فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ

رقم الحديث 1805 [1805] ( تَمَتَّعَ) قَالَ الْقَاضِي هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّمَتُّعِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْقِرَانُ آخِرًا وَمَعْنَاهُ أنه أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَصَارَ قَارِنًا فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَالْقَارِنُ هُوَ مُتَمَتِّعٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ
وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِاتِّحَادِ الْمِيقَاتِ وَالْإِحْرَامِ وَالْفِعْلِ وَيَتَعَيَّنُ هَذَا التَّأْوِيلُ هُنَا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذلك ( وبدأ رسول الله إِلَخْ) فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّلْبِيَةِ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَحْرَمَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى مُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ هَذَا عَلَى مُوَافَقَتِهَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ ( وَتَمَتَّعَ النَّاسُ إِلَخْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرَهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ أَوَّلًا مُفْرَدًا وَإِنَّمَا فَسَخُوهُ إِلَى الْعُمْرَةِ آخِرًا فَصَارُوا مُتَمَتِّعِينَ فَ.

     قَوْلُهُ  وَتَمَتَّعَ النَّاسُ يَعْنِي فِي آخِرِ الْأَمْرِ ( وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ إِلَخْ) مَعْنَاهُ يَفْعَلُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالتَّقْصِيرَ وَقَدْ صَارَ حَلَالًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ أَوِ الْحَلْقَ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ إِنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِالتَّقْصِيرِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْحَلْقِ مَعَ أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ لِيَبْقَى لَهُ شَعْرٌ يَحْلُقُهُ فِي الْحَجِّ فَإِنَّ الْحَلْقَ فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْهُ في تحلل الْعُمْرَةِ ( وَلْيَحْلِلْ) مَعْنَاهُ قَدْ صَارَ حَلَالًا فَلَهُ فِعْلُ مَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ مِنَ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَالنِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ( ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ) أَيْ وَيُحْرِمْ بِهِ فِي وَقْتِ الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَاتٍ لَا أَنَّهُ يُهِلُّ بِهِ عَقِبَ تَحَلُّلِ الْعُمْرَةِ
وَلِهَذَا قَالَ ثُمَّ لِيُهِلَّ فَأَتَى بِثُمَّ الَّتِي هِيَ لِلتَّرَاخِي وَالْمُهْلَةِ ( وليهد) والمراد بِهِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ فَهُوَ وَاجِبٌ بِشُرُوطٍ الْأَوَّلُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ الثَّانِي أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ أُفُقِيًّا لَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ وَحَاضِرُوهُ أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ الرَّابِعُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ قَالَهُ النَّوَوِيُّ ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا) فَالْمُرَادُ لَمْ يَجِدْهُ هُنَاكَ إِمَّا لِعَدَمِ الْهَدْيِ أَوْ لِعَدَمِ ثَمَنِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنَ الْمِثْلِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا لَكِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَكُونُ عَادِمًا لِلْهَدْيِ فَيَنْتَقِلُ إِلَى الصَّوْمِ سَوَاءً كَانَ وَاجِدًا لِثَمَنِهِ فِي بَلَدِهِ أَمْ لَا ( فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) هو موافقQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه بَعْد قَوْل الْمُنْذِرِيِّ وَفِي لَفْظ مُسْلِم لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْده إِلَخْ الَّذِينَ قَالُوا قَرَنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّته اِخْتَلَفَتْ طُرُقهمْ فِي كَيْفِيَّة قِرَانه فَطَائِفَة قَالَتْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجّ وهذا ظاهر حديث بن عُمَر وَعَائِشَة كَمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ طَرِيقَة أَبِي حَاتِم بْن حِبَّانَ فِي صَحِيحه
