فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِيمَنْ رَوَى أَنَّهُ لَا يُسْتَسْعَى

رقم الحديث 3490 [3490] ( لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَاتُ الْأَوَاخِرُ إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ هُوَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَهِيَ نَزَلَتْ قَبْلَ آيَةِ الرِّبَا بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَإِنَّ آيَةَ الرِّبَا آخِرُ مَا نَزَلَ أَوْ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّهْيُ عَنِ التِّجَارَةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَحْرِيمِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِتَحْرِيمِ التِّجَارَةِ حِينَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الرِّبَا تَوْكِيدًا وَمُبَالَغَةً وَلَعَلَّهُ حَضَرَ الْمَجْلِسَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُ تَحْرِيمُ التِّجَارَةِ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ




رقم الحديث 3491 [3491]

رقم الحديث 3492 [3492] أَيْ يَقْبِضَ
( مَنِ ابْتَاعَ) أَيِ اشْتَرَى ( حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) أَيْ يَقْبِضَهُ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَهُ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ سَوَاءٌ كَانَ طَعَامًا أَوْ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفةQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى البيهقي في سننه من حَدِيث سُفْيَان وَهَمَّام وَأَبَان الْعَطَّار عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ يَعْلَى بْن حَكِيم عَنْ يُوسُف بْن مَاهَك عَنْ عَبْد اللَّه بْن عِصْمَة عَنْ حَكِيم بْن حِزَام قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَبْتَاع هَذِهِ البيوع فما يحل لي منها وما يحرم علي قال ياابن أَخِي لَا تَبِعْ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضهُ وَلَفْظ حَدِيث أَبَان إِذَا اِشْتَرَيْت بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضهُ وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرْطهمَا سِوَى عبد الله بن عصمة وقد وثقه بن حِبَّان وَاحْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ
وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح عَنْ حِزَام بْن حَكِيم قَالَ قَالَ حَكِيم بْن حِزَام اِبْتَعْت طَعَامًا مِنْ طَعَام الصَّدَقَة فَرَبِحْت فِيهِ قبل أن أقبضه فأتيت رسول الله فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضهُ وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عن جابر عن النبي أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَبِيع الرَّجُل طَعَامًا حَتَّى يَسْتَوْفِيه وَفِيهِ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة يَرْفَعهُ مَنْ اِشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالهُ قال بن الْمُنْذِر أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّ مَنْ اِشْتَرَى طَعَامًا فَلَيْسَ لَهُ بَيْعه حَتَّى يَقْبِضهُ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ غَيْر وَاحِد مِنْ أَهْل الْعِلْم إجماعا
وأما ما حكي عن عثمان البتي من جوازه فَإِنْ صَحَّ فَلَا يُعْتَدّ بِهِ
فَأَمَّا غَيْر الطَّعَام فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاء عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة لَا يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْعَقَارَ
وَقَالَ مَالِكٌ
لَا يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ وَيَجُوزُ فِيمَا سِوَاهُ وَوَافَقَهُ كَثِيرُونَ
وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَيَجُوزُ فِيمَا سِوَاهُ انْتَهَى
