فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ مَنْ كَرِهَهُ

رقم الحديث 3583 [3583]
( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُشَارِكٌ لِلْبَشَرِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِمْ بِالْمَزَايَا الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَالْحَصْرُ هُنَا مَجَازِيٌّ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْعِلْمِ الْبَاطِنِ وَيُسَمَّى قَصْرَ قَلْبٍ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ كَانَ رَسُولًا فَإِنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ غَيْبٍ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْمَظْلُومُ انْتَهَى
( وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ) أَيْ تَرْفَعُونَ الْمُخَاصَمَةَ إِلَيَّ ( أَنْ يَكُونَ) قَالَ الطِّيبِيُّ زِيدَ لَفْظَةُ أَنْ فِي خَبَرِ لَعَلَّ تَشْبِيهًا لَهُ بِعَسَى ( أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ) أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنْ لَحِنَ بِمَعْنَى فَطِنَ وَوَزْنُهُ أَيْ أَفْطَنَ بِهَا
قَالَ فِي النَّيْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَفْصَحَ تَعْبِيرًا عَنْهَا وَأَظْهَرَ احْتِجَاجًا حَتَّى يُخَيَّلُ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مُبْطِلٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَبْلَغُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْ أَحْسَنَ إِيرَادًا لِلْكَلَامِ ( مِنْ حَقِّ أَخِيهِ) أَيْ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ ( فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ طَائِفَةً أَيْ إِنْ أَخَذَهَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ دَخَلَ النَّارَ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ وُجُوبُ الْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا وَأَنَّهُ مَتَى أَخْطَأَ فِي حُكْمِهِ فَقَضَى كَانَ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ فَأَمَّا فِي الْبَاطِنِ وَفِي حُكْمِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَاضٍ انْتَهَى
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الصحابة والتابعين فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ الباطن وَلَا يُحِلُّ حَرَامًا فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَمْ يَحِلَّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ ذَلِكَ وَلَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ لَمْ يَحِلَّ لِلْوَلِيِّ قَتْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا وَلَا أَخْذُ الدِّيَةِ مِنْهُ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُحِلُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْفُرُوجَ دُونَ الْأَمْوَالِ فَقَدْ يُحِلُّ نِكَاحَ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا مُخَالِفٌ للحديث الصحيح ولإجماع مِنْ قَبْلِهِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا الطَّلَاقَ وَشَهِدَ لَهَا شَاهِدَانِ بِهِ فَقَضَى الْحَاكِمُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا وبين الله عزوجل وَإِنْ كَانَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَجَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَنْكِحَهَا وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى
وَقَالَ فِي السُّبُلِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَحِلُّ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ إِذَا كَانَ مَا ادَّعَاهُ بَاطِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَا أَقَامَهُ مِنَ الشَّهَادَةِ الْكَاذِبَةِ.
وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَيَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَالْإِلْزَامُ بِهِ وَتَخْلِيصُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لِمَا حُكِمَ بِهِ لَوِ امْتَنَعَ وَيَنْفُذُ حُكْمُهُ ظَاهِرًا وَلَكِنَّهُ لَا يَحِلُّ بِهِ الْحَرَامَ إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي مُبْطِلًا وَشَهَادَتُهُ كَاذِبَةً
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ إِنَّهُ يَنْفُدُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنَّهُ لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ زُورٍ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ زَوْجَةُ فُلَانٍ حَلَّتْ لَهُ وَاسْتَدَلَّ بِآثَارٍ لَا يَقُومُ بِهَا دَلِيلٌ وَبِقِيَاسٍ لَا يَقْوَى عَلَى مُقَاوَمَةِ النَّصِّ انْتَهَى
قُلْتُ وَلِذَلِكَ خَالَفَهُ أَصْحَابُهُ وَوَافَقُوا ( الْجُمْهُورُ)
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ



رقم الحديث 3584 [3584] ( أَبُو تَوْبَةَ) كُنْيَةُ الرَّبِيعِ ( فِي مَوَارِيثَ لَهُمَا) جَمْعُ مَوْرُوثٍ أَيْ تَدَاعَيَا فِي أَمْتِعَةٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هَذِهِ لِي وَرِثْتُهَا مِنْ مُوَرِّثِي وقال الآخر كذلك
قاله القارىء ( إِلَّا دَعْوَاهُمَا) إِلَّا هُنَا بِمَعْنَى غَيْرِ أَوِ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ ( فَذَكَرَ مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلَفْظُ الْمِشْكَاةِ فَقَالَ مَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ ( وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقِّي لَكَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ فَقَالَ الرَّجُلَانِ كُلُّ واحد منهما يارسول اللَّهِ حَقِّي هَذَا لِصَاحِبِي ( فَاقْتَسِمَا) أَيْ نِصْفَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ ( وَتَوَخَّيَا) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَبِتَشْدِيدِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ اطْلُبَا ( الْحَقَّ) أَيِ الْعَدْلَ فِي الْقِسْمَةِ وَاجْعَلَا الْمُتَنَازَعَ فِيهِ نِصْفَيْنِ ( ثُمَّ اسْتَهِمَا) أَيِ اقْتَرِعَا لِتَعْيِينِ الْحِصَّتَيْنِ إِنْ وَقَعَ التَّنَازُعُ بَيْنَكُمَا لِيَظْهَرَ أَيُّ الْقِسْمَيْنِ وَقَعَ فِي نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلْيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا مَا تُخْرِجُهُ الْقُرْعَةُ مِنَ الْقِسْمَةِ قَالَهُ القارىء
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ تَوَخَّيَا الْحَقَّ أَيِ اقْصِدَا الْحَقَّ فِيمَا تَصْنَعَانِهِ مِنَ الْقِسْمَةِ وَقَولُهُ ثُمَّ اسْتَهِمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ اقْتَرِعَا زَادَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي لِيَظْهَرَ سَهْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا انْتَهَى
( ثُمَّ تَحَالَّا) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ لِيَجْعَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ فِي حِلٍّ مِنْ قِبَلِهِ بِإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ
وَلَفْظُ الْمِشْكَاةِ ثُمَّ لِيُحْلِّلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي الشيء المعلومولذلك أَمَرَهُمَا بِالتَّوَخِّي فِي مِقْدَارِ الْحَقِّ ثُمَّ لَمْ يَقْنَعْ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالتَّوَخِّي حَتَّى ضَمَّ إِلَيْهِ الْقُرْعَةَ وَذَلِكَ أَنَّ التَّوَخِّيَ إِنَّمَا هُوَ أَكْثَرُ الرَّأْيِ وَغَالِبُ الظَّنِّ وَالْقُرْعَةُ نَوْعٌ مِنَ الْبَيِّنَةِ فَهِيَ أَقْوَى مِنَ التَّوَخِّي ثُمَّ أَمَرَهُمَا عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ لِيَكُونَ افْتِرَاقُهُمَا عَنْ تَعَيُّنِ بَرَاءَةٍ وَطِيبِ نَفْسٍ وَرِضًى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّحْلِيلَ إِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا كَانَ مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ غَيْرَ مَجْهُولِ الْكَمِّيَّةِ
وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ ذِكْرَ الْقِسْمَةِ وَالتَّحْلِيلَ وَالْقِسْمَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي الْأَعْيَانِ وَالتَّحْلِيلُ لَا يَصِحُّ إِلَّا فِيمَا يَقَعُ فِي الذِّمَمِ دُونَ الْأَعْيَانِ فَوَجَبَ أَنْ يُصْرَفَ مَعْنَى التَّحْلِيلِ إِلَى مَا كَانَ مِنْ خَرَاجٍ وَغَلَّةٍ حَصَلَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهِ الْقِسْمَةُ انْتَهَى
وَقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ إِنَّ هَذَا مِنْ طَرِيقِ الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى لَا مِنْ بَابِ الْحُكُومَةِ وَالْفَتْوَى وَإِنَّ الْبَرَاءَةَ الْمَجْهُولَةَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَصِحُّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى سُلُوكِ سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ



رقم الحديث 3580 [358] قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرشوة مثلثة الجعل جمع رشى ورشى ورشاه أعطاء إياها وارتشى أخذها
(بن أَبِي ذِئْبٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَدَنِيِّ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ) وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَلَفْظُهُ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ.

