فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ التَّغْلِيظِ فِي مَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا

رقم الحديث 2086 [2086] ( عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ ( أنها كانت عند بن جَحْشٍ) اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بَالتَّصْغِيرِ أَسْلَمَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ قَدِيمًا بِمَكَّةَ وَأَسْلَمَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ أَيْضًا وَهَاجَرَتْ إِلَى الْحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَنَصَّرَ زَوْجُهَا بَالْحَبَشَةِ وَمَاتَ بِهَا وَأَبَتْ هِيَ أَنْ تَتَنَصَّرَ وَثَبَتَتْ عَلَى إِسْلَامِهَا فَفَارَقَهَا ( فَهَلَكَ) عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ أَيْ مَاتَ ( عَنْهَا) أَيْ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ ( فَزَوَّجَهَا) مِنَ التَّزْوِيجِ أَيْ أُمَّ حَبِيبَةَ ( النَّجَاشِيُّ) مَلِكُ الْحَبَشَةِ وَهُوَ فَاعِلُ قَوْلِهِ زَوَّجَهَا ( رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمَفْعُولُ الثَّانِي ( وَهِيَ) أَيْ أُمُّ حَبِيبَةَ ( عِنْدَهُمْ) أَيْ عِنْدَ أَهْلِ الحبشة مقيمة ماQوَالتَّرْجِيح لِحَدِيثِ إِسْرَائِيل فِي وَصْله مِنْ وُجُوه عَدِيدَة أَحَدهَا تَصْحِيح مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأَئِمَّة لَهُ وَحُكْمهمْ لِرِوَايَتِهِ بِالصِّحَّةِ كَالْبُخَارِيِّ وَعَلِيّ بْن المديني والترمذي وبعدهم الحاكم وبن حبان وبن خُزَيْمَةَ
الثَّانِي تَرْجِيح إِسْرَائِيل فِي حِفْظه وَإِتْقَانه لِحَدِيثِ أَبِي إِسْحَاق وَهَذَا شِهَاده الْأَئِمَّة لَهُ وَإِنْ كَانَ شُعْبَة وَالثَّوْرِيُّ أَجَلُّ مِنْهُ لَكِنَّهُ لِحَدِيثِ أَبَى إِسْحَاق أَتْقَن وَبِهِ أَعْرَف
الثَّالِث مُتَابَعَة مَنْ وَافَقَ إِسْرَائِيل عَلَى وَصْله كَشَرِيكٍ وَيُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق
قَالَ عُثْمَان الدَّارِمِيُّ سَأَلْت يَحْيَى بْن مَعِين شَرِيك أَحَبُّ إِلَيْك فِي أَبِي إِسْحَاق أَوْ إِسْرَائِيل فَقَالَ شَرِيك أَحَبُّ إِلَيَّ وَهُوَ أَقْدَم وَإِسْرَائِيل صَدُوق قُلْت يُونُس بْن أَبِي إِسْحَاق أَحَبّ إِلَيْك أَوْ إِسْرَائِيل فَقَالَ كُلّ ثِقَة
الرَّابِع مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيّ وَهُوَ أَنَّ سَمَاع الَّذِينَ وَصَلُوهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاق كَانَ فِي أَوْقَات مُخْتَلِفَة وَشُعْبَة وَالثَّوْرَيْ سَمِعَاهُ مِنْهُ فِي مَجْلِس وَاحِد
الْخَامِس أَنَّ وَصْله زِيَادَة مِنْ ثِقَة لَيْسَ دُون مَنْ أَرْسَلَهُ وَالزِّيَادَة إِذَا كَانَ هَذَا حَالهَا فَهِيَ مَقْبُولَة كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيّ وَاَللَّه أعلم

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رَحِمَهُ اللَّه هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف الْمَعْلُوم عِنْد أَهْل الْعِلْم أَنَّ الَّذِي زَوَّجَ أُمّ حَبِيبَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ النَّجَاشِيّ فِي أَرْض الْحَبَشَة وَأَمْهَرَهَا مِنْ عِنْده وَزَوْجهَا الْأَوَّل الَّتِي كَانَتْ مَعَهُ فِي الْحَبَشَة هُوَ عُبَيْد اللَّه بْن جَحْش بْن رِئَاب أَخُو زَيْنَب بِنْت جَحْش زَوْج رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَصَّرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَة وَمَاتَ بِهَا نَصْرَانِيًّا فَتَزَوَّجَ اِمْرَأَته رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي اِسْمهَا قَوْلَانِ أَحَدهمَا رَمْلَة وَهُوَ الْأَشْهَر وَالثَّانِي
هِنْد وَتَزْوِيج النَّجَاشِيّ لَهَا حَقِيقَة فَإِنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا وَهُوَ أَمِير البلد وسلطانه قدمت بالمدينة
