فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي الصَّائِمِ يَحْتَجِمُ

رقم الحديث 2059 [2059] ( مَا شَدَّ الْعَظْمَ) أَيْ قَوَّاهُ وَأَحْكَمَهُ
وَشَدُّ الْعَظْمِ وَإِنْبَاتُ اللَّحْمِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَ الرَّضِيعُ طِفْلًا يَسُدُّ اللَّبَنُ جُوعَهُ لِأَنَّ مَعِدَتَهُ تَكُونُ ضَعِيفَةً يَكْفِيهَا اللَّبَنُ وَيَنْبُتُ بِذَلِكَ لَحْمُهُ وَيَشْتَدُّ عَظْمُهُ فَيَصِيرُ كَجُزْءٍ مِنَ الْمُرْضِعَةِ فَيَشْتَرِكُ فِي الْحُرْمَةِ مَعَ أَوْلَادِهَا ( لَا تَسْأَلُونَا وَهَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ) الْحَبْرُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وكسرها العالم وأراد بهذا الحبر بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ



رقم الحديث 2060 [26] ( بِمَعْنَاهُ) أَيْ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ ( وَقَالَ أَنْشَرَ الْعَظْمَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَنْشَرَ الْعَظْمَ مَعْنَاهُ مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَقَوَّاهُ وَالْإِنْشَارُ بِمَعْنَى الْإِحْيَاءُ كَمَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ثم إذا شاء أنشره وَقَدْ يُرْوَى أَنْشَزَ الْعَظْمَ بَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ زَادَ فِي حَجْمِهِ فَنَشَرَهُ انْتَهَى
وَقَالَ السِّنْدِيُّ أَيْ رَفَعَهُ وَأَعْلَاهُ أَيْ أَكْبَرَ حَجْمَهُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ سُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْهِلَالِيِّ فَقَالَ هُوَ مَجْهُولٌ وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ انْتَهَى
وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا كَانَ فِي حَالِ الصِّغَرِ لِأَنَّهَا الْحَالُ الَّذِي يُمْكِنُ طَرْدُ الْجُوعِ فِيهَا بَاللَّبَنِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الصِّغَرِ فَالْجُمْهُورُ قَالُوا مَهْمَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَإِنَّ رَضَاعَهُ يَحْرُمُ وَلَا يَحْرُمُ مَا كَانَ بَعْدَهُمَا مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لمن أراد أن يتم الرضاعة .

     وَقَالَتْ  جَمَاعَةٌ الرَّضَاعُ الْمُحَرِّمُ مَا كَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ وَلَمْ يُقَدِّرُوهُ بِزَمَانٍ
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ فُطِمَ وَلَهُ عَامٌ وَاحِدٌ وَاسْتَمَرَّ فِطَامُهُ ثُمَّ رَجَعَ فِي الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ هَذَا الرَّضَاعُ شَيْئًا وَإِنْ تَمَادَى رَضَاعُهُ وَلَمْ يُفْطَمْ فَمَا يَرْضَعُ وَهُوَ فِي الْحَوْلَيْنِ حَرُمَ وَمَا كَانَ بَعْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ وَإِنْ تَمَادَى رَضَاعُهُ
وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخَرُ عَارِيَةٌ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ فَلَمْ نطل بها المقال


