فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي الْقَضَاءِ

رقم الحديث 3172 [3172] ( فَقُومُوا لَهَا) أَيْ لِلْجِنَازَةِ لِهَوْلِ الْمَوْتِ وَفَزَعٍ مِنْهُ لَا لِتَعْظِيمِ الْمَيِّتِ كَمَا هُوَ المفهوم منQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وحديث أبي معاوية رواه بن حِبَّان فِي صَحِيحه وَلَفْظه كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ مَعَ الْجِنَازَة لَمْ يَجْلِس حَتَّى تُوضَع فِي اللَّحْد أَوْ تُدْفَن شَكَّ أَبُو مُعَاوِيَة حديث جابر الآتي أو الملائكة كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ إِنَّمَا قُمْنَا لِلْمَلَائِكَةِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ ( حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ) بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ تَتَجَاوَزَكُمْ وَتَجْعَلَكُمْ خَلْفَهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّخْصِيصَ بِكَوْنِ الْجِنَازَةِ تَتَقَدَّمُ بَلِ الْمُرَادُ مُفَارَقَتُهَا سَوَاءٌ تَخَلَّفَ الْقَائِمُ لَهَا وَرَاءَهَا أَوْ خَلَّفَهَا الْقَائِمُ وَرَاءَهُ وَتَقَدَّمَ
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ
وَقَالَ الْحَافِظُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي الْقِيَامَ لِلْجِنَازَةِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَقَالَ هَذَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا أَوْ يَكُونَ قَامَ لِعِلَّةٍ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَرَكَهُ بَعْدَ فِعْلِهِ وَالْحُجَّةُ فِي الْآخَرِ مِنْ أَمْرِهِ وَالْقُعُودُ أَحَبُّ إِلَيَّ انْتَهَى
وَأَشَارَ بِالتَّرْكِ إِلَى حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لِلْجِنَازَةِ ثُمَّ قَعَدَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ يَحْتَمِلُ قَوْلُ عَلِيٍّ ثُمَّ قَعَدَ أَيْ بَعْدَ أَنْ جَاوَزَتْهُ وَبَعُدَتْ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ كَانَ يَقُومُ فِي وَقْتٍ ثُمَّ تَرَكَ الْقِيَامَ أَصْلًا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِعْلُهُ الْأَخِيرُ قَرِينَةً فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ النَّدْبُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا لِلْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَجَازِ يَعْنِي فِي الْأَمْرِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ انْتَهَى
وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ يَدْفَعُهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْمٍ قَامُوا أَنْ يَجْلِسُوا ثُمَّ حَدَّثَهُمُ الْحَدِيثَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بِكَرَاهَةِ الْقِيَامِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سليم الرازي وغيره من الشافعية
وقال بن حَزْمٍ قُعُودُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَمْرِهِ بِالْقِيَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنَهْيٍ أَوْ بِتَرْكٍ مَعَهُ نَهْيٌ انْتَهَى
وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى النَّهْيِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ لِلْجِنَازَةِ فَمَرَّ بِهِ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ هَكَذَا نَفْعَلُ فَقَالَ اجْلِسُوا وَخَالِفُوهُمْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفًا لَكَانَ حُجَّةً فِي النَّسْخِ
وَقَالَ عِيَاضٌ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ.
وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَهُوَ هُنَا مُمْكِنٌ قَالَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَبِهِ قَالَ المتولي انتهى
وقال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ جَاءَتْ آثَارٌ صِحَاحٌ ثَابِتَةٌ تُوجِبُ الْقِيَامَ لِلْجِنَازَةِ.

     وَقَالَ  بِهَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَرَأَوْهَا غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ وَقَالُوا لَا يَجْلِسُ مَنِ اتَّبَعَ الْجِنَازَةَQوَيَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْوَضْعِ الْوَضْع بِالْأَرْضِ عَنْ الْأَعْنَاق حَدِيث الْبَرَاء بْن عَازِب خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَة رَجُل مِنْ الْأَنْصَار فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْر وَلَمَّا يُلْحَد بَعْد فَجَلَسَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ وَهُوَ حَدِيث صَحِيح وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى حَتَّى تُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ مِنْهُمُ الْحَسَنُ بن علي وأبو هريرة وبن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو مُوسَى وَذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا لَيْسَ عَلَى مَنْ مَرَّتْ بِهِ الْجِنَازَةُ أَنْ يَقُومُوا لَهَا وَلِمَنْ تَبِعَهَا أَنْ يَجْلِسَ وَإِنْ لَمْ يُوضَعْ
وَأَرَادَ بِالْآخَرِينَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ وَنَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا يُوسُفَ وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ مَنْسُوخٌ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كَانَ يَأْمُرنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجَنَائِزِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِالْجُلُوسِ كذا في عمدة القارىء شَرْحِ الْبُخَارِيِّ مُلَخَّصًا
( أَوْ تُوضَعَ) الْجِنَازَةُ عَلَى الْأَعْنَاقِ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