قال بن الْأَثِيرِ فِي أُسْدِ الْغَابَةِ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بَالْحَبَشَةِ زَوَّجَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَقِيلَ عَقَدَ عَلَيْهَا خالد بن سعيد بن العاص بن أمية وَأَمْهَرَهَا النَّجَاشِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربع مائة دِينَارٍ وَأَوْلَمَ عَلَيْهَا عُثْمَانُ لَحْمًا وَقِيلَ أَوْلَمَ عَلَيْهَا النَّجَاشِيُّ وَحَمَلَهَا شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَقَدْ قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بَالْمَدِينَةِ
رَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يُعَدُّ مِنْ أَوْهَامِ مُسْلِمٍ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بَالْحَبَشَةِ قَبْلَ إِسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ السِّيَرِ فِي ذَلِكَ وَلَمَّا جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ لَمَّا أَوْقَعَتْ قُرَيْشٌ بِخُزَاعَةَ وَنَقَضُوا عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَافَ فَجَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيُجَدِّدَ الْعَهْدَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ فَلَمْ تَتْرُكْهُ يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     وَقَالَتْ  أَنْتَ مُشْرِكٌ
وَقَالَ قَتَادَةُ لَمَّا عَادَتْ مِنَ الْحَبَشَةِ مُهَاجِرَةً إِلَى الْمَدِينَةِ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَزَوَّجَهَا وَكَذَلِكَ رَوَى الليث عن عقيل عن بن شِهَابٍ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بَالْحَبَشَةِ وَهُوَ أَصَحُّ وَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ أُمَّ حَبِيبَةَ ابْنَتَهُ قَالَ ذَلِكَ الْفَحْلُ لَاQوَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْض الْمُتَكَلِّفِينَ عَلَى أَنَّهُ سَاقَ الْمَهْر مِنْ عِنْده
فَأُضِيفَ التَّزْوِيج إِلَيْهِ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هُوَ الْخَاطِب وَاَلَّذِي وَلِيَ الْعَقْد عُثْمَان بْن عَفَّان وَقِيلَ عَمْرو بْن أُمَيَّة الضَّمْرِيّ
وَالصَّحِيح أَنَّ عَمْرو بْن أُمَيَّة كَانَ وَكِيل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ بَعَثَ بِهِ النَّجَاشِيّ يُزَوِّجهُ إِيَّاهَا وَقِيلَ الَّذِي وَلِيَ الْعَقْد عَلَيْهَا خالد بن سعيد بن العاص بن عَمّ أَبِيهَا
وَقَدْ رَوَى مُسْلِم فِي الصَّحِيح من حديث عكرمة بن عمار عن بن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفْيَان وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا نَبِيّ اللَّه ثَلَاث أَعْطَيْتهنَّ قَالَ نَعَمْ قَالَ عِنْدِي أَحْسَن الْعَرَب وَأَجْمَلهَا أُمّ حَبِيبَة بِنْت أَبِي سُفْيَان أُزَوِّجكهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَمُعَاوِيَة تَجْعَلهُ كَاتِبًا بَيْن يَدَيْك
قَالَ نَعَمْ قَالَ وَتَأْمُرنِي حَتَّى أُقَاتِل الْكُفَّار كَمَا كُنْت أُقَاتِل الْمُسْلِمِينَ قَالَ نَعَمْ وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيث جَمَاعَة مِنْ الْحُفَّاظ وَعَدُّوهُ مِنْ الْأَغْلَاط فِي كِتَاب مُسْلِم قَالَ بن حَزْم هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لَا شَكَّ فِي وَضْعه وَالْآفَة فِيهِ مِنْ عِكْرِمَة بْن عَمَّار فَإِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِف فِي أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا قَبْل الْفَتْح بِدَهْرٍ وَأَبُوهَا كَافِر.

     وَقَالَ  أَبُو الْفَرَج بْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَاب الْكَشْف لَهُ هَذَا الْحَدِيث وَهْم مِنْ بَعْض الرُّوَاة لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تَرَدُّد وَقَدْ اِتَّهَمُوا بِهِ عِكْرِمَة بْن عَمَّار رَاوِيه وَقَدْ ضَعَّفَ أَحَادِيثه يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ.

