فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي الْإِكْسَالِ

رقم الحديث 196 [196] أَيِ الْمَضْمَضَةُ وَغَسْلُ الْفَمِ بَعْدَ شُرْبِ اللَّبَنِ
( عَنْ عُقَيْلٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ ( عَنِ الزُّهْرِيِّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْإِمَامُ ( إِنَّ لَهُ دَسَمًا) بِفَتْحَتَيْنِ مَنْصُوبًا اسْمُ إِنَّ وَهُوَ بَيَانٌ لِعِلَّةِ الْمَضْمَضَةِ مِنَ اللَّبَنِ
وَالدَّسَمُ مَا يَظْهَرُ عَلَى اللَّبَنِ مِنَ الدُّهْنِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ اسْتِحْبَابُ الْمَضْمَضَةِ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ دَسَمٌ قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمَضْمَضَةِ مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْمَشْرُوبِ وَالْمَأْكُولِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمَضْمَضَةُ لِئَلَّا يَبْقَى مِنْهُ بَقَايَا يَبْتَلِعُهَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ وَلِيَنْقَطِعَ لُزُوجَتُهُ وَدَسَمُهُ وَيَتَطَهَّرَ فَمُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ



رقم الحديث 197 [197] 78 بَاب الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْوُضُوءِ مِنَ اللَّبَنِ
( فَلَمْ يُمَضْمِضْ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَصَلَّى) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ مِنَ اللَّبَنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي فِيهَا الدُّسُومَةُ ليس فيها أمرا ضروريا بَلْ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ
قَالَ الْحَافِظُ وَأَغْرَبَ بن شاهين فجعل حديث أنس ناسخا لحديث بن عَبَّاسٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ قَالَ فِيهِ بِالْوُجُوبِ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى دَعْوَى النَّسْخِ
انْتَهَى ( قَالَ زَيْدُ) بْنُ الْحُبَابِ الرَّاوِي عَنْ مُطِيعٍ ( دَلَّنِي شُعْبَةُ) بْنُ حَجَّاجٍ أَحَدُ النَّاقِدِينَ لِلرِّجَالِ
وَالدَّلِيلُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ وَالدَّلِيلُ الدَّالُّ يُقَالُ قَدْ دَلَّهُ عَلَى الطَّرِيقِ يَدُلُّهُ دَلَالَةً ( عَلَى هَذَا الشَّيْخِ) أَيْ مُطِيعِ بْنِ رَاشِدٍ فَدَلَالَةُ شُعْبَةَ لِزَيْدٍ عَلَى مُطِيعِ بْنِ رَاشِدٍ لِأَخْذِ الْحَدِيثِ مِنْهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ كَانَ حَسَنَ الرَّأْيِ فِي مُطِيعِ بْنِ رَاشِدٍ وَإِلَّا لَمْ يَدُلَّ شُعْبَةُ عَلَى مَنْ كَانَ مَسْتُورَ الْحَالِ وَضَعِيفًا عِنْدَهُ
قَالَ السُّيُوطِيُّ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ وَمُطِيعٌ بَصْرِيٌّ
قَالَ الذَّهَبِيُّ إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَكِنْ قَالَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ إِنَّ شُعْبَةَ دَلَّهُ عَلَيْهِ وَشُعْبَةُ لَا يَرْوِي إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ فَلَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى ثِقَةٍ وَهَذَا هُوَ الْمُقْتَضِي لِسُكُوتِ أَبِي دَاوُدَ عَلَيْهِ
انْتَهَى
قُلْتُ وَكَذَا سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ




رقم الحديث 198 [198] أَيْ هَلْ يَكُونُ الْوُضُوءُ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ وَاجِبًا أَمْ لَا فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ
(عَنْ عقيل بن جابر) بفتح العين ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.

