فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ

رقم الحديث 80 [80] (نُدْلِي فِيهِ أَيْدِيَنَا) هُوَ مِنَ الْإِدْلَاءِ وَمِنَ التَّفْعِيلِ وَالْأَوَّلُ لُغَةُ الْقُرْآنِ
كَذَا فِي التَّوَسُّطِ يُقَالُ أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ فِي الْبِئْرِ وَدَلَّيْتُهَا إِذَا أَرْسَلْتُهَا فِي الْبِئْرِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاغْتِرَافَ مِنَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ أَوَانِيَهُمْ كَانَتْ صِغَارًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ
وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلْوُضُوءِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ فَلَا مَانِعَ مِنَ الِاجْتِمَاعِ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ.
وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَخْتَصُّ بِالزَّوْجَاتِ وَالْمَحَارِمِ
وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ اغْتِسَالِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنَ الْإِنَاءِ الواحد وفيه نظر لما حكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُنْهَى عنه وكذا حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْمٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عليهم 4

(

رقم الحديث 81 [81]
الْمَذْكُورُ إِبَاحَتُهُ وَهُوَ الْوُضُوءُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَهَذَا النَّهْيُ يَشْمَلُ الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ سَابِقًا
( عَنْ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ) هُوَ بِالتَّصْغِيرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ الْبَصْرِيُّ الْفَقِيهُ عَنْ أَبِي هريرة وأبي بكرة وعنه بن سيرين وبن أبي وحشية وثقه العجلي
قال بن سِيرِينَ هُوَ أَفْقَهُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْحِمْيَرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى حِمْيَرَ بْنِ سَبَأٍ ( لَقِيتُ رَجُلًا) وَدَعْوَى الْحَافِظِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُرْسَلِ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّ إِبْهَامَ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ وَقَدْ صَرَّحَ التَّابِعِيُّ بِأَنَّهُ لَقِيَهُ وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ سِنِينَ ( قَالَ) الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بِفَضْلِ الرَّجُلِ) أَيْ بِالْمَاءِ الَّذِي يَفْضُلُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْغُسْلِ أَوْ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الْغُسْلِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ مَعَهُ بِفَضْلِهِ وَلَا بَعْدَ غُسْلِهِ بِفَضْلِهِ ( بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ) أَيْ بِالْمَاءِ الَّذِي يَفْضُلُ بَعْدَ فَرَاغِهَا مِنْ غُسْلِهَا أَوْ بَعْدَ شُرُوعِهَا فِي الْغُسْلِ فَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَهَا بِفَضْلِهَا وَلَا بعد غسلهاQقَالَ الشَّيْخ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ فِي
كِتَاب الْعِلَل
سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيث يَعْنِي حَدِيث أَبِي حَاجِبٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ وَحَدِيث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ فِي هَذَا الْبَاب الصَّحِيح هُوَ مَوْقُوف وَمَنْ رَفَعَهُ فَهُوَ خَطَأ
تَمَّ كَلَامه
وَقَالَ أَبُو عَبِيدٍ فِي
كِتَاب الطَّهُور
حَدَّثْنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ أَنَّهُ قَالَ أَتَرَوْنَ هَذَا الشَّيْخ يَعْنِي نَفْسه فَإِنَّهُ قَدْ رَأَى نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ مَعَهُ قَالَ عَاصِمٌ فَسَمِعْته يَقُول لَا بَأْس بِأَنْ يَغْتَسِل الرَّجُل وَالْمَرْأَة مِنْ الْجَنَابَة مِنْ الْإِنَاء الْوَاحِد فَإِنْ خَلَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبهُ
فَهَذَا هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَعَلَّ بَعْض الرُّوَاة ظَنَّ أَنَّ قَوْله فَسَمِعْته يَقُول مِنْ كَلَام عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ فَوَهَمَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْل عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ يَحْكِيه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الصَّحَابَة فِي ذَلِكَ
فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حدثنا حَجَّاجٌ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ بِفَضْلِهَا ( وَلْيَغْتَرِفَا) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَيْ لِيَأْخُذِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ غَرْفَةً غَرْفَةً مِنَ الْمَاءِ عِنْدَ اغْتِسَالِهِمَا مِنْهُ ( جَمِيعًا) أَيْ يَكُونُ اغْتِرَافُهُمَا جَمِيعًا لَا باختلاف أيديهما فيه واحد بَعْدَ وَاحِدٍ
وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ تَطْهِيرَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِفَضْلِ الْآخَرِ مَمْنُوعٌ سَوَاءٌ يَتَطَهَّرَانِ مَعًا مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ كُلٌّ مِنْهُمَا بِفَضْلِ الْآخَرِ أو واحد بَعْدَ وَاحِدٍ كَذَلِكَ لَكِنْ يَجُوزُ لَهُمَا التَّطْهِيرُ مِنَ الْفَضْلِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَتَطَهَّرَا مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَيَكُونُ اغْتِرَافُهُمَا جَمِيعًا لا باختلاف أيديهما فيه واحد بَعْدَ وَاحِدٍ هَذَا مَا يُفْهَمُ مِنْ تَبْوِيبِ الْمُؤَلِّفِ الْإِمَامِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْإِمَامُ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ



رقم الحديث 82 [82] ( وَهُوَ الْأَقْرَعُ) أَيْ عَمْرٌو وَالِدُ الْحَكَمِ هُوَ الْأَقْرَعُ ( بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.

     وَقَالَ  الْبُخَارِيُّ سَوَادَةُ بْنُ عَاصِمٍ أَبُو حَاجِبٍ يُعَدُّ فِي الْبَصْرِيِّينَ وَلَا أَرَاهُ يَصِحُّ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو
انْتَهَى
وَقَالَ النَّوَوِيُّ حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ خَبَرُ الْأَقْرَعِ فِي النَّهْيِ لَا يَصِحُّ
وَاعْلَمْ أَنَّ تَطْهِيرَ الرَّجُلِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَتَطْهِيرَهَا بِفَضْلِهِ فِيهِ مَذَاهِبُ الْأَوَّلُ جَوَازُ التَّطْهِيرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الْآخَرِ شَرَعَا جَمِيعًا أَوْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَالثَّانِي كَرَاهَةُ تَطْهِيرِ الرَّجُلِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَبِالْعَكْسِ وَالثَّالِثُ جَوَازُ التَّطْهِيرِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إِذَا اغْتَرَفَا جَمِيعًا وَالرَّابِعُ جَوَازُ التَّطْهِيرِ مَا لَمْ تَكُنِ الْمَرْأَةُ حَائِضًا وَالرَّجُلُ جُنُبًا وَالْخَامِسُ جَوَازُ تَطْهِيرِ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ طَهُورِ الرَّجُلِ وَكَرَاهَةُ الْعَكْسِ وَالسَّادِسُ جَوَازُ التَّطْهِيرِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا إِذَا شَرَعَا جَمِيعًا لِلتَّطْهِيرِ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ سَوَاءٌ اغْتَرَفَا جَمِيعًا أَوْ لَمْ يَغْتَرِفَا كَذَلِكَ وَلِكُلِّ قَائِلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ دَلِيلٌ يَذْهَبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُQقَالَ حَدَّثَنِي كُلْثُومُ بْنُ عَامِرِ بْنِ الْحَرْثِ قَالَ تَوَضَّأَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَهِيَ عَمَّته قَالَ فَأَرَدْت أَنْ أَتَوَضَّأ بِفَضْلِ وُضُوئِهَا فَجَذَبَتْ الْإِنَاء وَنَهَتْنِي وَأَمَرَتْنِي أَنْ أُهْرِيقَهَ قَالَ فَأَهْرَقَتْهُ
وَقَالَ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ عَنْ شُرَيْكٍ عن مهاجر الصائغ عن بن لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَفَعَلَتْ بِهِ مِثْل ذَلِكَ
فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسٍ وَجُوَيْرِيَةُ وَأُمُّ سلمة
وخالفهم في ذلك بن عباس وبن عُمَر قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثْنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَدِينِيِّ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سُؤْر الْمَرْأَة فَقَالَ هِيَ أَلْطَف بَنَانًا وَأَطْيَب رِيحًا حَدَّثْنَا بِهِ لَكِنَّ الْمُخْتَارَ فِي ذَلِكَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ الْأُوَلِ لِمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَطْهِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَزْوَاجِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَسْتَعْمِلُ فَضْلَ صَاحِبِهِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ بِفَضْلِ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ وَجَمَعَ الْحَافِظُ الْخَطَّابِيُّ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ وَالنَّهْيِ فَقَالَ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ كَانَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ إِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ النَّهْيِ وَهُوَ حَدِيثُ الْأَقْرَعِ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَقَعَ عَنِ التَّطْهِيرِ بِفَضْلِ مَا تَسْتَعْمِلُهُ الْمَرْأَةُ مِنَ الْمَاءِ وَهُوَ مَا سَالَ وَفَضَلَ عَنْ أَعْضَائِهَا عِنْدَ التَّطْهِيرِ دُونَ الْفَضْلِ الَّذِي يَبْقَى فِي الْإِنَاءِ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ جَعَلَ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الإيجاب وكان بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ فَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ إِنَّمَا هُوَ إِذَا كَانَتْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا فَإِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَإِسْنَادُ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْإِبَاحَةِ أَجْوَدُ مِنْ إِسْنَادِ خَبَرِ النَّهْيِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنْ فَضْلِ أَعْضَائِهَا وَهُوَ الْمُتَسَاقِطُ مِنْهَا وَذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ أَحْمَدَ إِنَّ الْأَحَادِيثَ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ مُضْطَرِبَةٌ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يُحْمَلَ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَلَى مَا تَسَاقَطَ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْجَوَازُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الْمَاءِ وَبِذَلِكَ جَمَعَ الْخَطَّابِيُّ أَوْ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ




رقم الحديث 83 [83] وَهُوَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ أَوِ الْمَالِحُ فَقَطْ وَجَمْعُهُ بُحُورٌ وَأَبْحُرٌ وَبِحَارٌ وَأَشَارَ بِهَذَا الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ كَمَا نُقِلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
( وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ) أَيِ الْمُغِيرَةُ ( سَأَلَ رَجُلٌ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا الدَّارَقُطْنِيُّQإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِسُؤْرِ الْمَرْأَة إِلَّا أَنْ تَكُون حَائِضًا أَوْ جُنُبًا
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاء أَيْضًا فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ
أَحَدهمَا الْمَنْع مِنْ الْوُضُوء بِالْمَاءِ الَّذِي تَخْلُو بِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَدْ كَرِهَهُ غَيْر وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَة وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ
وَالْقَوْل الثَّانِي يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ
وَهُوَ قَوْل أَكْثَر أَهْل الْعِلْم وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِل بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ وَفِي السُّنَن الأربع عن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ اِمْرَأَة مِنْ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَحَمَّتْ مِنْ جَنَابَة فَجَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأ مِنْ فَضْلهَا
فَقَالَتْ إِنِّي اِغْتَسَلَتْ مِنْهُ
فَقَالَ إِنَّ الْمَاء لَا يُنَجِّسهُ شَيْء وَفِي رِوَايَة لا يجنب أَنَّ اسْمَ السَّائِلِ عَبْدُ اللَّهِ الْمُدْلِجِيُّ وَكَذَا ساقه بن بَشْكُوَالَ وَأَوْرَدَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِيمَنِ اسْمُهُ عَبْدٌ وَتَبِعَهُ أَبُو مُوسَى فَقَالَ عَبْدٌ أَبُو زَمْعَةَ الْبَلَوِيُّ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ
قال بن مَعِينٍ بَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ عَبْدٌ وَقِيلَ اسْمُهُ عُبَيْدٌ بِالتَّصْغِيرِ
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ اسْمُهُ الْعَرَكِيُّ وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْعَرَكِيُّ وَصْفٌ لَهُ وَهُوَ مَلَّاحُ السَّفِينَةِ
قَالَ أَبُو مُوسَى وأورده بن مَنْدَهْ فِي مَنِ اسْمُهُ عَرَكِيٌّ وَالْعَرَكِيُّ هُوَ الْمَلَّاحُ وَلَيْسَ هُوَ اسْمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي التَّلْخِيصِ
قُلْتُ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ وَلَفْظُهُ قَالَ أَتَى رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ) الْمِلْحُ وَهُوَ مَالِحٌ وَمُرٌّ وَرِيحُهُ مُنْتِنٌ زَادَ الْحَاكِمُ نُرِيدُ الصَّيْدَ ( بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي نَحْمِلُهُ ( عَطِشْنَا) بِكَسْرِ الطَّاءِ لِقِلَّةِ الْمَاءِ وَفَقْدِهِ ( أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ شَكُّوا فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ قُلْنَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَرْكَبِ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وسعيد بن منصور في سننه عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّطْهِيرُ به وقد روي موقوفا على بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَاءُ الْبَحْرِ لَا يُجْزِئُ مِنْ وُضُوءٍ وَلَا جَنَابَةٍ إِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا ثُمَّ مَاءً ثُمَّ نَارًا حَتَّى عَدَّ سَبْعَةَ أبحر وسبع أنيار
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّطْهِيرُ بِهِ وَلَا حُجَّةَ فِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ إِذَا عَارَضَتِ المرفوع والإجماع وحديث بن عُمَرَ الْمَرْفُوعُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ رُوَاتُهُ مَجْهُولُونَ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ ضَعَّفُوا إِسْنَادَهُ.

