فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ

رقم الحديث 1874 [1874] ( يَمْسَحُ مِنَ الْبَيْتِ) أَيْ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ مِنْ أَجْزَائِهِ ( إِلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ الْأُولَى وَقَدْ يُشَدَّدُ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ وَالرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ تَغْلِيبًا وَالرُّكْنَانِ الْآخَرَانِ أَحَدُهُمَا شَامِيٌّ وَثَانِيهِمَا عِرَاقِيٌّ وَيُقَالُ لَهُمَا الشَّامِيَّانِ تَغْلِيبًا
وَرُكْنُ الْبَيْتِ جَانِبُهُ وَلِلرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ فَضِيلَةٌ بِاعْتِبَارِ بَقَائِهِمَا عَلَى بِنَاءِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَلِذَلِكَ خَصَّهُمَا بِالِاسْتِلَامِ وَالرُّكْنُ الْأَسْوَدُ أَفْضَلُ لكون الحجر الأسود فِيهِ وَلِهَذَا يُقَبَّلُ وَيُكْتَفَى بِاللَّمْسِ فِي الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ
وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تقبيل الركن اليماني وعليه الجمور
قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ
قَالَ الْحَافِظُ الْعَسْقَلَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْبَيْتِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ الْأَوَّلُ لَهُ فَضِيلَتَانِ لِكَوْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِيهِ وَكَوْنِهِ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالثَّانِي لِكَوْنِهِ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْآخَرَيْنِ شَيْءٌ مِنْهَا وَلِذَلِكَ يُقَبَّلُ الْأَوَّلُ وَيُسْتَلَمُ الثَّانِي وَلَا يُقَبَّلَانِ وَلَا يُسْتَلَمَانِ هَذَا عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ
وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ تَقْبِيلَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ



رقم الحديث 1875 [1875] ( أَنَّهُ أُخْبِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَلَفْظُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَكَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَ الْحَافِظُ بِنَصْبِ عَبْدٍ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ سَالِمًا كَانَ حَاضِرًا لِذَلِكَ فَتَكُونُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَولُهُ عَنْ عَائِشَةَ مُتَعَلِّقٌ بِأُخْبِرَ ( إِنَّ الْحِجْرَ بَعْضُهُ مِنَ الْبَيْتِ) الْحِجْرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ اسْمُ الْحَائِطِ الْمُسْتَدِيرِ إِلَى جانب الكعبة الغربي
قاله بن الْأَثِيرِ
قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهُوَ مَعْرُوفٌ عَلَى صِفَةِ نِصْفِ الدَّائِرَةِ وَقَدْرُهَا تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَقَالُوا سِتَّةُ أَذْرُعٍ مِنْهُ مَحْسُوبٌ مِنَ الْبَيْتِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الزَّائِدِ خِلَافٌ ( بَعْضُهُ مِنَ الْبَيْتِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْحِجْرَ لَيْسَ كُلُّهُ مِنَ الْبَيْتِ بَلِ الَّذِي هُوَ مِنَ الْبَيْتِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ مُتَّصِلٍ بِالْبَيْتِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْبَغَوِيُّ وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِلَفْظِ وَزِدْتُ فِيهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ مِنَ الْحِجْرِ
وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الجُدُرِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِجْرَ كُلُّهُ مِنَ الْبَيْتِ وَبِذَلِكَ كَانَ يُفْتِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَتُؤَيِّدُهَا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَأَدْخَلَنِي الْحِجْرَ فَقَالَ صَلِّي فِي الْحِجْرِ إِنْ أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ
الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْحِجْرَ كُلَّهُ مِنَ الْبَيْتِ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَهُ بن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ ( إِنْ كَانَتْ سَمِعَتْ هَذَا) لَيْسَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّضْعِيفِ لِرِوَايَتِهَا وَالتَّشْكِيكِ فِي صِدْقِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ صِدِّيقَةً حَافِظَةً وَلَكِنْ كَثِيرًا يَقَعُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ صُورَةُ التَّشْكِيكِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْيَقِينِ وَالتَّقْرِيرِ كَقَوْلِهِ تعالى وإن أدري لعله فتنة لكم وكقوله قل إن ضللت فإنما أضل عن نفسي قَالَهُ النَّوَوِيُّ ( إِنِّي لَأَظُنُّ) جَزَاءُ شَرْطٍ يُرِيدُ إِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ استلامها فكان بن عُمَرَ عَلِمَ تَرْكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِلَامَ وَلَمْ يَعْلَمْ عِلَّتَهُ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بِخَبَرِ عَائِشَةَ هَذَا عَرَفَ عِلَّةَ ذَلِكَ وَهُوَ كَوْنُهُمَا لَيْسَا عَلَى الْقَوَاعِدِ بَلْ أَخْرَجَ مِنْهُ بَعْضَ الْحِجْرِ وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ رُكْنَ الْبَيْتِ الَّذِي مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَالرُّكْنَانِ اللَّذَانِ الْيَوْمَ مِنْ جِهَةِ الْحِجْرِ لَا يُسْتَلَمَانِ كَمَا لَا يُسْتَلَمُ سَائِرُ الْجُدُرِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِالْأَرْكَانِ وَعَنْ عُرْوَةَ وَمُعَاوِيَةَ اسْتِلَامُ الْكُلِّ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْبَيْتِ شيئا مهجورا
وذكر عن بن الزبير أيضا وكذا عن جابر وبن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَلَمُ إِلَّا الرُّكْنُ الْأَسْوَدُ خَاصَّةً وَلَا يُسْتَلَمُ الْيَمَانِيُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَإِنِ اسْتَلَمَهُ فَلَا بَأْسَ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ
وَقَالَ القسطلاني وهذا الذي قاله بن عُمَرَ مِنْ فِقْهِهِ وَمِنْ تَعْلِيلِ الْعَدَمِ بِالْعَدَمِ عَلَّلَ عَدَمَ الِاسْتِلَامِ بِعَدَمِ أَنَّهَا مِنَ الْبَيْتِ انْتَهَى ( وَرَاءَ الْحَجْرِ) أَيِ الْحَطِيمِ ( إِلَّا لِذَلِكَ) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْبَيْتِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ ومسلم قول بن عُمَرَ هَذَا بِمَعْنَاهُ عَنْ عَائِشَةَ فِي أَثْنَاءِ عِمَارَةِ الْبَيْتِ انْتَهَى