     وَقَالَ  الذَّهَبِيُّ فِيهِ جَهَالَةٌ مَا رَوَى عَنْهُ سِوَى صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ
وَقَالَ الْحَافِظُ لَا أَعْرِفُ رَاوِيًا عَنْهُ غَيْرَ صدقة
انتهى
لكن الحديث قد صححه بن خزيمة وبن حبان والحاكم كلهم من طريق بن إِسْحَاقَ (ذَاتِ الرِّقَاعِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ كَانَتْ هَذِهِ الغزوة في سنة أربع
قاله بن هِشَامٍ فِي سِيرَتِهِ
وَفِي تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْغَزْوَةِ بِذَاتِ الرِّقَاعِ وُجُوهٌ ذَكَرَهَا أَصْحَابُ السِّيَرِ لَكِنْ قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ وَالْأَصَحُّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا (فَأَصَابَ رَجُلٌ) مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ قَتَلَهَا (فَحَلَفَ) الرَّجُلُ الْمُشْرِكُ الَّذِي قُتِلَتْ زَوْجَتُهُ (أَنْ لَا أَنْتَهِيَ) أَيْ لَا أَكُفَّ عَنِ الْمُعَارَضَةِ (حَتَّى أُهْرِيقَ) أَيْ أَصُبَّ مِنْ أَرَاقَ يُرِيقُ وَالْهَاءُ فِيهِ زَائِدَةٌ (فَخَرَجَ يَتْبَعُ) مِنْ سَمِعَ يَسْمَعُ يُقَالُ تَبِعْتُ الْقَوْمَ تَبَعًا وَتَبَاعَةً بِالْفَتْحِ إِذَا مَشَيْتُ خَلْفَهُمْ وَأَتْبَعْتَ الْقَوْمَ عَلَى أَفَعَلْتَ إِذَا كَانُوا قَدْ سَبَقُوكَ فَلَحِقْتَهُمْ كَذَا فِي الصِّحَاحِ (أَثَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ قَدَمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يمشي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ مَنْ يَحْفَظُنَا وَيَحْرُسُنَا يُقَالُ كَلَأَهُ اللَّهُ كِلَاءَةً بِالْكَسْرِ أَيْ حَفِظَهُ وَحَرَسَهُ (فَانْتُدِبَ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ نَدَبَهُ لِأَمْرٍ فَانْتَدَبَ أَيْ دَعَاهُ لَهُ فَأَجَابَ (رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ) هُوَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ (وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) هُوَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ سَمَّاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فِي دَلَائِلِ النبوة (فقال كونا بفم الشعب) قال بن منظور فِي لِسَانِ الْعَرَبِ الشِّعْبُ مَا انْفَرَجَ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَالشِّعْبُ مَسِيلُ الْمَاءِ فِي بَطْنٍ مِنَ الْأَرْضِ لَهُ حَرْفَانِ مُشْرِفَانِ وَعَرْضُهُ بَطْحَةُ رَجُلٍ وَقَدْ يَكُونُ بَيْنَ سَنَدَيْ جَبَلَيْنِ
انْتَهَى
وَقَولُهُ
بَطْحَةُ رَجُلٍ الْبَطْحُ بر روى درافكندن بَطَحَهُ فَانْبَطَحَ وَالْمُرَادُ مِنَ الشِّعْبِ فِي الْحَدِيثِ الْمَعْنَى الْأَخِيرُ أَيْ مَسِيلُ الْمَاءِ فِي بَطْنٍ مِنَ الْأَرْضِ لَهُ حَرْفَانِ مُشْرِفَانِ وَعَرْضُهُ بَطْحَةُ رَجُلٍ لأنه زاد بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ نَزَلُوا إِلَى شِعْبٍ مِنَ الْوَادِي فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تُعَيِّنُ الْمَعْنَى الْأَخِيرَ وَمَعْنَى كُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ أَيْ قِفَا بطرفه الذي يلي العدو