قُلْتُ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْآتِي فِي الْبَابِ وَحَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عِنْدَQأَحَدهَا أَنَّهُ يَجُوز بَيْعه قَبْل قَبْضه مَكِيلًا كَانَ أَوْ مَوْزُونًا وَهَذَا مَشْهُور مَذْهَب مَالِك
واختاره أبو ثور وبن الْمُنْذِر
وَالثَّانِي أَنَّهُ يَجُوز بَيْع الدُّور وَالْأَرْض قَبْل قَبْضهَا وَمَا سِوَى الْعَقَار فَلَا يَجُوز بَيْعه قَبْل الْقَبْض وَهَذَا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَأَبِي يُوسُف
وَالثَّالِث مَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَلَا يَصِحّ بَيْعه قَبْل الْقَبْض سَوَاء أَكَانَ مَطْعُومًا أَمْ لَمْ يَكُنْ وَهَذَا يُرْوَى عن عثمان رضي الله عنه وهو مذهب بن الْمُسَيِّب وَالْحَسَن وَالْحَكَم وَحَمَّاد وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاق وَهُوَ الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب أَحْمَد بْن حَنْبَل
وَالرَّابِع أَنَّهُ لَا يَجُوز بَيْع شَيْء مِنْ الْمَبِيعَات قبل قبضه بحال وهذا مذهب بن عَبَّاس وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَات عَنْ أَحْمَد
وَهَذَا الْقَوْل هُوَ الصَّحِيح الَّذِي نَخْتَارهُ
وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَصْحَاب أَحْمَد فِي الْمَنْع مِنْ بَيْع الْمَكِيل وَالْمَوْزُون قَبْل قَبْضه عَلَيَّ ثَلَاثَة طُرُق
أَحَدهَا أَنَّ الْمُرَاد مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقّ التَّوْفِيَة بِالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْن كَرِطْلٍ مِنْ زُبْرَة أَوْ قَفِيز مِنْ صُبْرَة وَهَذِهِ طَرِيقَة الْقَاضِي وَصَاحِب الْمُحَرَّر وَغَيْرهمَا وَعَلَى هَذَا فَمَنَعُوا بَيْع مَا يَتَعَلَّق بِهِ حَقّ تَوْفِيَة وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكِيلًا وَلَا مَوْزُونًا كَمَنْ اِشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشَرَة أَذْرُع أَوْ قَطِيعًا كُلّ شَاة بِدِرْهَمٍ
وَالطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَنَّ الْمُرَاد بِهِ مَا كَانَ مَكِيل الْجِنْس وَمَوْزُونه وَإِنْ اِشْتَرَاهُ جُزَافًا كَالصُّبْرَةِ وَزُبْرَة الْحَدِيد وَنَحْوهمَا
وَالطَّرِيقَة الثَّالِثَة أَنَّ الْمُرَاد بِهِ الْمَكِيل وَالْمَوْزُون مِنْ الْمَطْعُوم وَالْمَشْرُوب نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنا فَقَالَ كُلّ شَيْء يُبَاع قَبْل قَبْضه إِلَّا مَا كَانَ يُكَال أَوْ يُوزَن مِمَّا يُؤْكَل وَيُشْرَب
فَصَارَ فِي مَذْهَبه أَرْبَع رِوَايَات
إِحْدَاهَا إِنَّ الْمَنْع مُخْتَصّ بِمَا يَتَعَلَّق بِهِ حَقّ التَّوْفِيَة
الثَّانِيَة أَنَّهُ عَامّ فِي كُلّ مَكِيل أَوْ مَوْزُون مَطْعُوم
الثَّالِثَة أَنَّهُ عَامّ فِي كُلّ مَكِيل أَوْ مَوْزُون مَطْعُومًا كَانَ أَوْ غَيْره
الرَّابِعَة أَنَّهُ عَامّ فِي كُلّ مَبِيع
وَالصَّحِيح هُوَ هَذِهِ الرِّوَايَة لِوُجُوهٍ أَحْمَدَ بِلَفْظِ إِذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ فَإِنَّهُمَا بِعُمُومِهِمَا يَشْمَلَانِ الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجهQأَحَدهَا حَدِيث حَكِيم بْن حِزَام قُلْت يَا رَسُول اللَّه إِنِّي أَبْتَاع هَذِهِ الْبُيُوع فَمَا يحل لي منها وما يحرم علي قال ياابن أَخِي لَا تَبِعْ شَيْئًا حَتَّى تَقْبِضهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْكَلَام عَلَيْهِ
الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْبَاب مِنْ حَدِيث زَيْد بْن ثابت نهى رسول الله أَنْ تُبَاع السِّلَع حَيْثُ تُبْتَاع وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق فَهُوَ الثِّقَة الصَّدُوق
وَقَدْ اِسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام عَلَيْهِ فِي الرَّدّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مِنْ هَذَا الْكِتَاب
