فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ وَقْتِ فِطْرِ الصَّائِمِ

رقم الحديث 2042 [2042] ( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا) أَيْ لَا تَتْرُكُوا الصَّلَوَاتِ وَالْعِبَادَةَ فَتَكُونُوا فِيهَا كَأَنَّكُمْ أَمْوَاتٌ
شَبَّهَ الْمَكَانَ الْخَالِيَ عَنِ الْعِبَادَةِ بَالْقُبُورِ وَالْغَافِلَ عَنْهَا بَالْمَيِّتِ ثُمَّ أَطْلَقَ الْقَبْرَ عَلَى الْمَقْبَرَةِ
وَقِيلَ الْمُرَادُ لَا تَدْفِنُوا فِي الْبُيُوتِ وَإِنَّمَا دُفِنَ الْمُصْطَفَى فِي بَيْتِ عَائِشَةَ مَخَافَةَ اتِّخَاذِ قَبْرِهِ مَسْجِدًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

     وَقَالَ  الْخَفَاجِيُّ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِنَ فِي بَيْتِهِ لِأَنَّهُ اتُّبِعَ فِيهِ سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَمَا وَرَدَ مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ
فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِهِمُ انْتَهَى ( وَلَا تجعلوا قبري عيدا) قال الإمام بن تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَقَدْ أَبْعَدَ بَعْض الْمُتَكَلِّفِينَ.

     وَقَالَ  يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ الْحَثّ عَلَى كَثْرَة زِيَارَة قَبْره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ لَا يُهْمَل حَتَّى لَا يُزَارَ إِلَّا فِي بَعْض الْأَوْقَات
كَالْعَبْدِ الَّذِي لَا يَأْتِي فِي الْعَام إِلَّا مَرَّتَيْنِ قَالَ وَيُؤَيِّد هَذَا التَّأْوِيل مَا جَاءَ فِي الْحَدِيث نَفْسه لَا تَجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قُبُورًا أَيْ لَا تَتْرُكُوا الصَّلَاة فِي بُيُوتكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوهَا كَالْقُبُورِ الَّتِي لَا يُصَلَّى فيها لَا تُعَطِّلُوا الْبُيُوتَ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُورِ فَأَمَرَ بِتَحَرِّي الْعِبَادَةِ بَالْبُيُوتِ وَنَهَى عَنْ تَحَرِّيهَا عِنْدَ الْقُبُورِ عَكْسَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ النَّصَارَى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ
وَالْعِيدُ اسْمُ مَا يَعُودُ مِنَ الِاجْتِمَاعِ الْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ عَائِدًا مَا يَعُودُ السَّنَةَ أَوْ يَعُودُ الْأُسْبُوعَ أو الشهر ونحو ذلك
وقال بن الْقَيِّمِ الْعِيدُ مَا يُعْتَادُ مَجِيئُهُ وَقَصْدُهُ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ وَالِاعْتِيَادِ فَإِذَا كَانَ اسْمًا لِلْمَكَانِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ الِانْتِيَابُ بَالْعِبَادَةِ وَبِغَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَالْمَشَاعِرَ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عِيدًا لِلْحُنَفَاءِ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ كَمَا جَعَلَ أَيَّامَ الْعِيدِ مِنْهَا عِيدًا
وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْيَادٌ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بَالْإِسْلَامِ أَبْطَلَهَا وَعَوَّضَ الْحُنَفَاءَ مِنْهَا عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ النَّحْرِ كَمَا عَوَّضَهُمْ عَنْ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ الْمَكَانِيَّةِ بِكَعْبَةٍ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَسَائِرِ الْمَشَاعِرِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ الِاجْتِمَاعِ لِزِيَارَتِهِ اجْتِمَاعِهِمْ لِلْعِيدِ إِمَّا لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا حَدَّ التَّعْظِيمِ
وَقِيلَ الْعِيدُ مَا يُعَادُ إِلَيْهِ أَيْ لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا تَعُودُونَ إِلَيْهِ مَتَى أَرَدْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ فَظَاهِرُهُ مَنْهِيٌّ عَنِ الْمُعَاوَدَةِ وَالْمُرَادُ الْمَنْعُ عَمَّا يُوجِبُهُ وَهُوَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ دُعَاءَ الْغَائِبِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  ( وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ) أَيْ لَا تَتَكَلَّفُوا الْمُعَاوَدَةَ إِلَيَّ فَقَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ بَالصَّلَاةِ عَلَيَّ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ أَضْرِحَةِ الْأَوْلِيَاءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَخْصُوصٍ مِنَ السَّنَةِ وَيَقُولُونَ هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِ الشَّيْخِ وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَعَلَى وَلِيِّ الشَّرْعِ رَدْعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَالُهُ انْتَهَىQقَالَ بَعْضهمْ وَزِيَارَة قَبْره صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ غُنْيَة عَنْ هَذَا التَّكَلُّف الْبَارِد وَالتَّأْوِيل الْفَاسِد الَّذِي يُعْلَم فَسَاده مِنْ تَأَمُّل سِيَاق الْحَدِيث وَدَلَالَة اللَّفْظ عَلَى مَعْنَاهُ وَقَوْله فِي آخِره وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتكُمْ تَبْلُغنِي حَيْثُ كُنْتُمْ وَهَلْ فِي الْأَلْغَاز أَبْعَد مِنْ دَلَالَة مَنْ يُرِيد التَّرْغِيب فِي الْإِكْثَار مِنْ الشَّيْء وملازمته بقوله لا تجعله عيدا وقوله وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتكُمْ قُبُورًا نَهْيٌ لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُور الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا وَكَذَلِكَ نَهْيه لَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا قَبْره عِيدًا نَهْي لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ مَجْمَعًا
كَالْأَعْيَادِ الَّتِي يَقْصِد النَّاس الِاجْتِمَاع إِلَيْهَا لِلصَّلَاةِ بَلْ يُزَار قَبْره صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَزُورهُ الصَّحَابَة رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ عَلَى الْوَجْه الَّذِي يُرْضِيه وَيُحِبّهُ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وقال شيخ الإسلام بن تَيْمِيَةَ الْحَدِيثُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَا يَنَالُنِي منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قبركم مِنْ قَبْرِي وَبُعْدِكُمْ عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى اتِّخَاذِهِ عِيدًا انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ السَّفَرِ لِزِيَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا يُمْكِنُ اسْتِحْصَالُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يُمْكِنُ مِنْ قُرْبٍ وَأَنَّ مَنْ سَافَرَ إِلَيْهِ وَحَضَرَ مِنْ نَاسٍ آخَرِينَ فَقَدِ اتَّخَذَهُ عِيدًا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِنَصِّ الْحَدِيثِ فَثَبَتَ مَنْعُ شَدِّ الرَّحْلِ لِأَجْلِ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ النَّصِّ كَمَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ جَعْلِهِ عِيدًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَهَاتَانِ الدَّلَالَتَانِ مَعْمُولٌ بِهِمَا عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ وَوَجْهُ هَذِهِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ .

     قَوْلُهُ  تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ فَإِنَّهُ يُشِيرُ إِلَى الْبُعْدِ وَالْبَعِيدُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْقُرْبُ إِلَّا بَاخْتِيَارِ السَّفَرِ إِلَيْهِ وَالسَّفَرُ يَصْدُقُ عَلَى أَقَلِّ مَسَافَةٍ مِنْ يَوْمٍ فَكَيْفَ بِمَسَافَةٍ بَاعِدَةٍ فَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ السَّفَرِ لِأَجْلِ الزِّيَارَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ يَرْتَقِي بِهَا إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ
قَالَهُ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي رَحِمَهُ اللَّهُ
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْمَجِيدِ شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ رُوَاتُهُ مَشَاهِيرُ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ لَيْسَ بالحافظ نعرف وننكر
وقال بن مَعِينٍ هُوَ ثِقَةٌ.

     وَقَالَ  أَبُو زُرْعَةَ لَا بَأْسَ بِهِ
قال الشيخ بن تَيْمِيَةَ وَمِثْلُ هَذَا إِذَا كَانَ لِحَدِيثِهِ شَوَاهِدُ عُلِمَ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ وَهَذَا لَهُ شَوَاهِدُ مُتَعَدِّدَةٌ انْتَهَى وَمِنْ شَوَاهِدِهِ الصَّادِقَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَجِيءُ إِلَى فُرْجَةٍ كَانَتْ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيَدْعُو فَنَهَاهُ.

