فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى وَقْتِ الصَّلَوَاتِ

رقم الحديث 377 [377] ( يُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَيُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ) هَكَذَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ



رقم الحديث 380 [38] ( فِي آخَرِينَ) أَيْ حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِنَا وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ مِنْهُمْ ( أَنَّ أَعْرَابِيًّا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأَعْرَابِ وَهُمْ سُكَّانُ الْبَوَادِي وَوَقَعَتِ النِّسْبَةُ إِلَى الْجَمْعِ دُونَ الْوَاحِدِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْقَبِيلَةِ كَأَنَّمَا رَأَوْا لِأَنَّهُ لَوْ نُسِبَ إِلَى الْوَاحِدِ وَهُوَ عَرَبٌ لَقِيلَ عَرَبِيُّ فَيَشْتَبِهُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْعَرَبِيَّ كُلُّ مَنْ هُوَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَوَاءٌ كَانَ سَاكِنًا بِالْبَادِيَةِ أَوْ بِالْقُرَى وَهَذَا غَيْرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ
قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ( لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ مِنْ بَابِ تَفَعَّلَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُ الْحَجْرِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ وَهُوَ مَنْعُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَقَبْضُ يَدِهِ عَنْهُ يَقُولُ لَهُ لَقَدْ ضَيَّقْتَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا وَسَّعَهُ وَمَنَعْتَ مِنْهَا مَا أَبَاحَهُ
انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ ضَيَّقْتَ مَا وَسَّعَهُ اللَّهُ وَخَصَصْتَ بِهِ نَفْسَكَ دُونَ غَيْرِكَ
انْتَهَى
( فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَزَجَرَهُ النَّاسُ وَلِمُسْلِمٍ فَقَالَ الصَّحَابَةُ مَهْ مَهْ وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ ( فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْ زَجْرِهِمْ ( إِنَّمَا بُعِثْتُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( مُيَسِّرِينَ) حَالٌ أَيْ مُسَهِّلِينَ عَلَى النَّاسِ ( وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ) عَطْفٌ عَلَى السَّابِقِ عَلَى طَرِيقِ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ مُبَالَغَةً فِي الْيُسْرِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ
أَيْ فَعَلَيْكُمْ بِالتَّيْسِيرِ أَيُّهَا الْأُمَّةَ ( صُبُّوا) الصَّبُّ السَّكْبُ ( عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارَيِّ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ( سَجْلًا مِنْ مَاءٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ هُوَ الدَّلْوُ مَلْأَى وَلَا يُقَالُ لَهَا ذلك وهي فارغة
وقال بن دُرَيْدٍ السَّجْلُ الدَّلْوُ وَاسِعَةٌ وَفِي الصَّحَّاحِ الدَّلْوُ الضَّخِيمَةُ ( أَوْ قَالَ ذَنُوبًا) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ
قال الخليل الدلو ملأى ماء
وقال بن فارس الدلو العظيمة
وقال بن السِّكِّيتِ فِيهَا قَرِيبٌ مِنَ الْمَلَاءِ وَلَا يُقَالُ لَهَا وَهِيَ فَارِغَةٌ ذَنُوبٌ فَعَلَى التَّرَادُفِ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَإِلَّا فَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ رِوَايَةَ أَنَسٍ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّهَا ذَنُوبٌ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا وَرَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُكَاثَرَةِ وَالْغَلَبَةِ طَهَّرَهَا وَأَنَّ غُسَالَةَ النَّجَاسَاتِ طَاهِرٌ مَا لَمْ يَبِنْ لِلنَّجَاسَةِ فِيهَا لَوْنٌ وَلَا رِيحٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَاءُ طَاهِرًا لَكَانَ الْمَصْبُوبُ مِنْهُ عَلَى الْبَوْلِ أَكْثَرَ تَنْجِيسًا لِلْمَسْجِدِ مِنَ الْبَوْلِ نَفْسِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى طهارته
انتهى كلامه
وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَطْهِيرِ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ بِالْمُكَاثَرَةِ بِالْمَاءِ وَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ نَقْلُ التُّرَابِ مِنَ الْمَكَانِ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَظَاهِرُ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِصَبِّ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ أَمَرَ بِهِ لَذُكِرَ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ الْأَمْرُ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَلَكِنَّهُ تُكُلِّمَ فِيهِ
وَأَيْضًا لَوْ كَانَ نَقْلُ التُّرَابِ وَاجِبًا فِي التَّطْهِيرِ لَاكْتَفَى بِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِصَبِّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِيَادَةَ تَكْلِيفٍ وَتَعَبٍ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إِلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَطْهِيرُ الْأَرْضِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِنَحْوِهِ
انْتَهَى