والفم ها هنا كِنَايَةٌ عَنْ طَرَفِهِ (فَلَمَّا رَأَى) ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُشْرِكُ (شَخْصَهُ) أَيْ شَخْصَ الْأَنْصَارِيِّ وَالشَّخْصُ سَوَادُ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ تَرَاهُ مِنْ بَعِيدٍ يُقَالُ ثَلَاثَةُ أَشْخُصٍ وَالْكَثِيرُ شُخُوصٌ وَأَشْخَاصٌ (عَرَفَ) الرَّجُلُ الْمُشْرِكُ (أَنَّهُ) أَيِ الْأَنْصَارِيَّ (رَبِيئَةٌ لِلْقَوْمِ) الرَّبِيئِيُّ وَالرَّبِيئَةُ الطليعة والجمع الربايا يقال ربأت القوم ربأ وَارْتَبَأْتُهُمْ أَيْ رَقَبْتُهُمْ وَذَلِكَ إِذَا كُنْتَ لَهُمْ طَلِيعَةً فَوْقَ شَرَفٍ (فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ) أَيْ وَقَعَهُ فِيهِ وَوَصَلَ إِلَى بَدَنِهِ وَلَمْ يُجَاوِزْهُ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ فِي إِصَابَةِ الْمَرْمَى وَصَوَابِ الرَّمْيِ وَالتَّقْدِيرُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَمَا أَخْطَأَ نَفْسَهُ كَأَنَّهُ وَضَعَهُ فِيهِ وَضْعًا بِيَدِهِ مَا رَمَاهُ بِهِ رَمْيًا
وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ رَفَعَ السِّلَاحَ ثُمَّ وَضَعَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ فَدَمُهُ هَدَرٌ أَيْ مَنْ قَاتَلَ بِهِ مِنْ وَضَعَ الشَّيْءَ مِنْ يَدِهِ إِذَا أَلْقَاهُ فَكَأَنَّهُ أَلْقَاهُ فِي الضَّرِيبَةِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (فَنَزَعَهُ) أَيْ نَزَعَ السَّهْمَ مِنْ جَسَدِهِ وَاسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ (حَتَّى رَمَاهُ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ) وَلَفْظُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَرَمَى بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ قَالَ فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ فَثَبَتَ قَائِمًا ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبَتَ قَائِمًا ثُمَّ عَادَ لَهُ فِي الثَّالِثِ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ (ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ) الْأَنْصَارِيُّ وَلَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ لا شتغاله بِحَلَاوَتِهَا عَنْ مَرَارَةِ أَلَمِ الْجُرْحِ (ثُمَّ أَنْبَهَ صَاحِبَهُ) مِنَ الْإِنْبَاهِ وَصَاحِبُهُ مَفْعُولُهُ هَكَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَمَادَّتُهُ النُّبْهُ بِالضَّمِّ أَيِ الْقِيَامُ مِنَ النَّوْمِ وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ فَيُقَالُ أَنْبَهْتُهُ وَنَبَّهْتُهُ.
وَأَمَّا الِانْتِبَاهُ فَهُوَ لَازِمٌ يُقَالُ انْتَبَهَ مِنَ النَّوْمِ إِذَا اسْتَيْقَظَ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ انْتَبَهَ صَاحِبُهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ صَاحِبُهُ فَاعِلَهُ (فَلَمَّا عَرَفَ) الرَّجُلُ الْمُشْرِكُ (أَنَّهُمْ) أَيِ الْأَنْصَارِيَّ وَالْمُهَاجِرِيَّ وَضَمِيرُ الْجَمْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ اثْنَانِ (قَدْ نَذَرُوا بِهِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ عَلِمُوا وَأَحَسُّوا بِمَكَانِهِ يُقَالُ نَذِرْتُ بِهِ إِذَا عَلِمْتُهُ.