قَالَ هَذِهِ الْأَخْبَار الَّتِي ذَكَرْنَا فِي إِفْرَاد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا تَنَازَعَ الْأَئِمَّة فِيهَا مِنْ زَمَان إِلَى زَمَاننَا هَذَا وَشَنَّعَ بِهَا الْمُعَطِّلَة وَأَهْل الْبِدَع عَلَى أَئِمَّتنَا وَقَالُوا رَوَيْتُمْ ثَلَاثَة أَحَادِيث مُتَضَادَّة فِي فِعْل وَاحِد وَرَجُل وَاحِد وَحَالَة وَاحِدَة وَزَعَمْتُمْ أَنَّهَا ثَلَاثَتهَا صِحَاح مِنْ جِهَة النَّقْل وَالْعَقْل يَدْفَع مَا قُلْتُمْ إِذْ مُحَال أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّة الْوَدَاع كَانَ مُفْرِدًا قَارِنًا مُتَمَتِّعًا إِلَى أَنْ قَالَ وَلَوْ تَوَجَّهَ قَائِل هَذَا فِي الْخَلْوَة إِلَى الْبَارِي وَسَأَلَهُ التَّوْفِيق لِإِصَابَةِ الْحَقّ وَالْهِدَايَة لِطَلَبِ الرُّشْد فِي الْجَمْع بَيْن الْأَخْبَار وَنَفْي التَّضَادّ عَنْ الْآثَار لَعَلِمَ بِتَوْفِيقِ الْوَاحِد الْقَهَّار أَنَّ أَخْبَار الْمُصْطَفَى لَا تَتَضَادّ وَلَا تَهَاتَر وَلَا يُكَذِّب بَعْضهَا بَعْضًا إِذَا صَحَّتْ مِنْ جِهَة النَّقْل لِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجِبُ صَوْمُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْهَا لَكِنِ الْأَوْلَى أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ قَبْلَهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَصُومَهَا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ فَإِنْ صَامَهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ وَإِنْ صَامَهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَقَبْلَ فَرَاغِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَرَادَ صَوْمَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ جَوَازُهُ
هَذَا تَفْضِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَوَافَقَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ وَجَوَّزَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ تَرَكَ صِيَامَهَا حَتَّى مُضِيِّ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَفُوتُ صِيَامُهَا وَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ إِذَا اسْتَطَاعَهُ
وَأَمَّا صَوْمُ السَّبْعَةِ فَيَجِبُ إِذَا رَجَعَ وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّجُوعِ خِلَافٌ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ وَالثَّانِي إِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ مِنًى وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَبِالثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ لَمْ يَصُمِ الثَّلَاثَةَ وَلَا السَّبْعَةَ حَتَّى عَادَ إِلَى وَطَنِهِ لَزِمَهُ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ ( وَطَافَ رَسُولُ الله حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ إِلَخْ) فِيهِ إِثْبَاتُ طَوَافِ الْقُدُومِ وَاسْتِحْبَابُ الرَّمَلِ فِيهِ هُوَ الْخَبَبُ وَأَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَأَنَّهُمَا يُسْتَحَبَّانِ خَلْفَ الْمَقَامِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّQقَالَ وَالْفَصْل بَيْن الْجَمْع فِي هَذِهِ الْأَخْبَار أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ حَيْثُ أَحْرَمَ كَذَلِكَ قَالَهُ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة فَخَرَجَ وَهُوَ مُهِلّ بِالْعُمْرَةِ وَحْدهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَ سَرِف أَمَرَ أَصْحَابه بِمَا ذَكَرْنَا فِي خَبَر أَفْلَح بْن حُمَيْدٍ يَعْنِي بِالْفَسْخِ إِلَى الْعُمْرَة فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْرَدَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَامَ عَلَى عُمْرَته.
وَأَمَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْي مِنْهُمْ فَأَدْخَلَ الْحَجّ عَلَى عُمْرَته وَلَمْ يُحِلّ فَأَهَلَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا مَعًا حِينَئِذٍ إِلَى أَنْ دَخَلَ مَكَّة
وَكَذَلِكَ أَصْحَابه الَّذِينَ سَاقُوا الْهَدْي
