فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُحِلُّ الرَّجُلَ قَدْ اغْتَابَهُ

رقم الحديث 4305 [4305] في حديث يقاتلكم) قال القارىء ظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ لَكِنَّهُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالتَّنْوِينِ وَفَكِّ الْإِضَافَةِ فَالْوَجْهُ أَنَّ قَوْلَهُ يُقَاتِلُكُمْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ يُقَاتِلُكُمْ إِلَخْ وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ حَدِيثٍ وَالْمَعْنَى فِي حَدِيثٍ هُوَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ يُقَاتِلُكُمْ (يَعْنِي التُّرْكَ) تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي وَهُوَ الصَّحَابِيُّ أَوِ التَّابِعِيُّ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَسُوقُونَهُمْ) مِنَ السَّوْقِ أَيْ يَصِيرُونَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُنْهَزِمِينَ بِحَيْثُ أَنَّكُمْ تَسُوقُونَهُمْ (ثَلَاثَ مِرَارٍ) أَيْ مِنَ السَّوْقِ (حَتَّى تُلْحِقُوهُمْ) مِنَ الْإِلْحَاقِ أَيْ تُوَصِّلُوهُمْ آخِرًا (بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ) قِيلَ هِيَ اسْمٌ لِبِلَادِ الْعَرَبِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِإِحَاطَةِ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ بَحْرِ الْحَبَشَةِ وَبَحْرِ فَارِسٍ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ هِيَ الْحِجَازُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْهُ مُلْكُ فَارِسٍ وَالرُّومِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ الله وتبعه بن الْمَلَكِ (فَيَنْجُو) أَيْ يَخْلُصُ (مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنَ التُّرْكِ (وَيَهْلِكُ بَعْضٌ) إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَخْذِهِ وَإِهْلَاكِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (فَيُصْطَلَمُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُحْصَدُونَ بِالسَّيْفِ وَيُسْتَأْصَلُونَ مِنَ الصَّلْمِ وَهُوَ الْقَطْعُ الْمُسْتَأْصِلُ
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمُ الَّذِينَ يَسُوقُونَ التُّرْكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ حَتَّى يُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ العرب ففي السياق الْأُولَى يَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنَ التُّرْكِ وَفِي الثَّانِيَةِ يَنْجُو بَعْضٌ مِنْهُمْ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ وَفِي الثَّالِثَةِ يُسْتَأْصَلُونَ
وَأَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَسِيَاقُهُ مُخَالِفٌ لِسِيَاقِ أَبِي دَاوُدَ مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً فَإِنَّ سِيَاقَ أَحْمَدَ يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّ التُّرْكَ هُمُ الَّذِينَ يَسُوقُونَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ مِرَارٍ حَتَّى يُلْحِقُوهُمْ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَفِي السِّيَاقَةِ الْأُولَى يَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ يَنْجُو بَعْضٌ مِنْهُمْ وَيَهْلِكُ بَعْضٌ وَفِي الثَّالِثَةِ يُسْتَأْصَلُونَ كُلُّهُمْ
قَالَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا بَشِيرُ بْنُ مُهَاجِرٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ أُمَّتِي يَسُوقُهَا قَوْمٌ عِرَاضُ الْأَوْجُهِ صِغَارُ الْأَعْيُنِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْحَجَفُ ثلاث مرار حتى يلحقونهم بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ أَمَّا السَّابِقَةُ الْأُولَى فَيَنْجُو مَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَيَهْلِكُ بَعْضٌ وَيَنْجُو بَعْضٌ.
