فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ

رقم الحديث 3286 [3286] ( ثُمَّ سَكَتَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُقَيِّدْ هَذَا السُّكُوتَ بِالْعُذْرِ بل ظاهره السكوت اختيارا إلا اضْطِرَارًا فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ
كَذَا فِي النيل وتقدم من رواية بن حِبَّانَ ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
قَالَ السِّنْدِيُّ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْدَ سُكُوتٍ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلِمَةِ ثم أيضا لكونها للتراخي وبهذا يقول بن عَبَّاسٍ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْفَصِلِ وَجُمْهُورُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الِاتِّصَالِ
وَحُمِلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ سُكُوتَهُ كَانَ لِمَانِعٍ وَإِلَّا فَكَيْفَ يَسْكُتُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ انْتَهَى
قُلْتُ وَزِيَادَةُ الْبَحْثِ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْمُطَوَّلَاتِ لَا أُطِيلُ الْكَلَامَ بِذِكْرِهِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ ( ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ) وَفِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ فَلَمْ يَفْعَلْهُ لَا يَحْنَثْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَفَ عَلَى غَزْوَةِ قُرَيْشٍ ثُمَّ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يغزهم والله أعلم




رقم الحديث 3287 [3287] ( يَنْهَى عَنِ النَّذْرِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى نَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّذْرِ إِنَّمَا هُوَ تَأْكِيدٌ لِأَمْرِهِ وَتَحْذِيرُ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ حَتَّى لَا يُفْعَلَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ حُكْمِهِ وَإِسْقَاطُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ بِالنَّهْيِ عَنْهُ قَدْ صَارَ مَعْصِيَةً فَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مِمَّا لَا يَجْلِبُ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ ضَرَرًا فَلَا يَرُدُّ شَيْئًا قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ لَا تَنْذِرُوا عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرْهُ اللَّهُ لَكُمْ أَوْ تَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ شَيْئًا جَرَى الْقَضَاءُ بِهِ عَلَيْكُمْ فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاخْرُجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ بِهِ فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِمٌ لَكُمْ
هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَوَجْهُهُ
وَقَولُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ وُجُوبُ اسْتِخْرَاجِهِ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُكْرَهَ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( لَا يَرُدُّ شَيْئًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ كَمَا يَقُولُ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ سَلِمَ مَالِي فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ
فَأَمَّا إِذَا قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَيْسَ هَذَا بِنَذْرٍ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ غَالِبُ مَذْهَبِهِ
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ النَّذْرُ وَعْدٌ بِشَرْطٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ النَّذْرُ لَازِمٌ وَإِنْ لَمْ يُعَلَّقْ بِشَرْطٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ( وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ النَّذْرِ ( مِنَ الْبَخِيلِ) لِأَنَّ غَيْرَ الْبَخِيلِ يُعْطِي بِاخْتِيَارِهِ بِلَا وَاسِطَةِ النَّذْرِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ يَعْنِي أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَسْمَحُ بِالصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ إِلَّا إِذَا نَذَرَ شَيْئًا لِخَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ فَكَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي طَمِعَ فِيهِ أَوْ خَافَهُ لَمْ يَسْمَحْ بِإِخْرَاجِ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ فَهُوَ بَخِيلٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ انْتَهَى
قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ الْحَارِثِيِّ الْكُوفِيِّ عن بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقَدَرِ وَفِي النَّذْرِ ومسلم في النذور والنسائي فيه وبن مَاجَهْ فِي الْكَفَّارَاتِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي النُّذُورِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ وَعَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ أَبَى عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ
وَحَدِيثُ مُسَدَّدٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو الْقَاسِمِ انْتَهَى كَلَامُهُ
فَجَرِيرٌ وَأَبُو عَوَانَةَ كِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عن منصور والله أعلم