فهرس الكتاب
عون المعبود لابى داود - بَابُ الْحُكْمِ فِيمَنِ ارْتَدَّ
رقم الحديث 3848
[3848] ( كان يأكل بثلاث أصابع) فيه أن السنة الأكل بثلاث أَصَابِعَ وَلَا يَضُمُّ إِلَيْهَا الرَّابِعَةَ وَالْخَامِسَةَ إِلَّا لِعُذْرٍ بِأَنْ يَكُونَ مَرَقًا وَغَيْرَهُ مِمَّا لَا يمكن بثلاث قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
وَقَالَ الْحَافِظُ يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ كعب بن مالك أن السنة الأكل بثلاث أَصَابِعَ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا جَائِزًا
وَقَدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ مُرْسَلِ بن شِهَابٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا أكل أكل بخمس فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ كَعْبٍ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ
رقم الحديث 3849 [3849] أَيْ إِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّعَامِ
قال بن بَطَّالٍ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْحَمْدِ بَعْدَ الطَّعَامِ وَوَرَدَتْ فِي ذَلِكَ أَنْوَاعٌ يَعْنِي لَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْهَا
( إِذَا رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ) أَيْ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ برواية أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْكُلْ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ وَالْمَائِدَةُ هِيَ خِوَانٌ عَلَيْهِ طَعَامٌ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ أَنَسًا مَا رَأَى ذَلِكَ وَرَآهُ غَيْرُهُ وَالْمُثْبِتُ يُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ تُطْلَقُ الْمَائِدَةُ وَيُرَادُ بِهَا نَفْسُ الطَّعَامِ
وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِذَا أُكِلَ الطَّعَامُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ رُفِعَ قِيلَ رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ انْتَهَى
قُلْتُ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَائِدَةَ هِيَ مَا يُبْسَطُ لِلطَّعَامِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَالْمَائِدَةُ عَامٌّ لَهَا أَنْوَاعٌ مِنْهَا السُّفْرَةُ وَمِنْهَا الْخُوَانُ وَغَيْرُهُ فَالْخُوَانُ بِضَمِّ الْخَاءِ يَكُونُ مِنْ خَشَبٍ وَتَكُونُ تَحْتَهُ قَوَائِمُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالْأَكْلُ عَلَيْهِ مِنْ دَأْبِ الْمُتْرَفِينَ لِئَلَّا يُفْتَقَرَ إِلَى التَّطَأْطُؤِ وَالِانْحِنَاءِ فَالَّذِي نُفِيَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ هُوَ الْخُوَانُ وَالَّذِي أُثْبِتَ هُوَ نَحْوُ السُّفْرَةِ وَغَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( طَيِّبًا) أَيْ خَالِصًا مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ ( مُبَارَكًا) بفتح الراء هو وما قبله صفات لحمدا مقدرا ( فِيهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْحَمْدِ أَيْ حَمْدًا ذَا بَرَكَةٍ دَائِمًا لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّ نِعَمَهُ لَا تَنْقَطِعُ عَنَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَمْدُنَا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ أَيْضًا وَلَوْ نِيَّةً وَاعْتِقَادًا ( غَيْرَ مَكْفِيٍّ) بِنَصْبِ غَيْرَ وَرَفْعِهِ وَمَكْفِيٍّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ مِنْ كَفَأْتُ أَيْ غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلَا مَقْلُوبٍ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الطَّعَامِ الدَّالِّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَوْ هُوَ مِنَ الْكِفَايَةِ فَيَكُونُ مِنَ الْمُعْتَلِّ يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُطْعِمُ لِعِبَادِهِ وَالْكَافِي