فَإِنْ قِيلَ الْأَحَادِيث كُلّهَا مُقَيَّدَة بِالطَّعَامِ سِوَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّهُمَا مُطْلَقَانِ أَوْ عَامَّانِ
وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَنُقَيِّدهُمَا بِأَحَادِيث الطعام أو نخصمها بِمَفْهُومِهَا جَمْعًا بَيْن الْأَدِلَّة وَإِلَّا لَزِمَ إِلْغَاء وَصْف الْحُكْم وَقَدْ عُلِّقَ بِهِ الْحُكْم
قِيلَ عَنْ هَذَا جَوَابَانِ أَحَدهمَا أَنَّ ثُبُوت الْمَنْع فِي الطَّعَام بِالنَّصِّ وَفِي غَيْره إِمَّا بِقِيَاسِ النظير كما صح عن بن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ وَلَا أَحْسِب كُلّ شَيْء إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الطَّعَام أَوْ بِقِيَاسِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا نَهَى عَنْ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضه مَعَ كَثْرَة الْحَاجَة إِلَيْهِ وَعُمُومهَا فَغَيْر الطَّعَام بِطَرِيقِ الْأَوْلَى
وَهَذَا مَسْلَك الشَّافِعِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ
الجواب الثاني أن اختصاص الطعام بالمنع إنما هُوَ مُسْتَفَاد مِنْ مَفْهُوم اللَّقَب وَهُوَ لَوْ تَجَرَّدَ لَمْ يَكُنْ حُجَّة فَكَيْف وَقَدْ عَارَضَهُ عُمُوم الْأَحَادِيث الْمُصَرِّحَة بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَالْقِيَاس الْمَذْكُور حَتَّى لَوْ لَمْ تَرِد النُّصُوص الْعَامَّة لَكَانَ قِيَاسه عَلَى الطَّعَام دَلِيلًا عَلَى الْمَنْع وَالْقِيَاس فِي هَذَا يُمْكِن تَقْدِيره مِنْ طَرِيقَيْنِ
أَحَدهمَا قِيَاس بِإِبْدَاءِ الْجَامِع ثُمَّ لِلْمُتَكَلِّمِينَ فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحَدهمَا أَنَّهُ قِيَاس تَسْوِيَة
وَالثَّانِي أَنَّهُ قِيَاس أَوْلَوِيَّة
وَالثَّانِي مِنْ الطَّرِيقَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قِيَاس بِإِلْغَاءِ الْفَارِق فَإِنَّهُ لَا فَارِق بَيْن الطَّعَام وَغَيْره فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا لَا يَقْتَضِي الْحُكْم وُجُودًا وَلَا عَدَمًا فَافْتِرَاق الْمَجْلِس فِيهَا عَدِيم التَّأْثِير
يُوَضِّحهُ أَنَّ الْمَسَالِك الَّتِي اِقْتَضَتْ الْمَنْع مِنْ بَيْع الطَّعَام قَبْل قَبْضه مَوْجُودَة بِعَيْنِهَا فِي غَيْره كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه
قَالَ الْمُخَصِّصُونَ لِلْمَنْعِ تَعْلِيق النَّهْي عَنْ ذَلِكَ الطَّعَام يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْعِلَّة لِأَنَّ الْحُكْم لَوْ تَعَلَّقَ بِالْأَعَمِّ لَكَانَ الْأَخَصّ عَدِيم التَّأْثِير فَكَيْف يَكُون الْمَنْع عَامًّا فَيُعَلِّقهُ الشَّارِع بِالْخَاصِّ ...............................
Qقَالَ الْمُعَمِّمُونَ لَا تَنَافِي بَيْن الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ تَعْلِيق الْحُكْم بِعُمُومِ الْمَبِيعَات مُسْتَقِلّ بِإِفَادَةِ التَّعْمِيم وَتَعْلِيقه بِالْخَاصِّ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِاخْتِصَاصِ الْحُكْم بِهِ فَثَبَتَ التَّعَارُض وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُون لِغَرَضٍ دَعَا إِلَى التَّعْيِين مِنْ غَيْر اِخْتِصَاص الْحُكْم بِهِ إِمَّا لِحَاجَةِ الْمُخَاطَب وَإِمَّا لِأَنَّ غَالِب التِّجَارَة حِينَئِذٍ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ فِيهِ فَخَرَجَ ذِكْر الطَّعَام مَخْرَج الْغَالِب فَلَا مَفْهُوم لَهُ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَر فَإِنَّ غَالِب تِجَارَتهمْ بِالْمَدِينَةِ كَانَتْ فِي الطَّعَام وَمَنْ عَرَفَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْقَوْم مِنْ سِيرَتهمْ عَرَفَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ ذِكْر الطَّعَام لِاخْتِصَاصِ الْحُكْم بِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ هُوَ الْأَظْهَر لَكَانَ مُحْتَمَلًا فَقَدْ تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ وَالْأَحَادِيث الْعَامَّة لَا مُعَارِض لَهَا فَتَعَيَّنَ الْقَوْل بِمُوجَبِهَا