فَكُلّ خَبَر رُوِيَ فِي قِرَان النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ حَيْثُ رَأَوْهُ يُهِلّ بِهِمَا بَعْد إِدْخَاله الْحَجّ عَلَى الْعُمْرَة إِلَى أَنْ دَخَلَ مَكَّة فَطَافَ وَسَعَى وَأَمَرَ ثَانِيًا مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْي وَكَانَ قَدْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أَنْ يَتَمَتَّع وَيُحِلّ وَكَانَ يَتَلَهَّف عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْإِهْلَال حَيْثُ كَانَ سَاقَ الْهَدْي حَتَّى إِنَّ بَعْض الصَّحَابَة مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْي لَمْ يُحِلُّوا حَيْثُ رَأَوْهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحِلّ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْره مَا وَصَفْنَا مِنْ دُخُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَائِشَة وَهُوَ مُغْضَب فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرَوِّيَة وَأَحْرَمَ الْمُتَمَتِّعُونَ خَرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مِنًى وَهُوَ يُهِلّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا إِذْ الْعُمْرَة الَّتِي قَدْ أَهَلَّ بِهَا فِي أَوَّل الْأَمْر قَدْ اِنْقَضَتْ عِنْد دُخُوله مَكَّة بِطَوَافِهِ بِالْبَيْتِ وأخرجه البخاري ومسلم والنسائيQوسعيه بين الصفا والمروة
فحكى بن عُمَر وَعَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجّ أَرَادَا خُرُوجه إِلَى مِنَى مِنْ مَكَّة مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون بَيْن هَذِهِ الْأَخْبَار تَضَادّ أَوْ تَهَاتُر وَفَّقَنَا اللَّه لِمَا يُحِبّهُ مِنْ الْخُضُوع عِنْد وُرُود السُّنَن إِذَا صَحَّتْ وَالِانْقِيَاد لِقَبُولِهَا وَاتِّهَام الْأَنْفُس وَإِلْزَاق الْخَطَأ بِهَا إِذَا لَمْ يُوَفَّق لِإِدْرَاكِ حَقِيقَة الصَّوَاب دُون الْقَدْح فِي السُّنَن وَالتَّعْرِيج عَلَى الآراء المنكوسة والمقاييس المعكوسة إنه خير مسؤول تَمَّ كَلَامه
وَطَائِفَة قَالَتْ كَانَ مُفْرِدًا أَوَّلًا ثُمَّ أَدْخَلَ الْعُمْرَة عَلَى الْحَجّ فَصَارَ قَارِنًا فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصه وَأَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ بِذَلِكَ بَيْن الْأَحَادِيث
وَهَذَا مَعَ أَنَّ الْأَكْثَر لَا يُجَوِّزُونَهُ فَلَمْ تَأْتِ لَفْظَة وَاحِدَة تَدُلّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَوَّل فَإِنَّهُ قَدْ قَالَهُ طَائِفَة وَفِيهِ أَحَادِيث صِحَاح
وَطَائِفَة قَالَتْ قَرَنَ اِبْتِدَاءً مِنْ حِين أَحْرَمَ وَهُوَ أَصَحّ الْأَقْوَال لِحَدِيثِ عُمَر وَأَنَس وَغَيْرهمَا وَقَدْ تَقَدَّمَا
وَاَلَّذِينَ قَالُوا أَفْرَدَ طَائِفَتَانِ طَائِفَة ظَنَّتْ أَنَّهُ أَفْرَدَ إِفْرَادًا اِعْتَمَرَ عَقِبه مِنْ التَّنْعِيم
وَهَذَا غَلَط بِلَا رَيْب لَمْ يُنْقَل قَطّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح وَلَا ضَعِيف وَلَا قَالَهُ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة وَهُوَ خِلَاف الْمُتَوَاتِر الْمَعْلُوم مِنْ فِعْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَطَائِفَة قَالَتْ أَفْرَدَ إِفْرَادًا اِقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى الْحَجّ وَلَمْ يَعْتَمِر
وَالْأَحَادِيث الثَّابِتَة الَّتِي اِتَّفَقَ أَئِمَّة الْحَدِيث عَلَى صِحَّتهَا صَرِيحَة فِي أَنَّهُ اِعْتَمَرَ عَقِبه فَهُوَ بَاطِل قَطْعًا وَإِنْ كَانَ إِفْرَادًا مُجَرَّدًا عَنْ الْعُمْرَة فَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تَدُلّ عَلَى خِلَافه
وَاَلَّذِينَ قَالُوا تَمَتَّعَ
طَائِفَتَانِ طَائِفَة قَالَتْ تَمَتَّعَ تَمَتُّعًا حَلَّ مِنْهُ
وَهَذَا بَاطِل قَطْعًا كَمَا تَقَدَّمَ
وَطَائِفَة قَالَتْ تَمَتَّعَ تَمَتُّعًا لَمْ يُحِلّ مِنْهُ لِأَجْلِ الْهَدْي
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَقَلّ خَطَأ مِنْ الَّذِي قَبْله فَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ قَرَنَ إِلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِالتَّمَتُّعِ الْقِرَان فَهَذَا حَقّ
وَطَائِفَة قَالَتْ أَحْرَمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا ثُمَّ عَيَّنَهُ بِالْإِفْرَادِ وَهَذَا أَيْضًا يَكْفِي فِي رَدّه الْأَحَادِيث الثَّابِتَة الصَّرِيحَة
وَطَائِفَة قَالَتْ قَرَنَ وَطَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ
وَالْأَحَادِيث الثَّابِتَة الَّتِي لَا مَطْعَن فِيهَا تُبْطِل ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم

رقم الحديث 1806 [186] ( أنها قالت يارسول اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ) هَذَا دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصحيح المختار أن النبي كَانَ قَارِنًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ( مِنْ عُمْرَتِكَ) أَيِ الْعُمْرَةِ الْمَضْمُومَةِ إِلَى الْحَجِّ وَفِيهِ أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَلَا بُدَّ لَهُ فِي تَحَلُّلِهِ مِنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ كَمَا فِي الْحَجِّ الْمُفْرَدِ ( لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدَتُ هَدْيِي) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّلْبِيدِ وَتَقْلِيدِ الهديQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ تَأْتِي مِنْ بِمَعْنَى الْبَاء كَقَوْلِهِ { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْر اللَّه} أَيّ بِأَمْرِهِ تُرِيد وَلَمْ تُحِلّ أَنْتَ بِعُمْرَةٍ
.

     وَقَالَتْ  طَائِفَة مَعْنَاهُ لَمْ تُحِلّ مِنْ الْعُمْرَة الَّتِي أَمَرْت النَّاس بِهَا
.

     وَقَالَتْ  طَائِفَة هَذِهِ اللَّفْظَة غَيْر مَحْفُوظَة فَإِنَّ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر لَمْ يَذْكُرهَا في حديثه حكاهما بن حَزْم
.

     وَقَالَتْ  طَائِفَة هِيَ مَرْوِيَّة بِالْمَعْنَى وَالْحَدِيث وَلَمْ تُحِلّ أَنْتَ مِنْ حَجّك فَأَبْدَلَ لَفْظ الْحَجّ بِالْعُمْرَةِ
.

