فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي النُّجُومِ

رقم الحديث 3461 [3461] (مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ صَحَّحَ الْبَيْعَ بِأَوْكَسِ الثَّمَنَيْنِ إِلَّا شَيْءٌ يُحْكَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبٌ فَاسِدٌ وَذَلِكَ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ هَذَا الْعَقْدُ مِنَ الْغَرَرِ وَالْجَهْلِ
قُلْتُ قَالَ فِي النَّيْلِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَهُ بِالْأَوْكَسِ يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو.
وَأَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي حُكُومَةٍ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ دِينَارًا فِي قَفِيزِ بُرٍّ إِلَى شَهْرٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ وَطَالَبَهُ بِالْبُرِّ قَالَ لَهُ بِعْنِي الْقَفِيزَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ بِقَفِيزَيْنِ إِلَى شَهْرَيْنِ فَهَذَا بَيْعٌ ثَانٍ وَقَدْ دَخَلَ عَلَى الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَصَارَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَيَرُدَّانِ إِلَى أَوْكَسِهِمَا أَيْ أَنْقَصِهِمَا وَهُوَ الْأَصْلُ فَإِنْ تَبَايَعَا الْبَيْعَ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا الْأَوَّلَ كَانَا مُرْبِيَيْنِ انْتَهَى
قلت وقد نقل هذا التفسير الإمام بن الأثير في النهاية وبن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ ثُمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ
وَتَفْسِيرُ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ نَقْدًا بِعَشَرَةٍ أَوْ نَسِيئَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيُّهُمَا الثَّمَنُ الَّذِي يَخْتَارُهُ مِنْهُمَا فَيَقَعُ بِهِ الْعَقْدُ وَإِذَا جَهِلَ الثَّمَنَ بَطَلَ الْبَيْعُ انْتَهَى
قُلْتُ وَبِمِثْلِ هَذَا فَسَّرَ سِمَاكٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ قَالَ سِمَاكٌ هُوَ الرَّجُلُ يَبِيعُ الْبَيْعَ فَيَقُولُ هُوَ بِنَسَاءٍ بِكَذَا وَهُوَ بِنَقْدٍ بِكَذَا وَكَذَا وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ بِأَلِفٍ نَقْدًا أَوْ بِأَلْفَيْنِ إِلَى سَنَةٍ فَخُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ أَنْتَ وَشِئْتُ أنا
ونقل بن الرِّفْعَةِ عَنِ الْقَاضِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَبِلَ عَلَى الْإِبْهَامِ أَمَّا لَوْ قَالَ قبلت بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ بِأَلْفَيْنِ بِالنَّسِيئَةِ صَحَّ ذَلِكَ كَذَا فِي النَّيْلِ
ثُمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي جَارِيَتَكَ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ فَهَذَا أَيْضًا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَ الْعَبْدِ عِشْرِينَ دِينَارًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ جَارِيَتَهُ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَذَلِكَ لَا يَلْزَمُهُ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ سَقَطَ بَعْضُ الثَّمَنِ فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهُ صَارَ الْبَاقِي مَجْهُولًا
قَالَ وَعَقْدُ الْبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عند أكثر الفقهاء فاسد
وحكي عن طاووس أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ نَقْدًا بِعَشَرَةٍ وَإِلَى شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَذْهَبُ بِهِ إِلَى إِحْدَاهُمَا انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ هُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ نَقْدًا بِعَشَرَةٍ وَنَسِيئَةٍ بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا الثَّمَنُ الَّذِي يَخْتَارُهُ لِيَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ
وَمِنْ صُوَرِهِ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ هَذَا بِعِشْرِينَ عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي ثَوْبَكَ بِعَشَرَةٍ فَلَا يَصِحُّ لِلشَّرْطِ الَّذِي فِيهِ وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ بَعْضُ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ الْبَاقِي مَجْهُولًا وَقَدْ نُهِيَ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ وَهُمَا هَذَانِ الْوَجْهَانِ انْتَهَى
(فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا) أَيْ أَنْقَصُهُمَا (أَوِ الرِّبَا)
قَالَ فِي النَّيْلِ يَعْنِي أَوْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ هُوَ وَصَاحِبُهُ فِي الرِّبَا الْمُحَرَّمِ إِذَا لَمْ يَأْخُذِ الْأَوْكَسَ بَلْ أَخَذَ الْأَكْثَرَ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ في التفسير الذي ذكره بن رَسْلَانَ وَغَيْرُهُ
وَأَمَّا فِي التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْ سِمَاكٍ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ يَحْرُمُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهِ لِأَجْلِ النَّسَاءِ
وَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ بَيَّنَ صَاحِبُ النَّيْلِ وَجْهَ الظُّهُورِ إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَعَلَيْكَ بِالنَّيْلِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ (وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ) وَالْمَشْهُورُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ (وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْمُجْتَبَى)
قُلْتُ وَكَذَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو الْمَذْكُورِ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي التِّرْمِذِيِّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي الْمُجْتَبَى وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ رِوَايَةَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا فِيهَا شُذُوذٌ كَمَا لا يخفى 2

(

رقم الحديث 3462 [3462]
( أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْبُرُلُّسِيُّ) بِاللَّامِ بَعْدَ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ انْتَهَى
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالنُّونِ دُونَ اللَّامِ أَيْ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ بَيْنَهُمَا مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ كَذَا ضَبَطَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وهو غلطQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَفِي الْبَاب حَدِيث أَبِي إِسْحَاق السُّبَيْعِيِّ عن إمرأته أنها دخلت على عائشة رضي الله عنها فَدَخَلَتْ مَعَهَا أُمّ وَلَد زَيْد بْن أَرْقَمَ فَقَالَتْ يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي بِعْت غُلَامًا مِنْ زَيْد بْن أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَم نَسِيئَة وَإِنِّي اِبْتَعْته مِنْهُ بِسِتِّمِائَةٍ نَقْدًا فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَة بِئْسَمَا اِشْتَرَيْت وَبِئْسَمَا شَرَيْت أَخْبِرِي زَيْدًا أن جهاده مع رسول الله قَدْ بَطَلَ إِلَى أَنْ يَتُوب
هَذَا الْحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيّ وَأَعَلَّهُ بِالْجَهَالَةِ بِحَالِ اِمْرَأَة أَبِي إِسْحَاق.