وَأَمَّا الْإِنْذَارُ فَهُوَ الْإِعْلَامُ مَعَ تَخْوِيفٍ (مِنَ الدِّمَاءِ) بَيَانُ مَا وَالدِّمَاءُ بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ دَمٍ (سُبْحَانَ اللَّهِ) أَصْلُ التَّسْبِيحِ التَّنْزِيهُ وَالتَّقْدِيسُ وَالتَّبْرِيَةُ مِنَ النَّقَائِصِ سَبَّحْتُهُ تَسْبِيحًا وَسُبْحَانًا وَمَعْنَى سُبْحَانَ اللَّهِ التَّنْزِيهُ لِلَّهِ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ بِمَحْذُوفٍ أي أبرىء اللَّهَ مِنَ السُّوءِ بَرَاءَةً وَالْعَرَبُ تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ مِنْ كَذَا إِذَا تَعَجَّبَتْ مِنْهُ (أَلَا أَنْبَهْتَنِي) أَيْ لِمَ مَا أَيْقَظْتَنِي (أَوَّلَ مَا رَمَى) مَنْصُوبٌ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لِأَنْبَهْتَنِي وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ حِينَ رَمْيِهِ الْأَوَّلُ (فِي سُورَةٍ) وَهِيَ سُورَةُ الْكَهْفِ كَمَا بَيَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ (أن أقطعها) زاد بن إِسْحَاقَ حَتَّى أُنْفِدَهَا فَلَمَّا تَابَعَ عَلَيَّ الرَّمْيَ رَكَعْتُ فَآذَنْتُكَ وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفَسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِدَهَا وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ في المغازي وأحمد والدارقطني وصححه بن خزيمة وبن حبان والحاكم كلهم من طريق بن إِسْحَاقَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ بِدَلَالَةٍ وَاضِحَةٍ عَلَى أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ سَوَاءٌ كَانَ سَائِلًا أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْحَقُّ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ فِي سُبُلِ السَّلَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مِنَ الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَيْسَ بِنَاقِضٍ
انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ سِرَاجُ الدِّينِ بْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُعَاذٍ ليس الوضوء من الرعاف والقيء
وعن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ رَعَفَ فَمَسَحَ أَنْفَهُ بِخِرْقَةٍ ثُمَّ صلى
وعن بن مسعود وسالم بن عبد الله وطاؤس وَالْحَسَنِ وَالْقَاسِمِ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِنَ الدَّمِ
زَادَ النووي في شرحه عطاءا وَمَكْحُولًا وَرَبِيعَةَ وَمَالِكًا وَأَبَا ثَوْرٍ وَدَاوُدَ
قَالَ الْبَغَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
انْتَهَى كلامه
وزاد بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ
وَقَالَ بَدْرُ الدِّينِ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الهداية إنه قول بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ
انْتَهَى
وَثَانِيهِمَا أَنَّ دِمَاءَ الْجِرَاحَاتِ طَاهِرَةٌ مَعْفُوَّةٌ لِلْمَجْرُوحِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْحَقُّ
وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ فِي أَنَّ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانُوا يُجَاهِدُونَ وَيَذُوقُونَ آلَامَ الْجِرَاحَاتِ فَوْقَ مَا وَصَفْتُ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُنْكِرَ عَنْ سَيَلَانِ الدِّمَاءِ مِنْ جِرَاحَاتِهِمْ وَتَلْوِيثِ ثِيَابِهِمْ وَمَعَ هَذَا هُمْ يُصَلُّونَ عَلَى حَالِهِمْ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أَمَرَهُمْ بِنَزْعِ ثِيَابِهِمُ الْمُتَلَبِّسَةِ بِالدِّمَاءِ حَالَ الصَّلَاةِ وَقَدْ أُصِيبَ سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَضَرَبَ لَهُ خَيْمَةً فِي المسجد فكان هو فيه وَدَمُهُ يَسِيلُ فِي الْمَسْجِدِ فَمَا زَالَ الدَّمُ يَسِيلُ حَتَّى مَاتَ
وَمِنَ الأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى طَهَارَةِ دَمِ الْجِرَاحَةِ أَثَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ وَجُرْحُهُ يَجْرِي دَمًا
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْجُرْحَ الَّذِي يَجْرِي يَتَلَوَّثُ بِهِ الثِّيَابُ قَطْعًا
وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَفْعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه مالا يَجُوزُ لَهُ شَرْعًا ثُمَّ يَسْكُتُ عَنْهُ سَائِرُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَهَلْ هَذَا إِلَّا لِطَهَارَةِ دِمَاءِ الْجِرَاحَاتِ
وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْهَضُ حُجَّةً إِذَا ثَبَتَ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَلَمْ يَثْبُتْ
قُلْتُ أَوْرَدَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا من رواية سنن أبي داود وصحيح بن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَزَادَ فِيهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لَهُمَا
قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْوُضُوءِ وَلَا بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي السَّيْلِ الْجَرَّارِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِمْرَارِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الِاسْتِمْرَارُ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ الدَّمِ وَلَوْ كَانَ الدَّمُ نَاقِضًا لَبَيَّنَ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ
انْتَهَى كَلَامُهُ
عَلَى أَنَّهُ بَعِيدٌ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ لَا يَطَّلِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ الْعَظِيمَةِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ زَمَانَ نُزُولِ الْوَحْي وَلَمْ يَحْدُثْ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَتَبَّعَ الْحَوَادِثَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ بَطَلَتْ
فَإِنْ قُلْتَ قد وقع في إسناد حَدِيثَ جَابِرٍ عَقِيلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِيهِ جَهَالَةٌ مَا رَوَى عَنْهُ سِوَى صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ.

