فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي الثَّيِّبِ

رقم الحديث 1832 [1832] ( عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ ( إِلَّا بِجُلْبَانِ السِّلَاحِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ شِبْهُ الْجِرَابِ مِنَ الْأَدَمِ يُوضَعُ فِيهِ السَّيْفُ مغمورا ويطرح فيه الراكب سوطه وأدائه وَيُعَلِّقُهُ فِي آخِرَةِ الْكُورِ أَوْ وَسَطِهِ وَرَوَاهُ الْقُتَيْبِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَاللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ.

     وَقَالَ  هُوَ أَوْعِيَةُ السِّلَاحِ بِمَا فِيهَا
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَلَا يَدْخُلُهَا إِلَّا بِجُلْبَانِ السِّلَاحِ السَّيْفِ وَالْقَوْسِ وَنَحْوِهِ يُرِيدُ مَا يَحْتَاجُ فِي إِظْهَارِهِ وَالْقِتَالِ بِهِ إِلَى مُعَانَاةٍ لَا كَالرِّمَاحِ لِأَنَّهَا مُظْهَرَةٌ يُمْكِنُ تَعْجِيلِ الْأَذَى بِهَا وَإِنَّمَا اشْتَرَطُوا ذَلِكَ لِيَكُونَ عَلَمًا وَأَمَارَةً لِلسِّلْمِ إِذَا كَانَ دخولهم صلحا
كذا في النهاية
وقال بن بَطَّالٍ أَجَازَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ حَمْلَ السِّلَاحِ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ ( قَالَ الْقِرَابُ بِمَا فِيهِ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْقِرَابُ جِرَابٌ.

قُلْتُ لَيْسَ بِجِرَابٍ وَلَكِنَّهُ يُشْبِهُ الْجِرَابَ يَطْرَحُ فِيهِ الرَّاكِبُ سَيْفَهُ بِغِمْدِهِ وَسَوْطَهُ وَيُطْرَحُ فِيهِ زَادٌ مِنْ تَمْرٍ وَغَيْرِهِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا جَاءَ تَفْسِيرُ الْجُلْبَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ أَسْمَعْ فِيهِ مِنْ ثِقَةٍ شَيْئًا وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا سُمِّيَ جُلْبَانًا لِجَفَائِهِ وَارْتِفَاعِ شَخْصِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ رَجُلٌ جُلْبَانٌ وَامْرَأَةٌ جُلْبَانَةٌ إِذَا كَانَتْ جَسِيمَةٌ جَافِيَةُ الْخُلُقِ.

قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي مُصَالَحَتِهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلُوهَا بِالسُّيُوفِ فِي الْقُرُبِ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْمَنُوا أَهْلَ مَكَّةَ أَنْ يَخْفِرُوا الذِّمَّةَ فَاشْتَرَطَ حَمَلَ السِّلَاحِ فِي الْقُرُبِ مَعَهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ شَهْرَ السِّلَاحِ لِيَكُونَ سِمَةً وَأَمَارَةً لَهُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَتَمَّ مِنْهُQنافع عن بن عُمَر لَا تَنْتَقِب الْمَرْأَة وَتَابَعَهُ لَيْث بْن أَبِي سُلَيْمٍ
فَالْبُخَارِيّ رَحِمه اللَّه ذَكَرَ تَعْلِيله
وَلَمْ يَرَهَا عِلَّة مُؤَثِّرَة فَأَخْرَجَهُ فِي صَحِيحه عَنْ عَبْد اللَّه بْنِ يَزِيد حَدَّثَنَا اللَّيْث حدثنا نافع عن بن عمر فذكره