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيُصْطَلُونَ كُلُّهُمْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ
قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ هُمْ قال هم الترك
قال وأما الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَرْبِطُنَّ خُيُولَهُمْ إِلَى سَوَارِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَكَانَ بُرَيْدَةُ لَا يُفَارِقُهُ بَعِيرَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَمَتَاعُ السَّفَرِ وَالْأَسْقِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ للحرب مِمَّا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَلَاءِ مِنْ أُمَرَاءِ التُّرْكِ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
فَانْظُرْ إِلَى سِيَاقِ أَحْمَدَ كَيْفَ خَالَفَ سِيَاقَ أَبِي دَاوُدَ مُخَالَفَةً بَيِّنَةً لَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا
وَبَوَّبَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ بِلَفْظِ بَابٌ فِي سِيَاقَةِ التُّرْكِ لِلْمُسْلِمِينَ وَسِيَاقَةِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ رِوَايَةَ أَحْمَدَ وَرِوَايَةَ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَإِنِّي لَسْتُ أَدْرِي مَا مُرَادُهُ مِنْ تَبْوِيبِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ إِنْ أَرَادَ بِهِ الْجَمْعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ أَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ بِأَنَّهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى زَمَانَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَفِي زَمَانٍ يَكُونُ سِيَاقَةُ التُّرْكِ لِلْمُسْلِمِينَ وَفِي زَمَانٍ آخَرَ يَكُونُ سِيَاقَةُ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ هَذَا فَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ
وَعِنْدِي أَنَّ الصَّوَابَ هِيَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْوَهْمُ فِيهِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ أنه بريدة لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السَّفَرِ وَالْأَسْقِيَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْهَرَبِ مِمَّا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْبَلَاءِ مِنْ أُمَرَاءِ التُّرْكِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ لِبَعْضِ رُوَاةِ أَبِي دَاوُدَ وَلِذَا قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ أَوْ كَمَا قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ وَقَعَتِ الْحَوَادِثُ عَلَى نَحْوِ مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَقَدْ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَيْ حَدِيثُ أَحْمَدَ عَلَى خُرُوجِهِمْ وَقِتَالِهِمُ الْمُسْلِمِينَ وَقَتْلِهِمْ وَقَدْ وَقَعَ عَلَى نَحْوِ مَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْوَقْتِ أمم لا يحصيهم إلا الله يَرُدُّهُمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَخَرَجَ مِنْهُمْ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّ مِائَةِ جَيْشٍ مِنَ التُّرْكِ يُقَالُ لَهُ الطَّطَرُ عَظُمَ فِي قَتْلِهِ الْخَطْبُ وَالْخَطَرُ وَقُضِيَ لَهُ فِي قَتْلِ النُّفُوسِ الْمُؤْمِنَةِ الْوَطَرُ فَقَتَلُوا مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَمَا دُونَهُ مِنْ جَمِيعِ بِلَادِ خُرَاسَانَ وَمَحَوْا رُسُومَ مُلْكِ بَنِي سَاسَانَ وَخَرَّبُوا مَدِينَةَ نُشَاوَرَ وَأَطْلَقُوا فِيهَا النِّيرَانَ وَحَادَ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ خُوَارَزْمَ كُلُّ إِنْسَانٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا مَنِ اخْتَبَأَ فِي الْمَغَارَاتِ وَالْكُهْفَانِ حَتَّى وَصَلُوا