُك إِلَى نُسُك وَتَعْوِيضهمْ بِسَعَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَام الْمُمْكِن الحصول بأقرب الطرق وقد بين ذَلِكَ غَايَة الْبَيَان بِقَوْلِهِ وَفِعْله فَلَمْ يُحِلّهُمْ بِالْإِعْلَامِ عَلَى الْفَسْخ
السَّابِع أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْفَسْخ لِلْإِعْلَامِ الْمَذْكُور لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا على داوم مَشْرُوعِيَّته إِلَى يَوْم ...............................
Qالْقِيَامَة فَإِنَّ مَا شُرِعَ فِي الْمَنَاسِك لِمُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ مَشْرُوع أَبَدًا كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَة لِقُرَيْشٍ وَغَيْرهمْ وَالدَّفْع مِنْ مُزْدَلِفَة قَبْل طُلُوع الشَّمْس
الثَّامِن أَنَّ هَذَا الْفَسْخ وَقَعَ فِي آخِر حَيَاة النبي ولم يجيء عَنْهُ كَلِمَة قَطّ تَدُلّ عَلَى نَسْخه وَإِبْطَاله وَلَمْ تُجْمِع الْأُمَّة بَعْده عَلَى ذَلِكَ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يُوجِبهُ كَقَوْلِ حَبْر الْأُمَّة وَعَالِمهَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَمَنْ وَافَقَهُ وَقَوْل إِسْحَاق وَهُوَ قَوْل الظَّاهِرِيَّة وَغَيْرهمْ وَمِنْهُمْ مَنْ يستحبه ويراه سنة رسول الله كَقَوْلِ إِمَام أَهْل السُّنَّة أَحْمَد بْن حَنْبَل وَقَدْ قَالَ لَهُ سَلَمَة بْن شَبِيب يَا أَبَا عَبْد اللَّه كُلّ شَيْء مِنْك حَسَن إِلَّا خَصْلَة وَاحِدَة تَقُول بِفَسْخِ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة فَقَالَ يَا سَلَمَة
كَانَ يَبْلُغنِي عَنْك أَنَّك أَحْمَق وَكُنْت أُدَافِع عَنْك وَالْآن عَلِمْت أَنَّك أَحْمَق عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِضْعَة عَشَر حديثا صحيحه عن رسول الله أَدَعهَا لِقَوْلِك وَهُوَ قَوْل الْحَسَن وَعَطَاء وَمُجَاهِد وَعُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن وَكَثِير مِنْ أَهْل الْحَدِيث أَوْ أَكْثَرهمْ
التَّاسِع أَنَّ هَذَا مُوَافِق لِحَجِّ خَيْر الْأُمَّة وَأَفْضَلهَا مَعَ خَيْر الْخَلْق وأفضلهم فإنه أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ إِلَى الْمُتْعَة وَهُوَ لَا يَخْتَار لَهُمْ إِلَّا الْأَفْضَل فَكَيْفَ يَكُون مَا اِخْتَارَهُ لَهُمْ هُوَ الْمَفْضُول الْمَنْقُوص بَلْ الْبَاطِل الَّذِي لَا يَسُوغ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ فِيهِ الْعَاشِر أَنَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ إِذَا لَمْ يَكْتَفُوا بِعَمَلِ الْعُمْرَة مَعَهُ ثَلَاثَة أَعْوَام فِي أَشْهُر الْحَجّ وَبِقَوْلِهِ لَهُمْ عِنْد الْإِحْرَام مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلّ عَلَى جَوَاز الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ فَهُمْ أَحْرَى أَنْ يَكْتَفُوا بِالْأَمْرِ بِالْفَسْخِ فِي الْعِلْم بِجَوَازِ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْصُل لَهُمْ الْعِلْم بِالْجَوَازِ بِقَوْلِهِ وَفِعْله فَكَيْفَ يحصل بأمره لهم بالنسخ
الحادي عشر أن بن عَبَّاس الَّذِي رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ مِنْ أَفْجَر الْفُجُور وَأَنَّ النبي أَمَرَهُمْ لَمَّا قَدِمُوا بِالْفَسْخِ هُوَ كَانَ يَرَى وُجُوب الْفَسْخ وَلَا بُدّ بَلْ كَانَ يَقُول كُلّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ مِنْ إحرامه ما لم يكن معه هدي وبن عباس أعلم بذلك فلو كان النبي إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لِلْإِعْلَامِ بِجَوَازِ الْعُمْرَة لَمْ يخف ذلك على بن عَبَّاس وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ كُلّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ قَارِن أَوْ حَاجّ لَا هَدْي مَعَهُ فَقَدْ حَلَّ
الثَّانِي عَشَر أَنَّهُ لَا يُظَنّ بِالصَّحَابَةِ الَّذِينَ هُمْ أَصَحّ النَّاس أَذْهَانًا وَأَفْهَامًا وَأَطْوَعهمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا جَوَاز الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ وَقَدْ عَمِلُوهَا مع رسول الله ثَلَاثَة أَعْوَام وَأَذِنَ لَهُمْ فِيهَا ثُمَّ فَهِمُوا ذَلِكَ مِنْ الْأَمْر بِالْفَسْخِ
الثَّالِث عَشَر أَنَّ النبي إِمَّا أَنْ يَكُون أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لِأَنَّ التَّمَتُّع أَفْضَل فَأَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ إِلَى أَفْضَل الْأَنْسَاك أَوْ يَكُون أَمَرَهُمْ بِهِ لِيَكُونَ نُسُكهمْ مُخَالِفًا لِلْمُشْرِكِينَ فِي التَّمَتُّع فِي أَشْهُر الْحَجّ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ مَشْرُوع غَيْر مَنْسُوخ إِلَى الْأَبَد ...............................