     وَقَالَ  الْبُخَارِيُّ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِصَحِيحٍ.

     وَقَالَ  أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا تَوَقَّفُوا عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يُشْرَبُ وَإِمَّا لِأَنَّهُ طَبَقُ جَهَنَّمَ وَمَا كَانَ طَبَقَ سُخْطٍ لَا يَكُونُ طَرِيقَ طَهَارَةٍ وَرَحْمَةٍ ( هُوَ) أَيِ الْبَحْرُ وَيَحْتَمِلُ فِي إِعْرَابِهِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً وَالطَّهُورُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ خَبَرُهُ مَاؤُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ الطَّهُورُ وَمَاؤُهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ هُوَ ضَمِيرَ الشَّأْنِ وَالطَّهُورُ مَاؤُهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَالرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مُبْتَدَأً وَالطَّهُورُ خَبَرٌ وَمَاؤُهُ فَاعِلُهُ
قَالَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ ( الطَّهُورُ مَاؤُهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ هُوَ الْمَصْدَرُ وَاسْمُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ أَوِ الطَّاهِرُ المطهر كما في القاموس وههنا بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ لِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ تَطْهِيرِ مَائِهِ لَا عَنْ طَهَارَتِهِ وَضَمِيرُ مَاؤُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أُرِيدَ بِالضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ هُوَ الطَّهُورُ الْبَحْرُ إِذْ لَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمَاءُ لَمَا احْتِيجَ إِلَى قَوْلِهِ مَاؤُهُ إِذْ يَصِيرُ فِي مَعْنَى الْمَاءِ طَهُورٌ مَاؤُهُ وَفِي بَعْضِ لَفْظِ الدَّارِمِيِّ فَإِنَّهُ الطَّاهِرُ مَاؤُهُ ( الْحِلُّ) هُوَ مَصْدَرُ حَلَّ الشَّيْءَ ضِدَّ حَرُمَ وَلَفْظُ الدَّارِمِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ الْحَلَالُ ( مَيْتَتُهُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَلَا يُكْسَرُ مِيمُهُ وَالْحِلُّ عَطْفٌ عَلَى الطَّهُورِ مَاؤُهُ
وَوَجْهُ إِعْرَابِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَسَائِلُ الْأُولَى أَنَّ مَاءَ الْبَحْرِ طَاهِرٌ وَمُطَهِّرٌ الثَّانِيَةُ أَنَّ جَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ أَيْ مَا لَا يَعِيشُ إِلَّا بِالْبَحْرِ حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ قَالُوا مَيْتَاتُ الْبَحْرِ حَلَالٌ وَهِيَ مَا خَلَا السَّمَكَ حَرَامٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

     وَقَالَ  الْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ السَّمَكُ كَمَا فِي حَدِيثِ أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَيَجِيءُ تَحْقِيقُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الثَّالِثَةُ أَنَّ الْمُفْتِي إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ وَعَلِمَ أَنَّ لِلسَّائِلِ حَاجَةً إِلَى ذِكْرِ مَا يَتَّصِلُ بِمَسْأَلَتِهِ اسْتُحِبَّ تَعْلِيمُهُ إِيَّاهُ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ لِتَتْمِيمِ الْفَائِدَةِ وَهِيَ زِيَادَةٌ تَنْفَعُ لِأَهْلِ الصَّيْدِ وَكَأَنَّ السَّائِلَ مِنْهُمْ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الْفَتْوَى
قال الحافظ بن الْمُلَقِّنِ إِنَّهُ حَدِيثٌ عَظِيمٌ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الطَّهَارَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ وَقَوَاعِدَ مُهِمَّةٍ
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي قَالَ الْحُمَيْدِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ نِصْفُ عِلْمِ الطَّهَارَةِ
قَالَ المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي الصَّحِيحِ لِأَجْلِ اخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي اسْمِ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ انْتَهَى