رقم الحديث 1876 [1876] ( لَا يَدَعُ أَنْ يَسْتَلِمَ) وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِلَامِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيَرُدُّ الْحَدِيثُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ وَفِيهِ مَقَالٌ انتهىQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد روى بن حبان في صحيحه عن بْن عُمَر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَسْح الْحَجَر وَالرُّكْن الْيَمَانِيّ يَحُطّ الْخَطَايَا حَطًّا
وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث حَنْظَلَة بْن أَبِي سُفْيَان قَالَ رَأَيْت طَاوُسًا يَمُرّ بِالرُّكْنِ فَإِنْ وَجَدَ عَلَيْهِ زِحَامًا مَرَّ وَلَمْ يزاحم وإن رَآهُ خَالِيًا قَبَّلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ رَأَيْت بن عباس فعل مثل ذلك ثم قال بن عَبَّاس رَأَيْت عُمَر بْن الْخَطَّاب فَعَلَ مِثْل ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ عُمَر إِنَّك حَجَر لَا تَنْفَع وَلَا تَضُرّ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَك مَا قَبَّلْتُك ثُمَّ قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ مِثْل ذَلِكَ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ كَمْ يُقَبِّل الْحَجَر وَفِي النَّسَائِيِّ عَنْ عُمَر أَنَّهُ قَبَّلَ الْحَجَر الْأَسْوَد وَالْتَزَمَهُ.

