فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي الرَّحْمَةِ

رقم الحديث 4355 [4355] ( قَالَ أَحَدُهُمَا) أَيْ طَلْحَةُ أَوْ بُرَيْدٌ ( وَكَانَ) أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُوثَقُ الْمُرْتَدُّ ( قَدِ اسْتُتِيبَ) أَيْ عُرِضَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ وَهُوَ قَوْلُ الجمهور قال بن بَطَّالٍ اخْتُلِفَ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ فَقِيلَ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ يَجِبُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ جَاءَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ
قال الحافظ واستدل بن الْقَصَّارِ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ بِالْإِجْمَاعِ يَعْنِي السُّكُوتِيَّ لِأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي أَمْرِ الْمُرْتَدِّ هَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَطْعَمْتُمُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَغِيفًا لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ
قَالَ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ كَأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ أَيْ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالِاسْتِتَابَةِ هَلْ يُكْتَفَى بِالْمَرَّةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَهَلِ الثَّلَاثُ فِي مَجْلِسٍ أَوْ فِي يَوْمٍ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَنْ عَلِيٍّ يُسْتَتَابُ شَهْرًا وَعَنِ النَّخَعِيِّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا
كَذَا نُقِلَ عَنْهُ مُطْلَقًا
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الرِّدَّةُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَحَدُهُمَا يُرِيدُ طَلْحَةَ بْنَ يحيى ويريد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ
وَطَلْحَةُ هَذَا هو بن يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْكُوفِيُّ وَهُوَ مَدَنِيُّ الْأَصْلِ وَبُرَيْدٌ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ وَبَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ



رقم الحديث 4353 [4353] ( لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ) أَيْ إِرَاقَةُ دَمِ شَخْصٍ ( يَشْهَدُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لامرىء
وَقَالَ الطِّيبِيُّ صِفَةٌ مُمَيِّزَةٌ لَا كَاشِفَةٌ يَعْنِي إِظْهَارُهُ الشَّهَادَتَيْنِ كَافٍ فِي حَقْنِ دَمِهِ ( إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ) أَيْ خِصَالٍ ( رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ) أَيْ زِنَا رَجُلٍ زَانٍ مُحْصَنٍ ( فَإِنَّهُ يُرْجَمُ) أَيْ يُقْتَلُ بِرَجْمِ الْحِجَارَةِ ( وَرَجُلٌ) أَيْ وَخُرُوجُ رَجُلٍ ( خَرَجَ) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَالَ كَوْنِهِ ( مُحَارِبًا بِاللَّهِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ فِي الْمَفْعُولِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة وَالْمُرَادُ بِهِ قَاطِعُ الطَّرِيقِ أَوِ الْبَاغِي قَالَهُ القارىء وفي بعض النسخ محاربا بالله بِاللَّامِ ( فَإِنَّهُ يُقْتَلُ) أَيْ إِنْ قَتَلَ نَفْسًا بلا أخذ مال
كذا قيده القارىء
فَعَلَى هَذَا أَوْ لِلتَّفْصِيلِ وَإِذَا جَعَلَ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا الْقَيْدِ كَمَا هو مذهب بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ ( أَوْ يُصَلَّبُ) أَيْ حَيًّا وَيُطْعَنُ حَيًّا حَتَّى يَمُوتَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ إِنَّهُ يُقْتَلُ وَيُصَلَّبُ نَكَالًا لِغَيْرِهِ إِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ ( أَوْ يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ) أَيْ يُخْرَجُ مِنَ الْبَلَدِ إِلَى الْبَلَدِ لَا يَزَالُ يُطَالَبُ وَهُوَ هَارِبٌ وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقِيلَ يُنْفَى مِنْ بَلَدِهِ وَيُحْبَسُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَهَذَا مُخْتَارُ بن جرير
قال القارىء بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُحْبَسُ إِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْإِخَافَةِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يحاربون الله ورسوله وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ أَوْ تُقْطَعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ قَبْلَ قَوْلِهِ أَوْ يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ لِيَكُونَ الْحَدِيثُ عَلَى طِبْقِ الْآيَةِ مُسْتَوْعِبًا وَلَعَلَّ حَذْفَهُ وَقَعَ مِنَ الرَّاوِي نِسْيَانًا أو اختصارا قال وأو فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ لِلتَّفْصِيلِ وَقِيلَ إِنَّهُ لِلتَّخْيِيرِ وَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْعُقُوبَاتِ الْأَرْبَعَةِ فِي كُلِّ قَاطِعٍ
وروى بن جرير هذا القول عن بن عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالضَّحَّاكِ ( أَوْ يَقْتُلُ نَفْسًا) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ وَأَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ عَطْفًا عَلَى رَجُلٍ خَرَجَ وَالتَّقْدِيرُ قَتْلُ رَجُلٍ نَفْسًا ( فَيُقْتَلُ بِهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ



رقم الحديث 4354 [4354] ( قَالَ أَبُو مُوسَى) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَمَعِي رَجُلَانِ) وَفِي مُسْلِمٍ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَمِّي ( فَكِلَاهُمَا سَأَلَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَأَلَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ ( الْعَمَلَ) وَلِمُسْلِمٍ أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَّاكَ اللَّهُ ( أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي بِأَيِّهِمَا خَاطَبَهُ ( مَا أَطْلَعَانِي عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمَا) أَيْ دَاعِيَةِ الِاسْتِعْمَالِ ( وَمَا شَعَرْتُ) أَيْ مَا عَلِمْتُ ( إِلَى سِوَاكِهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَلَصَتْ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ انْزَوَتْ أَوِ ارْتَفَعَتْ
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَهُوَ حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ ( أَوْ لَا نَسْتَعْمِلُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي ( فَبَعَثَهُ) أَيْ أَبَا مُوسَى ( عَلَى الْيَمَنِ) أَيْ عَامِلًا عَلَيْهَا ( ثُمَّ أَتْبَعَهُ) بِهَمْزَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ سَاكِنَةٍ ( مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ) بِالنَّصْبِ أَيْ بَعَثَهُ بَعْدَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِ بَعْدَ أَنْ تَوَجَّهَ ( عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَبِي مُوسَى
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ عَلَى عَمَلٍ مُسْتَقِلٍّ وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ فَقَرُبَ مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي الْمَغَازِي فَجَعَلَا يَتَزَاوَرَانِ فَزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَضَرَبَ فُسْطَاطًا ( وَأَلْقَى) أَيْ أَبُو مُوسَى ( لَهُ) لِمُعَاذٍ ( وِسَادَةً) قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى أَلْقَى لَهُ وِسَادَةً فَرَشَهَا لَهُ لِيَجْلِسَ عَلَيْهَا
وَقَدْ ذَكَرَ الْبَاجِيُّ وَالْأَصِيلِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عنهما أن المراد بقول بن عَبَّاسٍ فَاضْطَجَعْتُ فِي عَرْضِ الْوِسَادَةِ الْفِرَاشُ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ فَقَالَ هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْوِسَادَةِ مَا يُجْعَلُ تَحْتَ رَأْسِ النَّائِمِ وَهُوَ كَمَا قَالَ
قَالَ وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ أَنَّ مَنْ أَرَادُوا إِكْرَامَهُ وَضَعُوا الْوِسَادَةَ تَحْتَهُ مُبَالَغَةً فِي إِكْرَامِهِ
قَالَ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ الْفِرَاشَ يُسَمَّى وِسَادَةً انْتَهَى ( مُوثَقٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ مَرْبُوطٌ بِقَيْدٍ ( قَالَ) أَيْ مُعَاذٌ ( مَا هَذَا) أَيْ مَا هَذَا الرَّجُلُ الْمُوثَقُ ( ثُمَّ رَاجَعَ دِينَهُ) أَيْ رَجَعَ إِلَى دِينِهِ ( دِينَ السُّوءِ) بَدَلٌ مِنْ دِينَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ ( قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذَا حُكْمُهُمَا أَيْ مَنِ ارْتَدَّ وَجَبَ قَتْلُهُ ( ثَلَاثَ مِرَارٍ) يَعْنِي أَنَّهُمَا كَرَّرَا الْقَوْلَ أَبُو مُوسَى يَقُولُ اجْلِسْ وَمُعَاذٌ يَقُولُ لَا أَجْلِسُ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي لَا تَتِمَّةَ كَلَامِ مُعَاذٍ ( فَأَمَرَ) أَيْ أَبُو مُوسَى ( بِهِ) أَيْ بِقَتْلِ الرَّجُلِ الْمُوثَقِ ( ثُمَّ تَذَاكَرَا) أَيْ مُعَاذٌ وَأَبُو مُوسَى ( مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) بَدَلٌ مِنْ أَحَدُهُمَا ( وَأَقُومُ) أَيْ أُصَلِّي مُتَهَجِّدًا ( أَوْ أَقُومُ وَأَنَامُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي ( وَأَرْجُو فِي نَوْمَتِي) أَيْ لِتَرْوِيحِ نَفْسِهِ بِالنَّوْمِ لِيَكُونَ أَنْشَطَ لَهُ عِنْدَ الْقِيَامِ ( مَا) أَيِ الَّذِي ( أَرْجُو) مِنَ الْأَجْرِ ( فِي قَوْمَتِي) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَيْ فِي قِيَامِي بِاللَّيْلِ
هَذَا قَوْلُ معاذ رضي الله عنه وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلَ أَبِي مُوسَى
قَالَ الْحَافِظُ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى أَقْرَؤُهُ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَعَلَى رَاحِلَتِي وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا بِفَاءٍ وَقَافٍ بَيْنَهُمَا وَاوٌ ثَقِيلَةٌ أَيْ أُلَازِمُ قِرَاءَتَهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ إِكْرَامُ الضَّيْفِ وَالْمُبَادَرَةُ إِلَى إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَإِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْمُبَاحَاتِ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا بِالنِّيَّةِ إِذَا صَارَتْ وَسَائِلَ لِلْمَقَاصِدِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الْمَنْدُوبَةِ أَوْ تَكْمِيلًا لِشَيْءٍ مِنْهُمَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