فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخَزِّ

رقم الحديث 3575 [3575] ( حَتَّى يَنَالَهُ) أَيْ إِلَى أَنْ يُدْرِكَ الْقَضَاءَ ( ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ) أَيْ كَانَ عَدْلُهُ فِي حُكْمِهِ أَكْثَرَ مِنْ ظُلْمِهِ كَمَا يُقَالُ غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرَمُ أَيْ هُوَ أَكْثَرُ خِصَالِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْأَجْرِ الَّذِي هُوَ الْجَنَّةُ أَنْ لَا يَحْصُلُ مِنَ الْقَاضِي جَوْرٌ أَصْلًا بَلِ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ جَوْرُهُ مَغْلُوبًا بِعَدْلِهِ فَلَا يَضُرُّ صُدُورُ الْجَوْرِ الْمَغْلُوبِ بِالْعَدْلِ إِنَّمَا الَّذِي يَضُرُّ وَيُوجِبُ النَّارَ أَنْ يَكُونَ الْجَوْرُ غَالِبًا للعدل
قاله القاضي الشوكاني
ونقل القارىء عن التوربتشي أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْغَلَبَةِ فِي كِلَا الصِّيغَتَيْنِ أن تمنعه إحداهما عن الأخرى فلا يجوز فِي حُكْمِهِ يَعْنِي فِي الْأَوَّلِ وَلَا يَعْدِلُ يعني في الثاني
قال القارىء وَلَهُ مَعْنًى ثَانٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ عَدْلِهِ وَجَوْرِهِ صَوَابُهُ وَخَطَؤُهُ فِي الْحُكْمِ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ فِي مَا لَا يَكُونُ فِيهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ كَمَا قَالُوهُ فِي حَقِّ الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَحِفْ عَمْدًا انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ



رقم الحديث 3576 [3576] ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الكافرون إلى قوله الفاسقون) هَذِهِ الْآيَاتُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ ( نَزَلَتْ فِي يَهُودَ خَاصَّةً) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ يَعْنِي لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسْلِمَ بِالْجَوْرِ يَصِيرُ كَافِرًا انْتَهَى
قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الكافرون وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الظالمون وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الفاسقون فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّ الْآيَاتِ الثَّلَاثَ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ وَمَنْ غَيَّرَ حُكْمَ اللَّهِ مِنْ الْيَهُودِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ وَإِنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً لا يقال إنه كافر وهذا قول بن عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكَ
وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ مَا رُوِيَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الظالمون وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الفاسقون في الكفار كلها أخرجه مسلم
وعن بن عَبَّاسٍ قَالَ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الكافرون إِلَى قَوْلِهِ الْفَاسِقُونَ هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي الْيَهُودِ خَاصَّةً قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ مَنْ تَرَكَ الْحُكْمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ رَدًّا لِكِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ ظَالِمٌ فَاسِقٌ
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ جَاحِدًا بِهِ فَقَدْ كَفَرَ وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ وَهَذَا قَوْلُ بن عَبَّاسٍ أَيْضًا وَاخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَتَتْ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ بَاطِلٌ فَهُوَ كَافِرٌ
وقال طاووس.

قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَكَافِرٌ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَقَالَ بِهِ كُفْرٌ وَلَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْتَقِلُ عَنِ الْمِلَّةِ كَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
وَنَحْوِ هَذَا رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ هُوَ كُفْرٌ دُونَ الكفر
وقال بن مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ عَامَّةٌ فِي الْيَهُودِ وَفِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَكُلُّ مَنِ ارْتَشَى وَبَدَّلَ الْحُكْمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ وَظَلَمَ وَفَسَقَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ السُّدِّيُّ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْخِطَابِ
وَقِيلَ هَذَا فِيمَنْ عَلِمَ نَصَّ حُكْمِ اللَّهِ ثُمَّ رَدَّهُ عِيَانًا عَمْدًا وَحَكَمَ بِغَيْرِهِ.
وَأَمَّا مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ النَّصُّ أَوْ أَخْطَأَ فِي التَّأْوِيلِ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَدْ أَوْرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ آثَارًا كَثِيرَةً الْعَلَّامَةُ السُّيُوطِيُّ فِي تَفْسِيرِ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَفِيهِ مَقَالٌ