قَالَ الْمُخَصِّصُونَ لَا يُمْكِنكُمْ الْقَوْل بِعُمُومِ الْمَنْع فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ جَوَاز التَّصَرُّف فِي غَيْر الطَّعَام قَبْل قَبْضه بِالْبَيْعِ وَهُوَ الِاسْتِبْدَال بِالثَّمَنِ قَبْل قَبْضه وَالْمُصَارَفَة عَلَيْهِ
قَالَ الْمُعَمِّمُونَ الْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدهمَا الْفَرْق بَيْن الثَّمَن فِي الذِّمَّة وَالْمَبِيع الْمُتَعَيَّن مِنْ وُجُوه ثَلَاثَة
أَحَدهَا أَنَّ الثَّمَن مُسْتَقِرّ فِي الذِّمَّة لَا يُتَصَوَّر تَلَفه وَالْبَيْع لَيْسَ كَذَلِكَ نَعَمْ لَوْ كَانَ الثَّمَن مُعَيَّنًا لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيع المتعين
الثَّانِي أَنَّ بَيْع الثَّمَن هَا هُنَا إِنَّمَا هُوَ مِمَّنْ فِي ذِمَّته لَيْسَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَلَوْ بَاعَ الثَّمَن قَبْل الْقَبْض لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّته لَمْ يَجُزْ فِي أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الرَّافِعِيّ وَغَيْره مِنْ أَصْحَابه
الثَّالِث أَنَّ الْعِلَل الَّتِي لِأَجْلِهَا اِمْتَنَعَ الْعَقْد عَلَى الْمَبِيع قَبْل قَبْضه مُنْتَفِيَة فِي الثَّمَن بِأَسْرِهَا
فَإِنَّ الْمَآخِذ ثَلَاثَة إِمَّا عَدَم اِسْتِقْرَار الْمَبِيع وَكَوْنه عُرْضَة لِلتَّلَفِ وَانْفِسَاخ الْعَقْد وَهَذِهِ الْعِلَّة مَأْمُونَة بِكَوْنِ الثَّمَن فِي الذِّمَّة
وَأَمَّا إِنْ عَلَّقَ الْبَائِع لَمْ تَنْقَطِع عَنْ الْمَبِيع وَهَذِهِ الْعِلَّة أَيْضًا مُنْتَفِيَة هَا هُنَا وَإِمَّا أَنَّهُ عُرْضَة لِلرِّبْحِ وَهُوَ مَضْمُون عَلَى الْبَائِع فَيُؤَدِّي إِلَى رِبْح مَا لَمْ يُضْمَن
وَهَذِهِ الْعِلَّة أَيْضًا مُنْتَفِيَة فِي الثَّمَن فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَجُوز لَهُ الِاسْتِبْدَال بِهِ بِسِعْرِ يَوْمه كَمَا شَرَطَهُ النَّبِيّ لِئَلَّا يَرْبَح فِيمَا لَمْ يَضْمَن
وَلَا يُمْكِن أَنْ يُقَال مِثْل هَذَا فِي السِّلَع لِأَنَّهُ إِنَّمَا اِشْتَرَاهَا لِلرِّبْحِ فَلَوْ مَنَعْنَاهُ مِنْ بَيْعهَا إِلَّا بِمِثْلِ الثَّمَن لَمْ يَكُنْ فِي الشِّرَاء فَائِدَة بِخِلَافِ الْأَثْمَان فَإِنَّهَا لَمْ تُوضَع لِذَلِكَ وإنما وضعت رؤوسا لِلْأَمْوَالِ لَا مَوْرِدًا لِلْكَسْبِ وَالتِّجَارَة
قَالَ الْمُخَصِّصُونَ قَدْ سَلَّمْتُمْ نُفُوذ الْعِتْق قَبْل الْقَبْض وَهُوَ تَصَرُّف يُزِيل الْمِلْك فَمَا الْفَرْق بَيْنه وَبَيْن الْبَيْع النَّاقِل لِلْمِلْكِ ...............................
Qقَالَ الْمُعَمِّمُونَ الْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الشَّارِع جَعَلَ لِلْعِتْقِ مِنْ الْقُوَّة وَالسِّرَايَة وَالنُّفُوذ مَا لَمْ يَجْعَل لِغَيْرِهِ حَتَّى أَدْخَلَ الشِّقْص الَّذِي لِلشَّرِيكِ فِي مِلْك الْعِتْق قَهْرًا وَأَعْتَقَهُ عَلَيْهِ قَهْرًا وَحَتَّى أَعْتَقَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْتِقهُ لِقُوَّتِهِ وَنُفُوذه فَلَا يَصِحّ إِلْحَاق غَيْره مِنْ التَّصَرُّفَات بِهِ
قَالَ الْمُخَصِّصُونَ قَدْ جَوَّزْتُمْ بَيْع الْمِلْك قَبْل قَبْضه فِي صُوَر
إِحْدَاهَا بَيْع الْمِيرَاث قَبْل قَبْض الْوَارِث لَهُ
الثَّانِيَة إِذَا أَخْرَجَ السُّلْطَان رِزْق رَجُل فَبَاعَهُ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ
الثَّالِثَة إِذَا عَزَلَ سَهْمه فَبَاعَهُ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ
الرَّابِعَة مَا مَلَكَهُ بِالْوَصِيَّةِ فَلَهُ أَنْ يَبِيعهُ بَعْد الْقَبُول وَقَبْل الْقَبْض
الْخَامِسَة غَلَّة مَا وُقِفَ عَلَيْهِ لَهُ أَنْ يَبِيعهَا قَبْل أَنْ يَقْبِضهَا
السَّادِسَة الْمَوْهُوب لِلْوَلَدِ إِذَا قَبَضَهُ ثُمَّ اِسْتَرْجَعَهُ الْوَالِد فَلَهُ أَنْ يَبِيعهُ قَبْل قَبْضه
السَّابِعَة إِذَا أَثْبَتَ صَيْدًا ثُمَّ بَاعَهُ قَبْل الْقَبْض جَازَ
الثَّامِنَة الِاسْتِبْدَال بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْر جِنْسه هُوَ بَيْع قَبْل الْقَبْض
نَصَّ الشَّافِعِيّ عَلَى الْمِيرَاث وَالرِّزْق يُخْرِجهُ السُّلْطَان وَخَرَجَ الْبَاقِي عَلَى نَصّه
التَّاسِعَة بَيْع الْمَهْر قَبْل قَبْضه جَائِز وَقَدْ نَصَّ أَحْمَد عَلَى جَوَاز هِبَة الْمَرْأَة صَدَاقهَا مِنْ زَوْجهَا قَبْل قَبْضه
الْعَاشِرَة إِذَا خَالَعَهَا عَلَى عِوَض جَازَ التَّصَرُّف فِيهِ قَبْل قَبْضه حَكَاهُ صَاحِب الْمُسْتَوْعِب وَغَيْره
وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَات فِي الْمُحَرَّر هُوَ كَالْبَيْعِ يَعْنِي فِي عَدَم جَوَاز التَّصَرُّف فِيهِ قَبْل الْقَبْض
الْحَادِيَة عَشْرَة إِذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَال جَازَ التَّصَرُّف فِيهِ قَبْل قَبْضه حَكَاهُ صَاحِب الْمُسْتَوْعِب
الثَّانِيَة عَشْرَة إِذَا صَالَحَهُ عَنْ دَم الْعَمْد بِمَالٍ جَازَ التَّصَرُّف فِيهِ قَبْل قَبْضه وَكَذَلِكَ إِذَا أَتْلَفَ لَهُ مَالًا وَأَخْرَجَ عِوَضه
وَمَنَعَ صَاحِب الْمُحَرَّر مِنْ ذَلِكَ كُلّه وَأَلْحَقَهُ بِالْمَبِيعِ
قَالَ الْمُعَمِّمُونَ الْفَرْق بَيْن هَذِهِ الصُّوَر وبين التصرف في المبيع قَبْل قَبْضه أَنَّ الْمِلْك فِيهِ غَيْر مُسْتَقِرّ فَلَمْ يُسَلَّط عَلَى التَّصَرُّف فِي مِلْك مُزَلْزَل بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّوَر فَإِنَّ الْمِلْك فِيهَا مُسْتَقِرّ غَيْر مُعَرَّض لِلزَّوَالِ عَلَى أَنَّ الْمُعَاوَضَات فِيهَا غَيْر مُجْمَع عَلَيْهَا بَلْ مُخْتَلَف فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ
وَفِيهَا طَرِيقَتَانِ لِأَصْحَابِ أَحْمَد إِحْدَاهُمَا طَرِيقَة صَاحِب الْمُسْتَوْعِب وَهِيَ أَنَّ كُلّ عَقْد مَلَكَ بِهِ الْعِوَض فَإِنْ كَانَ يُنْتَقَض بِهَلَاكِ الْعِوَض قَبْل قَبْضه كَالْإِجَارَةِ وَالصُّلْح عَنْ الْمَبِيع فَحُكْمه فِي جَوَاز التَّصَرُّف فِيهِ حُكْم الْعِوَض الْمُتَعَيَّن بِعَقْدِ الْبَيْع وَإِنْ كَانَ الْعَقْد لَا يُنْتَقَض بِهَلَاكِ الْعِوَض الْمُتَعَيَّن بِهِ كَالْمَهْرِ وَعِوَض الْخُلْع والعتق ...............................
Qوَالصُّلْح عَنْ دَم الْعَمْد فَحُكْمه حُكْم الْمَمْلُوك بِعَقْدِ الْبَيْع وَمَا مَلَكَ بِغَيْرِ عِوَض كَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّة وَالْهِبَة فَالتَّصَرُّف فِيهِ جَائِز قَبْل قَبْضه
قَالَ الْمُخَصِّصُونَ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه فِي سَفَر فَكُنْت عَلَى بَكْر صَعْب لِعُمَر فَكَانَ يَغْلِبنِي فَيَتَقَدَّم أَمَام الْقَوْم فَيَزْجُرهُ عُمَر وَيَرُدّهُ ثُمَّ يَتَقَدَّم فَيَزْجُرهُ وَيَقُول لِي أَمْسِكْهُ لا يتقدم بين يدي النبي فقال له رسول الله بعنيه ياعمر
فقال هو لك يا رسول الله
قَالَ بِعْنِيهِ فَبَاعَهُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمالك يَا عَبْد اللَّه فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْت فَهَذَا تَصَرُّف فِي الْمَبِيع غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون قَبْل قَبْضه
قَالَ الْمُعَمِّمُونَ لَا رَيْب أَنَّ هَذَا تَصَرُّف فِيهِ بِالْهِبَةِ لَا بِالْمُعَاوَضَةِ
وَنَحْنُ لَنَا فِي مِثْل هَذَا التَّصَرُّف قَبْل الْقَبْض خِلَاف فَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ يُجَوِّزهُ وَنُفَرِّق بَيْن التَّصَرُّف فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالتَّصَرُّف بِالْهِبَةِ
وَنُلْحِق الْهِبَة بِالْعِتْقِ وَنَقُول هِيَ إِخْرَاج عَنْ مِلْكه لَا تَتَوَالَى فِيهِ ضَمَانَات وَلَا يَكُون التَّصَرُّف بِهَا عرضة لِرِبْحٍ مَا لَمْ يُضْمَن بِخِلَافِ الْبَيْع وَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ مَنَعَهَا.