     وَقَالَ  لَوْ ثَبَتَ فَإِنَّمَا عَابَتْ عَلَيْهَا بَيْعًا إِلَى الْعَطَاء لِأَنَّهُ أَجَل غَيْر مَعْلُوم
ثُمَّ قَالَ وَلَا يَثْبُت مِثْل هَذَا عَنْ عَائِشَة وَزَيْد بْن أَرْقَمَ لَا يَبِيع إِلَّا مَا يَرَاهُ حَلَالًا
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق عَنْ أُمّه الْعَالِيَة بِنْت أَنْفَع أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَة مَعَ أُمّ مُحَمَّد
وَقَالَ غَيْره هَذَا الْحَدِيث حَسَن وَيُحْتَجّ بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ الْعَالِيَة ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ أَبُو إِسْحَاق زَوْجهَا وَيُونُس اِبْنهَا وَلَمْ يُعْلَم فِيهَا جَرْح وَالْجَهَالَة تَرْتَفِع عَنْ الرَّاوِي بِمِثْلِ ذَلِكَ ثُمَّ إِنَّ هَذَا مِمَّا ضُبِطَتْ فِيهِ الْقِصَّة وَمَنْ دَخَلَ مَعَهَا عَلَى عَائِشَة وَقَدْ صَدَّقَهَا زَوْجهَا وَابْنهَا وَهُمَا مَنْ هُمَا فَالْحَدِيث مَحْفُوظ
وَقَوْله فِي الْحَدِيث الْمُتَقَدِّم مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة فَلَهُ أَوْكَسهمَا أَوْ الرِّبَا هُوَ مُنَزَّل عَلَى الْعِينَة بِعَيْنِهَا قَالَهُ شَيْخنَا لِأَنَّهُ بَيْعَانِ فِي بَيْع وَاحِد فَأَوْكَسهمَا الثَّمَن الْحَالّ وَإِنْ أَخَذَ بِالْأَكْثَرِ وَهُوَ الْمُؤَجَّل أَخَذَ بِالرِّبَا
فَالْمَعْنَيَانِ لَا يَنْفَكَّانِ مِنْ أَحَد الْأَمْرَيْنِ إِمَّا الْأَخْذ بِأَوْكَس الثَّمَنَيْنِ أَوْ الرِّبَا وَهَذَا لَا يَتَنَزَّل إِلَّا على العينة وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي لُبِّ اللُّبَابِ فِي تَحْرِيرِ الْأَنْسَابِ الْبُرُلُّسِيُّ بِضَمَّاتٍ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَمُهْمَلَةٍ إِلَى الْبُرُلُّسِ مِنْ بِلَادِ مِصْرَ وَفَتَحَ يَاقُوتُ أَوَّلَهَا وَثَانِيهَا انْتَهَى
وَأَمَّا الْبُرْنُسِيُّ بِالنُّونِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ السُّيُوطِيُ فِيهِ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمِصْرِيُّ وَكَذَا الذَّهَبِيُّ وَأَبُو طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيُّ وَأَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كُتُبِهِمُ الْمُشْتَبِهِ وَالْمُخْتَلِفِ
وقال الإمام الحافظ أبو علي الغساني الجياني فِي كِتَابِهِ تَقْيِيدِ الْمُهْمَلِ وَتَمْيِيزِ الْمُشْكِلِ الْبُرُلُّسِيُّ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِوَاحِدَةٍ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا لَامٌ مَضْمُومَةٌ مُشَدَّدَةٌ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى الْمَعَافِرِيُّ الْبُرُلُّسِيُّ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ يُنْسَبُ إِلَى بُرُلُّسٍ قَرْيَةٌ مِنْ سَوَاحِلِ مِصْرَ انْتَهَى
وَفِي مَرَاصِدِ الِاطِّلَاعِ بَرَلُّسٌ بِفَتْحَتَيْنِ وَضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِهَا بُلَيْدَةٌ عَلَى شَاطِئِ نِيلِ مِصْرَ قُرْبَ الْبَحْرِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ انْتَهَى وَلَمْ يَذْكُرْ بِالنُّونِ
( إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْعِينُ بِالْكَسْرِ السَّلَفُQفَصْل
قَالَ الْمُحَرِّمُونَ لِلْعِينَةِ الدَّلِيل عَلَى تَحْرِيمهَا مِنْ وُجُوه
أَحَدهَا أَنَّ اللَّه تَعَالَى حَرَّمَ الرِّبَا وَالْعِينَة وَسِيلَة إِلَى الرِّبَا بَلْ هِيَ مِنْ أَقْرَب وَسَائِله وَالْوَسِيلَة إِلَى الْحَرَام حَرَام فَهُنَا مَقَامَانِ
أَحَدهمَا بَيَان كَوْنهَا وَسِيلَة
وَالثَّانِي بَيَان أَنَّ الْوَسِيلَة إِلَى الْحَرَام حَرَام
فَأَمَّا الْأَوَّل فَيَشْهَد لَهُ بِهِ النَّقْل وَالْعُرْف وَالنِّيَّة وَالْقَصْد وَحَال الْمُتَعَاقِدَيْنِ
فَأَمَّا النَّقْل فَبِمَا ثَبَتَ عن بن عَبَّاس أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُل بَاعَ مِنْ رجل حريرة بمائة ثم اشترها بِخَمْسِينَ فَقَالَ دَرَاهِم بِدَرَاهِم مُتَفَاضِلَة دَخَلَتْ بَيْنهَا حَرِيرَة
وَفِي كِتَاب مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الحافظ المعروف بمعين عن بن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ اِتَّقُوا هَذِهِ الْعِينَة لَا تَبِيعُوا دَرَاهِم بِدَرَاهِم بَيْنهمَا حَرِيرَة وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ وَعَيَّنَ أَخَذَ بِالْعِينَةِ بِالْكَسْرِ أَيِ السَّلَفِ أَوْ أَعْطَى بِهَا
قَالَ وَالتَّاجِرُ بَاعَ سِلْعَتَهُ بِثَمَنٍ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ انْتَهَى
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبَيْعُ الْعِينَةِ هُوَ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِهِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَيُسَلِّمُهُ إِلَى الْمُشْتَرِي ثُمَّ يَشْتَرِيهِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بِثَمَنِ نَقْدٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ انْتَهَى
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْعِينَةِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَوَّزَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ
كَذَا في النيل
وقد حقق الإمام بن الْقَيِّمِ عَدَمَ جَوَازِ الْعِينَةِ وَنَقَلَ مَعْنَى كَلَامِهِ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ
( وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ) حُمِلَ هَذَا عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالزَّرْعِ فِي زَمَنٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْجِهَادُ ( وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ) أَيِ الْمُتَعَيَّنُ فِعْلُهُ ( سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا أَيْ صَغَارًا وَمَسْكَنَةً وَمَنْ أَنْوَاعِ الذُّلِّ الْخَرَاجُ الَّذِي يُسَلِّمُونَهُ كُلَّ سَنَةٍ لِمُلَّاكِ الْأَرْضِ
وَسَبَبُ هَذَا الذُّلِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِي فِيهِ عِزُّ الْإِسْلَامِ وَإِظْهَارُهُ عَلَى كُلِّ دِينٍ عَامَلَهُمُ اللَّهُ بِنَقِيضِهِ وَهُوَ إِنْزَالُ الذِّلَّةِ بِهِمْ فَصَارُوا يَمْشُونَ خَلْفَ أَذْنَابِ الْبَقَرِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا يَرْكَبُونَ عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ الَّتِي هِيَ أَعَزُّ مَكَانٍ
قَالَهُ فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْحَاقُ بْنُ أَسِيدٍ أبو عبد الرحمن الخرساني نَزِيلُ مِصْرَ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ
وَفِيهِ أَيْضًا عطاء الخرساني وفيه مقالQوَفِي كِتَاب أَبِي مُحَمَّد النَّجَشِيّ الْحَافِظ عَنْ بن عَبَّاس أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعِينَة يَعْنِي بَيْع الْحَرِيرَة فَقَالَ إِنَّ اللَّه لَا يُخْدَع هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله
وَفِي كِتَاب الْحَافِظ مطين مَعِين عَنْ أَنَس أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعِينَة يَعْنِي بَيْع الْحَرِيرَة فَقَالَ إِنَّ اللَّه لَا يُخْدَع هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله
وَقَوْل الصَّحَابِيّ حَرَّمَ رَسُول اللَّه كَذَا أَوْ أَمَرَ بِكَذَا وَقَضَى بِكَذَا وَأَوْجَبَ كَذَا فِي حُكْم الْمَرْفُوع اِتِّفَاقًا عِنْد أَهْل الْعِلْم إِلَّا خِلَافًا شَاذًّا لَا يُعْتَدّ بِهِ وَلَا يُؤْبَه لَهُ
وَشُبْهَة الْمُخَالِف أَنَّهُ لَعَلَّهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَظَنَّ مَا لَيْسَ بِأَمْرٍ وَلَا تَحْرِيم كَذَلِكَ وَهَذَا فاسد جدا ...............................