رقم الحديث 1833 [1833] ( كَانَ الرُّكْبَانُ) بِضَمِّ الرَّاءِ جَمْعُ الرَّاكِبِ ( يَمُرُّونَ) أَيْ مَارِّينَ ( بِنَا) أَيْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ( مُحْرِمَاتٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ أَيْ مَكْشُوفَاتُ الْوُجُوهِ ( فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا) وَهُوَ بِفَتْحِ الذَّالِ مِنَ الْمُحَاذَاةِ بِمَعْنَى الْمُقَابَلَةِ أَيْ قَابَلُوا ( سَدَلَتْ) أَيْ أَرْسَلَتْ ( جِلْبَابَهَا) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ بُرْقُعَهَا أَوْ طَرَفَ ثَوْبِهَا ( مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا) بِحَيْثُ لَمْ يَمَسَّ الْجِلْبَابُ بَشَرَةً
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ مُحَدِّثُ الْعَصْرِ مَوْلَانَا مُحَمَّدٌ إِسْحَاقُ الدَّهْلَوِيُّ أَيْ سَدَلَتْ مُنْفَصِلًا عَنِ الْوَجْهِ لِئَلَّا يَتَعَارَضَ حَدِيثُ لَا تَنْتَقِبِ الْمُحْرِمَةُ ( فَإِذَا جَاوَزُونَا) أَيْ تَعَدَّوْا عَنَّا وتقدموا علينا ( كشفناه) أزلنا الجلباب ورفعناه النِّقَابَ وَتَرَكْنَا الْحِجَابَ
وَلَوْ جُعِلَ الضَّمِيرُ إِلَى الْوَجْهِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ فَلَهُ وَجْهٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَفِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا احْتَاجَتْ إِلَى سَتْرِ وَجْهِهَا لِمُرُورِ الرِّجَالِ قَرِيبًا مِنْهَا تَسْدُلُ الثوب من فوق رأسها على وجهها لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إِلَى سَتْرِ وَجْهِهَا فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهَا سَتْرُهُ مُطْلَقًا كَالْعَوْرَةِ لَكِنْ إِذَا سَدَلَتْ يَكُونُ الثَّوْبُ مُتَجَافِيًا عَنْ وَجْهِهَا بِحَيْثُ لَا يُصِيبُ الْبَشَرَةَ
هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمْ
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ خِلَافُهُ لِأَنَّ الْمَسْدُولَ لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْ إِصَابَةِ الْبَشَرَةِ فَلَوْ كَانَ التجافي شرطا لبينه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه بن مَاجَهْ
وَذَكَرَ سَعْدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ
وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مُجَاهِدٌ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلٌ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِمَا مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَحَادِيثَ مِنْهَا مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي سَمَاعِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرَ مُحْتَجٍّ بِهِ انْتَهَى


رقم الحديث 1834 [1834] ( وَأَحَدَهُمَا) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ أَحَدَهُمَا ( آخِذٌ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ ( بِخِطَامِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ بِمَعْنَى الزِّمَامِ وَالْمِهَارِ كَكِتَابٍ ( رَافِعٌ) بِالتَّنْوِينِ ( ثَوْبَهُ) ثَوْبًا فِي يَدِهِ ( يَسْتُرُهُ) أَيْ يُظَلِّلُهُ بِثَوْبٍ مُرْتَفِعٍ عَلَى رَأْسِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَصِلِ الثَّوْبُ إِلَى رَأْسِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَفْظُ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُظَلِّلُهُ مِنَ الشَّمْسِ ( مِنَ الْحَرِّ) وَفِيهِ جَوَازُ تَظْلِيلِ الْمُحْرِمِ عَلَى رَأْسِهِ بِثَوْبٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مَحْمَلٍ وَغَيْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمَا
وَأَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ بِأَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ لَا يَكَادُ يَدُومُ فَهُوَ كَمَا أَجَازَ مَالِكٌ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَسْتَظِلَّ بِيَدِهِ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَعَدَ تَحْتَ خَيْمَةٍ أَوْ سَقْفٍ جَازَ
وَقَدِ احْتُجَّ لِمَالِكٍ وَأَحْمَدَ عَلَى مَنْعِ التَّظَلُّلِ بما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ أَبْصَرَ رَجُلًا عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَدِ اسْتَظَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَقَالَ اضْحَ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ مُحْرِمٍ يَضْحَى لِلشَّمْسِ حَتَّى تَغْرُبَ إِلَّا غَرَبَتْ بِذُنُوبِهِ حَتَّى يَعُودَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ وقوله اضح بالضاد المعجمة وكذا يضحي الشمس وَالْمُرَادُ ابْرُزْ لِلضُّحَى
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّكَ لا تظمأ فيها ولا تضحى ويجاب عن قول بن عُمَرَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَبِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ مَعَ كَوْنِهِ ضَعِيفًا لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَهُوَ المنع من التظلل ووجوب الكشف لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ عَلَى أنه يبعد منه صلى الله عليه وَسَلَّمَ أَنْ يَفْعَلَ الْمَفْضُولَ وَيَدَعَ الْأَفْضَلَ فِي مَقَامِ التَّبْلِيغِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