فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ الِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ

رقم الحديث 1644 [1644] أَيْ فِي شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ
( أَنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ) لَمْ يَتَعَيَّنْ لِي أسماءهم إِلَّا أَنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ خُوطِبَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلُفِظَ فَفِي حَدِيثِهِ سَرَّحَتْنِي أُمِّي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي لِأَسْأَلَهُ مِنْ حَاجَةٍ شَدِيدَةٍ فَأَتَيْتُهُ وَقَعَدْتُ فَقَالَ مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ وَسَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ فَقَدْ أَلْحَفَ فَقُلْتُ نَاقَتِي خَيْرٌ مِنْ أُوقِيَّةٍ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَسْأَلْهُ
ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي ( حتى إذا نفذ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ فَرَغَ وَفِي ( مِنْ خَيْرٍ) أَيْ مَالٍ وَمِنْ بَيَانٌ لِمَا وَمَا خَبَرِيَّةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِلشَّرْطِ أَيْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ مَوْجُودٌ عِنْدِي أُعْطِيكُمْ ( فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ) أَيْ أحبسه وأخبؤه وَأَمْنَعَكُمْ إِيَّاهُ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْكُمْ
وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ السَّخَاءِ وَإِنْفَاذِ أَمْرِ اللَّهِ
وَفِيهِ إِعْطَاءُ السَّائِلِ مَرَّتَيْنِ وَالِاعْتِذَارُ إِلَى السَّائِلِ وَالْحَضُّ عَلَى التَّعَفُّفِ
وَفِيهِ جَوَازُ السُّؤَالِ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَرْكَهُ وَالصَّبْرَ حَتَّى يَأْتِيَهُ رِزْقُهُ بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ ( وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ) أَيْ مَنْ يَطْلُبْ مِنْ نَفْسِهِ الْعِفَّةَ عَنِ السُّؤَالِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَوْ يَطْلُبِ الْعِفَّةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ السِّينُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ ( يُعِفَّهُ اللَّهُ) يَجْعَلْهُ عَفِيفًا مِنَ الْإِعْفَافِ
وَهُوَ إِعْطَاءُ الْعِفَّةِ وَهِيَ الْحِفْظُ عَنِ الْمَنَاهِي يَعْنِي مَنْ قَنَعَ بِأَدْنَى قُوتٍ وَتَرَكَ السُّؤَالَ تَسْهُلُ عَلَيْهِ الْقَنَاعَةُ وَهِيَ كَنْزٌ لَا يَفْنَى ( وَمَنْ يَسْتَغْنِ) أَيْ يُظْهِرِ الْغِنَى بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالتَّعَفُّفُ عَنِ السُّؤَالُ حَتَّى يَحْسَبَهُ الْجَاهِلُ غَنِيًّا مِنَ التَّعَفُّفِ ( يُغْنِهِ اللَّهُ) أَيْ يَجْعَلْهُ غَنِيًّا أَيْ بِالْقَلْبِ لِأَنَّ الْغِنَى لَيْسَ عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ إِنَّمَا غِنَى النَّفْسِ ( وَمَنْ يَتَصَبَّرْ) أَيْ يَطْلُبْ تَوْفِيقَ الصَّبْرِ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى وَاصْبِرْ وما صبرك إلا بالله أَيْ يَأْمُرْ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ وَيَتَكَلَّفْ فِي التَّحَمُّلِ عَنْ مَشَاقِّهِ وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ لِأَنَّ الصَّبْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى صَبْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْبَلِيَّةِ أَوْ مَنْ يَتَصَبَّرْ عَنِ السُّؤَالِ وَالتَّطَلُّعِ إِلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ بِأَنَّ يَتَجَرَّعَ مَرَارَةَ ذَلِكَ وَلَا يَشْكُو حَالَهُ لِغَيْرِ رَبِّهِ ( يُصَبِّرْهُ اللَّهُ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يُسَهِّلُ عَلَيْهِ الصَّبْرَ فَتَكُونُ الْجُمَلُ مُؤَكَّدَاتٍ
وَيُؤَيِّدُ إِرَادَةَ مَعْنَى الْعُمُومِ .