لَهُمْ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ مِنَ الْكِفَايَةِ وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ أَصْلُهُ مَكْفُويٍّ عَلَى وَزْنِ مَفْعُولٍ فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ ثُمَّ أُبْدِلَتْ ضَمَّةُ الْفَاءِ كَسْرَةً لِأَجْلِ الْيَاءِ وَالْمَعْنَى هَذَا الَّذِي أَكَلْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ كِفَايَةٌ عَمَّا بَعْدَهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ بَلْ نِعَمُكَ مُسْتَمِرَّةٌ لَنَا طُولَ أَعْمَارِنَا غَيْرُ مُنْقَطِعَةٍ وَقِيلَ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْحَمْدِ أَيْ أَنَّ الْحَمْدَ غَيْرُ مَكْفِيٍّ إِلَخْ كَذَا قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ( وَلَا مُوَدَّعٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ الثَّقِيلَةِ أَيْ غَيْرُ مَتْرُوكٍ وَيُحْتَمَلُ كَسْرُهَا عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْقَائِلِ أَيْ غَيْرُ تَارِكٍ ( وَلَا مُسْتَغَنًى عَنْهُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالتَّنْوِينِ أَيْ غَيْرُ مَطْرُوحٍ وَلَا مُعْرَضَ عَنْهُ بَلْ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ ( رَبُّنَا) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ رَبُّنَا أو على أنه مبتدأ وخبر مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ أَوِ الاختصاص أو إضمارا عني
قال بن التِّينِ وَيَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي عَنْهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَى الْبَدَلِ من الاسم في قوله الحمدلله
وقال بن الْجَوْزِيِّ رَبَّنَا بِالنَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ النِّدَاءِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
رقم الحديث 3850 [385] ( عَنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي ( وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ) أَيْ مُوَحِّدِينَ مُنْقَادِينَ لِجَمِيعِ أُمُورِ الدِّينِ
وَفَائِدَةُ الْحَمْدِ بَعْدَ الطَّعَامِ أَدَاءُ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَطَلَبُ زِيَادَةِ النِّعْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لئن شكرتم لأزيدنكم وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَجْدِيدِ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعْمَةِ مِنْ حُصُولِ مَا كَانَ الْإِنْسَانُ يَتَوَقَّعُ حُصُولَهُ وَانْدِفَاعِ مَا كَانَ يَخَافُ وُقُوعَهُ
ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْبَاعِثُ هُنَا هُوَ الطَّعَامُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَكَانَ السَّقْيُ مِنْ تَتِمَّتِهِ لِكَوْنِهِ مُقَارِنًا لَهُ فِي التَّحْقِيقِ غَالِبًا ثُمَّ اسْتَطْرَدَ مِنْ ذِكْرِ النِّعْمَةِ الظَّاهِرَةِ إِلَى النِّعَمِ الْبَاطِنَةِ فَذَكَرَ مَا هُوَ أَشْرَفَهَا وَخَتَمَ بِهِ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى حسن الخاتمة مع مافيه مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى كَمَالِ الِانْقِيَادِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِمَا قَدْرًا وَوَصْفًا وَوَقْتًا احْتِيَاجًا وَاسْتِغْنَاءً بحسب ما قدره وقضاه كذا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ وَسَاقَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِيهِ
رقم الحديث 3851 [3851] ( عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يزيد وثقه بن معين ( إذا أكل وشرب) قال القارىء فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ أَيْ إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا ( قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى) لَعَلَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ ( وَسَوَّغَهُ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ سَهَّلَ دُخُولَ كُلٍّ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْحَلْقِ ( وَجَعَلَ لَهُ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( مَخْرَجًا) أَيْ مِنَ السَّبِيلَيْنِ فَتَخْرُجُ مِنْهُمَا الْفَضْلَةُ فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلطَّعَامِ مُقَامًا فِي الْمَعِدَةِ زَمَانًا كَيْ تَنْقَسِمَ مَضَارُّهُ وَمَنَافِعُهُ فَيَبْقَى مَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّحْمِ وَالدَّمِ وَالشَّحْمِ وَيَنْدَفِعُ بَاقِيهِ وَذَلِكَ مِنْ عَجَائِبِ مَصْنُوعَاتِهِ وَمِنْ كَمَالِ فَضْلِهِ وَلُطْفِهِ بِمَخْلُوقَاتِهِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
وَقَالَ الطيبي رحمه الله ذكر ها هُنَا نِعَمًا أَرْبَعًا الْإِطْعَامَ وَالسَّقْيَ وَالتَّسْوِيغَ وَهُوَ تَسْهِيلُ الدُّخُولِ فِي الْحَلْقِ فَإِنَّهُ خَلَقَ الْأَسْنَانَ لِلْمَضْغِ وَالرِّيقَ لِلْبَلْعِ وَجَعَلَ الْمَعِدَةَ مُقَسِّمًا لِلطَّعَامِ لَهَا مَخَارِجُ فَالصَّالِحُ مِنْهُ يَنْبَعِثُ إِلَى الْكَبِدِ وَغَيْرُهُ يَنْدَفِعُ مِنْ طَرِيقِ الْأَمْعَاءِ كُلُّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَنِعْمَةٌ يَجِبُ الْقِيَامُ بِمُوَاجَبِهَا مِنَ الشُّكْرِ بِالْجَنَانِ وَالْبَثِّ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلِ بِالْأَرْكَانِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
رقم الحديث 3852 [3852] ( وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ دَسَمٌ وَوَسَخٌ وَزُهُومَةٌ مِنَ اللَّحْمِ ( وَلَمْ يَغْسِلْهُ) أَيْ ذَلِكَ الْغَمَرَ ( فَأَصَابَهُ شَيْءٌ) أَيْ وَصَلَهُ شَيْءٌ مِنْ إِيذَاءِ الْهَوَامِّ وَقِيلَ أَوْ مِنَ الْجَانِّ لِأَنَّ الْهَوَامَّ وَذَوَاتَ السَّمُومِ رُبَّمَا تَقْصِدُهُ فِي الْمَنَامِ لِرَائِحَةِ الطَّعَامِ فِي يَدِهِ فَتُؤْذِيهِ وَقِيلَ مِنَ الْبَرَصِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْيَدَ حِينَئِذٍ إِذَا وَصَلَتْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ بَعْدَ عَرَقِهِ فَرُبَّمَا أَوْرَثَ ذَلِكَ ( فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ في حقه
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُعَلَّقًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ حَسَنٌ غريب
رقم الحديث 3853 [3853] ( فَلَمَّا فَرَغُوا) أَيْ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ ( قَالَ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَثِيبُوا أَخَاكُمْ) مِنْ أَثَابَ يُثِيبُ إِثَابَةً وَالِاسْمُ الثَّوَابُ وَيَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ أَيْ جَازُوهُ عَلَى صَنِيعِهِ وَكَافِئُوهُ ( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُخِلَ بَيْتُهُ فَأُكِلَ طَعَامُهُ وَشُرِبَ شَرَابُهُ) بِالْبِنَاءِ للمفعول في الأفعال الثلاثة ( فدعواله) أَيْ دَعَا لَهُ الْآكِلُونَ ( فَذَلِكَ) أَيِ الدُّعَاءُ لَهُ ( إِثَابَتُهُ) أَيْ ثَوَابُهُ وَجَزَاؤُهُ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَدْعُوِّ أَنْ يَدْعُوَ لِلدَّاعِي بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَفِيهِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو خَالِدٍ الْمَعْرُوفُ بالدلاني وَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمُ
رقم الحديث 3854 [3854] (فَجَاءَ) أَيْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ (فَأَكَلَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ) أَيِ الْأَتْقِيَاءُ الصَّالِحُونَ (وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ) أَيْ دَعَتْ لَكُمْ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
وهذا آخر كتاب الأطعمة
بِتَثْلِيثِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَهُوَ عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ أَحْوَالُ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَنَقَلَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الطِّبَّ بِالْكَسْرِ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ لِلْمُدَاوِي وَلِلتَّدَاوِي وَلِلدَّاءِ أَيْضًا فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ وَيُقَالُ أَيْضًا لِلرِّفْقِ وَالسِّحْرِ وَيُقَالُ لِلشَّهْوَةِ وَلِطَرَائِقَ تُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ وَلِلْحِذْقِ بِالشَّيْءِ وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَخُصَّ بِهِ الْمُعَالِجُ عُرْفًا وَالْجَمْعُ فِي الْقِلَّةِ أَطِبَّةٌ وَفِي الْكَثْرَةِ أَطِبَّاءُ
وَالطِّبُّ نَوْعَانِ طِبُّ جَسَدٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَطِبُّ قَلْبٍ وَمُعَالَجَتُهُ خَاصَّةٌ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ عَنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَأَمَّا طِبُّ الْجَسَدِ فَمِنْهُ مَا جَاءَ فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُ مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ وَغَالِبُهُ راجع إلى التجربة
(
رقم الحديث 3855 [3855] )
( وأصحابه) الواو للحال ( كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَصَفَهُمْ بِالسُّكُونِ وَالْوَقَارِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ طَيْشٌ وَلَا خِفَّةٌ لِأَنَّ الطَّيْرَ لَا تَكَادُ تَقَعَ إِلَّا عَلَى شَيْءٍ سَاكِنٍ ( أَنَتَدَاوَى) أَيْ أَنَتْرُكُ تَرْكَ الْمُعَالَجَةِ فَنَطْلُبُ الدَّوَاءَ إِذَا عَرَضَ الدَّاءُ وَنَتَوَكَّلُ عَلَى خالق الأرض والسماء
والاستفهام للتقرير
قاله القارىء ( فَقَالَ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( تَدَاوَوْا)
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِبَاحَةِ وَالرُّخْصَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهُ الْمَقَامُ فَإِنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنِ الْإِبَاحَةِ قَطْعًا فَالْمُتَبَادِرُ فِي جَوَابِهِ أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْإِبَاحَةِ
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَقَدْ وَرَدَ مَدْحُ مَنْ تَرَكَ الدَّوَاءَ وَالِاسْتِرْقَاءَ تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ
نَعَمْ قَدْ تَدَاوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ فَمَنْ نَوَى مُوَافَقَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ ( لَمْ يَضَعْ) أَيْ لَمْ يَخْلُقْ ( دَاءً) أَيْ مَرَضًا وَجَمْعُهُ أَدْوَاءٌ ( إِلَّا وَضَعَ لَهُ) أَيْ خَلَقَ لَهُ ( الْهَرَمِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ وَهُوَ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ دَاءٍ وَقِيلَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ الْهَرَمُ أَوْ مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي وَالْمُرَادُ بِهِ الْكِبَرُ
قَالَهُ القارىء
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ الطِّبِّ وَالْعِلَاجِ وَأَنَّ التَّدَاوِيَ مُبَاحٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ وَفِيهِ أَنَّهُ جَعَلَ الْهَرَمَ دَاءً وَإِنَّمَا هُوَ ضَعْفُ الْكِبَرِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْأَدْوَاءِ الَّتِي هِيَ أَسَقَامٌ عَارِضَةٌ لِلْأَبْدَانِ مِنْ قِبَلِ اخْتِلَافِ الطَّبَائِعِ وَتَغَيُّرِ الْأَمْزِجَةِ وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ بِالدَّاءِ لِأَنَّهُ جَالِبُ التَّلَفِ كَالْأَدْوَاءِ الَّتِي قَدْ يَتَعَقَّبُهَا الْمَوْتُ وَالْهَلَاكُ انْتَهَى
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِيهِ إِبَاحَةُ التَّدَاوِي وَجَوَازُ الطِّبِّ وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا إِذَا رَضِيَ بِجَمِيعِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُدَاوَاتُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَبَاحَهُ الشَّارِعُ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
