فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي مَنْ نَامَ عَنِ الصَّلَاةِ ، أَوْ نَسِيَهَا

رقم الحديث 389 [389] الْبُزَاقُ بِضَمِّ الْبَاءِ هُوَ الْبُصَاقُ وَفِي الْبُزَاقِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ بِالزَّاءِ وَالصَّادِ وَالسِّينِ وَالْأُولَيَانِ مَشْهُورَتَانِ
( الْبُنَانِيُّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَنُونَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ ( وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضِ) أَيْ رَدَّ بَعْضَ ثَوْبِهِ عَلَى بَعْضٍ
وَالْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ أَبَا نَضْرَةَ تَابِعِيٌّ

رقم الحديث 391 [391] ( سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ) هُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا غَيْرَ بَدْرٍ وَضَرَبَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْمَهُ ( جَاءَ رَجُلٌ) ذكر بن عبد البر وعياض وبن بطال وبن التين وبن بشكوال وبن الطَّاهِرِ وَالْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ المذكور بخبر أنس وبن عَبَّاسٍ.
وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِاخْتِلَافِ مَسَاقِهِمَا وَتَبَايُنِ الْأَسْئِلَةِ بِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ ( مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ) صِفَةُ رَجُلٍ وَالنَّجْدُ فِي الْأَصْلِ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ ضِدُّ التِّهَامَةِ سُمِّيَتْ بِهِ الْأَرْضُ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ تِهَامَةَ أَيْ مَكَّةَ وَبَيْنَ الْعِرَاقِ ( ثَائِرُ الرَّأْسِ) أَيْ مُنْتَشِرُ شَعْرِ الرَّأْسِ غَيْرُ مُرَجِّلِهِ وَأَوْقَعَ اسْمَ الرَّأْسِ عَلَى الشَّعْرِ إِمَّا مُبَالَغَةٌ أَوْ لِأَنَّ الشَّعْرَ مِنْهُ يَنْبُتُ ( يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ صَوْتٌ غَيْرُ عَالٍ كَصَوْتِ النَّحْلِ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْ شِدَّةُ الصَّوْتِ وَبُعْدُهُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ كَدَوِيِّ النَّحْلِ وَالذُّبَابِ
وَيُسْمَعُ بِيَاءٍ بِصِيغَةٍ لِلْمَجْهُولِ وَرُوِيَ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَعْلُومِ ( وَلَا يُفْقَهُ) بِالْيَاءِ بِصِيغَةٍ لِلْمَجْهُولِ وَرُوِيَ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَعْلُومِ ( إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْوَاوِ وَأَصْلُهُ تَتَطَوَّعُ بِتَائَيْنِ فَأُبْدِلَتْ وَأُدْغِمَتْ وَرُوِيَ بِحَذْفِ إِحْدَاهُمَا وَتَخْفِيفِ الطَّاءِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ مَفْرُوضٍ وَلَا وَاجِبٌ وُجُوبَ حَتْمٍ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا مَفْرُوضَةً لَكَانَتِ الصَّلَاةُ سِتًّا لَا خَمْسًا
وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّ فَرْضَ صَلَاةِ اللَّيْلِ مَنْسُوخٌ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ فَرِيضَةٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ نَافِلَةٌ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا نَافِلَةٌ انْتَهَى



رقم الحديث 387 [387] ( أَخْبَرَنِي أَيْضًا) هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِزِيَادَةِ لَفْظِ أَيْضًا وَكَذَا فِي الْأَطْرَافِ لِلْحَافِظِ الْمِزِّيِّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ مَشْهُورٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو الْمُغِيرَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ مَزِيدٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الواحد عن الأوزاعي قال أنبئت أن سعيد الْمَقْبُرِيَّ حَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْرِيُّ فَرَوَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا فَقَالَ أَخْبَرَنِي أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِيهِ كَمَا أَخْبَرَنِي مِنْ طَرِيقِ أَبِيهِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ
وَطَرِيقِ غَيْرِ أَبِيهِ هِيَ طريق القعقاع بن حكيم

رقم الحديث 388 [388] 141 باب اعادة أَيْ إِعَادَةُ الصَّلَاةِ مِنَ النَّجَاسَةِ تَكُونُ فِي الثوب