Qفَإِنَّ الصَّحَابَة أَعْلَم بِمَعَانِي النُّصُوص وَقَدْ تَلَقَّوْهَا من في رسول الله فَلَا يُظَنّ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُقْدِم عَلَى قوله أمر رسول الله أَوْ حَرَّمَ أَوْ فَرَضَ إِلَّا بَعْد سَمَاع ذَلِكَ وَدَلَالَة اللَّفْظ عَلَيْهِ وَاحْتِمَال خِلَاف هَذَا كَاحْتِمَالِ الْغَلَط وَالسَّهْو فِي الرِّوَايَة بَلْ دُونه فَإِنْ رُدَّ قَوْله أَمَرَ وَنَحْوه بِهَذَا الِاحْتِمَال وَجَبَ رَدّ رِوَايَته لِاحْتِمَالِ السَّهْو وَالْغَلَط وَإِنْ قُبِلَتْ رِوَايَته وَجَبَ قَبُول الْآخَر
وَأَمَّا شَهَادَة الْعُرْف بِذَلِكَ فَأَظْهَر مِنْ أَنْ تَحْتَاج إِلَى تقرير بل قد علم الله وَعِبَاده مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ ذَلِكَ قَصْدهمَا أَنَّهُمَا لَمْ يَعْقِدَا عَلَى السِّلْعَة عَقْدًا يَقْصِدَانِ بِهِ تَمَلُّكهَا وَلَا غَرَض لَهُمَا فِيهَا بِحَالٍ
وَإِنَّمَا الْغَرَض وَالْمَقْصُود بِالْقَصْدِ الْأَوَّل مِائَة بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَإِدْخَال تَلِك السِّلْعَة فِي الْوَسَط تَلْبِيس وَعَبَث وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرْف الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ فِي نَفْسه بَلْ جِيءَ بِهِ لِمَعْنًى فِي غَيْره حَتَّى لَوْ كَانَتْ تِلْكَ السِّلْعَة تُسَاوِي أَضْعَاف ذَلِكَ الثَّمَن أَوْ تُسَاوِي أَقَلّ جُزْء مِنْ أَجْزَائِهِ لَمْ يُبَالُوا بِجَعْلِهَا مَوْرِدًا لِلْعَقْدِ لِأَنَّهُمْ لَا غَرَض لَهُمْ فِيهَا وَأَهْل الْعُرْف لَا يُكَابِرُونَ أَنْفُسهمْ فِي هَذَا
وَأَمَّا النِّيَّة وَالْقَصْد فَالْأَجْنَبِيّ الْمُشَاهِد لَهُمَا يَقْطَع بِأَنَّهُ لَا غَرَض لَهُمَا فِي السِّلْعَة وَإِنَّمَا الْقَصْد الْأَوَّل مِائَة بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَضْلًا عَنْ عِلْم الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَنِيَّتهمَا وَلِهَذَا يَتَوَاطَأ كَثِير مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ قَبْل الْعَقْد ثُمَّ يَحْضُرَانِ تَلِك السِّلْعَة مُحَلِّلًا لِمَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله
وَأَمَّا الْمَقَام الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْوَسِيلَة إِلَى الْحَرَام حَرَام فَبَانَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة وَالْفِطْرَة وَالْمَعْقُول
فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه مَسَخَ الْيَهُود قِرَدَة وَخَنَازِير لَمَّا تَوَسَّلُوا إِلَى الصَّيْد الْحَرَام بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي ظَنُّوهَا مُبَاحَة وَسَمَّى أَصْحَاب رسول الله وَالتَّابِعُونَ مِثْل ذَلِكَ مُخَادَعَة كَمَا تَقَدَّمَ
وَقَالَ أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ يُخَادِعُونَ اللَّه كَمَا يُخَادِعُونَ الصِّبْيَان لَوْ أَتَوْا الْأَمْر عَلَى وَجْهه كَانَ أَسْهَل
وَالرُّجُوع إِلَى الصَّحَابَة فِي مَعَانِي الْأَلْفَاظ مُتَعَيَّن سَوَاء كَانَتْ لُغَوِيَّة أَوْ شَرْعِيَّة وَالْخِدَاع حَرَام
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْعَقْد يَتَضَمَّن إِظْهَار صُورَة مُبَاحَة وَإِضْمَار مَا هُوَ مِنْ أَكْبَر الْكَبَائِر فَلَا تَنْقَلِب الْكَبِيرَة مُبَاحَة بِإِخْرَاجِهَا فِي صُورَة الْبَيْع الَّذِي لَمْ يُقْصَد نَقْل الْمِلْك فِيهِ أَصْلًا وَإِنَّمَا قَصْده حَقِيقَة الرِّبَا
وَأَيْضًا فَإِنَّ الطَّرِيق مَتَى أَفْضَتْ إِلَى الْحَرَام فَإِنَّ الشَّرِيعَة لَا تَأْتِي بِإِبَاحَتِهَا أَصْلًا لِأَنَّ إِبَاحَتهَا وَتَحْرِيم الْغَايَة جَمْع بَيْن النَّقِيضَيْنِ فَلَا يُتَصَوَّر أَنْ يُبَاح شَيْء وَيُحَرَّم مَا يُفْضِي إِلَيْهِ بَلْ لَا بُدّ مِنْ تَحْرِيمهمَا أَوْ إِبَاحَتهمَا وَالثَّانِي بَاطِل قَطْعًا فَيَتَعَيَّن الْأَوَّل
وَأَيْضًا فَإِنَّ الشَّارِع إِنَّمَا حَرَّمَ الرِّبَا وَجَعَلَهُ مِنْ الْكَبَائِر وَتَوَعَّدَ آكِله بِمُحَارَبَةِ اللَّه وَرَسُوله لِمَا فِيهِ مِنْ أَعْظَم الْفَسَاد وَالضَّرَر فَكَيْف يتصور مَعَ هَذَا أَنْ يُبِيح هَذَا الْفَسَاد الْعَظِيم بِأَيْسَر شَيْء يَكُون مِنْ الْحِيَل ...............................
