فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْجَلَاجِلِ

رقم الحديث 3751 [3751] ( حَدَّثَنِي أَبُو الْجُودِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ ثِقَةٌ ( أَيُّمَا رَجُلٍ ضَافَ قَوْمًا) أَيْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ ضَيْفًا
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَضَافَ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ ( فَأَصْبَحَ) أَيْ صَارَ ( الضَّيْفُ مَحْرُومًا) الضَّيْفُ مُظْهَرٌ أُقِيمَ مُقَامَ الْمُضْمَرِ إِشْعَارًا بِأَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي ضَافَ قَوْمًا يَسْتَحِقُّ لِذَاتِهِ أَنْ يُقْرَى فَمَنْ مَنَعَ حَقَّهُ فَقَدْ ظَلَمَهُ فَحُقَّ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَصْرُهُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ ( حَتَّى يَأْخُذَ بِقِرَى لَيْلَةٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ بِقَدْرِ أَنْ يَصْرِفَ فِي ضِيَافَتِهِ فِي لَيْلَةٍ فِي الْمِصْبَاحِ قَرَيْتُ الضيف أقريه من باب رمى قرا بالكسر والقصر والاسم القراه بالفتح والمد انتهى
وفي مجمع البحار قرا بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورًا مَا يُصْنَعُ لِلضَّيْفِ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ
وَالْقَرَاءُ بِالْمَدِّ وَفَتْحِ الْقَافِ طَعَامٌ تُضِيفُهُ بِهِ انْتَهَى ( مِنْ زَرْعِهِ وَمَالِهِ) تَوْحِيدُ الضَّمِيرِ مَعَ ذِكْرِ الْقَوْمِ بِاعْتِبَارِ الْمُنْزَلِ عَلَيْهِ أَوِ الْمُضِيفِ وَهُوَ وَاحِدٌ
قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الْمُضْطَرِّ الَّذِي لَا يَجِدُ مَا يَطْعَمُهُ وَيَخَافُ التَّلَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْجُوعِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا يَلْزَمُ لَهُ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَيْهِ قِيمَتَهُ وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَلْزَمُهُ لَهُ قِيمَةٌ وَذَهَبَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَلَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَنًا مِنْ غَنَمٍ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ لَهُ فِيهَا عَبْدٌ يَرْعَاهَا وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ فَشَرِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ فِي مَخْرَجِهِ مِنْ مَكَّةَ إلى المدينة
واحتجوا أيضا بحديث بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ مِنْهُ وَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ خُبْنَةً
وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ إِذَا مَرَّ الرَّجُلُ بِالْإِبِلِ وَهُوَ عَطْشَانُ صَاحَ بِرَبِّ الْإِبِلِ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا حَلَبَ وَشَرِبَ
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ذَكَرُوا الرَّجُلَ يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ وَإِلَى مَالِ الْمُسْلِمِ فَقَالَ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ.

     وَقَالَ  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ يَأْكُلُ الرَّجُلُ مَالَ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ فَقَالَ سَعِيدٌ مَا أُحِبُّ أَنَّ الْمَيْتَةَ تَحِلُّ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ مَالُ الْمُسْلِمِ انْتَهَى كَلَامُهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُهَاجِرِ سَمِعَ الْمِقْدَامَ انْتَهَى



رقم الحديث 3752 [3752] (إِنَّكَ تَبْعَثُنَا) أَيْ وَفْدًا أَوْ غُزَاةً (فَلَا يَقْرُونَنَا) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ لَا يُضَيِّفُونَنَا (فَمَا تَرَى) مِنَ الرَّأْيِ أَيْ فَمَا تَقُولُ فِي أَمْرِنَا (بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ) أَيْ مِنَ الْإِكْرَامِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَمَا يَلْتَحِقُ بِهِمَا (فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ) أَيْ لِلضَّيْفِ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمَوْصُولُ صِفَةٌ لِلْحَقِّ قَالَ النَّوَوِيُّ حَمَلَ أَحْمَدُ وَاللَّيْثُ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوِهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُضْطَرِّينَ فَإِنَّ ضِيَافَتَهُمْ وَاجِبَةٌ وَثَانِيهَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ أَعْرَاضِهِمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَذْكُرُوا لِلنَّاسِ لَوْمَهُمْ.

قُلْتُ وَمَا أَبْعَدَ هَذَا التَّأْوِيلَ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ قَالَ وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذَا التأويل باطل لأن الذي ادعاه المأول لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ وَرَابِعُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَرَّ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا صَارَ هَذَا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِمَّا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَلَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ
وَلِبُطْلَانِ التَّأْوِيلِ الثَّالِثِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ تَخْصِيصَ مَا شَرَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ بِزَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ أَوْ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ لَا يقبل إلا بدليل ولم يقم ها هنا دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِ هَذَا الْحُكْمِ بِزَمَنِ النُّبُوَّةِ وليس فيه مُخَالَفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الضِّيَافَةِ بَعْدَ شِرْعَتِهَا قَدْ صَارَتْ لَازِمَةً لِلْمُضِيفِ لِكُلِّ نَازِلٍ عَلَيْهِ فَلِلنَّازِلِ الْمُطَالَبَةُ بِهَذَا الْحَقِّ الثَّابِتِ شَرْعًا كَالْمُطَالَبَةِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ فَإِذَا أَسَاءَ إِلَيْهِ وَاعْتَدَى عَلَيْهِ بِإِهْمَالِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ مُكَافَأَتُهُ بِمَا أَبَاحَهُ لَهُ الشَّارِعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ
وَاعْلَمْ أَنَّ الضِّيَافَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ
لَكِنْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى وُجُوبِهَا لِأُمُورٍ الْأَوَّلُ إِبَاحَةُ الْعُقُوبَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ لِمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ وَاجِبٍ وَالثَّانِي .

     قَوْلُهُ  فَمَا سِوَى ذَلِكَ صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ أَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرُ صَدَقَةٍ بَلْ وَاجِبٌ شَرْعًا وَالثَّالِثُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْلَةُ الضِّيَافَةِ وَاجِبَةٌ فَهَذَا التَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ وَالرَّابِعُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ نَصْرَهُ حَقُّ كُلِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّ هَذَا وُجُوبُ النُّصْرَةِ وَذَلِكَ فَرْعُ وُجُوبِ الضِّيَافَةِ وَهَذِهِ الدَّلَائِلُ تُقَوِّي مَذْهَبَ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَكَانَتْ أَحَادِيثُ الضِّيَافَةِ مُخَصِّصَةً لِأَحَادِيثِ حُرْمَةِ الْأَمْوَالِ إِلَّا بِطِيبَةِ الْأَنْفُسِ وَالتَّفْصِيلُ فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وبن ماجه وأخرجه الترمذي من حديث بن لهيعة وقال حسن

(