(
وَقَالَ الْحَافِظُ يُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ كعب بن مالك أن السنة الأكل بثلاث أَصَابِعَ وَإِنْ كَانَ الْأَكْلُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا جَائِزًا
وَقَدْ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ مُرْسَلِ بن شِهَابٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا أكل أكل بخمس فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ كَعْبٍ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ مُسْلِمٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ
رقم الحديث 3849 [3849] أَيْ إِذَا فَرَغَ مِنَ الطَّعَامِ
قال بن بَطَّالٍ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْحَمْدِ بَعْدَ الطَّعَامِ وَوَرَدَتْ فِي ذَلِكَ أَنْوَاعٌ يَعْنِي لَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْهَا
( إِذَا رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ) أَيْ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ برواية أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْكُلْ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ وَالْمَائِدَةُ هِيَ خِوَانٌ عَلَيْهِ طَعَامٌ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ أَنَسًا مَا رَأَى ذَلِكَ وَرَآهُ غَيْرُهُ وَالْمُثْبِتُ يُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ تُطْلَقُ الْمَائِدَةُ وَيُرَادُ بِهَا نَفْسُ الطَّعَامِ
وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِذَا أُكِلَ الطَّعَامُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ رُفِعَ قِيلَ رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ انْتَهَى
قُلْتُ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَائِدَةَ هِيَ مَا يُبْسَطُ لِلطَّعَامِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَالْمَائِدَةُ عَامٌّ لَهَا أَنْوَاعٌ مِنْهَا السُّفْرَةُ وَمِنْهَا الْخُوَانُ وَغَيْرُهُ فَالْخُوَانُ بِضَمِّ الْخَاءِ يَكُونُ مِنْ خَشَبٍ وَتَكُونُ تَحْتَهُ قَوَائِمُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالْأَكْلُ عَلَيْهِ مِنْ دَأْبِ الْمُتْرَفِينَ لِئَلَّا يُفْتَقَرَ إِلَى التَّطَأْطُؤِ وَالِانْحِنَاءِ فَالَّذِي نُفِيَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ هُوَ الْخُوَانُ وَالَّذِي أُثْبِتَ هُوَ نَحْوُ السُّفْرَةِ وَغَيْرُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( طَيِّبًا) أَيْ خَالِصًا مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ ( مُبَارَكًا) بفتح الراء هو وما قبله صفات لحمدا مقدرا ( فِيهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْحَمْدِ أَيْ حَمْدًا ذَا بَرَكَةٍ دَائِمًا لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّ نِعَمَهُ لَا تَنْقَطِعُ عَنَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَمْدُنَا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ أَيْضًا وَلَوْ نِيَّةً وَاعْتِقَادًا ( غَيْرَ مَكْفِيٍّ) بِنَصْبِ غَيْرَ وَرَفْعِهِ وَمَكْفِيٍّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ مِنْ كَفَأْتُ أَيْ غَيْرَ مَرْدُودٍ وَلَا مَقْلُوبٍ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الطَّعَامِ الدَّالِّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَوْ هُوَ مِنَ الْكِفَايَةِ فَيَكُونُ مِنَ الْمُعْتَلِّ يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُطْعِمُ لِعِبَادِهِ وَالْكَافِي لَهُمْ فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ مِنَ الْكِفَايَةِ وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ أَصْلُهُ مَكْفُويٍّ عَلَى وَزْنِ مَفْعُولٍ فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْوَاوُ وَالْيَاءُ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ ثُمَّ أُبْدِلَتْ ضَمَّةُ الْفَاءِ كَسْرَةً لِأَجْلِ الْيَاءِ وَالْمَعْنَى هَذَا الَّذِي أَكَلْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ كِفَايَةٌ عَمَّا بَعْدَهُ بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ بَلْ نِعَمُكَ مُسْتَمِرَّةٌ لَنَا طُولَ أَعْمَارِنَا غَيْرُ مُنْقَطِعَةٍ وَقِيلَ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْحَمْدِ أَيْ أَنَّ الْحَمْدَ غَيْرُ مَكْفِيٍّ إِلَخْ كَذَا قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ( وَلَا مُوَدَّعٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ الثَّقِيلَةِ أَيْ غَيْرُ مَتْرُوكٍ وَيُحْتَمَلُ كَسْرُهَا عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْقَائِلِ أَيْ غَيْرُ تَارِكٍ ( وَلَا مُسْتَغَنًى عَنْهُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالتَّنْوِينِ أَيْ غَيْرُ مَطْرُوحٍ وَلَا مُعْرَضَ عَنْهُ بَلْ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ ( رَبُّنَا) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ رَبُّنَا أو على أنه مبتدأ وخبر مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ أَوِ الاختصاص أو إضمارا عني
قال بن التِّينِ وَيَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي عَنْهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ عَلَى الْبَدَلِ من الاسم في قوله الحمدلله
وقال بن الْجَوْزِيِّ رَبَّنَا بِالنَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ مَعَ حَذْفِ أَدَاةِ النِّدَاءِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ
رقم الحديث 3850 [385] ( عَنْ أَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي ( وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ) أَيْ مُوَحِّدِينَ مُنْقَادِينَ لِجَمِيعِ أُمُورِ الدِّينِ
وَفَائِدَةُ الْحَمْدِ بَعْدَ الطَّعَامِ أَدَاءُ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَطَلَبُ زِيَادَةِ النِّعْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لئن شكرتم لأزيدنكم وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَجْدِيدِ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعْمَةِ مِنْ حُصُولِ مَا كَانَ الْإِنْسَانُ يَتَوَقَّعُ حُصُولَهُ وَانْدِفَاعِ مَا كَانَ يَخَافُ وُقُوعَهُ
ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْبَاعِثُ هُنَا هُوَ الطَّعَامُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَكَانَ السَّقْيُ مِنْ تَتِمَّتِهِ لِكَوْنِهِ مُقَارِنًا لَهُ فِي التَّحْقِيقِ غَالِبًا ثُمَّ اسْتَطْرَدَ مِنْ ذِكْرِ النِّعْمَةِ الظَّاهِرَةِ إِلَى النِّعَمِ الْبَاطِنَةِ فَذَكَرَ مَا هُوَ أَشْرَفَهَا وَخَتَمَ بِهِ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى حسن الخاتمة مع مافيه مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى كَمَالِ الِانْقِيَادِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِمَا قَدْرًا وَوَصْفًا وَوَقْتًا احْتِيَاجًا وَاسْتِغْنَاءً بحسب ما قدره وقضاه كذا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ وَسَاقَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِيهِ
رقم الحديث 3851 [3851] ( عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يزيد وثقه بن معين ( إذا أكل وشرب) قال القارىء فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ أَيْ إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا ( قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى) لَعَلَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ ( وَسَوَّغَهُ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ سَهَّلَ دُخُولَ كُلٍّ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْحَلْقِ ( وَجَعَلَ لَهُ) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ( مَخْرَجًا) أَيْ مِنَ السَّبِيلَيْنِ فَتَخْرُجُ مِنْهُمَا الْفَضْلَةُ فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِلطَّعَامِ مُقَامًا فِي الْمَعِدَةِ زَمَانًا كَيْ تَنْقَسِمَ مَضَارُّهُ وَمَنَافِعُهُ فَيَبْقَى مَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّحْمِ وَالدَّمِ وَالشَّحْمِ وَيَنْدَفِعُ بَاقِيهِ وَذَلِكَ مِنْ عَجَائِبِ مَصْنُوعَاتِهِ وَمِنْ كَمَالِ فَضْلِهِ وَلُطْفِهِ بِمَخْلُوقَاتِهِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
وَقَالَ الطيبي رحمه الله ذكر ها هُنَا نِعَمًا أَرْبَعًا الْإِطْعَامَ وَالسَّقْيَ وَالتَّسْوِيغَ وَهُوَ تَسْهِيلُ الدُّخُولِ فِي الْحَلْقِ فَإِنَّهُ خَلَقَ الْأَسْنَانَ لِلْمَضْغِ وَالرِّيقَ لِلْبَلْعِ وَجَعَلَ الْمَعِدَةَ مُقَسِّمًا لِلطَّعَامِ لَهَا مَخَارِجُ فَالصَّالِحُ مِنْهُ يَنْبَعِثُ إِلَى الْكَبِدِ وَغَيْرُهُ يَنْدَفِعُ مِنْ طَرِيقِ الْأَمْعَاءِ كُلُّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَنِعْمَةٌ يَجِبُ الْقِيَامُ بِمُوَاجَبِهَا مِنَ الشُّكْرِ بِالْجَنَانِ وَالْبَثِّ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلِ بِالْأَرْكَانِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
رقم الحديث 3852 [3852] ( وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ دَسَمٌ وَوَسَخٌ وَزُهُومَةٌ مِنَ اللَّحْمِ ( وَلَمْ يَغْسِلْهُ) أَيْ ذَلِكَ الْغَمَرَ ( فَأَصَابَهُ شَيْءٌ) أَيْ وَصَلَهُ شَيْءٌ مِنْ إِيذَاءِ الْهَوَامِّ وَقِيلَ أَوْ مِنَ الْجَانِّ لِأَنَّ الْهَوَامَّ وَذَوَاتَ السَّمُومِ رُبَّمَا تَقْصِدُهُ فِي الْمَنَامِ لِرَائِحَةِ الطَّعَامِ فِي يَدِهِ فَتُؤْذِيهِ وَقِيلَ مِنَ الْبَرَصِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْيَدَ حِينَئِذٍ إِذَا وَصَلَتْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ بَعْدَ عَرَقِهِ فَرُبَّمَا أَوْرَثَ ذَلِكَ ( فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ في حقه
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُعَلَّقًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ حَسَنٌ غريب
رقم الحديث 3853 [3853] ( فَلَمَّا فَرَغُوا) أَيْ مِنْ أَكْلِ الطَّعَامِ ( قَالَ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَثِيبُوا أَخَاكُمْ) مِنْ أَثَابَ يُثِيبُ إِثَابَةً وَالِاسْمُ الثَّوَابُ وَيَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ أَيْ جَازُوهُ عَلَى صَنِيعِهِ وَكَافِئُوهُ ( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُخِلَ بَيْتُهُ فَأُكِلَ طَعَامُهُ وَشُرِبَ شَرَابُهُ) بِالْبِنَاءِ للمفعول في الأفعال الثلاثة ( فدعواله) أَيْ دَعَا لَهُ الْآكِلُونَ ( فَذَلِكَ) أَيِ الدُّعَاءُ لَهُ ( إِثَابَتُهُ) أَيْ ثَوَابُهُ وَجَزَاؤُهُ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَدْعُوِّ أَنْ يَدْعُوَ لِلدَّاعِي بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَفِيهِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو خَالِدٍ الْمَعْرُوفُ بالدلاني وَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمُ
رقم الحديث 3854 [3854] (فَجَاءَ) أَيْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ (فَأَكَلَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ) أَيِ الْأَتْقِيَاءُ الصَّالِحُونَ (وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ) أَيْ دَعَتْ لَكُمْ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
وهذا آخر كتاب الأطعمة
بِتَثْلِيثِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَهُوَ عِلْمٌ يُعْرَفُ بِهِ أَحْوَالُ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنَ الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَنَقَلَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَنَّ الطِّبَّ بِالْكَسْرِ يُقَالُ بِالِاشْتِرَاكِ لِلْمُدَاوِي وَلِلتَّدَاوِي وَلِلدَّاءِ أَيْضًا فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ وَيُقَالُ أَيْضًا لِلرِّفْقِ وَالسِّحْرِ وَيُقَالُ لِلشَّهْوَةِ وَلِطَرَائِقَ تُرَى فِي شُعَاعِ الشَّمْسِ وَلِلْحِذْقِ بِالشَّيْءِ وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَخُصَّ بِهِ الْمُعَالِجُ عُرْفًا وَالْجَمْعُ فِي الْقِلَّةِ أَطِبَّةٌ وَفِي الْكَثْرَةِ أَطِبَّاءُ
وَالطِّبُّ نَوْعَانِ طِبُّ جَسَدٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَطِبُّ قَلْبٍ وَمُعَالَجَتُهُ خَاصَّةٌ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ عَنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَأَمَّا طِبُّ الْجَسَدِ فَمِنْهُ مَا جَاءَ فِي الْمَنْقُولِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُ مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ وَغَالِبُهُ راجع إلى التجربة
(
رقم الحديث 3855 [3855] )
( وأصحابه) الواو للحال ( كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَصَفَهُمْ بِالسُّكُونِ وَالْوَقَارِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ طَيْشٌ وَلَا خِفَّةٌ لِأَنَّ الطَّيْرَ لَا تَكَادُ تَقَعَ إِلَّا عَلَى شَيْءٍ سَاكِنٍ ( أَنَتَدَاوَى) أَيْ أَنَتْرُكُ تَرْكَ الْمُعَالَجَةِ فَنَطْلُبُ الدَّوَاءَ إِذَا عَرَضَ الدَّاءُ وَنَتَوَكَّلُ عَلَى خالق الأرض والسماء
والاستفهام للتقرير
قاله القارىء ( فَقَالَ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( تَدَاوَوْا)
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِبَاحَةِ وَالرُّخْصَةِ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهُ الْمَقَامُ فَإِنَّ السُّؤَالَ كَانَ عَنِ الْإِبَاحَةِ قَطْعًا فَالْمُتَبَادِرُ فِي جَوَابِهِ أَنَّهُ بَيَانٌ لِلْإِبَاحَةِ
وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ وَهُوَ بَعِيدٌ فَقَدْ وَرَدَ مَدْحُ مَنْ تَرَكَ الدَّوَاءَ وَالِاسْتِرْقَاءَ تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ
نَعَمْ قَدْ تَدَاوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ فَمَنْ نَوَى مُوَافَقَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ ( لَمْ يَضَعْ) أَيْ لَمْ يَخْلُقْ ( دَاءً) أَيْ مَرَضًا وَجَمْعُهُ أَدْوَاءٌ ( إِلَّا وَضَعَ لَهُ) أَيْ خَلَقَ لَهُ ( الْهَرَمِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ وَهُوَ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ دَاءٍ وَقِيلَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ الْهَرَمُ أَوْ مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي وَالْمُرَادُ بِهِ الْكِبَرُ
قَالَهُ القارىء
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ الطِّبِّ وَالْعِلَاجِ وَأَنَّ التَّدَاوِيَ مُبَاحٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ وَفِيهِ أَنَّهُ جَعَلَ الْهَرَمَ دَاءً وَإِنَّمَا هُوَ ضَعْفُ الْكِبَرِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْأَدْوَاءِ الَّتِي هِيَ أَسَقَامٌ عَارِضَةٌ لِلْأَبْدَانِ مِنْ قِبَلِ اخْتِلَافِ الطَّبَائِعِ وَتَغَيُّرِ الْأَمْزِجَةِ وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ بِالدَّاءِ لِأَنَّهُ جَالِبُ التَّلَفِ كَالْأَدْوَاءِ الَّتِي قَدْ يَتَعَقَّبُهَا الْمَوْتُ وَالْهَلَاكُ انْتَهَى
قَالَ الْعَيْنِيُّ فِيهِ إِبَاحَةُ التَّدَاوِي وَجَوَازُ الطِّبِّ وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا إِذَا رَضِيَ بِجَمِيعِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُدَاوَاتُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَبَاحَهُ الشَّارِعُ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ والحديث أخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
(