Qأَمَّا الْأَوَّل الظَّاهِر.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الشَّرِيعَة قَدْ اِسْتَقَرَّتْ وَلَا سِيَّمَا فِي الْمَنَاسِك عَلَى قَصْد مُخَالَفَة الْمُشْرِكِينَ فَالنُّسُك الْمُشْتَمِل عَلَى مُخَالَفَتهمْ أَفْضَل بِلَا رَيْب وَهَذَا وَاضِح
الرَّابِع عَشَر أَنَّ السَّائِل لِلنَّبِيِّ عُمْرَتنَا هَذِهِ لِعَامِنَا أَمْ للأبد لم يرد به أنها هل تجزىء عَنْ تَلِك السَّنَة فَقَطْ أَوْ عَنْ الْعُمْر كُلّه فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَاده ذَلِكَ لَسَأَلَ عَنْ الْحَجّ الَّذِي هُوَ فَرْض الْإِسْلَام وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ الْعُمْرَة إِنْ كَانَتْ وَاجِبَة لَمْ تَجِب فِي الْعُمْر إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لَهُ النَّبِيّ بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَد فَإِنَّ أَبَد الْأَبَد إِنَّمَا يَكُون فِي حَقّ الْأُمَّة ( قَوْمًا يَعْرِفُونَ) إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِنَّ الْأَبَد لَا يَكُون فِي حَقّ طَائِفَة مُعَيَّنَة بَلْ هُوَ لِجَمِيعِ الْأُمَّة وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ أَلَنَا خَاصَّة أَمْ لِلْأَبَدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا
هَلْ يَسُوغ فِعْلهَا بَعْدك عَلَى هَذَا الْوَجْه فَأَجَابَهُمْ بِأَنَّ فِعْلهَا كَذَلِكَ سَائِغ أَبَد الْأَبَد وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ سُرَاقَة بْن مَالِك لقي النبي فَقَالَ أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّة يَا رَسُول اللَّه قَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ
الْخَامِس عَشَر أَنَّ النَّبِيّ أَخْبَرَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَجَّة أَنَّ كُلّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْي فَفِي السُّنَن مِنْ حَدِيث الرَّبِيع بْن سَبْرَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رسول الله حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ قَالَ لَهُ سُرَاقَة بْن مَالِك الْمُدْلِجِيّ يَا رَسُول اللَّه اِقْضِ لَنَا قَضَاء قَوْم كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْم فَقَالَ
إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجّكُمْ هَذَا عُمْرَة فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَقَدْ حَلَّ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْي وَسَيَأْتِي الْحَدِيث
فَهَذَا نَصّ اِنْفِسَاخه شَاءَ أَمْ أَبَى كَمَا قال بن عَبَّاس وَإِسْحَاق وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَقَوْله اِقْضِ لَنَا قَضَاء قَوْم كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْم يُرِيد قَضَاء لَازِمًا لَا يَتَغَيَّر وَلَا يَتَبَدَّل بَلْ نَتَمَسَّك بِهِ مِنْ يَوْمنَا هَذَا إِلَى آخِر الْعُمْر