( أم يونس بنت شداد) ماروى عَنْهَا غَيْرُ عَبْدِ الْوَارِثِ
قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الميزان وبن حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ لَا يُعْرَفُ حَالُهَا ( حَمَاتِي) حماة المرأة وزان حَصَاةٍ أُمِّ زَوْجِهَا لَا يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُ الْقَصْرِ وَكُلُّ قَرِيبٍ لِلزَّوْجِ مِثْلُ الْأَبِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ فَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ حَمَا مِثْلُ عَصَا وَحَمٌ مِثْلُ يَدٍ وَحَمُوهَا مِثْلُ أَبُوهَا يُعْرَبُ بِالْحُرُوفِ وَحَمَأَ بِالْهَمْزَةِ مِثْلُ خَبَأَ وَكُلُّ قَرِيبٍ من قبل المرأة فهم الأختان
قال بن فَارِسٍ الْحَمَأُ أَبُو الزَّوْجِ وَأَبُو امْرَأَةَ الرَّجُلِ
وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ أَيْضًا وَحَمَأَ الرَّجُلُ أَبُو زَوْجَتِهِ أَوْ أَخُوهَا أَوْ عَمُّهَا
فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَمَأَ يَكُونُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ كَالصِّهْرِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْخَلِيلُ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ ( أُمُّ جَحْدَرٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ ( الْعَامِرِيَّةُ) مَجْهُولَةٌ لا يعرف حالها
قاله الذهبي وبن حَجَرٍ ( شِعَارُنَا) بِكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي الْجَسَدَ ( فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ الشِّعَارِ ( لُمْعَةٌ) كَغُرْفَةٍ قَدْرٍ يَسِيرٍ وَشَيْءٍ قَلِيلٍ ( فَقَبِضَ) مِنْ سَمِعَ ( عَلَى مَا يَلِيهَا) أَيِ اللُّمْعَةِ
قَالَ بن الْأَثِيرِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ قِطْعَةٌ مِنَ النَّبْتِ إِذَا أَخَذَتْ فِي الْيُبْسِ وَمِنْهُ حَدِيثُ دَمِ الْحَيْضِ فَرَأَى بِهِ لُمْعَةً مِنْ دَمٍ ( فَبَعَثَ بِهَا) أَيْ بِالثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ اللُّمْعَةُ ( مَصْرُورَةً) حَالٌ أَيْ مَجْمُوعَةً مُنْقَبِضَةً أَطْرَافُهَا وَأَصْلُ الصَّرِّ الْجَمْعُ وَالشَّدُّ وَكُلُّ شَيْءٍ جَمَعْتُهُ فَقَدْ صَرَرْتُهُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْأَسِيرِ مَصْرُورٌ لِأَنَّ يَدَيْهِ جُمِعَتَا إِلَى عُنُقِهِ
كَذَا فِي اللِّسَانِ ( هَذِهِ) أَيِ اللُّمْعَةِ ( وَأَجِفِّيهَا) بِشِدَّةِ الْفَاءِ أَمْرٌ لِلْمُؤَنَّثِ الْحَاضِرِ مِنَ الْإِجْفَافِ أَيْ أَجِفِّي اللُّمْعَةَ الْوَاقِعَةَ فِي الثَّوْبِ ( بِقَصْعَتِي) بِفَتْحِ الْقَافِ بِالْفَارِسِيَّةِ كاسه ( أَجَفَفْتُهَا) مِنَ الْإِجْفَافِ ( فَأَحَرْتُهَا) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ عَلَى وزن رَدَدْتُهَا وَزْنًا وَمَعْنًى
كَذَا قَالَ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ رَدَدْتُهَا إِلَيْهِ يُقَالُ حَارَ الشَّيْءُ يَحُورُ بِمَعْنَى رَجَعَ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلَى أَيْ لَا يُبْعَثُ وَلَا يَرْجِعُ إِلَيْنَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ ( وَهِيَ) أَيِ الْكِسَاءُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ اللُّمْعَةُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ ( عليه) صلى الله عليه وسلم
وَالْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

     وَقَالَ  الْمُنْذِرِيُّ هُوَ غَرِيبٌ
انْتَهَى وَالْحَدِيثُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَادَ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّى فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ فَكَيْفَ يَتِمُّ اسْتِدْلَالُ الْمُؤَلِّفِ مِنَ الْحَدِيثِ نَعَمِ الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَجَنُّبِ الْمُصَلِّي مِنَ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ وَعَلَى الْعَفْوِ عَمَّا لَا يَعْلَمُ بِالنَّجَاسَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِيقَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا الْحَدِيثُ