     وَقَالَتْ  طَائِفَة الْحَدِيث إِنَّمَا فِيهِ إِقْرَاره لَهَا عَلَى أَنَّهُ فِي عُمْرَة وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا عُمْرَة مُفْرَدَة لَا حَجَّة مَعَهَا
وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسه بِأَنَّهُ قَرَنَ فَهُوَ إِذَنْ فِي حَجّ وَعُمْرَة وَمَنْ كَانَ فِي حَجّ وَعُمْرَة فَهُوَ فِي عُمْرَة قَطْعًا
وَهَذِهِ الْوُجُوه بَعْضهَا وَاهٍ وَبَعْضهَا مُقَارِب
فَقَوْل مَنْ قَالَ الْمُرَاد بِهِ مِنْ حَجَّتك بَعِيد جِدًّا إِذْ لَا يُعَبَّر بِالْعُمْرَةِ عَنْ الْحَجّ وَلَيْسَ هَذَا عُرْف الشَّرْع وَلَا يُطْلَق ذَلِكَ إِلَّا إطلاقا مقيدا فيقال هِيَ الْحَجّ الْأَصْغَر
وَقَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فَسَخَ الْعُمْرَة كَمَا أَمَرَ أَصْحَابه وَلَمْ يُحِلّ كَمَا أَحَلُّوا فَبَعِيد جِدًّا فَإِنَّ هَذَا الظَّنّ إنما كان يظهر بإحلاله فبه يَكُون مُعْتَمِرًا فَكَيْفَ تَظُنّ أَنَّهُ قَدْ فَسَخَ بِعُمْرَةٍ وَهِيَ تَرَاهُ لَمْ يَحِلّ.
وَأَمَّا قَوْل من قال معناه لم تحل بعمرة ومن بِمَعْنَى الْبَاء فَتَعَسُّف ظَاهِر وَإِضَافَة الْعُمْرَة إِلَيْهِ تَدُلّ عَلَى أَنَّهَا عُمْرَة مُخْتَصَّة بِهِ هُوَ فيها وَهُمَا سُنَّتَانِ بِالِاتِّفَاقِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ هَذَا يُبَيِّنُ لك أن قَدْ كَانَتْ هُنَاكَ عُمْرَةٌ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْهَا حَجَّةً فَصَارَ بِذَلِكَ قَارِنًا انْتَهَى
وَلَمْ يختلف الناس في إِدْخَالَ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ جَائِزٌ مَا لَمْ يَفْسَخِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ لِلْعُمْرَةِ
وَاخْتَلَفُوا فِي إِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي وبن ماجه

( )


رقم الحديث 1807 [187] ( إِلَّا لِلرَّكْبِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ قَالَ بن الْأَثِيرِ رَكْبٌ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَمْعِQوَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ لَمْ تُحْلِلْ مِنْ الْعُمْرَة الَّتِي أَمَرْت النَّاس بِهَا فَفَاسِد فَإِنَّهُ كَيْفَ يُحِلّ مِنْ عُمْرَة غَيْره وَحَفْصَة أَجَلّ مِنْ أَنْ تَسْأَل هَذَا السُّؤَال.
وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة وَلَمْ يَذْكُرهَا عُبَيْد اللَّه فَخَطَأ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّ مَالِكًا قَدْ ذَكَرَهَا وَمَالِك مَالِك
وَالثَّانِي أَنَّ عُبَيْد اللَّه نَفْسه قَدْ ذَكَرَهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ مُسْلِم فِي الصَّحِيح عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ عُبَيْد اللَّه فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ وَلَمْ تُحِلّ مِنْ عُمْرَتك
وَقَوْل مَنْ قَالَ مَرْوِيَّة بِالْمَعْنَى بَعِيد أَيْضًا
فَالْوَجْه الْأَخِير أَقْرَبهَا إِلَى الصَّوَاب وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْإِخْبَار عَنْ كَوْنه فِي عُمْرَة وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُون فِي حَجَّة
وَأَجْوَد مِنْهُ أَنْ يُقَال الْمُرَاد بِالْعُمْرَةِ الْمُتْعَة وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّمَتُّع يُرَاد بِهِ الْقِرَان وَالْعُمْرَة تُطْلَق عَلَى التَّمَتُّع فَيَكُون الْمُرَاد لَمْ تُحِلّ مِنْ قِرَانك وَسَمَّتْهُ عُمْرَة كَمَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا وَهَذِهِ لُغَة الصَّحَابَة كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّه أَعْلَم

قَالَ الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَهَذَا الْحَدِيث قَدْ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ أَحَدهمَا فِعْل الصَّحَابَة لَهَا وَهُوَ بِلَا رَيْب بِأَمْرِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الرِّوَايَة
وَالثَّانِي اِخْتِصَاصهمْ بِهَا دُون غَيْرهمْ وَهَذَا رَأْي فَرِوَايَته حُجَّة وَرَأْيه غَيْر حُجَّة وَقَدْ خَالَفَهُ كَنَفَرٍ وَرَهْطٍ وَالرَّاكِبُ فِي الْأَصْلِ هُوَ رَاكِبُ الْإِبِلِ خَاصَّةً ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى كُلِّ مَنْ رَكِبَ دَابَّةً انْتَهَى
وَيَجِيءُ تَحْقِيقُ الْحَدِيثِ فِي آخِرِ الْبَابِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بن شريك التيمي وأخرجه النسائي وبن ماجه