     وَقَالَ  حَدِيثُ أَبِي هريرة حسن قال القارىء أَيْ مُعْطِي الرِّشْوَةَ وَآخِذُهَا وَهِيَ الْوَصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ
قِيلَ الرِّشْوَةُ مَا يُعْطَى لِإِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ لِإِحْقَاقِ بَاطِلٍ أَمَّا إِذَا أُعْطِيَ لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى حَقٍّ أَوْ لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا الْآخِذُ إِذَا أَخَذَ لِيَسْعَى فِي إِصَابَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنْ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ لِأَنَّ السَّعْيَ فِي إِصَابَةِ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ وَدَفْعِ الظَّالِمِ عَنِ الْمَظْلُومِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ لهم الأخذ عليه
قال القارىء كذا ذكره بن الْمَلَكِ
وَقَولُهُ وَكَذَا الْآخِذُ بِظَاهِرِهِ يُنَافِيهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ شَفَعَ لِأَحَدٍ شَفَاعَةً الْحَدِيثُ انْتَهَى
وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ هَذَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْهَدِيَّةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ
وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَمَنْ يُعْطِي تَوَصُّلًا إِلَى أَخْذِ حَقٍّ أَوْ دَفْعِ ظُلْمٍ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ
روي أن بن مَسْعُودٍ أُخِذَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي شَيْءٍ فَأَعْطَى دِينَارَيْنِ حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ قَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ انْتَهَى
وَقَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالتَّخْصِيصُ لِطَالِبِ الْحَقِّ بِجَوَازِ تَسْلِيمِ الرِّشْوَةِ مِنْهُ لِلْحَاكِمِ لَا أَدْرِي بِأَيِّ مُخَصِّصٍ وَالْحَقُّ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا أَخْذًا بِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَمَنْ زَعَمَ الْجَوَازَ فِي صُورَةٍ مِنَ الصُّوَرِ فَإِنْ جَاءَ بِدَلِيلٍ مَقْبُولٍ وَإِلَّا كَانَ تَخْصِيصُهُ رَدًّا عَلَيْهِ ثُمَّ بَسَطَ الكلام فيه
قال الإمام بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وصححه الترمذي انتهى
قال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ فِي الْحُكْمِ أَيْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو فأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَوَّاهُ الدَّارِمِيُّ انْتَهَى

(

رقم الحديث 3581 [3581]
جَمْعُ عَامِلٍ
(حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ عُمَيْرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (الْكِنْدِيُّ) بِكَسْرِ الْكَافِ (مَنْ عُمِّلَ) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدِ مِيمٍ أَيْ جُعِلَ عَامِلًا (فَكَتَمَنَا مِنْهُ) أَيْ دَسَّ عَنَّا مِنْ حَاصِلِ عَمَلِهِ (مِخْيَطًا) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ إِبْرَةً (فَمَا فَوْقَهُ) أَيْ فِي الْقِلَّةِ أَوِ الْكَثْرَةِ أوالصغر أَوِ الْكِبَرِ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ الَّذِي يُفِيدُ التَّرَقِّيَ أَيْ فَمَا فَوْقَ الْمِخْيَطِ فِي الْحَقَارَةِ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فوقها (فَهُوَ) أَيِ الْمِخْيَطُ وَمَا فَوْقَهُ (غُلٌّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ أَيْ طَوْقٌ مِنْ حَدِيدٍ
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي
فَمَعْنَى غَلَّ أَيْ خَانَ يُقَالُ غَلَّ الرَّجُلُ غُلُولًا خَانَ وَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِالْفَيْءِ أَيِ الْمَغْنَمِ فَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَتَمَ مِنْ عَمَلِهِ بِقَدْرِ الْمِخْيَطِ فَقَدْ خَانَ
وَفِي الْمِشْكَاةِ فَهُوَ غَالٌّ أَيِ الْعَامِلُ الْكَاتِمُ غَالٌّ (فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ) أَيْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْهَلَاكِ (أَسْوَدٌ) صِفَةُ رَجُلٍ (اقْبَلْ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (عَنِّي عَمَلَكَ) أَيْ أَقِلْنِي مِنْهُ (قَالَ وَمَا ذَلِكَ) إِشَارَةً إِلَى مَا فِي الذِّهْنِ أَيْ مَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (قَالَ سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا) أَيْ فِي الْوَعِيدِ عَلَى الْعَمَلِ (وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ) أَيْ مَا سَبَقَ مِنَ الْقَوْلِ (فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ) أُعْطِيَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ (وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى
) أَيْ وَمَا مُنِعَ مِنْ أَخْذِهِ امْتَنَعَ عَنْهُ هُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ قَالَ الطِّيبِيُّ .

     قَوْلُهُ  مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ إِلَخْ تَكْرِيرٌ لِلْمَعْنَى وَمَزِيدٌ لِلْبَيَانِ يَعْنِي أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ وَلَا أَرْجِعُ عَنْهُ فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَعْمَلَ فَلْيَعْمَلْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَتْرُكِ انْتَهَى
قَالَ فِي النَّيْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْهَدَايَا الَّتِي تُهْدَى لِلْقُضَاةِ وَنَحْوِهِمْ هِيَ مِنَ الرِّشْوَةِ لِأَنَّ الْمُهْدِيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا لِلْإِهْدَاءِ إِلَى الْقَاضِي قَبْلَ وِلَايَتِهِ لَا يُهْدِي إِلَيْهِ إِلَّا لِغَرَضٍ وَهُوَ إِمَّا التَّقَوِّي بِهِ عَلَى بَاطِلِهِ أَوِ التوصل لهديته لَهُ إِلَى حَقِّهِ وَالْكُلُّ حَرَامٌ
وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ النَّيْلِ بَعْدَ ذَلِكَ كَلَامًا حَسَنًا
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
وَفِي الْمِشْكَاةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ لَهُ