( كَانَ تَبَنَّى سالما) أي اتخذه ولدا
وسالم هو بن مَعْقِلٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَلَمْ يَكُنْ مَوْلَاهُ وَإِنَّمَا كَانَ يُلَازِمُهُ بَلْ كَانَ مِنْ حُلَفَائِهِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ( وَأَنْكَحَهُ) أَيْ زَوَّجَهُ ( هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ) بَدَلٌ مِنَ ابْنَةِ أَخِيهِ
وَوَقَعَ عِنْدَ مَالِكٍ فَاطِمَةَ فَلَعَلَّ لَهَا اسْمَيْنِ ( وَهُوَ) أَيْ سَالِمٌ ( مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنَ الأنصار) قال بن حِبَّانَ يُقَالُ لَهَا لَيْلَى وَيُقَالُ ثُبَيْتَةُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ بِنْتُ يَعَّارٍ بفتح التحتية بن زَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَكَانَتِ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ بن عتبة وبهذا جزم بن سَعْدٍ
وَقِيلَ اسْمُهَا سَلْمَى وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ( كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا) هُوَ أَبُوQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ قَالَ بِقَوْلِ عَائِشَة فِي رَضَاع الْكَبِير اللَّيْث بْن سَعْد وَعَطَاء وَأَهْل الظَّاهِر
وَالْأَكْثَرُونَ حَمَلُوا الْحَدِيث إِمَّا عَلَى الْخُصُوص وَإِمَّا عَلَى النَّسْخ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى النَّسْخ بِأَنَّ قِصَّة سَالِم كَانَتْ فِي أَوَّل الْهِجْرَة لِأَنَّهَا هَاجَرَتْ عَقِب نُزُول الْآيَة وَالْآيَة نَزَلَتْ فِي أَوَائِل الهجرة أُسَامَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى الْقُرَشِيُّ نَسَبًا الْهَاشِمِيُّ وَلَاءً مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِبُّهُ وَأَبُو حِبِّهِ كَانَ أُمُّهُ خَرَجَتْ بِهِ تَزُورُ قَوْمَهَا فَأَغَارَتْ عَلَيْهِمْ بَنُو الْقَيْنِ فَأَخَذَوا بِزَيْدٍ وَقَدِمُوا بِهِ سُوقَ عُكَاظٍ فَاشْتَرَاهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ لِعَمَّتِهِ خَدِيجَةَ فَوَهَبَتْهُ للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بن ثمان سنين فأعتقه وتبناه
قال بن عُمَرَ مَا كُنَّا نَدْعُوهُ إِلَّا زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَتَّى نَزَلَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا زَيْدًا بِقَوْلِهِ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا الْآيَةَ اسْتُشْهِدَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ( ادْعُوهُمْ) أَيِ الْمُتَبَنَّيْنَ ( لِآبَائِهِمْ) أَيْ آبَائِهِمُ الَّذِينَ هُمْ مِنْ مَائِهِمْ لَا لِمَنْ تَبَنَّاهُ
وَتَمَامُ الْآيَةِ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ومواليكم ( فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ) وَلَمْ يُنْسَبُوا إِلَى مَنْ تَبَنَّاهُ وَلَمْ يُوَرَّثُوا مِيرَاثَهُمْ بَلْ مِيرَاثَ آبَائِهِمْ ( كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِي الدِّينِ) لَعَلَّ فِي هَذَا إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِمْ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وأن سالما لما نزلت ( أدعوهم لآبائهم) كَانَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ لَهُ أَبٌ فَقِيلَ لَهُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ( إِنَّا كُنَّا نَرَى) أَيْ نَعْتَقِدُ ( فَكَانَ) أَيْ سَالِمٌ ( يَأْوِي) أَيْ يَسْكُنُ
وَعِنْدَ مَالِكٍ يَدْخُلُ عَلَيَّ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَوَيْتُ مَنْزِلِي وَإِلَيْهِ أُوِيًّا بَالضَّمِّ وَيُكْسَرُ وأويت تأوية وتأويت واتويت وأتويت نزلته بنفسي وسكنت ( وَيَرَانِي فُضْلًا) بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ أَيْ مُتَبَذِّلَةً فِي ثِيَابِ الْمِهْنَةِ يُقَالُ تَفَضَّلَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ
هَذَا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ وَتَبِعَهُ بن الْأَثِيرِ وَزَادَ وَكَانَتْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ
وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْخَلِيلُ رَجُلٌ فُضْلٌ مُتَوَشِّحٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ
قَالَ فَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عليها وهي منكشف بعضها
وعن بن وَهْبٍ فُضْلٌ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ وَالصَّدْرِ
وَقِيلَ الْفُضْلُ الَّذِي عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَلَا إِزَارَ تَحْتَهُ
وَقَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ تَفَضَّلَتِ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا إِذَا كَانَتْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كَقَمِيصٍ لَا كُمَّيْنِ لَهُ ( وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ) أَيِ الْآيَةَ الَّتِي سَاقَهَا قَبْلُ وهي ( أدعوهمQوَأَمَّا أَحَادِيث الْحُكْم بِأَنَّ التَّحْرِيم يَخْتَصّ بِالصِّغَرِ
فَرَوَاهَا مَنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامهمْ مِنْ الصَّحَابَة نَحْو أبي هريرة وبن عَبَّاس وَغَيْرهمْ فَتَكُون أَوْلَى لآبائهم)
وقوله ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم) ( فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَتْ إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوهُ وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّ فِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ( أَرْضِعِيهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَتْ كَيْفَ أُرْضِعهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فَتَبَسَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  قَدْ عَلِمْتِ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ وَفِي أُخْرَى لَهُ فَقَالَتْ إِنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَعَلَّهَا حَلَبَتْهُ ثُمَّ شَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ ثَدْيَهَا وَهَذَا أَحْسَنُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَفَا عَنْ مَسِّهِ لِلْحَاجَةِ كَمَا خُصَّ بَالرَّضَاعَةِ مَعَ الْكِبَرِ انْتَهَى ( أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ يَعُودُ إِلَى مَنْ وَالْمَنْصُوبُ إِلَى عَائِشَةَ ( أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ) أَيْ بَالرَّضَاعَةِ فِي الْكِبَرِ ( حَتَّى يُرْضَعَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( فِي الْمَهْدِ) أَيْ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ حِينَ يَكُونُ الطِّفْلُ فِي الْمَهْدِ
وَالْحَدِيثُ قَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ إِرْضَاعَ الْكَبِيرِ يَثْبُتُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءَ بْنِ أَبِي رباح والليث بن سعد وبن علية وبن حَزْمٍ
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى اعْتِبَارِ الصِّغَرِ فِي الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ وَأَجَابُوا عَنْ قِصَّةِ سَالِمٍ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ حُكْمٌ مَنْسُوخٌ وَقَرَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قِصَّةَ سَالِمٍ كَانَتْ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَوْلَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ فَدَلَّ عَلَى تَأَخُّرِهَا وَهُوَ مُسْتَنَدٌ ضَعِيفٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَأَخُّرِ إِسْلَامِ الرَّاوِي وَلَا مِنْ صِغَرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا رَوَاهُ مُتَقَدِّمًا
وَأَيْضًا فَفِي سِيَاقِ قِصَّةِ سَالِمٍ مَا يُشْعِرُ بِسَبْقِ الْحُكْمِ بَاعْتِبَارِ الْحَوْلَيْنِ لِقَوْلِ امْرَأَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ حَيْثُ قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضِعِيهِ قَالَتْ وَكَيْفَ أُرْضِعهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ إِنَّهُ ذُو لِحْيَةٍ قَالَ أَرْضِعِيهِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْرِفُ أَنَّ الصِّغَرَ مُعْتَبَرٌ فِي الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ
وَمِنْهَا دَعْوَى الْخُصُوصِيَّةِ بِسَالِمٍ وَامْرَأَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَرَى هَذَا إِلَّا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ دَعْوَى الِاخْتِصَاصِ تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَقَدِ اعْتَرَفْنَ بِصِحَّةِ الْحُجَّةِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا عَائِشَةُ وَلَا حُجَّةَ فِي إِبَائِهِنَّ لَهَا كَمَا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي أَقْوَالِهِنَّ إِذَا خَالَفَتِ الْمَرْفُوعَ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ مُخْتَصَّةُ بِسَالِمٍ لَبَيَّنَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَيَّنَ اخْتِصَاصَ أَبِي بُرْدَةَ بَالتَّضْحِيَةِ بَالْجِذْعِ مِنَ الْمَعْزِ وَمِنْهَا حَدِيثُ إِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ وَحَدِيثُ لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا شَدَّ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ وَحَدِيثُ لَا يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَحَدِيثُ لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.