السادس عشر أن النبي لَمَّا سُئِلَ عَنْ تِلْكَ الْعُمْرَة الَّتِي فَسَخُوا إِلَيْهَا الْحَجّ وَتَمَتَّعُوا بِهَا اِبْتِدَاء فَقَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَة فِي الْحَجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَانَ هَذَا تَصْرِيحًا مِنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْم ثَابِت أَبَدًا لَا يُنْسَخ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمَنْ جَعَلَهُ مَنْسُوخًا فَهَذَا النَّصّ يَرُدّ قَوْله
وَحَمَلَهُ عَلَى الْعُمْرَة الْمُبْتَدَأَة الَّتِي لَمْ يُفْسَخ الْحَجّ إِلَيْهَا بَاطِل فَإِنَّ عُمْدَة الْفَسْخ سَبَب الْحَدِيث فَهِيَ مُرَادَة مِنْهُ نَصًّا وَمَا عَدَاهَا ظَاهِرًا وَإِخْرَاج مَحَلّ السَّبَب وَتَخْصِيصه مِنْ اللَّفْظ الْعَامّ لَا يَجُوز فَالتَّخْصِيص وَإِنْ تَطَرَّقَ إِلَى الْعُمُوم فَلَا يَتَطَرَّق إِلَى مَحَلّ السَّبَب
وَهَذَا بَاطِل
السَّابِع عَشَر أَنَّ مُتْعَة الْفَسْخ لَوْ كَانَتْ مَنْسُوخَة لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُوم عِنْد الصَّحَابَة ضَرُورَة كَمَا كَانَ مِنْ الْمَعْلُوم عِنْدهمْ نَسْخ الْكَلَام فِي الصَّلَاة وَنَسْخ الْقِبْلَة وَنَسْخ تَحْرِيم الطَّعَام وَالشَّرَاب عَلَى الصَّائِم بَعْد مَا يَنَام بَلْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوُقُوف بِعَرَفَة وَالدَّفْع مِنْ مُزْدَلِفَة قَبْل طُلُوع الشَّمْس فَإِنَّ هَذَا مِنْ أُمُور الْمَنَاسِك الظَّاهِرَة الْمُشْتَرِك فِيهَا أَهْل الْإِسْلَام فَكَانَ نَسْخه لَا يَخْفَى عَلَى أَحَد
وَقَدْ كان بن عَبَّاس إِذَا سَأَلُوهُ عَنْ فُتْيَاهُ بِهَا يَقُول سُنَّة نَبِيّكُمْ وَإِنْ رَغِمْتُمْ فَلَا يُرَاجِعُونَهُ فَكَيْفَ تكون منسوخة عندهم وَأَبُو مُوسَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّQوبن عَبَّاس يُخْبِر أَنَّهَا سُنَّة نَبِيّهمْ وَيُفْتِي بِهَا الْخَاصّ وَالْعَامّ وَهُمْ يُقِرُّونَهُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا مِنْ أَبْطَل الْبَاطِل
الثَّامِن عَشَر أَنَّ الْفَسْخ قد رواه عن النبي أَرْبَعَة عَشَر مِنْ الصَّحَابَة وَهُمْ عَائِشَة وَحَفْصَة وعلي وفاطمة وأسماء بنت أبي بكر وجابر وأبو سعيد وأنس وأبو موسى والبراء وبن عَبَّاس وَسُرَاقَة وَسَبْرَة وَرَوَاهُ عَنْ عَائِشَة الْأَسْوَد بْن يَزِيد وَالْقَاسِم وَعُرْوَة وَعَمْرَة وَذَكْوَان مَوْلَاهَا
وَرَوَاهُ عَنْ جَابِر عَطَاء وَمُجَاهِد وَمُحَمَّد بْن عَلِيّ وَأَبُو الزُّبَيْر
وَرَوَاهُ عَنْ أَسْمَاء صَفِيَّة وَمُجَاهِد
وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيد أَبُو نَضْرَة
وَرَوَاهُ عَنْ الْبَرَاء أَبُو إِسْحَاق
وَرَوَاهُ عَنْ بن عُمَر سَالِم اِبْنه وَبَكْر بْن عَبْد اللَّه
ورواه عَنْ أَنَس أَبُو قِلَابَةَ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي موسى طارق بن شهاب ورواه عن بن عباس طاووس وعطاء وبن سِيرِينَ وَجَابِر بْن زَيْد وَمُجَاهِد وَكُرَيْب وَأَبُو الْعَالِيَة وَمُسْلِم الْقُرَشِيّ وَأَبُو حَسَّان الْأَعْرَج وَرَوَاهُ عَنْ سَبْرَة اِبْنه
