فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ

رقم الحديث 395 [395] ( فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا) أَيْ لَمْ يَرُدَّ جَوَابًا بِبَيَانِ الْأَوْقَاتِ بِاللَّفْظِ بَلْ قَالَ لَهُ صَلِّ مَعَنَا لِتَعْرِفَ ذَلِكَ وَيَحْصُلُ لَكَ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَقِمْ مَعَنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يُجِبْ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ وَلَا بِالْفِعْلِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ ( انشق الفجر) قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ شَقَّ وَانْشَقَّ طَلَعَ كَأَنَّهُ شَقَّ مَحَلَّ طُلُوعِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ ( لَا يعرف وجه صَاحِبِهِ) بَيَانٌ لِذَلِكَ الْوَقْتِ ( انْتَصَفَ النَّهَارُ) قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ انْتَصَفَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ قَطْعًا وَهَمْزَةُ الْوَصْلِ مَحْذُوفٌ كَقَوْلِهِ تعالى أصطفى البنات افترى على الله كذبا ( أَطَلَعَتِ الشَّمْسُ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ( فَأَقَامَ الظُّهْرَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ) أَيْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَلِيهِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَفَرَغَ مِنَ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ التَّرَاخِي وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ ويشهد له الخبر الآتي وقت الظهر مالم تَحْضُرِ الْعَصْرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ) يَعْنِي صَلَّاهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ
وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي تَضْيِيقِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَفِيهِ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُمْتَدُّ ( وَصَلَّى الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) وَلَعَلَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهَا إِلَى آخِرِهِ وَهُوَ وَقْتُ الْجَوَازِ لِحُصُولِ الْحَرَجِ بِسَهَرِ اللَّيْلِ كُلِّهِ وَكَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَفِيهِ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِيضَاحِ وَالْفِعْلِ تَعُمُّ فَائِدَتُهُ لِلسَّائِلِ وَغَيْرِهِ ( الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ) أَيْ هَذَا الْوَقْتُ الْمُقْتَصِدُ الَّذِي لَا إِفْرَاطَ فِيهِ تَعْجِيلًا وَلَا تَفْرِيطَ فِيهِ تَأْخِيرًا
قَالَهُ بن الْمَلَكِ أَوْ بَيَّنْتُ بِمَا فَعَلْتُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَآخِرَهُ وَالصَّلَاةُ جَائِزَةٌ فِي جَمِيعِ أَوَّلِهِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ وَالْمُرَادُ بِآخِرِهِ هُنَا آخِرُ الْوَقْتِ فِي الِاخْتِيَارِ لَا الْجَوَازِ إِذْ يَجُوزُ صَلَاةُ الظُّهْرِ بعد الإبراد التام مالم يَدْخُلْ وَقْتُ الْعَصْرِ وَيَجُوزُ الْعَصْرُ بَعْدَ ذَلِكَ التأخير الذي هو فوق مالم تَغْرُبُ الشَّمْسُ وَيَجُوزُ صَلَاةُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ الليل وصلاة الفجر بعد الأسفار مالم تَطْلُعُ الشَّمْسُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ ( نَحْوَ هَذَا) أَيْ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى فَكَمَا يَدُلُّ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى عَلَى أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ يَدُلُّ حَدِيثُ جَابِرٍ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ ( قَالَ) جَابِرٌ ( ثُمَّ صَلَّى) النَّبِيُّ ( وقال بعضهم) والمعنى لما فرغ النبي عن صلاة الْعِشَاءِ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ مَضَى نِصْفُ اللَّيْلِ وَكُلُّ ذَلِكَ بِالتَّخْمِينِ ( وَكَذَلِكَ) أَيْ بِذِكْرِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي الوقتين ( روى بن بُرَيْدَةَ) هُوَ سُلَيْمَانُ وَحَدِيثُهُ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا



رقم الحديث 396 [396] (سَمِعَ أَبَا أَيُّوبَ) سَمَّاهُ مُسْلِمٌ يَحْيَى بْنَ مَالِكٍ الْأَزْدِيَّ (وَقْتَ الظُّهْرِ) وَسُمِّيَتْ بِهِ لأنها أول صلاة ظهرت أو لفعلهما وَقْتَ الظَّهِيرَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشمس) فالمراد به وقت الاختيار لقوله فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ أَيْ مُؤَدَّاهُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ بَقِيَّةُ حُمْرَةِ الشَّفَقِ فِي الْأُفُقِ وَسُمِّيَ فَوْرًا لِفَوَرَانِهِ وَسُطُوعِهِ
وَرُوِيَ أَيْضًا ثَوْرُ الشَّفَقِ وَهُوَ ثَوَرَانِ حُمْرَتِهِ
قَالَ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِنُونٍ وَلَوْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ (وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) فِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ
وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الشَّرْحِ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ ذِكْرُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ والنسائي