رقم الحديث 1808 [188] ( قلت يارسول اللَّهِ فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا قَالَ بَلْ لَكُمْ خَاصَّةً)
قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ قِيلَ إِنَّ الْفَسْخَ إِنَّمَا وَقَعَ إِلَى الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَا يَسْتَبِيحُونَهَا فِيهَا فَفَسَخَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْحَجَّ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْعُمْرَةِ فِي زَمَانِ الْحَجِّ لِيَزُولُوا عَنْ شُبَهِ الْجَاهِلِيَّةِ وَلِيَتَمَسَّكُوا بِمَا تَبَيَّنَ لَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَنْ يَفْسَخَهُ
وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا فَسَدَ حَجُّهُ مَضَى فِيهِ مَعَ الْفَسَادِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَهَلَّ بِحَجَّتَيْنِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ إِلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُضِيَّ فِيهَا لَا يَلْزَمُ وَأَنَّ فِعْلَهُ لَمْ يَصِحَّ بِالْإِجْمَاعِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَرْفُضُ أَحَدَهُمَا إِلَى قَابِلٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى الْفَسْخِ وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فَسْخَ الْحَجِّ كَانَ لَهُمْ خَاصًّا دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ.

     وَقَالَ  سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ مِنْ عَامِهِ وَيُهْرِيقُ دَمًا وَيَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَصِيرُ قَارِنًا وَعَلَيْهِ دَمٌ وَلَا يَلْزَمُهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ شَيْءٌ مِنْ عُمْرَةٍ وَلَا دَمٍ وَلَا قَضَاءٍ مِنْ قَابِلٍ انْتَهَىQفِيهِ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
وَقَدْ حَمَلَهُ طَائِفَة عَلَى أَنَّ الَّذِي اِخْتَصَّ بِهِ هُوَ وُجُوب الْفَسْخ عَلَيْهِمْ حَتْمًا.
وَأَمَّا غَيْرهمْ فَيُسْتَحَبّ لَهُ ذَلِكَ هَذَا إِنْ كَانَ مُرَاده مُتْعَة الْفَسْخ وَإِنْ كَانَ الْمُرَاد مُطْلَق الْمُتْعَة فَهُوَ خِلَاف الْإِجْمَاع وَالسُّنَّة الْمُتَوَاتِرَة
والله أعلم