إِلَيْهَا وَقَتَلُوا وَسَبَوْا وَخَرَّبُوا الْبُنْيَانَ وَأَطْلَقُوا الْمَاءَ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ نَهَرِ جَيْحَانَ فَغَرِقَ مِنْهَا مَبَانِي الدار والأركان ثم وصلوا إلى بلاد نهشان فَخَرَّبُوا مَدِينَةَ الرَّيِّ وَقَزْوِينَ وَمَدِينَةِ أَرْدَبِيلَ وَمَدِينَةِ مَرَاغَةَ كرسي بِلَادَ آذَرْبِيجَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَاسْتَأْصَلُوا سَاقَهُ مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَعْيَانِ وَاسْتَبَاحُوا قَتْلَ النِّسَاءِ وَذَبْحَ الْوِلْدَانِ ثُمَّ وَصَلُوا إِلَى الْعِرَاقِ الثَّانِي وَأَعْظَمُ مُدُنِهِ مَدِينَةُ أَصْبَهَانَ وَدَوْرُ سُورِهَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ ذِرَاعٍ فِي غَايَةِ الِارْتِفَاعِ وَالْإِتْقَانِ وَأَهْلُهَا مُشْتَغِلُونَ بِعِلْمِ الْحَدِيثِ فَحَفِظَهُمُ اللَّهُ بِهَذَا الشَّأْنِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مَوَادَّ التَّأْيِيدِ وَالْإِحْسَانِ فَتَلَقَّوْهُمْ بِصُدُورٍ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ صُدُورُ الشُّجْعَانِ وَحَقَّقُوا الْخَبَرَ بِأَنَّهَا بَلَدُ الْفُرْسَانِ وَاجْتَمَعَ فِيهَا مِائَةُ أَلْفِ إِنْسَانٍ وَأَبْرَزَ الطَّطَرُ الْقَتْلَ فِي مَضَاجِعِهِمْ وَسَاقَهُمُ الْقَدْرُ الْمَحْتُومُ إِلَى مَصَارِعِهِمْ فمرقوا عن أصبهان مروق السهم من الرمى فَفَرُّوا مِنْهُمْ فِرَارَ الشَّيْطَانِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَلَهُ حُصَاصٌ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِنْ وَقَفُوا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْهَلَاكِ خَلَاصٌ وَوَاصَلُوا السَّيْرَ بِالسَّيْرِ إِلَى أَنْ صَعِدُوا جَبَلَ أَرْبَدَ فَقَتَلُوا جَمِيعَ مَنْ فِيهِ مِنْ صُلَحَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَخَرَّبُوا مَا فِيهِ مِنَ الْجَنَّاتِ وَالْبَسَاتِينِ وَكَانَتِ اسْتِطَالَتُهُمْ عَلَى ثُلُثَيْ بِلَادِ الْمَشْرِقِ الْأَعْلَى وَقَتَلُوا مِنَ الْخَلَائِقِ مَا لَا يُحْصَى وَقَتَلُوا فِي الْعِرَاقِ الثَّانِي عِدَّةً يَبْعُدُ أَنْ تُحْصَى وَرَبَطُوا خُيُولَهُمْ إِلَى سَوَارِي الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُنْذِرِ بِخُرُوجِهِمْ إِلَى أَنْ قَالَ وَقَطَعُوا السَّبِيلَ وَأَخَافُوهَا وَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَطَافُوهَا وَمَلَأُوا قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ رُعْبًا وَسَحَبُوا ذَيْلَ الْغَلَبَةِ عَلَى تِلْكَ الْبِلَادِ سَحْبًا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْذَرُ بِهِمْ فِي الْحَدِيثِ وَأَنَّ لَهُمْ ثَلَاثُ خَرْجَاتٍ يُصْطَلَمُونَ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْهَا
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَدْ كَمُلَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ خَرْجَاتُهُمْ وَلَمْ يَبْقَ قَتْلَتُهُمْ وَقِتَالُهُمْ فَخَرَجُوا عَنِ الْعِرَاقِ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرْنَا وَخَرَجُوا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ عَلَى الْعِرَاقِ الثَّالِثِ بَغْدَادَ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنَ الْبِلَادِ وَقَتَلُوا جَمِيعَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْعُبَّادِ وَاسْتَبَاحُوا جَمِيعَ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَبَرُوا الْفَلَاةَ إِلَى حَلَبٍ وَقَتَلُوا جَمِيعَ مَنْ فِيهَا وَخَرَّبُوا إِلَى أَنْ تَرَكُوهَا خَالِيَةً ثُمَّ أَوْغَلُوا إِلَى أَنْ مَلَكُوا جَمِيعَ الشَّامِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ من الأيام وفلقوا بسيوفهم الروؤس وَالْهَامَ وَدَخَلَ رُعْبُهُمُ الدِّيَارَ الْمِصْرِيَّةَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللُّحُوقُ بِالدِّيَارِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مصر الملك المظفر الملقب بظفر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِجَمِيعِ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْعَسَاكِرِ وَقَدْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ إِلَى أَنِ الْتَقَى بِهِمْ بِعَيْنِ جَالُوتَ فَكَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ كَمَا كَانَ لِطَالُوتَ فَقُتِلَ مِنْهُمْ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَعَدَدٌ غَزِيرٌ وَارْتَحَلُوا عَنِ الشَّامِ مِنْ سَاعَتِهِمْ وَرَجَعَ جَمِيعُهُ كَمَا كَانَ لِلْإِسْلَامِ وَعَدَوُا الْفُرَاتَ مُنْهَزِمِينَ وَرَأَوْا مَا لَمْ يُشَاهِدُوهُ مُنْذُ زَمَانٍ وَلَا حِينٍ وَرَاحُوا خَائِبِينَ وَخَاسِئِينَ مَدْحُورِينَ أَذِلَّاءَ صَاغِرِينَ انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ بإختصار
وقال الإمام بن الْأَثِيرِ فِي الْكَامِلِ حَادِثَةُ التَّتَارِ مِنَ الْحَوَادِثِ الْعُظْمَى وَالْمَصَائِبِ الْكُبْرَى الَّتِي عَقِمَتِ الدُّهُورُ عَنْ مِثْلِهَا عَمَّتِ الْخَلَائِقَ وَخَصَّتِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّ الْعَالَمَ مُنْذُ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْآنَ لَمْ يُبْتَلَوْا بِمِثْلِهَا لَكَانَ صَادِقًا فَإِنَّ التَّوَارِيخَ لَمْ تَتَضَمَّنْ مَا يُقَارِبُهَا انْتَهَى
وَقَالَ الذَّهَبِيُّ وَكَانَتْ بَلِيَّةٌ لَمْ يُصَبِ الْإِسْلَامُ بِمِثْلِهَا انْتَهَى
(أَوْ كَمَا قَالَ) أَيْ قَالَ غَيْرَ هَذَا اللَّفْظِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَضْبِطْ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَلِذَا رُجِّحَتْ رِوَايَةُ أَحْمَدَ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ


رقم الحديث 4306 [436] ( سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ) بِضَمِّ الْجِيمِ الْأَسْلَمِيُّ أَبُو حَفْصٍ الْبَصْرِيِّ وَثَّقَهُ بن معين وأبو داود وبن حِبَّانَ.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.

     وَقَالَ  النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ( بِغَائِطٍ) الْغَائِطُ الْمُطَمْئِنُ الْوَاسِعُ مِنَ الْأَرْضِ ( يُسَمُّونَهُ الْبَصْرَةَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَصْرَةُ بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَيُكْسَرُ وَيُحَرَّكُ وَيُكْسَرُ الصَّادُ أَوْ هُوَ مُعَرَّبُ بس راه أَيْ كَثِيرُ الطُّرُقِ ( عِنْدَ نَهَرِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَيُسَكَّنُ ( دِجْلَةَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَيُفْتَحُ نَهَرُ بَغْدَادَ ( جِسْرٌ) أَيْ قَنْطَرَةٌ وَمَعْبَرٌ ( يَكْثُرُ أَهْلُهَا) أي أهل البصرة
قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فِي حَاشِيَةِ الشِّفَاءِ لِلْحَلَبِيِّ الْبَصْرَةُ مُثَلَّثُ الْبَاءِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ بَنَاهَا عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فِي خِلَافِةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يُعْبَدِ الصَّنَمُ قَطٌّ عَلَى ظَهْرِهَا وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ
قَالَ بَعْضٌ وَالْكَسْرُ فِي النِّسْبَةِ أَفْصَحُ مِنَ الْفَتْحِ قَالَ وَلَعَلَّهُ لِمُجَاوَرَةِ كَسْرِ الرَّاءِ ( وَتَكُونُ) أَيِ الْبَصْرَةُ ( مِنْ أَمْصَارِ الْمُهَاجِرِينَ) هَذَا لَفْظُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ أبو داود بقوله قال بن يَحْيَى إِلَخْ قَالَ الْأَشْرَفُ أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بهذه المدينة مدينة السَّلَامِ بَغْدَادَ فَإِنَّ الدِّجْلَةَ هِيَ الشَّطُّ وَجِسْرُهَا فِي وَسَطِهَا لَا فِي وَسَطِ الْبَصْرَةِ وَإِنَّمَا عَرَّفَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَصْرَةَ لِأَنَّ فِي بَغْدَادَ مَوْضِعًا خَارِجِيًّا مِنْهُ قَرِيبًا مِنْ بَابِهِ يُدْعَى بَابُ الْبَصْرَةِ فَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْدَادَ بِاسْمِ بَعْضِهَا أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْأَلِ القرية وَبَغْدَادُ مَا كَانَتْ مَبْنِيَّةٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَلَا كَانَ مِصْرًا مِنَ الْأَمْصَارِ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونُ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ بَلْ كَانَ فِي عَهْدِهِ قُرًى مُتَفَرِّقَةٌ بَعْدَ مَا خَرَجَتْ مَدَائِنُ كِسْرَى مَنْسُوبَةً إِلَى الْبَصْرَةِ مَحْسُوبَةً مِنْ أَعْمَالِهَا
هَذَا وَإنَّ أَحَدًا لَمْ يَسْمَعْ فِي زَمَانِنَا بِدُخُولِ التُّرْكِ الْبَصْرَةَ قَطُّ عَلَى سَبِيلِ الْقِتَالِ وَالْحَرْبِ
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ بَعْضًا مِنْ أُمَّتِي يَنْزِلُونَ عِنْدَ دِجْلَةَ وَيَتَوَطَّنُونَ ثَمَّةَ وَيَصِيرُ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِصْرًا من أمصار المسلمين وهو بغداد ذكره القارىء
( فَإِذَا كَانَ) أَيِ الْأَمْرُ وَالْحَالُ فَاسْمُهُ مُضْمَرٌ ( جَاءَ بَنُو قَنْطُورَاءَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ النُّونِ ممدودا كذا ضبط وقال القارىء مَقْصُورًا وَقَدْ يُمَدُّ أَيْ يَجِيئُونَ لِيُقَاتِلُوا أَهْلَ بَغْدَادَ.

     وَقَالَ  بِلَفْظِ جَاءَ دُونَ يَجِيءُ إِيذَانًا بِوُقُوعِهِ فَكَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ وَبَنُو قَنْطُورَاءَ اسْمُ أَبِي التُّرْكِ وَقِيلَ اسْمُ جَارِيَةٍ كَانَتْ لِلْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا جَاءَ مِنْ نَسْلِهِمُ التُّرْكُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ التُّرْكَ مَنْ أَوْلَادِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ وَهُوَ قَبْلَ الْخَلِيلِ بِكَثِيرٍ كَذَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ الْجَارِيَةَ كَانَتْ مِنْ أَوْلَادِ يَافِثَ أَوِ الْمُرَادُ بِالْجَارِيَةِ بِنْتٌ مَنْسُوبَةٌ لِلْخَلِيلِ لِكَوْنِهَا مِنْ بَنَاتِ أَوْلَادِهِ وَقَدْ تَزَوَّجَهَا وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِ يَافِثَ فَأَتَتْ بِأَبِي هَذَا الْجِيلِ فَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ انْتَهَى ( عِرَاضُ الْوُجُوهِ) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ ( عَلَى شَطِّ النَّهَرِ) أَيْ عَلَى جَانِبِ النَّهَرِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الشَّطُّ جَانِبُ النَّهَرِ وَجَانِبُ الْوَادِي ( ثَلَاثُ فِرَقٍ) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ جَمْعُ فِرْقَةٍ ( يَأْخُذُونَ أَذْنَابَ الْبَقَرِ) أَيْ أَنَّ فِرْقَةً يُعْرِضُونَ عَنِ الْمُقَاتَلَةِ هَرَبًا مِنْهَا وَطَلَبًا لِخَلَاصِ أَنْفُسِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَيَحْمِلُونَ عَلَى الْبَقَرِ فَيَهِيمُونَ فِي الْبَوَادِي وَيَهْلِكُونَ فِيهَا أَوْ يُعْرِضُونَ عَنِ الْمُقَاتَلَةِ وَيَشْتَغِلُونَ بِالزِّرَاعَةِ وَيَتَّبِعُونَ الْبَقَرَ لِلْحِرَاثَةِ إِلَى الْبِلَادِ الشَّاسِعَةِ فَيَهْلِكُونَ ( وَفِرْقَةٌ يَأْخُذُونَ لِأَنْفُسِهِمْ) أَيْ يَطْلُبُونَ أَوْ يَقْبَلُونَ الْأَمَانَ مِنْ بَنِي قَنْطُورَاءَ ( فِرْقَةٌ يَجْعَلُونَ ذَرَارِيَّهِمْ) أَيْ أَوْلَادَهُمُ الصِّغَارَ وَالنِّسَاءَ ( وَيُقَاتِلُونَهُمْ وَهُمُ الشهداء) أي الكاملون قال القارىء وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ
وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ شَيْخٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