     وَقَالَ  رَأَيْت أَبَا الْقَاسِم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِك حَفِيًّا
وفي النسائي عن بن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْحَجَر الْأَسْوَد مِنْ الْجَنَّة
وَفِي صَحِيح أَبِي حَاتِم عَنْ نَافِع بْن شَيْبَة الْحَجَبِيّ قَالَ سَمِعْت عَبْد اللَّه بْن عَمْرو يَقُول سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول وَهُوَ مُسْنِد ظَهْره إِلَى الْكَعْبَة الرُّكْن وَالْمَقَام يَاقُوتَتَان مِنْ يَاقُوت الْجَنَّة وَلَوْلَا أَنَّ اللَّه طَمَسَ نُورهمَا لَأَضَاءَا مَا بَيْن المشرق والمغرب
وفي صحيحه أيضا عن بن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِهَذَا الْحَجَر لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ يَشْهَدَانِ لِمَنْ اِسْتَلَمَهُ يَوْم الْقِيَامَة بِحَقٍّ
وَفِي صَحِيحه أَيْضًا عَنْهُ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَبْعَثَنَّ اللَّه هَذَا الرُّكْن يَوْم الْقِيَامَة لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِر بِهِمَا وَلِسَان يَنْطِق بِهِ يَشْهَد لِمَنْ اِسْتَلَمَهُ بِالْحَقِّ وَأَخْرَجَ النسائي عن بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطُوف بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَته فَإِذَا اِنْتَهَى إِلَى الرُّكْن أَشَارَ إِلَيْهِ وَفِي الصَّحِيح عَنْ بن عُمَر أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ اِسْتِلَام الْحَجَر فَقَالَ رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمهُ وَيُقَبِّلهُ
رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَهَذَا يَحْتَمِل الْجَمْع بَيْنهمَا وَيَحْتَمِل أَنَّهُ رَآهُ يَفْعَل هَذَا تَارَة
وَهَذَا تارة


رقم الحديث 1877 [1877] هَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَكَذَا فِي نُسَخِ الْمُنْذِرِيِّ وَفِي الْمَعَالِمِ لِلْخَطَّابِيِّ بَابُ طَوَافِ الْبَيْتِ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الطَّوَافِ طَوَافُ الْقُدُومِ وَظَاهِرُ تَبْوِيبِ الْمُؤَلِّفِ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى وُجُوبِهِ كَمَا هُوَ رَأْيُ مالك وبعض الحنفية قال علي القارىء الْحَنَفِيُّ فِي شَرْحِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ الْأَوَّلُ طَوَافُ الْقُدُومِ وَيُسَمَّى طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَهُوَ سُنَّةٌ عَلَى مَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَفِي خِزَانَةِ المفتيين أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ
وَالثَّانِي طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَيُسَمَّى طَوَافُ الرُّكْنِ وَالْإِفَاضَةِ وَطَوَافُ الْحَجِّ وَطَوَافُ الْفَرْضِ وَطَوَافُ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ رُكْنٌ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ
الثَّالِثُ طَوَافُ الصَّدْرِ وَيُسَمَّى طَوَافُ الْوَدَاعِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْآفَاقِيِّ دُونَ الْمَكِّيِّ انْتَهَى مُلَخَّصًا
وَفِي رَحْمَةِ الْأُمَّةِ فِي اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ وَطَوَافُ الْقُدُومِ سُنَّةٌ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ
وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ تَرَكَهُ مُطِيقًا لَزِمَهُ دَمٌ وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ بِالِاتِّفَاقِ وَطَوَافُQوَقَدْ ثَبَتَ تَقْبِيل الْيَد بَعْد اِسْتِلَامه فَفِي الصحيحين أيضا عن نافع قال رأيت بن عمر استلم الحجر بيده ثم قبد يَده.