     وَقَالَ  الْعِلَّة الْمَانِعَة مِنْ بَيْعه قَبْل قَبْضه عَدَم اِسْتِقْرَار الْمِلْك وَضَعْفه وَلَا فَرْق فِي ذَلِكَ بَيْن تَصَرُّف وَتَصَرُّف فَإِنْ صَحَّ الْفَرْق بَطَلَ الْقَبْض وَإِنْ بَطَلَ الْقَبْض سَوَّيْنَا بَيْن التَّصَرُّفَات وَعَلَى هَذَا فَالْحَدِيث لَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى التَّصَرُّف قَبْل الْقَبْض إِذْ قَبْض ذَلِكَ الْبَعِير حَصَلَ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنه وَبَيْنه مَعَ تَمَيُّزه وَتَعَيُّنه وَهَذَا كَافٍ فِي الْقَبْض فَصْل
وَقَدْ ذُكِرَ لِلْمَنْعِ مِنْ بَيْع مَا لَمْ يُقْبَض عِلَّتَانِ
إِحْدَاهُمَا ضَعْف الْمِلْك لِأَنَّهُ لَوْ تَلِفَ اِنْفَسَخَ الْبَيْع
وَالثَّانِيَة أَنَّ صِحَّته تُفْضِي إِلَى تَوَالِي الضَّمَانَيْنِ فَإِنَّا لَوْ صَحَّحْنَاهُ كَانَ مَضْمُونًا لِلْمُشْتَرِي
الْأَوَّل عَلَى الْبَائِع الْأَوَّل وَالْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى الْبَائِع الثَّانِي فَكَيْف يَكُون الشَّيْء الْوَاحِد مَضْمُونًا لِشَخْصٍ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَهَذَانِ التَّعْلِيلَانِ غَيْر مَرْضِيَّيْنِ
أَمَّا الْأَوَّل فَيُقَال ما تعندون بِضَعْفِ الْمِلْك هَلْ عَنَيْتُمْ بِهِ أَنَّهُ لَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ سَبَب يُوجِب فَسْخه يَنْفَسِخ بِهِ أَوْ أَمْرًا آخَر فَإِنْ عَنَيْتُمْ الْأَوَّل فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّهُ مَانِع مِنْ صِحَّة الْبَيْع وَأَيّ مُلَازَمَة بَيْن الِانْفِسَاخ بِسَبَبٍ طَارِئ وَبَيْن عَدَم الصِّحَّة شَرْعًا أَوْ عَقْلًا وَإِنْ عَنَيْتُمْ بِضَعْفِ الْمِلْك أَمْرًا آخَر فَعَلَيْكُمْ بَيَانه لِنَنْظُر فِيهِ
وَأَمَّا التَّعْلِيل الثَّانِي فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَلَا تَظْهَر فِيهِ مُنَاسَبَة تَقْتَضِي الْحُكْم فَإِنَّ كَوْن الشَّيْء مَضْمُونًا عَلَى الشَّخْص بِجِهَةٍ وَمَضْمُونًا لَهُ بِجِهَةٍ أُخْرَى غَيْر مُمْتَنِع شَرْعًا وَلَا عَقْلًا وَيَكْفِي فِي رَدّه أَنَّهُ لَا دَلِيل عَلَى اِمْتِنَاعه كَيْف وَأَنْتُمْ تُجَوِّزُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِجَارَة مَا اِسْتَأْجَرَهُ وَالْمَنْفَعَة مَضْمُونَة لَهُ عَلَى الْمُؤَجِّر وَهِيَ مَضْمُونَة عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي وَكَذَلِكَ الثِّمَار بَعْد بُدُوّ صَلَاحهَا إِذَا بِيعَتْ عَلَى أُصُولهَا ومسلم والنسائي وبن ماجهQفَهِيَ مَضْمُونَة عَلَى الْبَائِع إِذَا اِحْتَاجَتْ إِلَى سَقْي اِتِّفَاقًا
وَإِنْ تَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ فَهِيَ مَضْمُونَة عَلَيْهِ وَلَهُ
وَلِهَذَا لَمَّا رَأَى أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ ضَعْف هَذَيْنِ التَّعْلِيلَيْنِ قَالَ لَا حَاجَة إِلَى ذَلِكَ وَالْمُعْتَمَد فِي بُطْلَان الْبَيْع إِنَّمَا هُوَ الْإِخْبَار فَالشَّافِعِيّ يَمْنَع التَّصَرُّف فِي الْمَبِيع قَبْل قَبْضه وَيَجْعَلهُ مِنْ ضَمَان الْبَائِع مُطْلَقًا وَهُوَ رِوَايَة عَنْ أَحْمَد وَأَبِي حَنِيفَة كَذَلِكَ إِلَّا فِي الْعَقَار
