فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ الْخَمْرِ مِمَّا هُوَ

رقم الحديث 3245 [3245] (عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لِأَبِي) أَيْ بِالْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي (هِيَ أَرْضِي) أَيْ مِلْكٌ لِي (فِي يَدِي) أَيْ تَحْتَ تَصَرُّفِي
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَدَ تَثْبُتُ عَلَى الْأَرْضِ بِالزِّرَاعَةِ وَعَلَى الدَّارِ بِالسُّكْنَى وَبِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِمَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّصَرُّفِ وَالتَّدْبِيرِ (لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْحَضْرَمِيِّ (حَقٌّ) أَيْ مِنَ الْحُقُوقِ (قَالَ) أَيْ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ (قَالَ لَا) أَيِ الْحَضْرَمِيُّ (قَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَكَ) يَا حَضْرَمِيُّ (يَمِينُهُ) أَيِ الْكِنْدِيُّ قَالَ الْحَضْرَمِيُّ إِنَّهُ أَيِ الْكِنْدِيُّ (فَاجِرٌ) أَيْ كاذب (لايبالي) صفة كاشفة لفاجر (ليس يتورع) أصل الورع الكف عن الحرام والمضارع بمعنى النكرة في سياق النفي فيعم ويكون التقدير ليس له ورع عن شيء
قاله في النيل (ليس لك منه) أي من الكندي (إلا ذاك) أي ما ذكر من اليمين (فانطلق) أي فذهب الكندي (ليحلف) أي على قصد أن يحلف (له) أي للحضرمي (فلما أدبر) أي حين ولى الكندي على هذا القصد
قال الخطابي فيه دليل على أن اليمين إنما كانت فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند المنبر ولولا ذلك لم يكن لانطلاقه عن مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإدباره عنه معنى ويشهد لذلك قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حلف عند منبري ولو على سواك أخضر تبوأ مقعده من النار (وهو) أي الله تعالى (عنه) أي عن الحالف الفاجر (معر مجاز عن الاستهانة به والسخط عليه والإبعاد عن رحمته
وفيه أنواع من الفوائد منها أن صاحب اليد أولى من أجنبي يدعى عليه ومنها أن المدعى عليه ومنها أن المدعى عليه تلزمه اليمين إذا لم يقر ومنها أن البينة تقدم على اليد ويقضى لصاحبها بغير يمين
ومنها أن يمين الفاجر المدعى عليه تقبل كيمين العدل وتسقط عنه المطالبة بها
ومنها أن أحد الخصمين إذا قال لصاحبه إنه ظالم أو فاجر أو نحوه في حال المخاصمة يحتمل ذلك منه
ومنها أن الوارث إذا ادعى شيئا لورثه وعلم الحاكم أن مورثه مات ولا وارث له سواه جاز الحكم له به ولم يكلفه حال الدعوى ببينة على ذلك وموضع الدلالة أنه قال غلبني على أرض لي كانت لأبي فقد أقر بأنها كانت لأبيه فلولا أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بأنه ورثها وحده لطالبه ببينة على كَوْنَهُ وَارِثًا وَبَيِّنَةً أُخْرَى عَلَى كَوْنِهِ مُحِقًّا في دعواه على خصمه
قاله القارىء
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ مِنْ كَلَامِ تَشَاجُرٍ وَتَنَازُعٍ وَإِنْ خَرَجَ بِهِمُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَنْسُبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ قِبَلَهُ إِلَى خِيَانَةٍ وَفُجُورٍ وَاسْتِحْلَالٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ فَإِنَّهُ لَا حُكُومَةَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّالِحَ الْمَظْنُونَ بِهِ الصِّدْقُ وَالصَّالِحُ الْمَوْهُومُ بِهِ الْكَذِبُ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ سُوًى وَأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لَهُمَا وَلَا عَلَيْهِمَا إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَوِ الْيَمِينِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

