فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ

رقم الحديث 3231 [3231] ( وَتَوَلَّى) مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ أَيْ أَدْبَرَ وَذَهَبَ ( قَرْعَ نِعَالِهِمْ) أَيْ صَوْتَهَا عِنْدَ الْمَشْيِ قَالَQوَقَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل رَحِمَهُ اللَّه حَدِيث بَشِير إِسْنَاده جَيِّد أَذْهَب إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ علة
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ
يُحْتَمَل أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بِنَعْلَيْهِ قَذَرًا فَأَمَرَهُ أَنْ يَخْلَعهُمَا وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون كَرِهَ لَهُ الْمَشْي فِيهِمَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْخُيَلَاء فَإِنَّ النِّعَال السِّبْتِيَّة مِنْ زِيّ أَهْل التَّنَعُّم وَالرَّفَاهِيَة كَمَا قَالَ عَنْتَرَة يَظَلّ كَأَنَّ ثِيَابه فِي سرجه يحذي نِعَال السَّبْت لَيْسَ بِتَوْأَمٍ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيث شَيْء مِنْ ذَلِكَ
وَمَنْ تَدَبَّرَ نَهْي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْجُلُوس عَلَى الْقَبْر وَالِاتِّكَاء عَلَيْهِ وَالْوَطْء عَلَيْهِ عَلِمَ أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا كَانَ احتراما لسكانها أن يوطأ بالنعال فوق رؤوسهم وَلِهَذَا يَنْهَى عَنْ التَّغَوُّط بَيْن الْقُبُور وَأَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْجُلُوس عَلَى الْجَمْر حَتَّى تَحْرُق الثِّيَاب خَيْر مِنْ الْجُلُوس عَلَى الْقَبْر وَمَعْلُوم أَنَّ هَذَا أَخَفّ مِنْ الْمَشْي بَيْن الْقُبُور بِالنِّعَالِ الْخَطَّابِيُّ خَبَرُ أَنَسٍ ( هَذَا) يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ النَّعْلِ لِزَائِرِ الْقُبُورِ وَلِلْمَاشِي بِحَضْرَتِهَا وَبَيْنَ ظَهْرَانَيْهَا فَأَمَّا خَبَرُ السِّبْتِيَّتَيْنِ ( الَّذِي مَضَى) فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الْخُيَلَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ نِعَالَ السِّبْتِ مِنْ لِبَاسِ أَهْلِ التَّنَعُّمِ وَالتَّرَفُّهِ وَأَحَبَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ الْمَقَابِرَ عَلَى زِيِّ أَهْلِ التَّوَاضُعِ وَلِبَاسِ أَهْلِ الْخُشُوعِ انْتَهَى
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُمَا لِمَا فِيهِمَا مِنَ الخيلاء فإنه متعقب بأن بن عُمَرَ كَانَ يَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَيَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُهَا وهو حديث صحيح وأغرب بن حَزْمٍ فَقَالَ يَحْرُمُ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقُبُورِ بِالنِّعَالِ السِّبْتِيَّةِ دُونَ غَيْرِهِمَا وَهُوَ جُمُودٌ شَدِيدٌ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّQوَبِالْجُمْلَةِ فَاحْتِرَام الْمَيِّت فِي قَبْره بِمَنْزِلَةِ اِحْتِرَامه في داره التي كان يسكنها في الدنيافإن الْقَبْر قَدْ صَارَ دَاره
وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسْر عَظْم الْمَيِّت كَكَسْرِهِ حَيًّا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اِحْتِرَامه فِي قَبْره كَاحْتِرَامِهِ فِي دَاره وَالْقُبُور هِيَ دِيَار الْمَوْتَى وَمَنَازِلهمْ وَمَحَلّ تَزَاوُرهمْ وَعَلَيْهَا تَنْزِل الرَّحْمَة مِنْ رَبّهمْ وَالْفَضْل عَلَى مُحْسِنهمْ فَهِيَ مَنَازِل الْمَرْحُومِينَ وَمَهْبِط الرَّحْمَة وَيَلْقَى بَعْضهمْ بَعْضًا عَلَى أَفْنِيَة قُبُورهمْ يَتَجَالَسُونَ وَيَتَزَاوَرُونَ كَمَا تَضَافَرَتْ بِهِ الْآثَار
وَمَنْ تَأَمَّلَ كِتَاب الْقُبُور لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا رَأَى فِيهِ آثَارًا كَثِيرَة فِي ذَلِكَ
فَكَيْف يُسْتَبْعَد أَنْ يَكُون مِنْ مَحَاسِن الشَّرِيعَة إِكْرَام هَذِهِ الْمَنَازِل عَنْ وَطْئِهَا بِالنِّعَالِ وَاحْتِرَامهَا بَلْ هَذَا مِنْ تَمَام مَحَاسِنهَا وَشَاهِده مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وَطْئِهَا وَالْجُلُوس عَلَيْهَا وَالِاتِّكَاء عَلَيْهَا