Qفَيَالِلَّه الْعَجَب أَتَرَى هَذِهِ الْحِيلَة أَزَالَتْ تِلْكَ الْمَفْسَدَة الْعَظِيمَة وَقَلَبَتْهَا مَصْلَحَة بَعْد أَنْ كَانَتْ مَفْسَدَة وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّه سُبْحَانه عَاقَبَ أَهْل الْجَنَّة الَّذِينَ أَقْسَمُوا لَيَصْرُمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَكَانَ مَقْصُودهمْ مَنْع حَقّ الْفُقَرَاء مِنْ التَّمْر الْمُتَسَاقِط وَقْت الْحَصَاد فَلَمَّا قَصَدُوا مَنْع حَقّهمْ مَنَعَهُمْ اللَّه الثَّمَرَة جُمْلَة
وَلَا يُقَال فَالْعُقُوبَة إِنَّمَا كَانَتْ عَلَى رَدّ الِاسْتِثْنَاء وَحْده لِوَجْهَيْنِ
أَحَدهمَا أَنَّ الْعُقُوبَة مِنْ جِنْس الْعَمَل وَتَرْك الِاسْتِثْنَاء عُقُوبَته أَنْ يَعُوق وَيَنْسَى لَا إِهْلَاك مَاله بِخِلَافِ عُقُوبَة ذَنْب الْحِرْمَان فَإِنَّهَا حِرْمَان كَالذَّنْبِ
الثَّانِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا { أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْم عَلَيْكُمْ مِسْكِين}
وَذَنْب الْعُقُوبَة عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْوَصْف مَدْخَل فِي الْعُقُوبَة لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَة فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْعِلَّة التَّامَّة كَانَ جُزْءًا مِنْ الْعِلَّة
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَحْصُل المقصود
وأيضا فإن النبي قَالَ وَالْمُتَوَسِّل بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي صُورَتهَا مُبَاحَة إِلَى الْمُحَرَّم إِنَّمَا نِيَّته الْمُحَرَّم وَنِيَّته أَوْلَى بِهِ من ظاهر عمله
وأيضا فقد روى بن بَطَّة وَغَيْره بِإِسْنَادٍ حَسَن عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أن النبي قَالَ لَا تَرْتَكِبُوا مَا اِرْتَكَبَ الْيَهُود فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِم اللَّه بِأَدْنَى الْحِيَل وَإِسْنَاده مِمَّا يُصَحِّحهُ الترمذي
وأيضا فإن النبي قَالَ لَعَنَ اللَّه الْيَهُود حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها وجملوها يَعْنِي أَذَابُوهَا وَخَلَطُوهَا وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِيَزُولَ عَنْهَا اِسْم الشَّحْم وَيَحْدُث لَهَا اِسْم آخَر وَهُوَ الْوَدَك وَذَلِكَ لَا يُفِيد الْحِلّ فَإِنَّ التَّحْرِيم تَابِع لِلْحَقِيقَةِ وَهِيَ لَمْ تَتَبَدَّل بِتَبَدُّلِ الِاسْم
وَهَذَا الرِّبَا تَحْرِيمه تَابِع لِمَعْنَاهُ وَحَقِيقَته فَلَا يَزُول بِتَبَدُّلِ الِاسْم بِصُورَةِ الْبَيْع كَمَا لَمْ يَزُلْ تَحْرِيم الشَّحْم بِتَبْدِيلِ الِاسْم بِصُورَةِ الْجَمْل وَالْإِذَابَة وَهَذَا وَاضِح بِحَمْدِ اللَّه
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْيَهُود لَمْ يَنْتَفِعُوا بِعَيْنِ الشَّحْم إِنَّمَا اِنْتَفَعُوا بِثَمَنِهِ فَيَلْزَم مَنْ وَقَفَ مَعَ صُوَر الْعُقُود وَالْأَلْفَاظ دُون مَقَاصِدهَا وَحَقَائِقهَا أَنْ يُحَرِّم ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يَنُصّ عَلَى تَحْرِيم الثَّمَن وَإِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ نَفْس الشَّحْم وَلَمَّا لَعَنَهُمْ عَلَى اِسْتِحْلَالهمْ الثَّمَن وَإِنْ لَمْ يَنُصّ عَلَى تَحْرِيمه دَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِب النَّظَر إِلَى الْمَقْصُود وَإِنْ اِخْتَلَفَتْ الْوَسَائِل إِلَيْهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يُوجِب أَنْ لَا يُقْصَد الِانْتِفَاع بِالْعَيْنِ وَلَا بِبَدَلِهَا
وَنَظِير هَذَا أَنْ يُقَال لَا تَقْرَب مَال الْيَتِيم فَتَبِيعهُ وَتَأْكُل عِوَضه وَأَنْ يُقَال لَا تَشْرَب الْخَمْر فَتُغَيِّر ...............................