قال الحافظ شمس الدين بن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه وَقَدْ قَالَ عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد سَأَلْت أَبِي عَنْ حَدِيث بِلَال بن الحرث الْمُزَنِيِّ فِي فَسْخ الْحَجّ فَقَالَ لَا أَقُول بِهِ وَلَيْسَ إِسْنَاده بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يَرْوِهِ إِلَّا الدَّرَاوَرْدِيّ وَحْده
وَقَالَ عَبْد الْحَقّ الصَّحِيح فِي هَذَا قَوْل أَبِي ذَرّ غَيْر الْمَرْفُوع إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم
وقال بن القطان فيه الحرث بن بلال عن أبيه بلال بن الحرث والحرث بْن بِلَال لَا يُعْرَف حَاله قُلْتُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ
حَدِيثُ بِلَالٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ وَتَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْهُ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَالْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ شِبْهُ الْمَجْهُولِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ بِلَالٍ هَذَا إِنَّهُ لَا يَثْبُتُ
هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ
انْتَهَى
وَفِي الْمُنْتَقَى قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ عِنْدِي لَيْسَ بِثَبَتٍ وَلَا أَقُولُ بِهِ وَلَا يُعْرَفُ هَذَا الرَّجُلُ يَعْنِي الْحَارِثَ بْنَ بِلَالٍ
وَقَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ عُرِفَ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ إِلَّا أَنَّ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوُونَ مَا يَرْوُونَ مِنَ الْفَسْخِ فَأَيْنَ يَقَعُ الْحَارِثُ بْنُ بِلَالٍ مِنْهُمْ
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَيْسَ يَصِحُّ حَدِيثٌ فِي أَنَّ الْفَسْخَ كَانَ لَهُمْ خَاصَّةً وَهَذَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ يُفْتِي بِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَشَطْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ جَابِرٍ بَلْ هِيَ لِلْأَبَدِ
وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفٌ وَقَدْ خَالَفَهُ أبو موسى وبن عباس وغيرهما انتهى
وقال بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ نَحْنُ نَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ حَدِيثَ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غَلَطٌ عَلَيْهِ قَالَ ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبن عَبَّاسٍ يُفْتِي بِخِلَافِهِ وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ طُولَ عُمُرِهِ بِمَشْهَدٍ مِنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَأَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَلَا يَقُولُ لَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ هَذَا كَانَ مُخْتَصًّا بِنَا لَيْسَ لِغَيْرِنَا انْتَهَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي ذَرٍّ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالصَّحَابَةِ وَلَكِنَّهُمَا جَمِيعًا مُخَالِفَانِ لِلْمَرْوِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأَبَدِ بِمَحْضِ الرَّأْيِ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ مِنْ أَنَّ الْمُتْعَةَ فِي الْحَجِّ كَانَتْ لَهُمْ خَاصَّةً فَيَرُدُّهُ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جَوَازِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنَ الْفَسْخِ أَنَّ مِثْلَ مَا قَالَهُ عُثْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الِاجْتِهَادِ وَمِمَّا لِلرَّأْيِ فِيهِ مَدْخَلٌ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ الْقِرَآنُ فَقَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ عِمْرَانَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ مِنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ مَحْضِ الرَّأْيِ فَكَمَا أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّمَتُّعِ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْيِ كَذَلِكَ دَعْوَى اخْتِصَاصِ التَّمَتُّعِ الْخَاصِّ أَعْنِي بِهِ الْفَسْخَ بِجَمَاعَةٍ مَخْصُوصَةٍ
وَقَدْ أطال الكلام بن الْقَيِّمِ فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ


رقم الحديث 1809 [189] ( امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَفْتُوحَةً فَمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ فَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَوَزْنِ الْفِعْلِ أَوِ التَّأْنِيثِ لِكَوْنِهِ اسْمَ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ ( فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا) وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا ( وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ) وَكَانَ الْفَضْلُ رَجُلًا جَمِيلًا ( أَدْرَكَتْ أَبِي) حَالَ كَوْنِهِ ( شَيْخًا) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَقَولُهُ ( كَبِيرًا) يَصِحُّ صِفَةً وَلَا يُنَافِي اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْحَالِ نَكِرَةً إذا لَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ عَنْهَا ( لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ) صِفَةٌ ثَانِيَةٌ وَيُحْتَمَلُ الْحَالُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ وَإِنْ شَدَدْتُهُ خَشِيتُ عَلَيْهِ ( أَفَأَحُجُّ) نِيَابَةً ( عَنْهُ قَالَ نَعَمْ) أَيْ حُجِّي عَنْهُ ( وَذَلِكَ) أَيْ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ ( فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ فِي الْحَدِيثِ رِوَايَاتٌ أُخَرُ فَفِي بَعْضِهَا أَنَّ السَّائِلَ رَجُلٌ وَأَنَّهُ سَأَلَ هَلْ يَحُجُّ عَنْ أُمِّهِ فَيَجُوزُ تَعَدُّدُ الْقَضِيَّةِ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُجْزِئُ الْحَجُّ عَنِ الْمُكَلَّفِ إِذَا كَانَ مَيْئُوسًا مِنْهُ الْقُدْرَةُ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ مِثْلُ الشَّيْخُوخَةِ فَإِنَّهُ مَيْئُوسٌ زَوَالُهَا.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ لِأَجْلِ مَرَضٍ أَوْ جُنُونٍ يُرْجَى بُرْؤُهُمَا فَلَا يَصِحُّ
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ مَعَ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّحْجِيجِ عَنْهُ مِنَ الْأَمْرَيْنِ عَدَمُ ثَبَاتِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْخَشْيَةُ عَنِ الضَّرَرِ عَلَيْهِ مِنْ شَدِّهِ فَمَنْ لَا يَضُرُّهُ الشَّدُّ كَالَّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْمِحَفَّةِ لَا يُجْزِئُهُ حَجُّ الْغَيْرِ عَنْهُ
وَيُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا تَبَرَّعَ أَحَدٌ بِالْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْحَجُّ عَنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تُبَيِّنْ أَنَّ أَبَاهَا مُسْتَطِيعٌ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ صلى الله عليه وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا الْإِجْزَاءُ لَا الْوُجُوبُ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَبِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهَا قَدْ عَرَفَتْ وُجُوبَ الْحَجِّ عَلَى أَبِيهَا كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهَا إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ دَالَّةٌ عَلَى عِلْمِهَا بِشَرْطِ دليل الوجوب وهو الاستطاعة
واتفق القائلون فإجزاء الْحَجِّ عَنْ فَرِيضَةِ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ إِلَّا عَنْ مَوْتٍ أَوْ عَدَمِ قُدْرَةٍ عَنْ عَجْزٍ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ النَّفْلِ فَإِنَّهُ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى جَوَازِ النِّيَابَةِ عَنِ الْغَيْرِ فيه مُطْلَقًا لِلتَّوْسِيعِ فِي النَّفْلِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْحَجَّ عَنْ فَرْضِ الْغَيْرِ لَا يُجْزِئُ أَحَدًا وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَخْتَصُّ بِصَاحِبَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَإِنْ كَانَ الِاخْتِصَاصُ خِلَافَ الْأَصْلِ إِلَّا أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِزِيَادَةِ رِوَايَةٍ فِي الْحَدِيثِ بِلَفْظِ حُجِّي عَنْهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَكِ وَرُدَّ بِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ رُوِيَتْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ
وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْوَلَدِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ
فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ فَجَعَلَهُ دَيْنًا وَالدَّيْنُ يَصِحُّ أَنْ يَقْضِيَهُ غَيْرُ الْوَلَدِ بِالِاتِّفَاقِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ



رقم الحديث 1810 [181] ( عن بن رَزِينٍ) هُوَ لَقِيطٌ الْعُقَيْلِيُّ ( وَلَا الظِّعَنَ) بِكَسْرِ الظَّاءِ وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا مَصْدَرُ ظَعَنَ يَظْعُنُ بِالضَّمِّ إِذَا سَارَ
قَالَهُ السُّيُوطِيُّ.

     وَقَالَ  السِّنْدِيُّ الظَّعَنُ بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ سُكُونِ الثَّانِي وَفِي الْمَجْمَعِ الظَّعْنُ الرَّاحِلَةُ أَيْ لَا يَقْوَى عَلَى السَّيْرِ وَلَا عَلَى الرُّكُوبِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ ( قَالَ احْجُجْ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ) الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ حَجِّ الْوَلَدِ عَنْ أَبِيهِ الْعَاجِزِ عَنِ الْمَشْيِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ
وَقَدْ جَزَمَ بِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا خِلَافَ فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا أَعْلَمُ فِي إِيجَابِ الْعُمْرَةِ حَدِيثًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا وَلَا أَصَحَّ مِنْهُQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه قَوْل الْإِمَام أَحْمَد قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ مُسْلِم سَمِعْت أَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول فَذَكَرَهُ وفي سنن بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْط الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَة قالت يارسول اللَّه هَلْ عَلَى النِّسَاء جِهَاد قَالَ جِهَاد لَا قِتَال فِيهِ الْحَجّ وَالْعُمْرَة
وَاحْتَجَّ مَنْ نَفَى الْوُجُوب بِحَدِيثِ جَابِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعُمْرَة أَوَاجِبَة هِيَ قَالَ لَا وَأَنْ