رقم الحديث 378 [378] ( فَذَكَرَ مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَوْقُوفِ ( وَلَمْ يَذْكُرْ) أَيْ هِشَامٌ ( مَا لَمْ يَطْعَمْ) كَمَا ذَكَرَهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ( زَادَ) هِشَامٌ فِي رِوَايَتِهِ ( قَالَ قَتَادَةُ هَذَا) أَيِ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ أَيْ النَّضْحُ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ وَغَسْلُ بَوْلِ الْجَارِيَةِ ( مَا لَمْ يَطْعَمَا) أَيِ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ ( غُسِلَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ بَوْلُهُمَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَذَكَرَ أَنَّ هِشَامًا الدَّسْتُوَائِيَّ رَفَعَهُ عَنْ قَتَادَةَ وَأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ وَقَفَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.

     وَقَالَ  الْبُخَارِيُّ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ لَا يَرْفَعُهُ وَهِشَامٌ يَرْفَعُهُ وَهُوَ حَافِظٌ
انْتَهَى



رقم الحديث 379 [379] ( عَنِ الْحَسَنِ) الْبَصْرِيِّ أَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ ( عَنْ أُمِّهِ) خَيْرَةُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَوْلَاةُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ( أَنَّهَا) أَيْ خَيْرَةُ ( أَبْصَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ تَصُبُّ الْمَاءَ إِلَخْ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ سَنَدُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهَا مَوْقُوفًا أَيْضًا وَصَحَّحَهُ
انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَمِمَّنْ قَالَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ
قَالُوا يُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ وَيُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَكِنَّهُ مِنْ أَجْلِ التَّخْفِيفِ الَّذِي وَقَعَ فِي إِزَالَتِهِ
.

     وَقَالَتْ  طَائِفَةٌ يُغْسَلُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ مَعًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَكَذَلِكَ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
انتهى




رقم الحديث 381 [381] ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ ( بن مُقَرِّنٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ ( بِهَذِهِ الْقِصَّةِ) أَيْ قِصَّةِ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ( قَالَ فِيهِ) أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْقِلٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ( خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ) بَيَانُ مَا الْمَوْصُولَةِ ( فَأَلْقُوهُ) أَيِ احْفِرُوا ذَلِكَ الْمَكَانَ وَانْقُلُوا التُّرَابَ وَأَلْقُوهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ( وَأَهْرِيقُوا) أَصْلُهُ أَرِيقُوا مِنَ الْإِرَاقَةِ فَالْهَاءُ زَائِدَةٌ وَيُرْوَى هَرِيقُوا فَتَكُونَ الْهَاءُ بدلا من الهمزة ( بن مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ




رقم الحديث 382 [382] أَيْ بِالشَّمْسِ أَوِ الْهَوَاءِ
( وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الزَّاءِ هُوَ صِفَةٌ لِلشَّابِّ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لَا أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ .

     قَوْلُهُ  أَعْزَبُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّاءِ أَيْ غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ عَزِبٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الزَّاءِ وَالْأَوَّلُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ مَعَ أَنَّ الْقَزَّازُ أَنْكَرَهَا
وَقَولُهُ لَا أَهْلَ لَهُ هُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ أَعْزَبُ
انْتَهَى ( وَكَانَتِ الْكِلَابُ تَبُولُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَانَتِ الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَتْ لَفْظَةُ تَبُولُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ( وَتُقْبِلُ) مِنَ الْإِقْبَالِ ( وَتُدْبِرُ) مِنَ الْإِدْبَارِ وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ جُمْلَةٌ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ إِنْ جُعِلَتْ كَانَتْ نَاقِصَةً وَإِنْ جُعِلَتْ تَامَّةً بِمَعْنَى وُجِدَتْ كَانَ مَحَلُّ الْجُمْلَةِ النَّصْبَ عَلَى الْحَالِ ( فِي الْمَسْجِدِ) حَالٌ أَيْضًا وَالتَّقْدِيرُ حَالُ كَوْنِ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِ لِلْعَهْدِ أَيْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ) مِنْ رَشِّ الْمَاءِ
وَفِي ذِكْرِ الْكَوْنِ مُبَالَغَةٌ لَيْسَتْ فِي حَذْفِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا كان الله ليعذبهم حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَمَا يُعَذِّبُهُمْ وَكَذَا فِي لَفْظِ الرَّشِّ حَيْثُ اخْتَارَهُ عَلَى الْغَسْلِ لِأَنَّ الرَّشَّ لَيْسَ جَرَيَانُ الْمَاءِ بِخِلَافِ الْغَسْلِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْجَرَيَانُ فَنَفْيِ الرَّشِّ أَبْلَغُ مِنْ نفي الغسل
قال بن الْأَثِيرِ لَا يَنْضَحُونَهُ بِالْمَاءِ ( شَيْئًا) مِنَ الْمَاءِ وَهَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا عَامُّ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَهَذَا كُلُّهُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي عَدَمِ نَضْحِ الْمَاءِ ( مِنْ ذَلِكَ) الْبَوْلِ وَالْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ إِذَا أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ فَجَفَّتْ بِالشَّمْسِ أَوِ الْهَوَاءِ فَذَهَبَ أَثَرُهَا تَطْهُرُ إِذْ عَدَمُ الرَّشِّ يَدُلُّ عَلَى جَفَافِ الْأَرْضِ وَطَهَارَتِهَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ وَكَانَتِ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ عَابِرَةً إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَتْرُكَ الْكِلَابُ انْتِيَابَ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَمْتَهِنَهُ وَتَبُولَ فِيهِ وَإِنَّمَا كَانَ إِقْبَالُهَا وَإِدْبَارُهَا فِي أَوْقَاتٍ نَادِرَةٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَسْجِدِ أَبْوَابٌ تَمْنَعُ مِنْ عُبُورِهَا فِيهِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ قَالَ جُفُوفُ الْأَرْضِ طُهُورُهَا.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّمْسُ تُزِيلُ النَّجَاسَةَ عَنِ الْأَرْضِ إِذَا ذَهَبَ الْأَثَرُ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْأَرْضِ إِذَا أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ لَا يُطَهِّرُهَا إِلَّا الْمَاءُ
انْتَهَى
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ إِذَا لَاقَتْهَا النَّجَاسَةُ بِالْجَفَافِ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ صَبِّ الْمَاءِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى فَلَوْلَا أَنَّ الْجَفَافَ يُفِيدُ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ مَا تركوا ذلك ولا يخفي مافيه
انْتَهَى
قُلْتُ لَيْسَ عِنْدِي فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ خَفَاءٌ بَلْ هُوَ وَاضِحٌ فَالْأَرْضُ الَّتِي أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ فِي طَهَارَتِهَا وَجْهَانِ الْأَوَّلُ صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهَا كَمَا سَلَفَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَالثَّانِي جَفَافُهَا وَيُبْسِهَا بِالشَّمْسِ أَوِ الْهَوَاءِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَعِلْمُهُ أَتَمُّ