     وَقَالَ  أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا فَإِنَّ تَسْلِيمَكُمْ يَبْلُغُنِي أَيْنَ كُنْتُمْ رَوَاهُ الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ وَأَبُو يَعْلَى وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سُهَيْلٍ قَالَ رَآنِي الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ الْقَبْرِ فَنَادَانِي وَهُوَ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ يَتَعَشَّى فَقَالَ هَلُمَّ إِلَى الْعَشَاءِ فَقُلْتُ لَا أُرِيدُهُ فَقَالَ مَا لِي رَأَيْتُكَ عِنْدَ الْقَبْرِ فَقُلْتُ سَلَّمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ فَسَلِّمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ مَا كُنْتُمْ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ مَا أَنْتُمْ وَمَنْ بَالْأَنْدَلُسِ إِلَّا سَوَاءٌ
قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمُهْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي قال بن تَيْمِيَةَ فَهَذَانِ الْمُرْسَلَانِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ لَا سِيَّمَا وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَرْسَلَهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ عِنْدَهُ هَذَا لَوْ لَمْ يُرْوَ مِنْ وُجُوهٍ مُسْنَدَةٍ غَيْرِ هَذَيْنِ فَكَيْفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مُسْنَدًا
انتهى
قال بن تَيْمِيَةَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ شَدِّ الرَّحْلِ إِلَى قَبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى قَبْرِ غَيْرِهِ مِنَ الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ اتِّخَاذِهَا أَعْيَادًا
قَالَ فِي فَتْحِ الْمَجِيدِ شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَعْنِي مَنْ سَافَرَ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَنُقِلَ فِيهَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فَمِنْ مُبِيحٍ لِذَلِكَ كَالْغَزَالِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيِّ وَمِنْ مَانِعٍ لِذَلِكَ كَابْنِ بطة وبن عُقَيْلٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِحَدِيثِ شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَأَمَّا الْآنَ فَالنَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ عَنِ الصَّلَاةِ قَامُوا فِي مُصَلَّاهُمْ مُسْتَقْبِلِينَ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ الرَّاكِعِينَ لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْتَصِقُ بَالسُّرَادِقِ وَيَطُوفُ حَوْلَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ بَاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِيهِ مَا يَجُرُّ الْفَاعِلَ إِلَى الشِّرْكِ وَمِنْ أَعْظَمِ الْبِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ هُجُومُ النِّسْوَةِ حَوْلَ حُجْرَةِ الْمَرْقَدِ الْمُنَوَّرِ وَقِيَامُهُنَّ هُنَاكَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَتَشْوِيشُهُنَّ عَلَى الْمُصَلِّينَ بَالسُّؤَالِ وَتَكَلُّمُهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ كَاشِفَاتٍ الْأَعْيُنَ وَالْوُجُوهَ فَإِنَّا لِلَّهِ
إِلَى مَا ذَهَبَ بِهِمْ إِبْلِيسُ الْعَدُوُّ وَفِي أَيِّ هُوَّةٍ أَوْقَعَهُمْ فِي لِبَاسِ الدِّينِ وَزِيِّ الْحَسَنَاتِ
وَإِنْ شِئْتَ التَّفْصِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَانْظُرْ إِلَى كُتُبِ شُيُوخِ الإسلام كابن تيمية وبن الْقَيِّمِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ
وَأَمَّا مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فَكَشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الْقَاضِي بَشِيرِ الدِّينِ الْقِنَّوْجِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ كِتَابَهُ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ وَالرَّدُّ عَلَى مُنْتَهَى الْمَقَالِ مِنْ أَحْسَنِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ
وَاعْلَمْ أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفُ مِنْ أَكْثَرِ الطَّاعَاتِ وَأَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِ الْمَنْدُوبَاتِ لَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ يُسَافِرُ أَنْ يَنْوِيَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ يَزُورَ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَزِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم آمين



رقم الحديث 2043 [243] ( بن الْهُدَيْرِ) مُصَغَّرًا ( خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِي الْمَدِينَةِ ( نُرِيدُ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ) أَيْ زِيَارَتَهَا ( حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا) أَيْ صَعِدْنَا ( عَلَى حَرَّةِ وَاقِمٍ) بِإِضَافَةِ حَرَّةٍ إِلَى وَاقِمٍ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَرَّةُ الْأَرْضُ ذَاتُ الْحِجَارَةِ وَوَاقِمٌ بِكَسْرِ الْقَافِ أُطُمٌ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ الْحَرَّةُ ( فَلَمَّا تَدَلَّيْنَا مِنْهَا) أَيْ هَبَطْنَا إِلَى الْأَسْفَلِ ( فَإِذَا قُبُورٌ بِمَحْنِيَّةٍ) بِحَيْثُ يَنْعَطِفُ الْوَادِي وَهُوَ مُنْحَنَاهُ أَيْضًا أَيْ بِمَحَلِّ انْعِطَافِ الْوَادِي وَمَحَانِي الْوَادِي مَعَاطِفُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَمَحْنِيَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وفتح الياء بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ( قُبُورُ إِخْوَانِنَا) الْمُسْلِمِينَ ( قَالَ) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ ( قُبُورُ أَصْحَابِنَا) الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَنَالُوا مَنْزِلَةَ الشُّهَدَاءِ ( قُبُورَ الشُّهَدَاءِ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( قُبُورُ إِخْوَانِنَا) إِنَّمَا أَضَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسْبَةَ الْأُخُوَّةِ وَشَرَّفَ بِهَا لِمَنْزِلَةِ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