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى اجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالْعَفْوُ عَمَّا لَا يُعْلَمُ بِالنَّجَاسَةِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الصَّوَابُ وَاللَّهُ أعلم




رقم الحديث 390 [39] ( بِمِثْلِهِ) أَيْ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ الْمَذْكُورِ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَحَكَّهَا بِيَدِهِ.

     وَقَالَ  إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقَنَّ فِي قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَزَقَ فِيهِ وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ قَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَبْصُقَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وفيه أن البصاق طاهر وكذا النخامة والمخاط خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ كُلُّ مَا تَسْتَقْذِرُهُ النَّفْسُ حَرَامٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الْفَقِيرُ مُحَمَّدٌ أَشْرَفُ عُفِيَ عَنْهُ هَذَا آخِرُ كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ عَوْنِ الْمَعْبُودِ عَلَى سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَإِلَى هَذَا الْمَقَامِ إِنِّي لَخَّصْتُ مَبَاحِثَ غَايَةِ الْمَقْصُودِ شَرْحَ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي كُلِّ باب بالالتزام ومازدت عليه شيئا من قبل نفسي إلا ماشاء اللَّهُ تَعَالَى
نَعَمْ زِدْتُ فِي بَعْضِ الْمَقَامِ مِنْ حَوَاشِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ الَّتِي كَتَبَهَا الشَّارِحُ الْعَلَّامَةُ أَدَامَ اللَّهُ مَجْدَهُ بَعْدَ نَظَرِهِ الثَّانِي


رقم الحديث 392 [392] (قَالَ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذِهِ كَلِمَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ تَسْتَعْمِلُهَا كَثِيرًا فِي خِطَابِهَا تُرِيدُ بِهَا التَّوْكِيدَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ بِأَبِيهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنْهُ قَبْلَ النَّهْيِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَرَى مِنْهُ ذَلِكَ عَلَى عَادَةِ الْكَلَامِ الْجَارِي عَلَى أَلْسُنِ الْعَرَبِ وَهُوَ لَا يَقْصِدُ بِهِ الْقَسَمَ كَلَغْوِ الْيَمِينِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كسبت قلوبكم قَالَتْ عَائِشَةُ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ فِي كَلَامِهِ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِيهِ وجه اخر وهو أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضْمَرَ فِيهِ اسْمَ اللَّهِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا وَرَبِّ أَبِيهِ وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُضْمِرُونَ ذَلِكَ فِي أَيْمَانِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ مَذْهَبُهُمْ فِي ذَلِكَ مَذْهَبُ التَّعْظِيمِ لِآبَائِهِمْ وَقَدْ يَحْتَمِلُ فِي ذَلِكَ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّوْقِيرِ وَالتَّعْظِيمِ لَحِقَهُ دُونَ مَا كَانَ بِخِلَافِهِ
وَالْعَرَبُ قَدْ تُطْلِقُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي كَلَامِهَا عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْآخَرُ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ لِلْكَلَامِ دُونَ الْقَسَمِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

(

رقم الحديث 393 [393]
( عِنْدَ الْبَيْتِ) أَيْ الْكَعْبَةِ
وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ وَفِي أُخْرَى في مُشْكِلِ الْآثَارِ لِلطَّحَاوِيِّ عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ ( مَرَّتَيْنِ) أَيْ فِي يَوْمَيْنِ لِيُعَرِّفَنِي كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتِهَا ( فَصَلَّى بِي) الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ وَالْمَعِيَّةِ أَيْ صَلَّى مَعِي ( وَكَانَتْ) أَيِ الشَّمْسُ وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْفَيْءُ أَيِ الظِّلُّ الرَّاجِعُ مِنَ النُّقْصَانِ إِلَى الزِّيَادَةِ وَهُوَ بَعْدُ الزَّوَالِ مِثْلُ شِرَاكِ النَّعْلِ ( قَدْرَ الشراك) قال بن الْأَثِيرِ الشِّرَاكُ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا وقدره ها هنا لَيْسَ عَلَى مَعْنَى التَّحْدِيدِ وَلَكِنْ زَوَالُ الشَّمْسِ لَا يَبِينُ إِلَّا بِأَقَلِّ مَا يُرَى مِنَ الظِّلِّ وَكَانَ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ هَذَا الْقَدْرُ وَالظِّلُّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ مَكَّةَ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي يَقِلُّ فِيهَا الظِّلُّ فَإِذَا كَانَ أَطْوَلُ النَّهَارِ وَاسْتَوَتِ الشَّمْسُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ لَمْ يُرَ بِشَيْءٍ مِنْ جَوَانِبِهَا ظِلٌّ فَكُلُّ بَلَدٍ يَكُونُ أَقْرَبُ إِلَى خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَمُعَدَّلُ النَّهَارِ يَكُونُ الظِّلُّ فِيهِ أَقْصَرَ وَكُلُّ مَا بَعُدَ عَنْهُمَا إِلَى جِهَةِ الشِّمَالِ يَكُونُ الظِّلُّ أَطْوَلَ انْتَهَى
وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَقْتُ الظُّهْرِ حِينَ يَأْخُذُ الظِّلُّ فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ ( حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ) أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إِفْطَارِهِ بِأَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ وَدَخَلَ اللَّيْلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَفِي رِوَايَةٍ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ وَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ ( حِينَ غَابَ الشَّفَقُ) أَيِ الأحمر على الأشهر قال بن الْأَثِيرِ الشَّفَقُ مِنَ الْأَضْدَادِ يَقَعُ عَلَى الْحُمْرَةِ الَّتِي تُرَى فِي الْمَغْرِبِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَعَلَى الْبَيَاضِ الْبَاقِي فِي الْأُفُقِ الْغَرْبِيِّ بَعْدَ الْحُمْرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ انْتَهَى ( حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ) يَعْنِي أَوَّلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
( فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ) أَيِ الْيَوْمُ الثَّانِي ( حِينَ كَانَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ) أَيْ قَرِيبًا مِنْهُ أَيْ مِنْ غَيْرِ الْفَيْءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ أَيْ فَرَغَ مِنَ الظُّهْرِ حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ يَنْدَفِعُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا زَعَمَهُ جَمَاعَةٌ وَيَدُلُّ لَهُ خبر مسلم وقت الظهر مالم يحضر العصر ( إلى ثلث الليل) قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِلَى بِمَعْنَى مَعَ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْأَخِيرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ انْتَهَى
أَوْ إِلَى بِمَعْنَى فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى لَيَجْمَعَنَّكُمْ إلى يوم القيامة ( فَأَسْفَرَ) أَيْ أَضَاءَ بِهِ أَوْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ
قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الظَّاهِرُ عود الضمير إلى جبرائيل وَمَعْنَى أَسْفَرَ دَخَلَ فِي السَّفَرِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ وَهُوَ بَيَاضُ النَّهَارِ وَيَحْتَمِلُ عَوْدُهُ إِلَى الصُّبْحِ أَيْ فَأَسْفَرَ الصُّبْحُ فِي وَقْتِ صَلَاتِهِ أَوْ إِلَى الْمَوْضِعِ أَيْ أَسْفَرَ لِلْمَوْضِعِ فِي وَقْتِ صَلَاتِهِ وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حَتَّى أَسْفَرَتِ الْأَرْضُ ( وَالْوَقْتُ) أَيِ السَّمْحُ الَّذِي لَا حَرَجَ فِيهِ ( مَا بَيْنَ) وَفِي رِوَايَةٍ فِيمَا بَيْنَ ( هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) فَيَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِهِ وَوَسَطِهِ وَآخِرِهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي بَيَانِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَوْلِ بِظَاهِرِهِ فَقَالَتْ بِهِ طَائِفَةٌ وَعَدَلَ آخَرُونَ عَنِ الْقَوْلِ بِبَعْضِ مَا فِيهِ إِلَى حَدِيثٍ اخر
فممن قال بظاهر حديث بن عَبَّاسٍ بِتَوْقِيتِ أَوَّلِ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَآخِرِهَا مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ آخِرُ وَقْتِ الظهر إذا صار الظل قامتين وقال بن المبارك وإسحاق بن راهويه اخروقت الظُّهْرِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَاحْتَجَّ بِمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ مِنَ الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَقَدْ نُسِبَ هَذَا الْقَوْلُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَإِلَى مَالِكِ بن أَنَسٍ أَيْضًا
وَقَالَ لَوْ أَنَّ مُصَلِّيَيْنِ صَلَّيَا أَحَدُهُمَا الظُّهْرَ وَالْآخَرُ الْعَصْرَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ صَحَّتْ صَلَاةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا أَرَادَ فَرَاغَهُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي ابْتَدَأَ فِيهِ صَلَاةَ الْعَصْرِ مِنَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ أَنَّ هذا الحديث إنما سيق لِبَيَانِ الْأَوْقَاتِ وَتَحْدِيدُ أَوَائِلِهَا وَآخِرِهَا دُونَ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَصِفَاتِهَا وَسَائِرِ أَحْكَامِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ فِي آخِرِهِ وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَدَّرَهُ هَؤُلَاءِ لَجَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالُ فِي أَمْرِ الْأَوْقَاتِ
وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ فقال بظاهر حديث بن عَبَّاسٍ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ قَامَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ آخِرُ وَقْتِهَا إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ وَلَا ضَرُورَةٌ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَأَمَّا أَصْحَابُ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَاتِ فَآخِرُ وَقْتِهَا لَهُمْ غُرُوبُ الشَّمْسِ
وَقَالَ سُفْيَانُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَوَّلُ وقت الْعَصْرِ إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلُهُ وَيَكُونُ بَاقِيًا مَا لَمْ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ
وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا غروب الشمس واختلفوا فِي آخِرِ وَقْتِهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وقت للمغرب لا وقت واحد
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ آخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إِلَى أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ.
وَأَمَّا الشَّفَقُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ الحمرة وهو المروي عن بن عمر وبن عباس وهو قول مكحول وطاؤس وبه قال مالك والثوري وبن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ الشَّفَقُ الْبَيَاضُ
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ قَالَ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسَ الشَّفَقُ الْبَيَاضُ
قَالَ بَعْضُهُمُ الشَّفَقُ اسْمٌ لِلْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضُ مَعًا إِلَّا أَنَّهُ إنما يطلق في أحمر ليس بقاني وَأَبْيَضَ لَيْسَ بِنَاصِعٍ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الْمُرَادُ مِنْهُ بِالْأَدِلَّةِ لَا بِنَفْسِ الِاسْمِ كَالْقُرْءِ الَّذِي يَقَعُ اسْمُهُ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مَعًا وَكَسَائِرِ نَظَائِرِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُشْتَرَكَةِ
وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا ثُلُثُ اللَّيْلِ وَكَذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ قَالَ الشافعي
وقال الثوري وأصحاب الرأي وبن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ آخِرُ وَقْتِهَا نِصْفُ اللَّيْلِ وَقَدْ روى عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَفُوتُ وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ
وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْفَجْرِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى ظاهر حديث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ الْإِسْفَارُ وَذَلِكَ لِأَصْحَابِ الرَّفَاهِيَةِ وَلِمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ.