     وَقَالَ  مَا تَرَكْته مُنْذُ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلهُ
فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَنْوَاع صَحَّتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْبِيله وَهُوَ أَعْلَاهَا وَاسْتِلَامه وَتَقْبِيل يَده وَالْإِشَارَة إِلَيْهِ بِالْمِحْجَنِ وَتَقْبِيله لِمَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي الطُّفَيْل قَالَ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوف بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِم الْحَجَر بِمِحْجَنِ مَعَهُ وَيُقَبِّل الْمِحْجَن
وَقَدْ رَوَى الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ عُمَر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ياعمر إِنَّك رَجُل قَوِيّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَر إِنْ وَجَدْت خَلْوَة فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ
وَأَمَّا الرُّكْن الْيَمَانِيّ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ اِسْتَلَمَهُ من رواية بن عمر وبن عباس وحديث بن عُمَر فِي الصَّحِيحَيْنِ لَمْ يَكُنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسّ مِنْ الْأَرْكَان إلا اليمانيين وحديث بن عَبَّاس فِي التِّرْمِذِيّ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي تاريخه عن بن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِسْتَلَمَ الرُّكْن الْيَمَانِيّ قَبَّلَهُ وَفِي صَحِيح الْحَاكِم عَنْهُ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّل الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَيَضَع خَدّه عَلَيْهِ وَهَذَا الْمُرَاد بِهِ الْأَسْوَد فَإِنَّهُ يُسَمَّى يَمَانِيًّا مَعَ الرُّكْن الْآخَر يُقَال لَهُمَا الْيَمَانِيَّيْنِ بِدَلِيلِ حَدِيث عُمَر فِي تَقْبِيله الْحَجَر الْأَسْوَد خَاصَّة وَقَوْله لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلك مَا قَبَّلْتُك فَلَوْ قَبَّلَ الْآخَر لَقَبَّلَهُ عُمَر
وَفِي النفس من حديث بن عَبَّاس هَذَا شَيْء وَهَلْ هُوَ مَحْفُوظ أَمْ لا الْوَدَاعِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إِلَّا لِمَنْ أَقَامَ فَلَا وَدَاعَ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَسْقُطُ إِلَّا بِالْإِقَامَةِ انْتَهَى
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اسْتِدْلَالُ الْمُؤَلِّفِ عَلَى وُجُوبِهِ بِأَنَّهُ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَافَ الْقُدُومِ مَعَ كَوْنِهِ يَشْتَكِي بَلْ طَافَ عَلَى بَعِيرِهِ وَكَذَا أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِأَنَّهَا تَطُوفُ رَاكِبَةً وَهَذَا شَأْنُ مَا يَكُونُ وَاجِبًا وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى قَدِ اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ طَوَافِ الْقُدُومِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّهُ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق ولفعله صلى الله عليه وسلم وقوله خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّهُ سُنَّةٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَالَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ.
وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْوُجُوبِ بِالْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ لِأَنَّهَا فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ إِجْمَاعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
كَذَا فِي غاية المقصود ( يستلم الركن بمحجن) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى طَوَافِهِ عَلَى الْبَعِيرِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ وَأَنْ يُشَاهِدُوهُ فَيَسْأَلُوهُ عَنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَيَأْخُذُوا عَنْهُ مَنَاسِكَهُمْ فَاحْتَاجَ إِلَى أَنْ يُشْرِفَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ جَوَازُ الطَّوَافِ عَنِ الْمَحْمُولِ وَإِنْ كَانَ مُطِيقًا لِلْمَشْيِ
وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَرَى بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرًا لِأَنَّ الْبَعِيرَ إِذَا بَقِيَ فِي الْمَسْجِدِ الْمُدَّةَ الَّتِي يُقْضَى فِيهَا الطَّوَافُ لَمْ يَكَدْ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَبُولَ فَلَوْ كَانَ بَوْلُهُ يُنَجِّسُ الْمَكَانَ لَنُزِّهَ الْمَسْجِدُ عَنْ إِدْخَالِهِ فِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْمِحْجَنُ الْعُودُ الْمُعَقَّفُ الرَّأْسِ يَكُونُ مَعَ الرَّاكِبِ يُحَرِّكُ بِهِ رَاحِلَتَهُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ



رقم الحديث 1878 [1878] ( قَالَتْ لَمَّا اطْمَأَنَّ) أَيْ صَارَ مُطْمَئِنًّا
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
وَصَفِيَّةُ هَذِهِ أَخْرَجَ لَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثًا
وَقِيلَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِصَحَابِيَّةٍ
وَإِنَّ الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحمن النسائي وأبي بكر البرقاني وذكرها بن السَّكَنِ فِي كِتَابِهِ فِي الصَّحَابَةِ وَكَذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ وَلَهَا رِوَايَةٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ تَقُولُ فِيهِ وَأَنَا أنظر إليه
وقد أخرج بن مَاجَهْ عَنْهَا وَذَكَرَ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَامَ الْفَتْحِ غَيْرَ أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ انتهى