Qاِسْمه وَتَشْرَبهُ وَأَنْ يُقَال لَا تَزْنِ بِهَذِهِ الْمَرْأَة فَتَعْقِد عَلَيْهَا عَقْد إِجَارَة وَتَقُول إِنَّمَا أَسْتَوْفِي مَنَافِعهَا وَأَمْثَال ذَلِكَ
قَالُوا وَلِهَذَا الْأَصْل وَهُوَ تَحْرِيم الْحِيَل الْمُتَضَمِّنَة إِبَاحَة مَا حَرَّمَ اللَّه أَوْ إِسْقَاط مَا أَوْجَبَهُ اللَّه عَلَيْهِ أَكْثَر مِنْ مِائَة دَلِيل وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النبي لَعَنَ الْمُحَلِّل وَالْمُحَلَّل لَهُ مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِصُورَةِ عَقْد النِّكَاح الصَّحِيح لِمَا كَانَ مَقْصُوده التَّحْلِيل لَا حَقِيقَة النِّكَاح
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ الصَّحَابَة أَنَّهُمْ سَمَّوْهُ زَانِيًا وَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى صُورَة الْعَقْد
الدَّلِيل الثَّانِي عَلَى تَحْرِيم الْعِينَة مَا رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا أَسْوَد بْن عَامِر حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر عَنْ الْأَعْمَش عن عطاء بن أبي رباح عن بن عمر قال سمعت رسول الله يَقُول إِذَا ضَنَّ النَّاس بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَم وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ وَاتَّبَعُوا أَذْنَاب الْبَقَر وَتَرَكُوا الْجِهَاد فِي سَبِيل اللَّه أَنْزَلَ اللَّه بِهِمْ بَلَاء فَلَا يَرْفَعهُ عَنْهُمْ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينهمْ
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيح إِلَى حَيْوَة بْن شُرَيْح المصري عن إسحاق أبي عبد الرحمن الخرساني أن عطاء الخرساني حدثه أن نافعا حدثه عن بن عمر قال سمعت رسول الله يَقُول فَذَكَرَهُ وَهَذَانِ إِسْنَادَانِ حَسَنَانِ يَشُدّ أَحَدهمَا الْآخَر
فَأَمَّا رِجَال الْأَوَّل فَأَئِمَّة مَشَاهِير وَإِنَّمَا يُخَاف أَنْ لَا يَكُون الْأَعْمَش سَمِعَهُ مِنْ عَطَاء أَوْ أَنَّ عَطَاء لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ بن عُمَر
وَالْإِسْنَاد الثَّانِي يُبَيِّن أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا محفوظا عن بن عمر فإن عطاء الخرساني ثِقَة مَشْهُور وَحَيْوَة كَذَلِكَ
وَأَمَّا إِسْحَاق أَبُو عَبْد الرَّحْمَن فَشَيْخ رَوَى عَنْهُ أَئِمَّة الْمِصْرِيِّينَ مِثْل حَيْوَة وَاللَّيْث وَيَحْيَى بْن أَيُّوب وَغَيْرهمْ
وَلَهُ طَرِيق ثَالِث رَوَاهُ السَّرِيّ بْن سَهْل حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن رَشِيد حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد عَنْ لَيْث عَنْ عَطَاء عن بن عُمَر قَالَ لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَان وَمَا مِنَّا رَجُل يَرَى أَنَّهُ أَحَقّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمه مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِم وَلَقَدْ سَمِعْت رَسُول اللَّه يَقُول إِذَا ضَنَّ النَّاس بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَم وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ وَتَرَكُوا الْجِهَاد وَاتَّبَعُوا أَذْنَاب الْبَقَر أَدْخَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعهُ حَتَّى يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى دِينهمْ وَهَذَا يُبَيِّن أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا وَأَنَّهُ مَحْفُوظ
الدَّلِيل الثَّالِث مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيث أَنَس أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعِينَة فَقَالَ إِنَّ اللَّه لَا يُخْدَع هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله وَتَقَدَّمَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظ فِي حُكْم الْمَرْفُوع
الدَّلِيل الرَّابِع مَا تَقَدَّمَ من حديث بن عَبَّاس وَقَوْله هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله
الدَّلِيل الْخَامِس مَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جَعْفَر حَدَّثَنَا سَعِيد عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ جَدَّته ...............................
Qالْعَالِيَة وَرَوَاهُ حَرْب مِنْ حَدِيث إِسْرَائِيل حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاق عَنْ جَدَّته الْعَالِيَة يَعْنِي جَدَّة إِسْرَائِيل فَإِنَّهَا اِمْرَأَة أَبِي إِسْحَاق قَالَتْ دَخَلْت عَلَى عَائِشَة فِي نِسْوَة فَقَالَتْ مَا حَاجَتكُنَّ فَكَانَ أَوَّل مَنْ سَأَلَهَا أُمّ مَحَبَّة فَقَالَتْ يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ تَعْرِفِينَ زَيْد بْن أَرْقَمَ قَالَتْ نَعَمْ
قَالَتْ فَإِنِّي بِعْته جَارِيَة لِي بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَم إِلَى الْعَطَاء وَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَبِيعهَا فَابْتَعْتهَا بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَم نَقْدًا
فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهَا وَهِيَ غَضْبَى فَقَالَتْ بِئْسَمَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا اِشْتَرَيْت أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَاده مع رسول الله إِلَّا أَنْ يَتُوب وَأَفْحَمَتْ صَاحِبَتنَا فَلَمْ تَتَكَلَّم طَوِيلًا ثُمَّ إِنَّهُ سُهِّلَ عَنْهَا فَقَالَتْ يَا أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَأَيْت إِنْ لَمْ آخُذ إِلَّا رَأْس مَالِي فَتَلَتْ عَلَيْهَا { فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَة مِنْ رَبّه فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَف}
فَلَوْلَا أَنَّ عِنْد أُمّ الْمُؤْمِنِينَ عِلْمًا لَا تَسْتَرِيب فِيهِ أَنَّ هَذَا مُحَرَّم لَمْ تَسْتَجِزْ أَنْ تَقُول مِثْل هَذَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ قَدْ قَصَدَتْ أَنَّ الْعَمَل يَحْبَط بِالرِّدَّةِ وَأَنَّ اِسْتِحْلَال الرِّبَا أَكْفَر وَهَذَا مِنْهُ وَلَكِنَّ زَيْدًا مَعْذُور لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَم أَنَّ هَذَا مُحَرَّم وَلِهَذَا قَالَتْ أَبْلِغِيهِ
وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون قَدْ قَصَدَتْ أَنَّ هَذَا مِنْ الْكَبَائِر الَّتِي يُقَاوِم إِثْمهَا ثَوَاب الْجِهَاد فَيَصِير بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَمِلَ حَسَنَة وَسَيِّئَة بِقَدْرِهَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْمَل شَيْئًا
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِجَزْمِ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَسُوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ مِنْ مَسَائِل الِاجْتِهَاد وَالنِّزَاع بَيْن الصَّحَابَة لَمْ تُطْلِق عَائِشَة ذَلِكَ عَلَى زَيْد فَإِنَّ الْحَسَنَات لَا تَبْطُل بِمَسَائِل الِاجْتِهَاد
وَلَا يُقَال فَزَيْد مِنْ الصَّحَابَة وَقَدْ خَالَفَهَا لِأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُلْ هَذَا حَلَال بَلْ فَعَلَهُ وَفِعْل الْمُجْتَهِد لَا يَدُلّ عَلَى قَوْله عَلَى الصَّحِيح لِاحْتِمَالِ سَهْو أَوْ غَفْلَة أَوْ تَأْوِيل أَوْ رُجُوع وَنَحْوه وَكَثِيرًا مَا يَفْعَل الرجل الشيء ولا يعلم مفسدته فإذا نبه لَهُ اِنْتَبَهَ وَلَا سِيَّمَا أُمّ وَلَده فَإِنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَة تَسْتَفْتِيهَا وَطَلَبَتْ الرُّجُوع إِلَى رَأْس مَالهَا وَهَذَا يَدُلّ عَلَى الرُّجُوع عَنْ ذَلِكَ الْعَقْد وَلَمْ يُنْقَل عَنْ زَيْد أَنَّهُ أَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ
فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّم ثُبُوت الْحَدِيث فَإِنَّ أُمّ وَلَد زَيْد مَجْهُولَة
قُلْنَا أُمّ وَلَده لَمْ تَرْوِ الْحَدِيث وَإِنَّمَا كَانَتْ هِيَ صَاحِبَة الْقِصَّة.
وَأَمَّا الْعَالِيَة فَهِيَ اِمْرَأَة أَبِي إِسْحَاق السُّبَيْعِيِّ وَهِيَ مِنْ التَّابِعِيَّات وَقَدْ دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَة وَرَوَى عَنْهَا أَبُو إِسْحَاق وَهُوَ أَعْلَم بِهَا
وَفِي الْحَدِيث قِصَّة وَسِيَاق يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مَحْفُوظ وَأَنَّ الْعَالِيَة لَمْ تَخْتَلِق هَذِهِ الْقِصَّة وَلَمْ تَضَعهَا بَلْ يَغْلِب عَلَى الظَّنّ غَلَبَة قَوِيَّة صِدْقهَا فِيهَا وَحِفْظهَا لَهَا وَلِهَذَا رَوَاهَا عَنْهَا زَوْجهَا مَيْمُون وَلَمْ يَنْهَهَا وَلَا سِيَّمَا عِنْد مَنْ يَقُول رِوَايَة الْعَدْل عَنْ غَيْره تَعْدِيل لَهُ وَالْكَذِب لَمْ يَكُنْ فَاشِيًا فِي التَّابِعِينَ فُشُوّهُ فِيمَنْ بَعْدهمْ وَكَثِير مِنْهُمْ كَانَ يَرْوِي عَنْ أُمّه وَامْرَأَته مَا يُخْبِرهُنَّ بِهِ أَزْوَاج رَسُول اللَّه ويحتج به ...............................
Qفَهَذِهِ أَرْبَعَة أَحَادِيث تُبَيِّن أَنَّ رَسُول اللَّه حرم العينة حديث بن عُمَر الَّذِي فِيهِ تَغْلِيظ الْعِينَة
وَحَدِيث أَنَس وبن عَبَّاس أَنَّهَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله
وَحَدِيث عَائِشَة هَذَا وَالْمُرْسَل مِنْهَا لَهُ مَا يُوَافِقهُ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ بَعْض الصَّحَابَة وَالسَّلَف وَهَذَا حُجَّة بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاء
الدَّلِيل السَّادِس مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النبي قَالَ مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة فَلَهُ أَوْكَسهمَا أَوْ الرِّبَا
وَلِلْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيره قَوْلَانِ أحدهما أن يقول بعتك بعشرة نَقْدًا أَوْ عِشْرِينَ نَسِيئَة وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد عَنْ سِمَاك فَفَسَّرَهُ فِي حَدِيث بن مسعود قال نهى رسول الله عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَة قَالَ سِمَاك الرَّجُل يَبِيع الرَّجُل فَيَقُول هُوَ عَلَيَّ نَسَاء بِكَذَا وَبِنَقْدٍ بِكَذَا
وَهَذَا التَّفْسِير ضَعِيف فَإِنَّهُ لَا يُدْخِل الرِّبَا فِي هَذِهِ الصُّورَة وَلَا صَفْقَتَيْنِ هُنَا وَإِنَّمَا هِيَ صَفْقَة وَاحِدَة بِأَحَدِ الثَّمَنَيْنِ
وَالتَّفْسِير الثَّانِي أَنْ يَقُول أَبِيعكهَا بِمِائَةٍ إِلَى سنة على أن أشتريها منك بِثَمَانِينَ حَالَّة وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيث الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ غَيْره وَهُوَ مُطَابِق لِقَوْلِهِ فَلَهُ أَوْكَسهمَا أَوْ الرِّبَا فَإِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَأْخُذ الثَّمَن الزَّائِد فَيُرْبِي أَوْ الثَّمَن الْأَوَّل فَيَكُون هُوَ أَوْكَسهمَا وَهُوَ مُطَابِق لِصَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَة
فَإِنَّهُ قَدْ جَمَعَ صَفْقَتَيْ النَّقْد وَالنَّسِيئَة فِي صَفْقَة وَاحِدَة وَمَبِيع وَاحِد وَهُوَ قَصْد بَيْع دَرَاهِم عَاجِلَة بِدَرَاهِم مُؤَجَّلَة أَكْثَر مِنْهَا وَلَا يَسْتَحِقّ إِلَّا رَأْس مَاله وَهُوَ أَوْكَس الصَّفْقَتَيْنِ فَإِنْ أَبَى إِلَّا الْأَكْثَر كَانَ قَدْ أَخَذَ الربا
فتدبر مطابقة هذا التفسير لألفاظه وَانْطِبَاقه عَلَيْهَا
وَمِمَّا يَشْهَد لِهَذَا التَّفْسِير مَا رواه الإمام أحمد عن بن عمر عن النبي أنه نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَة وَعَنْ سَلَف وَبَيْع فَجَمْعه بَيْن هَذَيْنِ الْعَقْدَيْنِ فِي النَّهْي لأن كلا منهما يؤول إِلَى الرِّبَا لِأَنَّهُمَا فِي الظَّاهِر بَيْع وَفِي الْحَقِيقَة رِبًا
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى تَحْرِيم الْعِينَة حديث بن مَسْعُود يَرْفَعهُ لَعَنَ اللَّه آكِل الرِّبَا وَمُوَكِّله وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبه وَالْمُحِلّ وَالْمُحَلَّل لَهُ
وَمَعْلُوم أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ وَالْكَاتِب إِنَّمَا يَكْتُب وَيَشْهَد عَلَى عَقْد صُورَته جَائِزَة الْكِتَابَة وَالشَّهَادَة لَا يَشْهَد بِمُجَرَّدِ الرِّبَا وَلَا يَكْتُبهُ
وَلِهَذَا قَرَنَهُ بِالْمُحَلِّلِ وَالْمُحَلَّل لَهُ حَيْثُ أَظْهَرَا صُورَة النِّكَاح وَلَا نِكَاح كَمَا أَظْهَرَ الْكَاتِب وَالشَّاهِدَانِ صُورَة الْبَيْع وَلَا بيع ...............................