     وَقَالَ  مَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ تَفُتْهُ الصُّبْحُ وَهَذَا فِي أَصْحَابِ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَاتِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ وَطَلَعَتْ لَهُ الشَّمْسُ أَضَافَ إِلَيْهَا أُخْرَى وَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ فَجَعَلُوهُ مُدْرِكًا لِلصَّلَاةِ
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ مَنْ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً مِنَ الْفَجْرِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ
انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيُّ مُلَخَّصًا مُحَرَّرًا وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ



رقم الحديث 394 [394] ( فأخر العصر شيئا) أي تأخير السير أولعله أَخَّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ الْمُخْتَارِ لِيَكُونَ مَحَلُّ الْإِنْكَارِ بِرِفْقٍ عَلَى طَرِيقِ الْإِخْبَارِ ( أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ اسْتِفْتَاحٍ بِمَنْزِلَةِ أَلَا ( اعْلَمْ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْعِلْمِ وَقِيلَ مِنَ الْإِعْلَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمُ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصحيح ( مَا تَقُولُ) قِيلَ هَذَا الْقَوْلُ تَنْبِيهٌ مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِعُرْوَةَ عَلَى إِنْكَارِهِ إِيَّاهُ ثُمَّ تَصَدَّرَهُ بَأَمَا الَّتِي هِيَ مِنْ طَلَائِعَ الْقَسَمِ أَيْ تَأَمَّلْ مَا تَقُولُ وَعَلَامَ تحلف وتنكر
كذا قاله الطيبي وكأنه استبعاد لقول عروة صلى أمام رسول الله مع أن الأحق بالإمامة هو النبي والأظهر أنه استبعاد لإخبار عروة بنزول جبريل بِدُونِ الْإِسْنَادِ فَكَأَنَّهُ غَلُظَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مَعَ عَظِيمِ جَلَالَتِهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَزِيدِ الِاحْتِيَاطِ فِي الرِّوَايَةِ لِئَلَّا يَقَعَ فِي مَحْذُورِ الْكَذِبِ عَلَى رسول الله وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ ( فَقَالَ عُرْوَةُ سَمِعْتُ بَشِيرَ) هو بفتح الموحدة بقدها مُعْجَمَةٌ وَزْنُ فَعِيلٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ ذُكِرَ فِي الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ورآه كذا في الفتح ( بن أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ) قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَى إِيرَادِ عُرْوَةَ الْحَدِيثَ أَنِّي كَيْفَ لَا أَدْرِي مَا أَقُولُ وَأَنَا صَحِبْتُهُ وَسَمِعْتُ مِمَّنْ صَحِبَ وَسَمِعَ مِمَّنْ صَاحَبَ رَسُولَ الله وَسَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَعَرَفْتُ كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتَهَا وَأَرْكَانَهَا يُقَالُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِ فَأَبْهَمَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَيَّنَهُ في رواية جابر وبن عباس
انتهى
وقال الحافظ بن حَجَرٍ الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ عُمَرَ لَمْ ينكر بيان الأوقات وإنما استعظم إمامة جبريل لِلنَّبِيِّ
انْتَهَى
وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ تَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَكَيْفَ تَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
( يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ) بضم السين مع الباء التحتانية وقبل بِالنُّونِ
قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ بِالنُّونِ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يَقُولُ أَيْ يَقُولُ هُوَ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَنَحْنُ نَحْسِبُ بِعَقْدِ أَصَابِعِهِ وَهَذَا مِمَّا يشهد باتقانه وضبطه أحوال رسول الله