فَصَارَ نَقْل كَافَّة عَنْ كَافَّة يُوجِب الْعِلْم وَمِثْل هَذَا لَا يَجُوز دَعْوَى نَسْخه إِلَّا بِمَا يَتَرَجَّح عَلَيْهِ أَوْ يُقَاوِمهُ
فَكَيْفَ يَسُوغ دَعْوَى نَسْخه بِأَحَادِيث لَا تُقَاوِمهُ وَلَا تُدَانِيه وَلَا تُقَارِبهُ وَإِنَّمَا هِيَ بين مجهول رواتها أو ضعفاء لا مقوم بِهِمْ حُجَّة
وَمَا صَحَّ فِيهَا فَهُوَ رَأْي صَاحِب قَالَهُ بِظَنِّهِ وَاجْتِهَاده وَهُوَ أَصَحّ مَا فِيهَا وَهُوَ قَوْل أَبِي ذَرّ كَانَتْ الْمُتْعَة لَنَا خَاصَّة وَمَا عَدَاهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَدْ كَفَانَا رُوَاته مُؤْنَته
فَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ أَبُو ذَرّ رِوَايَة صَحِيحَة ثَابِتَة مَرْفُوعَة لَكَانَ نَسْخ هَذِهِ الْأَحَادِيث الْمُتَوَاتِرَة بِهِ مُمْتَنِعًا فَكَيْفَ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْله وَمَعَ هَذَا فَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ عَشَرَة مِنْ الصَّحَابَة كَابْنِ عَبَّاس وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَغَيْرهمَا
التَّاسِع عَشَر أَنَّ الْفَسْخ مُوَافِق لِلنُّصُوصِ وَالْقِيَاس
أَمَّا مُوَافَقَته لِلنُّصُوصِ فَلَا رَيْب فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ
وَأَمَّا مُوَافَقَته لِلْقِيَاسِ فَإِنَّ الْمُحْرِم إِذَا اِلْتَزَمَ أَكْثَر مِمَّا كَانَ اِلْتَزَمَهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجّ جَازَ اِتِّفَاقًا وَعَكْسه لَا يَجُوز عِنْد الْأَكْثَرِينَ وَأَبُو حَنِيفَة يُجَوِّزهُ عَلَى أَصْله فَإِنَّ الْقَارِن يَطُوف طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ فَإِذَا أَدْخَلَ الْعُمْرَة عَلَى الْحَجّ جَازَ عِنْده لِالْتِزَامِهِ طَوَافًا ثَانِيًا وَسَعْيًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُحْرِم بِالْحَجِّ لَمْ يَلْتَزِم إِلَّا الْحَجّ إِذَا صَارَ مُتَمَتِّعًا صَارَ مُلْتَزِمًا لِعُمْرَةٍ وَحَجّ فَكَانَ مَا اِلْتَزَمَهُ بِالْفَسْخِ أَكْثَر مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَجَازَ ذَلِكَ بَلْ اُسْتُحِبَّ لَهُ لِأَنَّهُ أَفْضَل وَأَكْثَر مِمَّا اِلْتَزَمَهُ أَوَّلًا
وَإِنَّمَا يَتَوَهَّم الْإِشْكَال مَنْ يَتَوَهَّم أَنَّهُ فَسْخ حَجّ إِلَى عُمْرَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَفْسَخ الْحَجّ إِلَى عُمْرَة مُفْرَدَة لَمْ يَجُزْ عِنْد أَحَد وَإِنَّمَا يَجُوز الْفَسْخ لِمَنْ نِيَّته أَنْ يَحُجّ بَعْد مُتْعَته مِنْ عَامه وَالْمُتَمَتِّع مِنْ حِين يُحْرِم بِالْعُمْرَةِ دَخَلَ فِي الْحَجّ كَمَا قال النبي دَخَلَتْ الْعُمْرَة فِي الْحَجّ فَهَذِهِ الْمُتْعَة الَّتِي فَسَخَ إِلَيْهَا هِيَ جُزْء مِنْ الْحَجّ لَيْسَتْ عُمْرَة مُفْرَدَة وَهِيَ مِنْ الْحَجّ بِمَنْزِلَةِ الْوُضُوء مِنْ غُسْل الْجَنَابَة فَهِيَ عِبَادَة وَاحِدَة قَدْ تَخَلَّلَهَا الرُّخْصَة بِالْإِحْلَالِ وَهَذَا لَا يَمْنَع أَنْ تَكُون وَاحِدَة كَطَوَافِ الْإِفَاضَة فَإِنَّهُ مِنْ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