     وَقَالَ  لَمْ يُسْنِدْهُ عَنِ بن عُيَيْنَةَ غَيْرُ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ
وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ وَبَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الرَّضَاعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ الصِّغَرُ إِلَّا فِيمَا دَعَتْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ كَرَضَاعِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُسْتَغْنَى عَنْ دُخُولِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَيَشُقُّ احْتِجَابُهَا مِنْهُ وَيُجْعَلُ حَدِيثُ الْبَابِ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
وَإِلَيْهِ ذَهَبَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بن تَيْمِيَةَ
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي.

     وَقَالَ  هَذِهِ طَرِيقَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ بَيْنَ طَرِيقَةِ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا حُكْمَ لِرَضَاعِ الْكَبِيرِ مُطْلَقًا وَبَيْنَ مَنْ جَعَلَ رَضَاعَ الْكَبِيرِ كَرَضَاعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا لِمَا لَا يَخْلُو عَنْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّرِيقَتَيْنِ مِنَ التَّعَسُّفِ انْتَهَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَعِلْمُهُ أَتَمُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ




رقم الحديث 2061 [261]

رقم الحديث 2062 [262] ( كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ) مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ كَانَ سَابِقًا فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةُ ( عَشْرَ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمْنَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَشْرَ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ( ثُمَّ نُسِخْنَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ) أَيْ ثُمَّ نَزَلَتْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخَتْ تِلْكَ الْعَشْرُ ( فَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ) أَيْ خَمْسُ رَضَعَاتٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهِيَ أَيْ آيَةُ خَمْسِ رَضَعَاتٍ ( مِمَّا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
وَالْمَعْنَى أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا حَتَّى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَيَجْعَلُهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُمُ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى
وَالنَّسْخُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَتِلَاوَتُهُ كَعَشْرِ رَضَعَاتٍ
وَالثَّانِي مَا نسخت تلاوته دون حكمه كخمس رضعات
وكالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما
والثالث مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَتْ تِلَاوَتُهُ وَهَذَا هُوَ الأكثر وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أزواجا وصية لأزواجهم الْآيَةَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ وبن مسعود وعبد الله بن الزبير وعطاء وطاؤس وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاللَّيْثِ بن سعد والشافعي وأصحابه وقال به بن حَزْمٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
وَذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ وَأَتْبَاعُهُ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُحَرِّمُ ثَلَاثُ رَضَعَاتٍ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنَ الرَّضَاعِ سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَتَمَسَّكُوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَبَالْعُمُومِ الْوَارِدِ فِي الْأَخْبَارِ
قَالَ الْحَافِظُ قَوِيَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْأَخْبَارَ اخْتَلَفَتْ فِي الْعَدَدِ وعَائِشَةُ الَّتِي رَوَتْ ذَلِكَ قَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهَا فِيمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى أَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَأَيْضًا فَقَوْلُ عَشْرِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ لَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ قَوْلَيِ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَالتَّوَاتُرِ وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ لَا خَبَرٌ فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ قُرْآنًا وَلَا ذَكَرَ الرَّاوِي أَنَّهُ خَبَرٌ لِيُقْبَلَ .

     قَوْلُهُ  فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى
وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ في هذه المسألة الشوكاني في النيل فليراجع إِلَيْهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
وَهَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي اعْتِبَارِ عَدَدِ الْخَمْسِ فِي التَّحْرِيمِ انْتَهَى