(

رقم الحديث 3246 [3246]
صلى الله عليه وسلم (عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ) أَيْ كَاذِبَةٍ سُمِّيَتْ بِهَا كَتَسْمِيَتِهَا فَاجِرَةً اتِّسَاعًا حَيْثُ وُصِفَتْ بِوَصْفِ صَاحِبِهَا أَيْ ذَاتِ إِثْمٍ (وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ أَخْضَرَ) إِنَّمَا خَصَّ الرَّطْبَ لِأَنَّهُ كَثِيرُ الْوُجُودِ لَا يُبَاعُ بِالثَّمَنِ وَهُوَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا فِي مَوَاطِنِ نَبَاتِهِ بِخِلَافِ الْيَابِسِ فَإِنَّهُ قَدْ يُحْمَلُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ فَيُبَاعُ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ (أَوْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَوْ لِلتَّنْوِيعِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ وَعِيدًا لِلْفَاجِرِ وَالثَّانِي لِلْكَافِرِ
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَةِ إِثْمِ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ كَاذِبًا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ التَّغْلِيظِ عَلَى الْحَالِفِ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ كالحرم والمسجد ومنبره صلى الله عليه وَسَلَّمَ وَبِالزَّمَانِ كَبَعْدِ الْعَصْرِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ كَمَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّغْلِيظِ بِذَلِكَ وَعَلَيْهِ دَلَّتْ تَرْجَمَةُ الْبُخَارِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الصَّحِيحِ بَابُ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ انْتَهَى
وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ لِلْحَاكِمِ
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ طَلَبُ التَّغْلِيظِ عَلَى خُصُومِهِمْ فِي الْأَيْمَانِ بِالْحَلِفِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَعَلَى مِنْبَرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَرَدَ عَنْ بَعْضِهِمُ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَى ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصحابة التحليف على الصحف
وقد قال بن رَسْلَانَ إِنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ التَّغْلِيظِ عَلَى الذِّمِّيِّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فَغَايَةُ مَا يَجُوزُ التغليظ به هُوَ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا يُشْبِهُهُ مِنَ التَّغْلِيظِ بِاللَّفْظِ.
وَأَمَّا التَّغْلِيظُ بِزَمَانٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ مِثْلُ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ أَنْ يَحْلِفَ فِي الْكَنَائِسِ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ انتهى
قال المنذري والحديث أخرجه النسائي وبن ماجه

(

رقم الحديث 3247 [3247] )
( فِي حَلِفِهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ ( وَاللَّاتِ) صَنَمٌ مَعْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ( فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) إِنَّمَا أَمَرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَاطَى صُورَةَ تَعْظِيمِ الْأَصْنَامِ حِينَ حَلَفَ بِهَا وَأَنَّ كفارته هو هذا القول لاغير قاله العيني
وقال القارىء لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ سَهْوًا جَرْيًا عَلَى الْمُعْتَادِ السَّابِقِ لِلْمُؤْمِنِ الْمُتَجَدِّدِ فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَيْ فَلْيَتُبْ كَفَّارَةً لِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ فَهَذَا تَوْبَةٌ مِنَ الْغَفْلَةِ وَثَانِيهِمَا أَنْ يَقْصِدَ تَعْظِيمَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَجْدِيدًا لِإِيمَانِهِ فَهَذَا تَوْبَةٌ مِنَ الْمَعْصِيَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَالِفَ بِاللَّاتِ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الْإِنَابَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَفِي مَعْنَاهُ إِذَا قَالَ أَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبُو عُبَيْدٍ.

     وَقَالَ  النَّخَعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إِنْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَحَنِثَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَقَوْلُ أَحْمَدَ واسحاق بن راهويه نحو من ذلك ( تعالى) بِفَتْحِ اللَّامِ أَمْرٌ مِنْ تَعَالَى أَيِ ائْتِ ( أُقَامِرُكَ) بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ أَفْعَلُ الْقِمَارَ مَعَكَ ( فَلْيَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ) مِنْ مَالِهِ كَفَّارَةً لِمَقَالِهِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِقَدْرِ جَعْلِهِ حَظًّا فِي الْقِمَارِ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ تَكْفِيرًا لِلْخَطِيئَةِ فِي كَلَامِهِ بِهَذِهِ الْمَعْصِيَةِ وَالْأَمْرُ بِالصَّدَقَةِ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى النَّدْبِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والترمذي والنسائي وبن ماجه وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِشَيْءٍ سِوَى مسلم وحده

(