فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ الرَّوَاحِ إِلَى عَرَفَةَ

رقم الحديث 1672 [1672] ( مَنِ اسْتَعَاذَ) أَيْ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمُ الْإِعَاذَةَ مُسْتَغِيثًا ( بِاللَّهِ فَأَعِيذُوهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مَنِ اسْتَعَاذَ بِكُمْ وَطَلَبَ مِنْكُمْ دَفْعَ شَرِّكُمْ أَوْ شَرِّ غَيْرِكُمْ قَائِلًا بِاللَّهِ عَلَيْكَ أَنْ تَدْفَعَ عَنِّي شَرَّكَ فَأَجِيبُوهُ وَادْفَعُوا عَنْهُ الشَّرَّ تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَالتَّقْدِيرُ مَنِ اسْتَعَاذَ مِنْكُمْ مُتَوَسِّلًا بِاللَّهِ مُسْتَعْطِفًا بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَاءُ صِلَةَ اسْتَعَاذَ أَيْ مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُ بَلْ أَعِيذُوهُ وَادْفَعُوا عَنْهُ الشَّرَّ فَوَضَعَ أَعِيذُوا مَوْضِعَ ادْفَعُوا وَلَا تَتَعَرَّضُوا مُبَالَغَةً ( فَأَعْطُوهُ) أَيْ تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ وَشَفَقَةً عَلَى حَقِّ اللَّهِ ( وَمَنْ دَعَاكُمْ) أَيْ إِلَى دَعْوَةٍ ( فَأَجِيبُوهُ) أَيْ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ ( وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا) أَيْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ إِحْسَانًا قَوْلِيًّا أَوْ فِعْلِيًّا ( فَكَافِئُوهُ) مِنَ الْمُكَافَأَةِ أَيْ أَحْسِنُوا إِلَيْهِ مِثْلَ مَا أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الإحسان وأحسن كما أحسن الله إليك ( فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوا بِهِ) أَيْ بِالْمَالِ وَالْأَصْلُ تُكَافِئُونَ فَسَقَطَ النُّونَ بِلَا نَاصِبٍ وَجَازِمٍ إِمَّا تَخْفِيفًا أَوْ سَهْوًا مِنَ النَّاسِخِينَ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ عَلَى الْحِفْظِ مُعَوَّلٌ وَنَظِيرُهُ كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّ عَلَيْكُمْ عَلَى مَا رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ ( فَادْعُوا لَهُ) أَيْ لِلْمُحْسِنِ يَعْنِي فَكَافِئُوهُ بِالدُّعَاءِ لَهُ ( حَتَّى تَرَوْا) بِضَمِّ التَّاءِ أَيْ تَظُنُّوا وَبِفَتْحِهَا أَيْ تَعْلَمُوا أَوْ تَحْسَبُوا ( أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) أَيْ كَرِّرُوا الدُّعَاءَ حَتَّى تَظُنُّوا أَنْ قَدْ أَدَّيْتُمْ حَقَّهُ
وَقَدْ جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ مَرْفُوعًا مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ رَوَاهُ النسائي والترمذي وبن حِبَّانَ فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِأَحَدٍ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ أَدَّى الْعِوَضَ وَإِنْ كَانَ حَقُّهُ كَثِيرًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ


أَيْ مَنْ تَصَدَّقَ بِمَالِهِ كُلِّهِ أَجْمَعَ كَيْفَ حُكْمُهُ
( فَحَذَفَهُ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ رَمَاهُ ( أَوْ لَعَقَرَتْهُ) أَيْ جَرَحَتْهُ ( يَسْتَكِفُّ النَّاسَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ يَتَعَرَّضُ لِلصَّدَقَةِ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِبَطْنِ كَفِّهِ يُقَالُ تَكَفَّفَ الرَّجُلُ وَاسْتَكَفَّ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَمِنْ هذا قوله صلى الله عليه وَسَلَّمَ لِسَعْدٍ إِنَّكَ إِنْ تَدَعْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ انْتَهَى قَالَ السُّيُوطِيُّ بِكَسْرِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ تَعَرَّضَ لِلصَّدَقَةِ وَمَدَّ كَفَّهُ إِلَيْهَا أَوْ سَأَلَ كَفًّا مِنَ الطَّعَامِ أَوْ مَا يَكُفُّ الْجُوعَ انْتَهَى ( مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ عَنْ غِنًى يَعْتَمِدُهُ وَيَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى النَّوَائِبِ الَّتِي تَنُوبُهُ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا أَبْقَتْ غِنًى وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّ الِاخْتِيَارَ لِلْمَرْءِ أَنْ يَسْتَبْقِيَ لِنَفْسِهِ قُوتًا وَأَنْ لَا يَنْخَلِعَ مِنْ مِلْكِهِ أَجْمَعَ مَرَّةً وَاحِدَةً لِمَا يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَشِدَّةِ نِزَاعِ النَّفْسِ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْ يَدِهِ فَيَنْدَمَ فَيَذْهَبُ مَالُهُ وَيَبْطُلُ أَجْرُهُ وَيَصِيرُ كَلًّا عَلَى النَّاسِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ خُرُوجَهُ مِنْ مَالِهِ أَجْمَعَ لِمَا عَلِمَهُ مِنْ صِحَّةِ نِيَّتِهِ وَقُوَّةِ يَقِينِهِ وَلَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ كَمَا خَافَهَا عَلَى الَّذِي رَدَّ عَلَيْهِ الذَّهَبَ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ السِّنْدِيُّ عَنْ ظَهْرِ غِنًى أَيْ مَا يَبْقَى خَلَفَهَا غِنًى لِصَاحِبِهِ قَلْبِيٌّ كَمَا كَانَ لِلصِّدِّيقِ أَوْ قَالَبِيٌّ فَيَصِيرُ الْغِنَى لِلصَّدَقَةِ كَالظَّهْرِ لِلْإِنْسَانِ وَرَاءَ الْإِنْسَانِ فَإِضَافَةُ الظَّهْرِ إِلَى الْغِنَى بَيَانِيَّةٌ لِبَيَانِ أَنَّ الصَّدَقَةَ إِذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يَبْقَى لِصَاحِبِهَا الْغِنَى بَعْدَهَا إِمَّا لِقُوَّةِ قَلْبِهِ أَوْ لِوُجُودِ شَيْءٍ بَعْدَهَا يُسْتَغْنَى بِهِ عَمَّا تَصَدَّقَ فَهُوَ أَحْسَنُ وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ صَاحِبُهَا بَعْدَهَا إِلَى مَا أَعْطَى وَيُضْطَرُّ إِلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِهَا التَّصَدُّقُ بِهِ انْتَهَى
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مَا كَانَ عَفْوًا قَدْ فَضَلَ عَنْ غِنًى وَقِيلَ أَرَادَ مَا فَضَلَ عَنِ العِيَالِ وَالظَّهْرُ قَدْ يُزَادُ فِي مِثْلِ هَذَا إِشْبَاعًا لِلْكَلَامِ
وَتَمْكِينًا كَأَنَّ صَدَقَتَهُ مُسْتَنِدَةٌ إِلَى ظَهْرٍ قَوِيٍّ مِنَ الْمَالِ انْتَهَى