فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ مُجَانَبَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَبُغْضِهِمْ

رقم الحديث 4046 [4046] ( زَادَ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو فِي رِوَايَتِهِ ( وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ) أَيْ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه نهاني رسول الله وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ قَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِتَحْرِيمِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ وَظَنَّ أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا تُفِيدُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَالْجَوَابُ أَنَّ النَّهْيَ ليس بمختص بعلي رضي الله عنه بَلْ يَعُمُّ جَمِيعَ النَّاسِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ رأى رسول الله عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَادًّا لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ لَمْ يَحْكِ أَحَدٌ عَنِ النبي النَّهْيَ عَنِ الْمُعَصْفَرِ إِلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ نَهَانِي وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَلَى الْعُمُومِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ بَلَغَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَالَ بِهَا ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مَا صَحَّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ خِلَافَ قَوْلِي فاعملوا بالحديث

رقم الحديث 4047 [447] ( مُسْتَقَةً) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَقَافٍ
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْمَسَاتِقُ فِرَاءٌ طِوَالُ الْأَكْمَامِ وَاحِدُهَا مُسْتَقَةٌ قَالَ وَأَصْلُهَا فِي الْفَارِسِيَّةِ مشته فَعُرِّبَتْ كَذَا فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ ( مِنْ سُنْدُسٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمُسْتَقَةُ مُكَفَّفَةٌ بِالسُّنْدُسِ لِأَنَّ نَفْسَ الْفَرْوَةِ لَا تَكُونُ سُنْدُسًا انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ مُسْتَقَةٌ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا فَرْوٌ طَوِيلُ الْكُمَّيْنِ وَهِيَ تَعْرِيبُ مشعه وَقَولُهُ مِنْ سُنْدُسٍ يُشْبِهُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكَفَّفَةً بِالسُّنْدُسِ وَهُوَ الرَّفِيعُ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ لِأَنَّ نَفْسَ الْفَرْوِ لَا يَكُونُ سُنْدُسًا وَجَمْعُهَا مَسَاتِقُ انْتَهَى ( فَلَبِسَهَا) أَيِ الْمُسْتَقَةُ قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أُكَيْدَرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ جُبَّةَ سُنْدُسٍ أَوْ دِيبَاجٍ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ فَلَبِسَهَا فَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْهَا فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا
وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ الله فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ ثُمَّ صَلَّى فِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا عَنِيفًا شَدِيدًا كَالْكَارِهِ لَهُ ثُمَّ قَالَ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ يقول لبس النبي يَوْمًا قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ يَنْزِعَهُ فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْتَهُ يا رسول الله فقال نهاني عنه جبرائيل عليه الصلاة والسلام فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كرهت أمرا وأعطيتنيه فمالي فَقَالَ إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَ تَبِيعُهُ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ على أن النبي كَانَ يَلْبَسُ الْحَرِيرَ ثُمَّ كَانَ التَّحْرِيمُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ ( فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يَدَيْهِ تَذَبْذَبَانِ)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ تَتَحَرَّكَانِ وَتَضْطَرِبَانِ يُرِيدُ الْكُمَّيْنِ ( ثُمَّ بَعَثَ بِهَا) أَيْ بِالْمُسْتَقَةِ ( إِلَى جَعْفَرِ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( فَلَبِسَهَا) جَعْفَرٌ ( إِلَى أَخِيكَ النَّجَاشِيِّ) ملك الحبشة مكافأة لإحسانه وبدلا للصنيع الْمَعْرُوفِ الَّذِي فَعَلَهُ بِكَ فَهَذِهِ هَدِيَّةُ مَلِكِ الرُّومِ لَائِقٌ بِحَالِ مَلِكِ الْحَبَشَةِ
وَفِيهِ تَوْجِيهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولبس الْمُسْتَقَةَ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْحَرِيرِ لِكَوْنِهَا مُكَفَّفَةً بِالسُّنْدُسِ وَلَيْسَ جَمِيعُهَا حَرِيرًا خَالِصًا لِأَنَّ نَفْسَ الْفَرْوَةِ لَا تَكُونُ سُنْدُسًا وَمَعَ ذَلِكَ تَرَكَ لُبْسَهَا عَلَى الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى وَعَلَى هَذَا التَّوْجِيهِ يُطَابَقُ الْحَدِيثُ بِالْبَابِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُهَا لِجَعْفَرٍ بَعْدَ التَّحْرِيمِ وَكَانَ قَدْرُ مَا كَفَّ هُنَا أكثر من القدر المرخص ثم إهداءها لِمَلَكِ الْحَبَشَةِ لِيَنْتَفِعَ بِهَا بِأَنْ يَكْسُوَهَا النِّسَاءَ والله أعلم قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ مَكِّيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَلَا يُحْتَجُّ بحديثه