     قَوْلُهُ  ( وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِنْ عَطَاءٍ) أَيْ مُعْطًى أَوْ شَيْئًا ( أَوْسَعَ) أَيْ أَشْرَحَ لِلصَّدْرِ ( مِنَ الصَّبْرِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مَقَامَ الصَّبْرِ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِمَكَارِمِ الصِّفَاتِ وَالْحَالَاتِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ



رقم الحديث 1645 [1645] ( وَهَذَا حَدِيثُهُ) أَيْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ
وَالْمَعْنَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دَاوُدَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ بَشِيرِ بْنِ سَلْمَانَ وَهَذَا لفظ بن الْمُبَارَكِ دُونَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ ( مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ) أَيْ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْفَقْرِ وَضِيقِ الْمَعِيشَةِ ( فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ) أَيْ عَرَضَهَا عَلَيْهِمْ وَأَظْهَرَهَا بِطَرِيقِ الشِّكَايَةِ لَهُمْ وَطَلَبَ إِزَالَةَ فَاقَتِهِ مِنْهُمْ
قَالَ الطِّيبِيُّ يُقَالُ نَزَلَ بِالْمَكَانِ وَنَزَلَ مِنْ عُلُوٍّ وَمِنَ الْمَجَازِ نَزَلَ بِهِ مَكْرُوهٌ وَأَنْزَلْتُ حَاجَتِي عَلَى كَرِيمٍ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ مَنِ اعْتَمَدَ فِي سَدِّهَا عَلَى سُؤَالِهِمْ ( لَمْ تُسَدُّ فَاقَتُهُ) أَيْ لَمْ تُقْضَ حَاجَتُهُ وَلَمْ تَزَلْ فَاقَتُهُ وَكُلَّمَا تُسَدُّ حَاجَةٌ أَصَابَتْهُ أُخْرَى أَشَدُّ مِنْهَا ( وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ) بِأَنِ اعْتَمَدَ عَلَى مَوْلَاهُ ( أَوْشَكَ اللَّهُ) أَيْ أَسْرَعَ وَعَجَّلَ ( بِالْغِنَى) بِالْكَسْرِ مَقْصُورًا أَيِ الْيَسَارِ وَفِي نُسْخَةِ الْمَصَابِيحِ لَهُ بِالْغَنَاءِ أَيْ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَالْمَدِّ أَيِ الْكِفَايَةِ
قَالَ شُرَّاحُ الْمَصَابِيحِ وَرِوَايَةُ بِالْغِنَى أَيْ بِالْكَسْرِ مَقْصُورًا عَلَى مَعْنَى الْيَسَارِ تَحْرِيفٌ لِلْمَعْنَى لِأَنَّهُ قَالَ يَأْتِيهِ الْكِفَايَةُ عَمَّا هُوَ فِيهِ انْتَهَى ( إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ) قِيلَ بِمَوْتِ قَرِيبٍ لَهُ غَنِيٍّ فَيَرِثُهُ
وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ( أَوْ غِنَى) بِكَسْرٍ وَقَصْرٍ أَيْ يَسَارٍ ( عَاجِلٍ) أَيْ بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَالًا وَيَجْعَلَهُ غَنِيًّا
قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ هَكَذَا أَيْ عَاجِلٍ بِالْعَيْنِ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وَجَامِعِ الْأُصُولِ
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ أَوْ غِنًى آجِلٍ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَهُوَ أَصَحُّ دِرَايَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله انْتَهَى
قُلْتُ نُسَخُ أَبِي دَاوُدَ الَّتِي عِنْدِي فِي كُلِّهَا عَاجِلٍ بِالْعَيْنِ وَكَذَا فِي نُسَخِ الْمُنْذِرِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ.

     وَقَالَ  حَسَنٌ صَحِيحٌ غريب