وَأَمَّا مَالِك وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَبه فَيَقُولَانِ مَا يُمَكَّن الْمُشْتَرِي مِنْ قَبْضه وَهُوَ الْمُتَعَيَّن بِالْعَقْدِ فَهُوَ مِنْ ضَمَان الْمُشْتَرِي وَمَالِك وَأَحْمَد يُجَوِّزَانِ التَّصَرُّف فِيهِ وَيَقُولَانِ الْمُمَكَّن مِنْ الْقَبْض جَارٍ مَجْرَى الْقَبْض عَلَى تَفْصِيل فِي ذَلِكَ
فَظَاهِر مَذْهَب أَحْمَد أَنَّ النَّاقِل لِلضَّمَانِ إِلَى الْمُشْتَرِي هُوَ التَّمَكُّن مِنْ الْقَبْض لَا نَفْسه وَكَذَلِكَ ظَاهِر مَذْهَبه أَنَّ جَوَاز التَّصَرُّف فِيهِ لَيْسَ مُلَازِمًا لِلضَّمَانِ وَلَا مُبْتَنِيًا عَلَيْهِ وَمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابه فَقَدْ وَهَمَ فَإِنَّهُ يَجُوز التَّصَرُّف حَيْثُ يَكُون مِنْ ضَمَان الْبَائِع كَمَا ذَكَرْنَا فِي الثَّمَن وَمَنَافِع الْإِجَارَة وَبِالْعَكْسِ أَيْضًا كَمَا فِي الصُّبْرَة الْمُعَيَّنَة
وَقَدْ نَصَّ الْخِرَقِيّ عَلَى هَذَا وَهَذَا فَقَالَ فِي الْمُخْتَصَر وَإِذَا وَقَعَ الْمَبِيع عَلَى مَكِيل أَوْ مَوْزُون أَوْ مَعْدُود فَتَلِفَ قَبْل قَبْضه
فَهُوَ مِنْ مَال الْبَائِع
ثُمَّ قَالَ وَمَنْ اِشْتَرَى مَا يَحْتَاج إِلَى بَيْعه لَمْ يَجُزْ بَيْعه حَتَّى يَقْبِضهُ
ثُمَّ قَالَ وَمَنْ اِشْتَرَى صُبْرَة طَعَام لَمْ يَبِعْهَا حَتَّى يَنْقُلهَا
فَالصُّبْرَة مَضْمُونَة عَلَى الْمُشْتَرِي بِالتَّمَكُّنِ وَالتَّخْلِيَة اِتِّفَاقًا وَمَعَ هَذَا لَا يَبِيعهَا حَتَّى يَقْبِضهَا وَهَذَا مَنْصُوص أَحْمَد
فَالْمَأْخَذ الصَّحِيح فِي الْمَسْأَلَة أَنَّ النَّهْي مُعَلَّل بِعَدَمِ تَمَام الِاسْتِيلَاء وَعَدَم اِنْقِطَاع عَلَاقَة الْبَائِع عَنْهُ فَإِنَّهُ يَطْمَع فِي الْفَسْخ وَالِامْتِنَاع مِنْ الْإِقْبَاض إِذَا رَأَى الْمُشْتَرِي قَدْ رَبِحَ فِيهِ وَيَغُرّهُ الرِّبْح وَتَضِيق عَيْنه مِنْهُ وَرُبَّمَا أَفْضَى إِلَى التَّحَيُّل عَلَى الْفَسْخ وَلَوْ ظُلْمًا وَإِلَى الْخِصَام وَالْمُعَادَاة وَالْوَاقِع شَاهِد بِهَذَا
فَمِنْ مَحَاسِن الشَّرِيعَة الْكَامِلَة الْحَكِيمَة مَنْع الْمُشْتَرِي مِنْ التَّصَرُّف فِيهِ حَتَّى يَتِمّ اِسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ وَيَنْقَطِع عَنْ الْبَائِع وَيَنْفَطِم عَنْهُ فَلَا يَطْمَع فِي الْفَسْخ وَالِامْتِنَاع مِنْ الْإِقْبَاض وَهَذَا مِنْ الْمَصَالِح الَّتِي لَا يُهْمِلهَا الشَّارِع حَتَّى إِنَّ مَنْ لَا خِبْرَة لَهُ مِنْ التُّجَّار بِالشَّرْعِ يَتَحَرَّى ذَلِكَ وَيَقْصِدهُ لِمَا فِي ظَنّه مِنْ الْمَصْلَحَة وَسَدّ بَاب الْمَفْسَدَة
وَهَذِهِ الْعِلَّة أَقْوَى مِنْ تَيْنِك الْعِلَّتَيْنِ
وَعَلَى هَذَا فَإِذَا بَاعَهُ قَبْل قَبْضه مِنْ بَائِعه جَازَ عَلَى الصَّحِيح لِانْتِفَاءِ هَذِهِ الْعِلَّة

رقم الحديث 3493 [3493] ( نَبْتَاعُ الطَّعَامَ) أَيْ نَشْتَرِيهِ ( فَيُبْعَثُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ هَكَذَا مَضْبُوطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ الظَّاهِرُ
وَقَولُهُ مَنْ يَأْمُرُنَا هُوَ مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لَكِنْ قَالَ الزَّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ فَيَبْعَثُ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَولُهُ مَنْ يَأْمُرُنَا مَحَلُّهُ نَصْبُ مَفْعُولِ يَبْعَثُ انْتَهَى
وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْمُحَدِّثُ وَلِيُّ اللَّهِ الدَّهْلَوِيُّ فِي الْمُصَفَّى شَرْحُ الْمُوَطَّأِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
( يَعْنِي جِزَافًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الْبَيْعُ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا تَقْدِيرٍ
قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَقَالَهُ يَعْنِي جِزَافًا هُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ نَبْتَاعُ الطَّعَامَ أَيْ نَبْتَاعُ جِزَافًا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَقْبُوضُ يَخْتَلِفُ فِي الْأَشْيَاءِ حَسَبَ اخْتِلَافِهَا فِي أَنْفُسِهَا وَحَسَبَ اخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فِيهِ فَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِأَنْ يُوضَعَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِالنَّقْلِ مِنْ مَوْضِعِهِ وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِأَنْ يُكَالَ وَذَلِكَ فِيمَا يَبِيعُ مِنَ الْكَيْلِ كَيْلًا فَأَمَّا مَا يُبَاعُ مِنْهُ جُزَافًا صُبْرَةً مَصْبُورَةً عَلَى الْأَرْضِ فَالْقَبْضُ فِيهِ أَنْ يُنْقَلَ وَيُحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فَإِنْ ابْتَاعَ طَعَامًا كَيْلًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بِالْكَيْلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَكِيلَهُ عَنِ الْمُشْتَرِي ثَانِيًا وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَنْ يُبَاعَ الطَّعَامُ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ وَجَوَازُ بَيْعِ الصُّبْرَةِ جِزَافًا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَغَيْرِهِمَا جِزَافًا صَحِيحٌ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي



رقم الحديث 3494 [3494] ( بأعلى السوق) أي في الناصية الْعُلْيَا مِنْهَا ( حَتَّى يَنْقُلُوهُ) أَيْ عَنْ مَكَانِهِ فَإِنَّ الْقَبْضَ فِيهِQوَمَنْ عَلَّلَ النَّهْي بِتَوَالِي الضَّمَانَيْنِ يَمْنَع بَيْعه مِنْ بَائِعه لِوُجُودِ الْعِلَّة فَبَيْعه مِنْ بَائِعه يُشْبِه الْإِقَالَة
وَالصَّحِيح مِنْ الْقَوْلَيْنِ جَوَاز الْإِقَالَة قَبْل الْقَبْض وَإِنْ قُلْنَا هِيَ بَيْع
وَعَلَى هذا خرج حديث بن عُمَر فِي الِاسْتِبْدَال بِثَمَنِ الْمَبِيع وَالْمُصَارَفَة عَلَيْهِ قَبْل قَبْضه فَإِنَّهُ اِسْتِبْدَال وَمُصَارَفَة مَعَ الْعَاقِد لَا مَعَ غَيْره وَاَللَّه أَعْلَم بِالنَّقْلِ عَنْ مَكَانِهِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنِ اشْتَرَى طَعَامًا أَنْ يَبِيعَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ
وَحُكِيَ فِي الْفَتْحِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجُزَافِ وَغَيْرِهِ فَأَجَازَ بَيْعَ الْجِزَافِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ والحديث يرد عليهم وكذا حديث بن عُمَرَ الْآتِي مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ
قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