     وَقَالَ  الْحَافِظُ لَا أَعْرِفُ رَاوِيًا عَنْهُ غَيْرَ صَدَقَةَ
انْتَهَى فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ
قُلْتُ نَعَمْ عَقِيلٌ مَجْهُولٌ لَكِنْ بِجَهَالَةِ الْعَيْنِ لَا بِجَهَالَةِ الْعَدَالَةِ لِأَنَّهُ انْفَرَدَ عَنْهُ رَاوٍ وَاحِدٌ وَهُوَ صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ وَكُلُّ مَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَجْهُولُ الْعَيْنِ وَالتَّحْقِيقُ فِي مَجْهُولِ الْعَيْنِ أَنَّهُ إِنْ وَثَّقَهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ارْتَفَعَتْ جَهَالَتُهُ
قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ فَإِنْ سُمِّيَ الرَّاوِي وَانْفَرَدَ رَاوٍ وَاحِدٌ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ فَهُوَ مَجْهُولُ الْعَيْنِ كَالْمُبْهَمِ إِلَّا أَنْ يُوَثِّقَهُ غَيْرُ مَنِ انْفَرَدَ عَنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا مَنِ انْفَرَدَ عَنْهُ إِذَا كَانَ مُتَأَهِّلًا لِذَلِكَ
انْتَهَى
وَعَقِيلُ بْنُ جَابِرٍ الرَّاوِي قَدْ وَثَّقَهُ بن حبان وصحح حديثه هو وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ فَارْتَفَعَتْ جَهَالَتُهُ وَصَارَ حَدِيثُ جَابِرٍ صَالِحًا لِلِاحْتِجَاجِ
وَقَدْ أَطَالَ أَخُونَا الْمُعَظَّمُ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَأَوْرَدَ أَبْحَاثًا شَرِيفَةً فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ 8

(

رقم الحديث 199 [199]
هَلْ هُوَ وَاجِبٌ
( شُغِلَ عَنْهَا) مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ أَيْ شُغِلَ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَالشُّغْلُ الْمَذْكُورُ كَانَ فِي تَجْهِيزِ جَيْشٍ رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَهُ الْحَافِظُ ( حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ) الرُّقَادُ النَّوْمُ
قَالَ الْحَافِظُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الرَّاقِدُ مِنْهُمْ قَاعِدًا مُتَمَكِّنًا أَوْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُضْطَجِعًا لَكِنَّهُ تَوَضَّأَ وَإِنْ لَمْ يُنْقَلِ اكْتِفَاءً بِمَا عُرِفَ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ
انْتَهَى
وَيَجِيءُ بَيَانُ الْمَذَاهِبِ فِي آخِرِ الْبَابِ ( ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا) رسول الله مِنَ الْحُجْرَةِ ( فَقَالَ لَيْسَ أَحَدٌ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ غَيْرَكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْمُؤَلِّفِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقَالَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَأَخَذُوا مَضَاجِعَهُمْ وَإِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلَاةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