Qوَتَأَمَّلْ كَيْف لَعَنَ فِي الْحَدِيث الشَّاهِدَيْنِ وَالْكَاتِب وَالْآكِل وَالْمُوَكِّل فَلَعَنَ الْمَعْقُود لَهُ
وَالْمُعِين لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَقْد وَلَعَنَ الْمُحَلِّل وَالْمُحَلَّل لَهُ فَالْمُحَلَّل لَهُ هُوَ الَّذِي يُعْقَد التَّحْلِيل لِأَجْلِهِ وَالْمُحَلِّل هُوَ الْمُعِين لَهُ بِإِظْهَارِ صُورَة الْعَقْد كَمَا أَنَّ الْمُرَابِي هُوَ الْمُعَان عَلَى أَكْل الرِّبَا بِإِظْهَارِ صُورَة الْعَقْد الْمَكْتُوب الْمَشْهُود بِهِ
فَصَلَوَات اللَّه عَلَى مَنْ أُوتِيَ جَوَامِع الْكَلِم
الدليل السابع ما صح عن بن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ إِذَا اِسْتَقَمْت بِنَقْدٍ فَبِعْت بِنَقْدٍ فَلَا بَأْس وَإِذَا اِسْتَقَمْت بِنَقْدٍ فَبِعْت بِنَسِيئَةٍ فَلَا خَيْر فِيهِ تِلْكَ وَوَرِق بِوَرِقٍ رَوَاهُ سَعِيد وَغَيْره
وَمَعْنَى كَلَامه أَنَّك إِذَا قَوَّمْت السِّلْعَة بِنَقْدٍ ثُمَّ بِعْتهَا بِنَسِيئَةٍ كَانَ مَقْصُود الْمُشْتَرِي شِرَاء دَرَاهِم مُعَجَّلَة بِدَرَاهِم مُؤَجَّلَة وَإِذَا قَوَّمْتهَا بِنَقْدٍ ثُمَّ بِعْتهَا بِهِ فَلَا بَأْس
فَإِنَّ ذَلِكَ بَيْع الْمَقْصُود مِنْهُ السِّلْعَة لا الربا
الدليل الثامن ما رواه بن بَطَّة عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه يَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان يَسْتَحِلُّونَ الرِّبَا بِالْبَيْعِ يَعْنِي الْعِينَة
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ صَالِح لِلِاعْتِضَادِ بِهِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمَرْفُوع مَا يُؤَكِّدهُ
وَيَشْهَد لَهُ أَيْضًا قوله لَيَشْرَبَنَّ نَاس مِنْ أُمَّتِي الْخَمْر يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اِسْمهَا
وَقَوْله أَيْضًا فِيمَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ من حديث أبي ثعلبة عن النبي قَالَ أَوَّل دِينكُمْ نُبُوَّة وَرَحْمَة ثُمَّ خِلَافَة وَرَحْمَة ثُمَّ مُلْك وَرَحْمَة ثُمَّ مُلْك وَجَبْرِيَّة ثُمَّ مُلْك عَضُوض يُسْتَحَلّ فِيهِ الْحِر وَالْحَرِير وَالْحِر بِكَسْرِ الْحَاء وَتَخْفِيف الرَّاء هُوَ الْفَرْج
فَهَذَا إِخْبَار عَنْ اِسْتِحْلَال الْمَحَارِم وَلَكِنَّهُ بِتَغْيِيرِ أَسْمَائِهَا وَإِظْهَارهَا فِي صُوَر تُجْعَل وَسِيلَة إِلَى اِسْتِبَاحَتهَا وَهِيَ الرِّبَا وَالْخَمْر وَالزِّنَا فَيُسَمَّى كُلّ مِنْهَا بِغَيْرِ اِسْمهَا وَيُسْتَبَاح الِاسْم الَّذِي سُمِّيَ بِهِ وَقَدْ وَقَعَتْ الثَّلَاثَة
وَفِي قَوْل عَائِشَة بِئْسَمَا شَرَيْت وَبِئْسَمَا اِشْتَرَيْت دَلِيل عَلَى بُطْلَان الْعَقْدَيْنِ مَعًا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح مِنْ الْمَذْهَب لِأَنَّ الثَّانِي عَقْد رِبًا وَالْأَوَّل وَسِيلَة إِلَيْهِ
وَفِيهِ قَوْل آخَر فِي الْمَذْهَب
أَنَّ الْعَقْد الْأَوَّل صَحِيح لِأَنَّهُ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطه فَطَرَيَان الثَّانِي عَلَيْهِ لَا يُبْطِلهُ وَهَذَا ضَعِيف فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ وَسِيلَة إلى ...............................
Qالرِّبَا فَهُوَ طَرِيق إِلَى الْمُحَرَّم فَكَيْف يُحْكَم بِصِحَّتِهِ وَهَذَا الْقَوْل لَا يَلِيق بِقَوَاعِد الْمَذْهَب
فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَة بِنَقْدٍ ثُمَّ اِشْتَرَاهَا بِأَكْثَر مِنْهُ نَسِيئَة قُلْنَا قَدْ نَصَّ أَحْمَد فِي رِوَايَة حَرْب عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز إِلَّا أَنْ تَتَغَيَّر السِّلْعَة لِأَنَّ هَذَا يُتَّخَذ وَسِيلَة إِلَى الرِّبَا فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْعِينَة سَوَاء وَهِيَ عَكْسهَا صُورَة وَفِي الصُّورَتَيْنِ قَدْ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّته دَرَاهِم مُؤَجَّلَة بِأَقَلّ مِنْهَا نَقْدًا لَكِنْ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ الْبَائِع هُوَ الَّذِي اُسْتُغِلَّتْ ذِمَّته وَفِي الصُّورَة الْأُخْرَى الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي اُسْتُغِلَّتْ ذِمَّته فَلَا فَرْق بَيْنهمَا
وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا يَحْتَمِل أَنْ تَجُوز الصُّورَة الثَّانِيَة
إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَة وَلَا مُوَاطَأَة بَلْ وَاقِع اِتِّفَاقًا
وَفَرَّقَ بَيْنهمَا وَبَيْن الصُّورَة الْأُولَى بِفَرْقَيْنِ
أَحَدهمَا أَنَّ النَّصّ وَرَدَ فِيهَا فَيَبْقَى مَا عَدَاهَا عَلَى أَصْل الْجَوَاز
وَالثَّانِي أَنَّ التَّوَسُّل إِلَى الرِّبَا بِتِلْكَ الصُّورَة أَكْثَر مِنْ التَّوَسُّل بِهَذِهِ
وَالْفَرْقَانِ ضَعِيفَانِ
أَمَّا الْأَوَّل فَلَيْسَ فِي النَّصّ مَا يَدُلّ عَلَى اِخْتِصَاص الْعِينَة بِالصُّورَةِ الْأُولَى حَتَّى تَتَقَيَّد بِهِ نُصُوص مُطْلَقَة عَلَى تَحْرِيم الْعِينَة