قَالَ مَيْرَكُ لَكِنْ صَحَّ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا مِنِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْمِشْكَاةِ يَحْسُبُ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالظَّاهِرُ أن فاعله النبي أَيْ يَقُولُ ذَلِكَ حَالَ كَوْنِهِ يَحْسُبُ تِلْكَ الْمَرَّاتِ بِعَقْدِ أَصَابِعِهِ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمِشْكَاةِ وَهَذَا أَظْهَرُ لَوْ سَاعَدَتْهُ الرِّوَايَةُ ( خَمْسُ صَلَوَاتٍ) قَالَ وَلِيُّ الدِّينِ هُوَ مَفْعُولُ صَلَّيْتُ أَوْ يَحْسُبُ ( وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ) أَيْ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ ( فَيَأْتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ) هِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ مِنْهَا مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ مِنْ مِيَاهِ بَنِي جُشَمٍ ( حِينَ تَسْقُطُ الشَّمْسُ) أَيْ تَغْرُبُ الشَّمْسُ ( وَصَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ) وَالْغَلَسُ بِفَتْحَتَيْنِ بَقَايَا الظلام
قال بن الْأَثِيرِ الْغَلَسُ ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ إِذَا اخْتَلَطَتْ بِضَوْءِ الصَّبَاحِ
انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّغْلِيسِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِسْفَارِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لما لازمه النبي حَتَّى مَاتَ وَبِذَلِكَ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ التَّغْلِيسِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُدُ وَأَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عمر وعثمان وبن الزُّبَيْرِ وَأَنَسٍ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَنَّ التَّغْلِيسَ أَفْضَلُ وَأَنَّ الْإِسْفَارَ غَيْرَ مَنْدُوبٍ وَحَكَى هَذَا الْقَوْلَ الْحَازِمِيُّ عَنْ بَقِيَّةِ الْخُلَفَاءِ الأربعة وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَاحْتَجُّوا بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهَا وَلِتَصْرِيحِ أَبِي مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهَا كَانَتْ صلاة النبي التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْفَارِ
وَقَدْ حَقَّقَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ نَذِيرٌ حُسَيْنٌ الْمُحَدِّثُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِهِ مِعْيَارُ الْحَقِّ وَرَجَّحَ التَّغْلِيسَ عَلَى الْإِسْفَارِ وَهُوَ كَمَا قال
وذهب الكوفيون أبو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ علي وبن مَسْعُودٍ إِلَى أَنَّ الْإِسْفَارَ أَفْضَلُ
( فَأَسْفَرَ بِهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ سَفَرَ الصُّبْحُ يُسْفِرُ أَضَاءَ وَأَشْرَقَ ( وَلَمْ يَعُدْ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مِنْ عَادَ يَعُودُ ( إِلَى أَنْ يُسْفِرَ) مِنَ الْإِسْفَارِ
وَلَفْظُ الطَّحَاوِيِّ فَأَسْفَرَ ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْفَارِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهَكَذَا لَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ
وَفِي لَفْظٍ لَهُ حَتَّى مَاتَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا رُؤْيَتَهُ لِصَلَاةِ رَسُولِ الله وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي قِصَّةِ الْإِسْفَارِ رُوَاتُهَا عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ
انْتَهَى
( روى هذا الحديث) أي حديث أمامة جبرائيل مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ ( عَنِ الزُّهْرِيِّ مَعْمَرٌ) فَاعِلٌ رَوَى وَكَذَا مَا بَعْدَهُ إِلَى اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ( وَغَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ مَعْمَرٍ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَشُعَيْبَ وَاللَّيْثِ كَالْأَوْزَاعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ( لَمْ يَذْكُرُوا) هَؤُلَاءِ مِنْ رُوَاةِ الزُّهْرِيِّ ( الْوَقْتَ الَّذِي صَلَّى فِيهِ) رَسُولُ الله ( وَلَمْ يُفَسِّرُوهُ) أَيْ لَمْ يُبَيِّنُوا هَؤُلَاءِ الْوَقْتَ كَمَا بَيَّنَ وَفَسَّرَ الْأَوْقَاتِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ( وَكَذَلِكَ أَيْضًا) أَيْ كَمَا رَوَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْأَوْقَاتِ ( نَحْوَ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَأَصْحَابِهِ) كَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ ( إِلَّا أَنَّ حَبِيبًا لَمْ يَذْكُرْ) فِي رِوَايَتِهِ ( بَشِيرًا) أَيْ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ بَلْ فِيهِ أَنَّ عُرْوَةَ رَوَى عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ ابْنِهِ بَشِيرِ بْنِ أَبِي مَسْعُودٍ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ وُجِدَ مَا يُعَضِّدُ رِوَايَةَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ويزيد عليها أن البيان من فعل جبرائيل وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَاغَنْدِيُّ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ مُنْقَطِعًا لَكِنْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُرْوَةَ فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى عُرْوَةَ وَوَضَحَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَأَنَّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَنْ تابعه اختصارا وبذلك جزم بن عَبْدِ الْبَرِّ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فَلَا تُوصَفُ والحالة هَذِهِ بِالشُّذُوذِ
انْتَهَى كَلَامُهُ
قُلْتُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ اخْتِصَارٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنِ الْأَوْقَاتِ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ لَمْ يذكر صلاة جبرائيل بالنبي الْخَمْسَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ رواية الدارقطني والطبراني وبن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي مسعود الأنصاري أن جبرائيل صَلَّى بِهِ الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ
وَقَدْ ورد من رواية الزهري نفسه فأخرج بن أبي ذئب في موطإه عن بن شِهَابٍ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي مَسْعُودٍ وَفِيهِ أَنَّ جبرائيل نزل على محمد فَصَلَّى وَصَلَّى وَصَلَّى وَصَلَّى وَصَلَّى ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّى وَصَلَّى وَصَلَّى وَصَلَّى ثُمَّ قَالَ هَكَذَا أُمِرْتُ وَثَبَتَ أَيْضًا صَلَاتُهُ مَرَّتَيْنِ مَعَ تَفْسِيرِ الأوقات الخمس عن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَنَسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ في مصنفه وبن رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أحمد وأبي هريرة عند البزار وبن عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ تُعَضِّدُ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ وَتَدْفَعُ عِلَّةَ الشُّذُوذِ
وَأَمَّا مَالِكٌ وَمَنْ تَابَعَهُ فَإِنْ أَجْمَلُوا وَأَبْهَمُوا فِي رِوَايَتِهِمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَلَمْ يُبَيِّنُوا الْأَوْقَاتِ وَلَمْ يُفَسِّرُوهَا لَكِنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ رَوَى مُفَسِّرًا وَمُبَيِّنًا لِلْأَوْقَاتِ وَكَذَا رَوَى مُفَسِّرًا أَبُو بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عُرْوَةَ وَكَذَا رَوَى سَبْعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ سَمَّيْنَا أسماءهم آنفا حديث إمامة جبرائيل مُفَسِّرًا وَمُبَيِّنًا لِلْأَوْقَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
( وَرَوَى وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ إِلَى قَوْلِهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبَ إِلَخْ) مَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ مِنَ إِيرَادِ هَذِهِ التَّعَالِيقِ الثَّلَاثَةِ أَيْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بَيَانٌ أَنَّهُ لم يرد صلاة المغرب في إمامة جبرائيل إِلَّا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَكَمَا في حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّ في رواية هؤلاء كلهم أن جبرائيل صَلَّى لِلْمَغْرِبِ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ
قُلْتُ لَكِنْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا
وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ قِصَّةُ الْمَسْأَلَةِ عَنِ الْمَوَاقِيتِ بالمدينة وقصة إمامة جبرائيل عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَكَّةَ وَالْوَقْتُ الْآخَرُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ زِيَادَةٌ مِنْهُ وَرُخْصَةٌ