وَأَمَّا تَضْعِيف حَدِيث بَشِير فَمِمَّا لَمْ نَعْلَم أَحَدًا طَعَنَ فِيهِ بَلْ قَدْ قَالَ الْإِمَام أَحْمَد إِسْنَاده جَيِّد
وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ كَانَ عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان يَقُول فِيهِ حَدِيث جَيِّد وَرَجُل ثِقَة
وَأَمَّا مُعَارَضَته بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَيَسْمَع قَرْع نِعَالهمْ فَمُعَارَضَة فَاسِدَة فَإِنَّ هَذَا إِخْبَار مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَاقِعِ وَهُوَ سَمَاع الْمَيِّت قَرْع نِعَال الْحَيّ وَهَذَا لَا يَدُلّ عَلَى الْإِذْن فِي قَرْع الْقُبُور وَالْمَشْي بَيْنهَا بِالنِّعَالِ إِذْ الْإِخْبَار عَنْ وُقُوع الشَّيْء لَا يَدُلّ عَلَى جَوَازه وَلَا تَحْرِيمه وَلَا حُكْمه
فَكَيْف يُعَارَض النَّهْي الصَّرِيح بِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ ثَبَتَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُوطَأ الْقُبُور وقد روى بن مَاجَهْ فِي سُنَنه عَنْ أَبِي الْخَيْر عَنْ عُقْبَة بْن عَامِر قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَنْ أَمْشِي عَلَى جَمْرَة أَوْ سَيْف أَوْ أَخْصِف نَعْلِي بِرِجْلِي أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْشِي عَلَى قَبْر مُسْلِم وَمَا أُبَالِي أَوَسْط الْقَبْر كَذَا قَالَ فضلت حاجتي


رقم الحديث 3232 [3232] لِلْأَمْرِ يَحْدُثُ ( فَكَانَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ حَاجَةٌ) أَيْ إِلَى إِخْرَاجِهِ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْإِخْرَاجِ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْحَيِّ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَيِّتِ فِي دَفْنِ مَيِّتٍ آخَرَ مَعَهُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ جَابِرٌ بِقَوْلِهِ فَكَانَ فِي نَفْسِي ( فَمَا أَنْكَرْتُ مِنْهُ شَيْئًا) أَيْ مَا وَجَدْتُ مُنْكَرًا وَمُتَغَيِّرًا مِنْ جَسَدِهِ شَيْئًا
فِيهِ جَوَازُ نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ قَبْرِهِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِسَبَبٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ إِنَّهُ سَمِعَ غَيْرَ وَاحِدٍ يَقُولُ إِنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ مَاتَا بِالْعَقِيقِ فَحُمِلَا إِلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَا بِهَا
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تاريخ الخلفاء في خلافة علي قال شريك نَقَلَهُ ابْنُهُ الْحَسَنُ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَقَالَ الْمُبَرِّدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ أَوَّلُ مَنْ حُوِّلَ من قبر إلى قبر علي
وأخرج بن عَسَاكِرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ لَمَّا قُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَمَلُوهُ لِيَدْفِنُوهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَهَذِهِ الْآثَارُ فِيهَا جَوَازُ نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنَ الْمَوْطِنِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ إِلَى مَوْطِنٍ آخَرَ يُدْفَنُ فِيهِ وَالْأَصْلُ الْجَوَازُ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا لِدَلِيلٍ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عنه المنذريQأَوْ وَسْط الطَّرِيق وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْق بَيْن النَّعْل وَالْجُمْجُم وَالْمَدَاس وَالزُّرْبُول
وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى ذَلِكَ مُخْتَصّ بِالنِّعَالِ السِّبْتِيَّة لَا يَتَعَدَّاهَا إِلَى غَيْرهَا
قَالَ لِأَنَّ الْحُكْم تَعَبُّدِيّ غَيْر مُعَلَّل فَلَا يَتَعَدَّى مَوْرِد النَّصّ
وَفِيمَا تَقَدَّمَ كِفَايَة فِي رَدّ هَذَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق