فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ طَوَافِ الْقَارِنِ

رقم الحديث 1658 [1658] ( قَالَ مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِالْكَنْزِ الْمَذْكُورِ فِي الْقُرْآنِ وَفِي الْحَدِيثِ
فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ هُوَ كُلُّ مَالٍ وَجَبَتْ فِيهِ صَدَقَةُ الزَّكَاةِ فَلَمْ تُؤَدَّ فَأَمَّا مَالٌ خَرَجَتْ زَكَاتُهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وَسَلَّمَ لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ وَفِي آخِرِهِ فَيَقُولُ أَنَا كَنْزُكَ
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ بَدَلَ قَوْلِهِ مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يؤيد مِنْهُمَا حَقَّهُمَا ( يُحْمَى عَلَيْهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالْجَارُّ والمجرور نائب الْفَاعِلِ أَيْ يُوقَدُ عَلَيْهَا ذَاتُ حُمَّى وَحَرٍّ شديد من قوله تعالى نار حامية فَفِيهِ مُبَالَغَةٌ لَيْسَتْ فِي أُحْمِيتْ فِي نَارٍ وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهَا رَاجَعٌ إِلَى الْكَنْزِ لِكَوْنِهِ عِبَارَةٌ عَنِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ( فِي نَارِ جَهَنَّمَ) يَشْتَدُّ حَرُّهَا ( فَتُكْوَى بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الدَّرَاهِمِ ( جَبْهَتُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ) قِيلَ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ الَّتِي هِيَ الدِّمَاغُ وَالْقَلْبُ وَالْكَبِدُ ( حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ) أَيْ يَحْكُمَ ( فِي يَوْمٍ) هُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ ( كَانَ مِقْدَارُهُ إِلَخْ) أَيْ عَلَى الْكَافِرِينَ وَيَطُولُ عَلَى بَقِيَّةِ الْعَاصِينَ بِقَدْرِ ذُنُوبِهِمْ.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ الْكَامِلُونَ فَلَا يَطُولُ عَلَيْهِمْ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمٌ عسير على الكافرين غير يسير ( ثُمَّ يُرَى) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الرُّؤْيَةِ أَوِ الْإِرَاءَةِ ( سَبِيلُهُ) مَرْفُوعٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَمَنْصُوبٌ بِالْمَفْعُولِ الثَّانِي عَلَى الثَّانِي
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَبِرَفْعِ لَامِ سَبِيلِهِ وَنَصْبِهَا
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَسْلُوبُ الِاخْتِيَارِ يَوْمَئِذٍ مَقْهُورٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرُوحَ إِلَى النَّارِ فَضْلًا عَنِ الجَنَّةِ حَتَّى يُعَيَّنَ لَهُ أَحَدُ السَّبِيلَيْنِ ( إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ) إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَنْبٌ سِوَاهُ وَكَانَ الْعَذَابُ تَكْفِيرًا لَهُ ( وَإِمَّا إِلَى النَّارِ) إِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ
وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْآيَةَ مُخْتَصَّةٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى خُلُودِهِ فِي النَّارِ
وَقِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِأَنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ تَرْكَ الزَّكَاةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ إِنْ كَانَ كَافِرًا بِأَنِ اسْتَحَلَّ تَرْكَهَا ( أَوْفَرَ مَا كَانَتْ) أَيْ أَكْثَرَ عَدَدًا وَأَعْظَمَ سِمَنًا وَأَقْوَى قُوَّةً يُرِيدُ بِهِ كَمَالَ حَالِ الْغَنَمِ الَّتِي وَطِئَتْ صَاحِبَهَا فِي الْقُوَّةِ وَالسِّمَنِ لِيَكُونَ أَثْقَلَ لِوَطْئِهَا ( فَيُبْطَحُ) أَيْ يُلْقَى ذَلِكَ الصَّاحِبُ عَلَى وَجْهِهِ ( لَهَا) أَيْ لِتِلْكَ الْغَنَمِ ( بِقَاعٍ قَرْقَرٍ) فِي النِّهَايَةِ الْقَاعُ الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي الْوَاسِعُ وَالْقَرْقَرُ الْمَكَانُ الْمُسْتَوِي فَيَكُونُ صِفَةً مُؤَكِّدَةً وَقِيلَ الْأَمْلَسُ الْمُسْتَوِي مِنَ الْأَرْضِ ( فَتَنْطَحُهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتُكْسَرُ فِي الْقَامُوسِ نَطَحَهُ كَمَنَعَهُ وَضَرَبَهُ أَصَابَهُ بِقَرْنِهِ ( بِقُرُونِهَا) إِمَّا تَأْكِيدٌ وَإِمَّا تَجْرِيدٌ ( بِأَظْلَافِهَا) جَمْعُ ظِلْفٍ وَهُوَ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ لِلْفَرَسِ ( عَقْصَاءُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيِ الْمُلْتَوِيَةُ الْقُرُونِ ( وَلَا جَلْحَاءُ) بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ لَامٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ نَفْيَ الْعَقْصِ وَالِالْتِوَاءِ في قُرُونِهَا لِيَكُونَ أَنْكَى لَهَا وَأَدْنَى أَنْ تَحُوزَ فِي النُّطُوحِ ( بِأَخْفَافِهَا) أَيْ بِأَرْجُلِهَا
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ
وَقَدْ زَادَ مُسْلِمٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا صَاحِبِ بَقَرٍ إِلَخْ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَيْلِ لِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عِنْدَ ذِكْرِ الْخَيْلِ ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا
وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يُجَاهِدُ بِهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ فِي رِقَابِهَا الْإِحْسَانُ إِلَيْهَا وَالْقِيَامُ بِعَلْفِهَا وَسَائِرِ مُؤَنِهَا وَالْمُرَادُ بِظُهُورِهَا إِطْرَاقُ فَحْلِهَا إِذَا طُلِبَتْ عَارِيَتُهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ حَقُّ اللَّهِ مِمَّا يَكْسِبُهُ مِنْ مَالِ الْعَدُوِّ عَلَى ظُهُورِهَا وَهُوَ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ



رقم الحديث 1656 [1656] ( بِوَلِيدَةٍ) أَيِ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ ( وَإِنَّهَا) أَيْ أُمِّي ( تِلْكَ الْوَلِيدَةَ) فَهَلْ آخُذُهَا وَتَعُودُ في مِلْكِي أَمْ لَا ( وَجَبَ أَجْرُكِ) أَيْ ثَبَتَ ( وَرَجَعَتْ إِلَيْكِ فِي الْمِيرَاثِ) أَيْ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكِ بِالْمِيرَاثِ وَصَارَتِ الْجَارِيَةُ مِلْكًا لَكِ بِالْإِرْثِ وَعَادَتْ إِلَيْكِ بِالْوَجْهِ الْحَلَالِ
وَالْمَعْنَى أَنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّهُ ليس أمرا اختياريا
قال بن الْمَلِكِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى قَرِيبَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا حَلَّتْ لَهُ وَقِيلَ يَجِبُ صَرْفُهَا إِلَى فَقِيرٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مسلم والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ




رقم الحديث 1657 [1657] ( قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَيَمْنَعُونَ الماعون وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال هي الزكاة وهو قول بن عُمَرَ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ.

     وَقَالَ  عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْمَاعُونُ الْفَأْسُ وَالدَّلْوُ وَالْقِدْرُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَهِيَ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ
قَالَ مُجَاهِدٌ الْمَاعُونُ الْعَارِيَةُ.

     وَقَالَ  عِكْرِمَةُ أَعْلَاهَا الزَّكَاةُ الْمَعْرُوفَةُ وَأَدْنَاهَا عَارِيَةُ الْمَتَاعِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَالْكَلْبِيُّ الْمَاعُونُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ
وَقِيلَ أَصْلُ الْمَاعُونِ مِنَ الْقِلَّةِ فَسَمَّى الزَّكَاةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْمَعْرُوفَ مَاعُونًا لِأَنَّهُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ
وَقِيلُ الْمَاعُونُ مَا لَا يَحِلُّ الْمَنْعُ مِنْهُ مِثْلُ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالنَّارِ كَذَا فِي الْمَعَالِمِ