     وَقَالَ  لَيْسَتْ بِصِحَاحٍ وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل هِيَ أَحَادِيث ضِعَاف وَكَذَلِكَ لَمْ يُخَرِّج عَنْهُ الْبُخَارِيّ إِنَّمَا أَخْرَجَ عَنْهُ مُسْلِم لِقَوْلِ يَحْيَى بْن مَعِين ثِقَة
قَالَ وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ هَذَا وَهْم لِأَنَّ أَهْل التَّارِيخ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ أُمّ حَبِيبَة كَانَتْ تَحْت عُبَيْد اللَّه بْن جَحْش وَوَلَدَتْ لَهُ وَهَاجَرَ بِهَا وَهُمَا مُسْلِمَانِ إِلَى أَرْض الْحَبَشَة ثُمَّ تَنَصَّرَ وَثَبَتَتْ أُمّ حَبِيبَة عَلَى يُقْدَعُ أَنْفُهُ وَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ سِتٍّ وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ أَخْرَجَ بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ قَالَ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ زَوْجِي عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ بِأَسْوَأِ صُورَةٍ فَفَزِعْتُ فَأَصْبَحْتُ فَإِذَا بِهِ قَدْ تَنَصَّرَ فَأَخْبَرْتُهُ بَالْمَنَامِ فَلَمْ يَحْفِلْ بِهِ وَأَكَبَّ عَلَى الْخَمْرِ حَتَّى مَاتَ فَأَتَانِي آتٍ في نومي فقال ياأم المؤمنين فَفَزِعْتُ فَمَا هُوَ إِلَّا أَنِ انْقَضَتْ عِدَّتِي فَمَا شَعَرْتُ إِلَّا بِرَسُولِ النَّجَاشِيِّ يَسْتَأْذِنُ فَإِذَا هِيَ جَارِيَةٌ لَهُ يُقَالُ لَهَا أَبْرَهَةُ فَقَالَتْ إِنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكِ وَكِّلِي مَنْ يُزَوِّجُكِ فَأَرْسَلْتُ إِلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ فَوَكَّلْتُهُ فَأَعْطَيْتُ أَبْرَهَةَ سِوَارَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ أَمَرَ النَّجَاشِيُّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَمَنْ هُنَاكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَحَضَرُوا فَخَطَبَ النَّجَاشِيُّ فَحَمِدَ اللَّهَQدِينهَا فَبَعَثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّجَاشِيّ يَخْطُبهَا عَلَيْهِ فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم وَذَلِكَ سَنَة سَبْع مِنْ الْهِجْرَة وَجَاءَ أَبُو سُفْيَان فِي زَمَن الْهُدْنَة فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَنَحَّتْ بِسَاط رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَا يَجْلِس عَلَيْهِ وَلَا خِلَاف أَنَّ أَبَا سُفْيَان وَمُعَاوِيَة أَسْلَمَا فِي فَتْح مَكَّة سَنَة ثَمَان وَلَا يُعْرَف أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا سُفْيَان
وَقَدْ تَكَلَّفَ أَقْوَام تَأْوِيلَات فَاسِدَة لِتَصْحِيحِ الْحَدِيث كَقَوْلِ بَعْضهمْ إِنَّهُ سَأَلَهُ تَجْدِيد النِّكَاح عَلَيْهَا وَقَوْل بَعْضهمْ إِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ النِّكَاح بِغَيْرِ إِذْنه وَتَزْوِيجه غَيْر تَامّ فَسَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَوِّجهُ إِيَّاهَا نِكَاحًا تَامًّا فَسَلَّمَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاله وَطَيَّبَ قَلْبه بِإِجَابَتِهِ وَقَوْل بَعْضهمْ إِنَّهُ ظَنَّ أن التخيير كان طلاقا فسأل رجعتها وَابْتِدَاء النِّكَاح عَلَيْهَا وَقَوْل بَعْضهمْ إِنَّهُ اِسْتَشْعَرَ كَرَاهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا وَأَرَادَ بِلَفْظِ التَّزْوِيج اِسْتِدَامَة نِكَاحهَا لَا اِبْتِدَاءَهُ وَقَوْل بَعْضهمْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون وَقَعَ طَلَاق فَسَأَلَ تَجْدِيد النِّكَاح وَقَوْل بَعْضهمْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون أَبُو سُفْيَان قَالَ ذَلِكَ قَبْل إِسْلَامه كَالْمُشْتَرِطِ لَهُ فِي إِسْلَامه وَيَكُون التَّقْدِير ثَلَاث إِنْ أَسْلَمْت تُعْطِينِيهِنَّ وَعَلَى هَذَا اِعْتَمَدَ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ فِي جَوَابَاته لِلْمَسَائِلِ الْوَارِدَة عَلَيْهِ وَطَوَّلَ فِي تَقْرِيره
وَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يُزَوِّجهُ اِبْنَته الْأُخْرَى وَهِيَ أُخْتهَا وَخَفِيَ عَلَيْهِ تَحْرِيم الْجَمْع بَيْن الْأُخْتَيْنِ لِقُرْبِ عَهْده بِالْإِسْلَامِ فَقَدْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى اِبْنَته أُمّ حَبِيبَة حَتَّى سَأَلَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَغَلِطَ الرَّاوِي فِي اِسْمهَا
وَهَذِهِ التَّأْوِيلَات فِي غَايَة الْفَسَاد وَالْبُطْلَان وَأَئِمَّة الْحَدِيث وَالْعِلْم لَا يَرْضَوْنَ بِأَمْثَالِهَا وَلَا يُصَحِّحُونَ أَغْلَاط الرُّوَاة بِمِثْلِ هَذِهِ الْخَيَالَات الْفَاسِدَة وَالتَّأْوِيلَات الْبَارِدَة الَّتِي يَكْفِي فِي الْعِلْم بِفَسَادِهَا تَصَوُّرهَا وَتَأَمَّلْ الْحَدِيث
وَهَذَا التَّأْوِيل الْأَخِير وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِر أَقَلّ فَسَادًا فَهُوَ أَكْذَبهَا وَأَبْطَلُهَا وَصَرِيح الْحَدِيث يَرُدّهُ فَإِنَّهُ قَالَ أُمّ حَبِيبَة أُزَوِّجكهَا قال نعم فلو كان المسؤول تَزْوِيج أُخْتهَا لَمَا أَنْعَمَ لَهُ بِذَلِكَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْحَدِيث غَلَط لَا يَنْبَغِي التَّرَدُّد فِيهِ وَاَللَّه أَعْلَم وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أُزَوِّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ فَأَجَبْتُ وقد أصدقتها عنه أربع مائة دِينَارٍ ثُمَّ سَكَبَ الدَّنَانِيرَ فَخَطَبَ خَالِدٌ فَقَالَ قَدْ أَجَبْتُ إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوَّجْتُهُ أُمَّ حَبِيبَةَ وَقَبَضَ الدَّنَانِيرَ وَعَمِلَ لَهُمُ النَّجَاشِيُّ طَعَامًا فَأَكَلُوا
قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيَّ الْمَالُ أَعْطَيْتُ أَبْرَهَةَ مِنْهُ خَمْسِينَ دِينَارًا
قَالَتْ فَرَدَّتْهَا عَلَيَّ .

     وَقَالَتْ  إِنَّ الْمَلِكَ عَزَمَ عَلَيَّ بِذَلِكَ وَرَدَّتْ عَلَيَّ مَا كُنْتُ أَعْطَيْتُهَا أَوَّلًا ثُمَّ جَاءَتْنِي مِنَ الْغَدِ بِعُودٍ وَوَرْسٍ وَعَنْبَرٍ وَزَبَادٍ كَثِيرٍ فَقَدِمْتُ بِهِ مَعِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وروى بن سَعْدٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ كَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ
وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الرَّسُولَ إِلَى النَّجَاشِيِّ بَعَثَ بِهَا مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّ الرَّسُولَ إِلَى النَّجَاشِيِّ بِذَلِكَ كَانَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ
وَمُطَابَقَةُ الْبَابِ بِقَوْلِهِ فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ لِأَنَّ أَبَاهَا أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ ذَلِكَ الزَّمَانَ وَكَانَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ أَسْلَمَتْ فَلَمْ يَكُنْ أَبُو سُفْيَانَ وَلِيُّهَا فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ لِأَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لا ولي له
وعلى رواية بن سَعْدٍ كَمَا فِي الْإِصَابَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ زُبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ كَمَا فِي أُسْدِ الْغَابَةِ كَانَ خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس أخ أُمِّ حَبِيبَةَ حَاضِرًا وَمُتَوَلِّيًا لِأَمْرِ النِّكَاحِ وَيَجِيءُ بَعْضُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الصَّدَاقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