وَالْعِينَة فِعْلَة مِنْ الْعَيْن قَالَ الشَّاعِر أَنِدَّانِ أم نعتان أم ينبري لنا فتى مِثْل نَصْل السَّيْف مِيزَتْ مَضَارِبه قَالَ الْجُوزَجَانِيُّ أَنَا أَظُنّ أَنَّ الْعِينَة إِنَّمَا اُشْتُقَّتْ مِنْ حَاجَة الرَّجُل إِلَى الْعَيْن مِنْ الذَّهَب وَالْوَرِق فَيَشْتَرِي السِّلْعَة وَيَبِيعهَا بِالْعَيْنِ الَّذِي اِحْتَاجَ إِلَيْهَا وَلَيْسَتْ بِهِ إِلَى السِّلْعَة حَاجَة
وَأَمَّا الْفَرْق الثَّانِي فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَر فِي هَذَا الْبَاب هُوَ الذَّرِيعَة وَلَوْ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْفَرْق مِنْ الِاتِّفَاق وَالْقَصْد لَزِمَ طَرْد ذَلِكَ فِي الصُّورَة الْأُولَى وَأَنْتُمْ لَا تَعْتَبِرُونَهُ
فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ إِذَا لَمْ تُعَدْ السِّلْعَة إِلَيْهِ بَلْ رَجَعَتْ إِلَى ثَالِث هَلْ تُسَمُّونَ ذَلِكَ عِينَة قِيلَ هَذِهِ مَسْأَلَة التَّوَرُّق لِأَنَّ الْمَقْصُود مِنْهَا الْوَرِق وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد فِي رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْعِينَة وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا اِسْمهَا
وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي كَرَاهِيَتهَا فَكَانَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز يَكْرَههَا وَكَانَ يَقُول التَّوَرُّق أُخَيَّة الرِّبَا
وَرَخَّصَ فِيهَا إِيَاس بْن مُعَاوِيَة
وَعَنْ أَحْمَد فِيهَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ وَعَلَّلَ الْكَرَاهَة فِي إِحْدَاهُمَا بِأَنَّهُ بَيْع مُضْطَرّ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيّ أَنَّ النَّبِيّ نَهَى عَنْ الْمُضْطَرّ وَفِي الْمُسْنَد عَنْ عَلِيّ قَالَ سَيَأْتِي عَلَى النَّاس زَمَان يَعَضّ الْمُؤْمِن عَلَى مَا فِي يَده وَلَمْ يُؤْمَر بِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْل بَيْنكُمْ} وَيُبَايِع المضطرون ...............................
Qوقد نهى رسول الله عَنْ بَيْع الْمُضْطَرّ وَذَكَرَ الْحَدِيث
فَأَحْمَد رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْعِينَة إِنَّمَا تَقَع مِنْ رَجُل مُضْطَرّ إِلَى نَقْد لِأَنَّ الْمُوسِر يَضَنّ عَلَيْهِ بِالْقَرْضِ فَيَضْطَرّ إِلَى أَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ سِلْعَة ثُمَّ يَبِيعهَا فَإِنْ اِشْتَرَاهَا مِنْهُ بَائِعهَا كَانَتْ عِينَة وَإِنْ بَاعَهَا مِنْ غَيْره فَهِيَ التَّوَرُّق
وَمَقْصُوده فِي الْمَوْضِعَيْنِ الثَّمَن فَقَدْ حَصَلَ فِي ذِمَّته ثَمَن مُؤَجَّل مُقَابِل الثَّمَن حَالّ أَنْقَص مِنْهُ وَلَا مَعْنَى لِلرِّبَا إِلَّا هَذَا لَكِنَّهُ رِبًا بِسَلَمٍ لَمْ يَحْصُل لَهُ مَقْصُوده إِلَّا بِمَشَقَّةٍ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدهُ كَانَ رِبًا بِسُهُولَةٍ
وَلِلْعِينَةِ صُورَة رَابِعَة وَهِيَ أُخْت صُوَرهَا وَهِيَ أَنْ يَكُون عِنْد الرَّجُل الْمَتَاع فَلَا يَبِيعهُ إِلَّا نَسِيئَة وَنَصَّ أَحْمَد عَلَى كَرَاهَة ذَلِكَ فَقَالَ الْعِينَة أَنْ يَكُون عِنْده الْمَتَاع فَلَا يَبِيعهُ إِلَّا بِنَسِيئَةٍ فَإِنْ بَاعَ بِنَسِيئَةٍ وَنَقْد فَلَا بَأْس
وَقَالَ أَيْضًا أَكْرَه لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَكُون لَهُ تِجَارَة غير العينة فلا يبيع بنقد
قال بن عُقَيْل إِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِمُضَارَعَتِهِ الرِّبَا فَإِنَّ الْبَائِع بِنَسِيئَةٍ يَقْصِد الزِّيَادَة غَالِبًا
وَعَلَّلَهُ شَيْخنَا بن تَيْمِيَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِأَنَّهُ يَدْخُل فِي بَيْع الْمُضْطَرّ فَإِنَّ غَالِب مَنْ يَشْتَرِي بِنَسِيئَةٍ إِنَّمَا يَكُون لِتَعَذُّرِ النَّقْد عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الرَّجُل لَا يَبِيع إِلَّا بِنَسِيئَةٍ كَانَ رِبْحه عَلَى أَهْل الضَّرُورَة وَالْحَاجَة وَإِذَا بَاعَ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَة كَانَ تَاجِرًا مِنْ التُّجَّار
وَلِلْعِينَةِ صُورَة خَامِسَة وَهِيَ أَقْبَح صُوَرهَا وَأَشَدّهَا تَحْرِيمًا وَهِيَ أَنَّ الْمُتَرَابِيَيْنِ يَتَوَاطَآنِ عَلَى الرِّبَا ثُمَّ يَعْمِدَانِ إِلَى رَجُل عِنْده مَتَاع فَيَشْتَرِيه مِنْهُ الْمُحْتَاج ثُمَّ يَبِيعهُ لِلْمُرْبِي بِثَمَنٍ حَالّ وَيَقْبِضهُ مِنْهُ ثُمَّ يَبِيعهُ إِيَّاهُ لِلْمُرْبِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّل وَهُوَ ما اتفقا عليه ثم يُعِيد الْمَتَاع إِلَى رَبّه وَيُعْطِيه شَيْئًا وَهَذِهِ تُسَمَّى الثُّلَاثِيَّة لِأَنَّهَا بَيْن ثَلَاثَة وَإِذَا كَانَتْ السِّلْعَة بَيْنهمَا خَاصَّة فَهِيَ الثُّنَائِيَّة
وَفِي الثُّلَاثِيَّة قَدْ أَدْخَلَا بَيْنهمَا مُحَلِّلًا يَزْعُمَانِ أَنَّهُ يُحَلِّل لَهُمَا مَا حَرَّمَ اللَّه مِنْ الرِّبَا
وَهُوَ كَمُحَلِّلِ النِّكَاح
فَهَذَا مُحَلِّل الرِّبَا وَذَلِكَ مُحَلِّل الْفُرُوج وَاَللَّه تَعَالَى لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَة
بَلْ يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن وَمَا تُخْفِي الصُّدُور