(

رقم الحديث 3582 [3582]
(بَعَثَنِي) أَيْ أَرَادَ بَعْثِي (تُرْسِلُنِي) بِتَقْدِيرِ أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ (وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنِّي صَغِيرُ الْعُمْرِ قَلِيلُ التَّجَارِبِ (وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ) قَالَ الْمُظْهِرُ لَمْ يُرِدْ بِهِ نَفْيَ الْعِلْمِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُجَرِّبْ سَمَاعَ الْمُرَافَعَةِ بَيْنَ الْخُصَمَاءِ وَكَيْفِيَّةِ رَفْعِ كَلَامِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ وَمَكْرَهُمَا (إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ وَيُثَبِّتْ لِسَانَكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ السِّينُ فِي قَوْلِهِ سَيَهْدِي كَمَا فِي قَوْلِهِ تعالى إني ذاهب إلى ربي سيهدين فَإِنَّ السِّينَ فِيهِمَا صَحِبَ الْفِعْلَ لِتَنْفِيسِ زَمَانِ وُقُوعِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ قَاضِيًا كَانَ عَالِمًا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَولُهُ أَنَا حَدِيثُ السِّنِّ اعْتِذَارٌ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْفِكْرِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ مِنْ قِلَّةِ تَجَارِبِهِ وَلِذَلِكَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ سَيَهْدِي قَلْبَكَ أَيْ يُرْشِدُكَ إِلَى طَرِيقِ اسْتِنْبَاطِ الْمَسَائِلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَيَشْرَحُ صَدْرَكَ وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ فَلَا تَقْضِي إِلَّا بِالْحَقِّ (فَلَا تَقْضِيَنَّ) أَيْ لِلْأَوَّلِ مِنَ الْخَصْمَيْنِ فَإِنَّهُ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْقَضَاءِ (أَحْرَى) أَيْ حَرِيٌّ وَجَدِيرٌ وَحَقِيقٌ (أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ) أَيْ وَجْهُهُ (قَالَ) أَيْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَوْ مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ دُعَائِهِ وَتَعْلِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ قَبْلَ سَمَاعِ حُجَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ وَاسْتِفْصَالُ مَا لَدَيْهِ وَالْإِحَاطَةُ بِجَمِيعِهِ
قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فَإِذَا قَضَى قَبْلَ السَّمَاعِ مِنْ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا فَلَا يَلْزَمُ قَبُولُهُ بَلْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ نَقْضُهُ وَيُعِيدُهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ أَوْ يُعِيدُهُ حَاكِمٌ آخَرٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا.

     وَقَالَ  حَدِيثٌ حَسَنٌ

(

رقم الحديث 3585 [3585] ( وَأَشْيَاءُ قَدْ دَرَسَتْ) فِي الْقَامُوسِ دَرَسَ الرَّسْمُ دُرُوسًا عَفَا وَدَرَسَتْهُ الرِّيحُ لَازِمٌ مُتَعَدٍّ وَالثَّوْبَ أَخْلَقَهُ فَدَرَسَ هُوَ لَازِمٌ متعد انتهى
وفي المصباح درس المنزل درسا مِنْ بَابِ قَدْ عَفَا وَخَفِيَتْ آثَارُهُ وَدَرَسَ الْكِتَابُ عَتُقَ انْتَهَى
( بِرَأْيِي) هَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَهْلُ الْأُصُولِ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَأَنَّهُ حُجَّةٌ وَكَذَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ بَعْثِ مُعَاذٍ الْمَعْرُوفِ
قَالَهُ فِي النَّيْلِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ



رقم الحديث 3586 [3586] ( لِأَنَّ اللَّهَ كَانَ يُرِيَهُ) إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بما أراك الله ( وَإِنَّمَا هُوَ) أَيِ الرَّأْيُ ( وَالتَّكَلُّفُ) أَيِ الْمَشَقَّةُ فِي اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ الظَّنِّ
قَالَهُ فِي فَتْحِ الودود
قال بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ مُرَادُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ الله فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ غَيْرَ مَا أَرَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ.
وَأَمَّا مَا رَأَى غَيْرُهُ فَظَنٌّ وَتَكَلُّفٌ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ الزُّهْرِيُّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