(

رقم الحديث 397 [397]
وَكَيْفَ كَانَ يُصَلِّيهَا ( فَقَالَ) جَابِرٌ ( بِالْهَاجِرَةِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْهَجِيرُ وَالْهَاجِرَةُ بِمَعْنًى وَهُوَ وَقْتُ شِدَّةِ الْحَرِّ انْتَهَى
وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَالْمُرَادُ بِهَا نِصْفُ النَّهَارِ بَعْدَ الزَّوَالِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ الْهِجْرَةَ هِيَ التَّرْكُ وَالنَّاسُ يَتْرُكُونَ التَّصَرُّفَ حِينَئِذٍ لِشِدَّةِ الْحَرِّ لِأَجْلِ الْقَيْلُولَةِ وَغَيْرِهَا
قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُهُ يُعَارِضُ حَدِيثَ الإبراد لِأَنَّ قَوْلَهُ كَانَ يَفْعَلُ يُشْعِرُ بِالْكَثْرَةِ وَالدَّوَامِ عرفا
قاله بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ الْهَاجِرَةَ عَلَى الْوَقْتِ بَعْدَ الزَّوَالِ مُطْلَقًا لأن الإبراد مقيد بِحَالِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْإِبْرَادِ أَبْرَدَ وَإِلَّا عَجَّلَ
فَالْمَعْنَى كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ إِلَّا إِنِ احْتَاجَ إِلَى الْإِبْرَادِ
وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَهُ لَفَصَّلَ كَمَا فَصَّلَ فِي الْعِشَاءِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
( وَالْعَصْرَ) بِالنَّصْبِ أَيْ وَكَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ ( وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ) جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَقَعَتْ حَالًا عَلَى الْأَصْلِ بِالْوَاوِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ حَيَاةُ الشَّمْسِ يُفَسَّرُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ حَيَاتِهَا شِدَّةُ وَهَجِهَا وَبَقَاءُ حَرِّهَا لَمْ يَنْكَسِرْ مِنْهُ شَيْءٌ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ صَفَاءُ لَوْنِهَا لَمْ يَدْخُلْهَا التَّغَيُّرُ لِأَنَّهُمْ شَبَّهُوا صُفْرَتَهَا بِالْمَوْتِ ( وَالْمَغْرِبَ) بِالنَّصْبِ أَيْضًا ( وَالْعِشَاءَ) بِالنَّصْبِ أَيْضًا ( إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْجُمْلَتَانِ الشَّرْطِيَّتَانِ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ حَالَانِ مِنَ الْفَاعِلِ أَيْ يُصَلِّي الْعِشَاءَ مُعَجِّلًا إِذَا كَثُرَ النَّاسُ وَمُؤَخِّرًا إِذَا قَلُّوا أَوْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا مِنَ الْمَفْعُولِ وَالرَّاجِعُ مُقَدَّرٌ أَيْ عَجَّلَهَا أَوْ أَخَّرَهَا
انْتَهَى
وَالتَّقْدِيرُ مُعَجَّلَةٌ وَمُؤَخَّرَةٌ ( وَالصُّبْحُ) بِالنَّصْبِ أَيْضًا ( بِغَلَسٍ) بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ إِذَا اخْتَلَطَتْ بِضَوْءِ الصَّبَاحِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ



رقم الحديث 398 [398] (أَبِي بَرْزَةَ) بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بعدها زاء مُعْجَمَةٌ (إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ) أَيْ آخِرِ الْمَدِينَةِ وَأَبْعَدِهَا (وَنَسِيتُ الْمَغْرِبَ) قَائِلُ ذَلِكَ هُوَ سَيَّارٌ أَبُو الْمِنْهَالِ بَيَّنَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَكَانَ لَا يُبَالِي تَأْخِيرَ الْعِشَاءِ) بَلْ يَسْتَحِبُّهُ كَمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءِ (وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا) لِخَوْفِ الْفَوْتِ
قَالَ الْحَافِظُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ كَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِيهِ فِي رَمَضَانَ خَاصَّةً
انْتَهَى
وَمَنْ نُقِلَتْ عَنْهُ الرُّخْصَةُ قُيِّدَتْ عَنْهُ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ أَوْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ بِالنَّوْمِ وَهَذَا جَيِّدٌ حَيْثُ قُلْنَا إِنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ خَشْيَةُ خُرُوجِ الْوَقْتِ
وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الرُّخْصَةَ عَلَى مَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى مَا بَعْدَ دُخُولِهِ
انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ إِذَا غَلَبَهُ النَّوْمُ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ إِذَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ (وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا) أَيِ التَّحَدُّثُ بِكَلَامِ الدُّنْيَا لِيَكُونَ خَتْمُ عَمَلِهِ عَلَى عِبَادَةٍ وَآخِرُهُ ذِكْرُ اللَّهِ فَإِنَّ النَّوْمَ أَخُو الْمَوْتِ أَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ كَرِهَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ
قَالَ لَأَنْ أَنَامَ عَنِ الْعِشَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ اللَّغْوِ بَعْدَهَا وَرَخَّصَ بَعْضُهُمُ التَّحَدُّثَ فِي الْعِلْمِ وَفِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ الْحَوَائِجِ وَمَعَ الْأَهْلِ وَالضَّيْفِ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَمْرٍ مَطْلُوبٍ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَبَبًا فِي تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ أَوْ لِلِاسْتِغْرَاقِ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ فَيَخْرُجُ وَقْتُ الصُّبْحِ (وَيَعْرِفُ أَحَدُنَا جَلِيسَهُ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ جَلِيسِهِ الَّذِي يَعْرِفُ فَيَعْرِفُهُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَكَانَ يَنْفَتِلُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ (فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ (السِّتِّينَ) آيَةً أَيْ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْآيَاتِ وَرُبَّمَا يَزِيدُ (إِلَى الْمِائَةِ) يَعْنِي مِنَ الْآيِ وَقَدْرَهَا فِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ بِسُورَةِ الْحَاقَّةِ وَنَحْوِهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ طَرَفًا مِنْهُ
وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى التَّعْجِيلِ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ مَعْرِفَةِ الْإِنْسَانِ وَجْهِ جَلِيسِهِ يَكُونُ فِي أَوَاخِرِ الْغَلَسِ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ مِنْ عَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ وَتَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ فِيهَا مُغَلِّسًا
وَادَّعَى الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي حَيْثُ قَالَتْ فِيهِ لَا يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي بَرْزَةَ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْرِفَةِ مَنْ هُوَ مُسْفِرٌ جَالِسٌ إِلَى جَنْبِ الْمُصَلِّي فَهُوَ مُمْكِنٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مُتَعَلِّقٌ بِمَنْ هُوَ مُتَلَفِّفٌ مَعَ أَنَّهُ عَلَى بُعْدٍ فَهُوَ بَعِيدٌ

(

رقم الحديث 399 [399]
( فَآخُذُ قَبْضَةً مِنَ الْحَصَى) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ تَعْجِيلُ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَفِيهِ لَا يَجُوزُ السُّجُودُ إِلَّا عَلَى الْجَبْهَةِ وَلَوْ جَازَ السُّجُودُ عَلَى ثَوْبٍ هُوَ لَابِسُهُ أَوِ الِاقْتِصَارُ مِنَ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْنَبَةِ دُونَ الْجَبْهَةِ لَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا الصَّنِيعِ وَفِيهِ أَنَّ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ
قُلْتُ .

     قَوْلُهُ  وَلَوْ جَازَ السُّجُودُ عَلَى ثَوْبٍ هُوَ لَابِسُهُ لَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ إِلَى هَذَا الصَّنِيعِ فِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ يُبَرِّدُ الْحَصَى لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها مَعَ بَقَاءِ سُتْرَتِهِ لَهُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ وَلَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى من حديث خالد بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ غَالِبٍ سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبِهِ فَسَجَدَ عَلَيْهِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّصِلِ بِالْمُصَلِّي وَعَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الثِّيَابِ وَكَذَا غَيْرُهَا فِي الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَبَيْنَ الْأَرْضِ لِاتِّقَاءِ حَرِّهَا وَكَذَا بَرْدِهَا وَعَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ وَمُرَاعَاةُ الْخُشُوعِ فِيهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ صَنِيعَهُمْ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ التَّشْوِيشِ الْعَارِضِ مِنْ حَرَارَةِ الْأَرْضِ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ كَمَا سَيَأْتِي يُعَارِضُهُ فَمَنْ قَالَ الْإِبْرَادُ رُخْصَةٌ فَلَا إِشْكَالَ وَمَنْ قَالَ سُنَّةٌ فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ التَّقْدِيمُ الْمَذْكُورُ رُخْصَةٌ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ مَنْسُوخٌ بِالْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ وَأَحْسَنُ مِنْهُمَا أَنْ يُقَالَ إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ قَدْ تُوجَدُ مَعَ الْإِبْرَادِ فَيُحْتَاجُ إِلَى السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ أَوْ إِلَى تَبْرِيدِ الْحَصَى لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَمِرُّ حَرُّهُ بَعْدَ الْإِبْرَادِ وَيَكُونُ فَائِدَةُ الْإِبْرَادِ وُجُودَ ظِلٍّ يَمْشِي فِيهِ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ يُصَلِّي فِيهِ فِي الْمَسْجِدِ أَشَارَ إِلَى هذا الجمع القرطبي ثم بن دَقِيقِ الْعِيدِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ



رقم الحديث 400 [4] ( فِي الصَّيْفِ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ إِلَى خَمْسَةِ أَقْدَامٍ) أَيْ مِنَ الْفَيْءِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَبْلُغَ مَجْمُوعُ الظِّلِّ الْأَصْلِيِّ وَالزَّائِدِ هَذَا الْمَبْلَغَ لَا أَنْ يَصِيرَ الزَّائِدُ هَذَا الْمَبْلَغَ وَيُعْتَبَرُ الْأَصْلِيُّ سِوَى ذَلِكَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا أَمْرٌ يَخْتَلِفُ فِي الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ وَلَا يَسْتَوِي فِي جَمِيعِ الْمُدُنِ وَالْأَمْصَارِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي طُولِ الظِّلِّ وَقِصَرِهِ هُوَ زِيَادَةُ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ فِي السَّمَاءِ وَانْحِطَاطِهَا فَكُلَّمَا كَانَتْ أعلى وإلى محاذاة الرؤوس فِي مَجْرَاهَا أَقْرَبَ كَانَ الظِّلُّ أَقْصَرُ وَكُلَّمَا كانت أخفض ومن محاذاة الرؤوس أَبْعَدَ كَانَ الظِّلُّ أَطْوَلَ وَلِذَلِكَ ظِلَالُ الشِّتَاءِ تَرَاهَا أَبَدًا أَطْوَلَ مِنْ ظِلَالِ الصَّيْفِ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَكَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُمَا مِنَ الْإِقْلِيمِ الثَّانِي وَيَذْكُرُونَ أَنَّ الظِّلَّ فِيهِمَا فِي أَوَّلِ الصَّيْفِ فِي شَهْرِ آذَارَ ثَلَاثَةُ أَقْدَامٍ وَشَيْءٌ وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ مُتَأَخِّرَةً عَنِ الْوَقْتِ الْمَعْهُودِ قَبْلَهُ فَيَكُونُ الظِّلُّ عِنْدَ ذَلِكَ خَمْسَةَ أَقْدَامٍ.
وَأَمَّا الظِّلُّ فِي الشِّتَاءِ فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ أَنَّهُ فِي تِشْرِينَ الْأَوَّلِ خَمْسَةُ أَقْدَامٍ أَوْ خَمْسَةُ أَقْدَامٍ وَشَيْءٌ وَفِي الْكَانُونَ سَبْعَةُ أَقْدَامٍ أَوْ سبعة أقدام وشيء فقول بن مَسْعُودٍ يَنْزِلُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فِي ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ دُونَ سَائِرِ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ الَّتِي هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْإِقْلِيمِ الثَّانِي
انْتَهَى
قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ قَالَ وَلِيُّ الدِّينِ هَذِهِ الْأَقْدَامِ هِيَ قَدَمُ كُلِّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِ قَامَتِهِ
قُلْتُ ضَابِطُ مَا يُعْرَفُ بِهِ زَوَالُ كُلِّ بلد أن يدق وتدفى حَائِطٍ أَوْ خَشَبَةٍ مُوَازِيًا لِلْقُطْبِ يَمَانِيًّا أَوْ شَمَالِيًّا فَيُنْظَرُ لِظِلِّهِ فَمَهْمَا سَاوَاهُ فَذَلِكَ وَسَطُ النَّهَارِ فَإِذَا مَالَ لِلْمَشْرِقِ مَيْلًا تَامًّا فَذَلِكَ الزَّوَالُ وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ فَكُلُّ الْأَقْدَامِ إِذًا بِكُلِّ شَهْرٍ وَأَحْفَظُهَا لِكُلِّ شَهْرٍ بِكُلِّ فَصْلٍ وَكُلِّ بَلَدٍ فَلَمْ أَرَ ضَابِطًا أَفْضَلُ مِنْ هذا
قال علي القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ السُّبْكِيُّ اضْطَرَبُوا فِي مَعْنَى حديث الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهِمَا فِي الصَّيْفِ بَعْدَ نِصْفِ الْوَقْتِ وَفِي الشِّتَاءِ أَوَّلَهَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ حَدَّ الْإِبْرَادِ
انْتَهَى
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِلْإِبْرَادِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى فِي الْإِبْرَادِ عَنْ نِصْفِ الْوَقْتِ
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