فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي حَلِّ الْأَزْرَارِ

رقم الحديث 3616 [3616] ( عَنْ خِلَاسٍ) بِكَسْرِ أوله وتخفيف اللام بن عَمْرٍو الْهَجَرِيِّ بِفَتْحَتَيْنِ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ وَكَانَ يُرْسِلُ مِنَ الثَّانِيَةِ ( اسْتَهِمَا) أَيِ اقْتَرِعَا ( مَا كَانَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا كَانَا بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ
قَالَ بَعْضُ الْأَعَاظِمِ فِي تَعْلِيقَاتِ السُّنَنِ لَفْظَةُ مَا فِي مَا كَانَ مَصْدَرٌ أَيْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِكَانَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا أغنى عنه ماله وما كسب وَالتَّقْدِيرُ أَيُّ غِنَاءٍ أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَكَسْبُهُ
وَكَانَ هَذِهِ تَامَّةٌ وَالضَّمِيرُ فِيهَا عَائِدٌ إِلَى الاستهام الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَهِمَا وَجُمْلَةُ أَحَبَّا ذَلِكَ أَوْ كَرِهَا كَالتَّفْسِيرِ لِجُمْلَةِ مَا كَانَ وَالْغَرَضُ مِنْ زِيَادَةِ الْمُفَسِّرِ وَالْمُفَسَّرِ تَقْرِيرُ الْمَعْنَى السَّابِقِ وَتَوْكِيدِهِ
وَالْمَعْنَى أَيُّ كَوْنٍ كَانَ الِاسْتِهَامُ الْمَذْكُورُ أَيْ سَوَاءٌ أَحَبَّا ذَلِكَ الِاسْتِهَامَ أَوْ كَرِهَاهُ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا يَسْتَهِمَانِ عَلَى الْيَمِينِ لَا مَحَالَةَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ سَوَاءٌ كَانَ الِاسْتِهَامُ الْمَذْكُورُ مَحْبُوبًا لَهُمَا أَوْ مَكْرُوهًا لَهُمَا
وَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا كَانَا بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ فَهُوَ أَيْضًا صَحِيحٌ وَضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ يَرْجِعُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ وَالتَّقْدِيرُ أَيُّ كَوْنٍ كَانَ الْمُدَّعِيَانِ الْمَذْكُورَانِ أَيْ سَوَاءٌ أَحَبَّا ذَلِكَ الِاسْتِهَامَ أَوْ كَرِهَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى ( أَحَبَّا ذَلِكَ أَوْ كَرِهَا) أَيْ مُخْتَارَيْنِ لِذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا أَوْ كَارِهَيْنِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الِاسْتِهَامِ ها هنا الِاقْتِرَاعُ يُرِيدُ أَنَّهُمَا يَقْتَرِعَانِ فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حُلِّفَ وَأَخَذَ مَا ادَّعَاهُ وَرُوِيَ مَا يُشْبِهُ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَنَشُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ أُتِيَ عَلِيٌّ بِبَغْلٍ وُجِدَ فِي السُّوقِ يُبَاعُ فَقَالَ رَجُلٌ هَذَا بَغْلِي لَمْ أَبِعْ وَلَمْ أَهَبْ وَنَزَعَ عَلِيٌّ مَا قَالَ بِخَمْسَةٍ يَشْهَدُونَ قَالَ وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ يَدَّعِيهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ بَغْلُهُ وَجَاءَ بِشَاهِدَيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ فِيهِ قَضَاءً وَصُلْحًا وَسَوْفَ أُبَيِّنُ لَكُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ أَمَّا صُلْحُهُ أَنْ يُبَاعَ الْبَغْلُ فَيُقْسَمُ ثَمَنُهُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لِهَذَا خَمْسَةٌ وَلِهَذَا سَهْمَانِ وَإِنْ لَمْ يَصْطَلِحُوا إِلَّا الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ أحد الْخَصْمَيْنِ أَنَّهُ بَغْلُهُ مَا بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ فَإِنْ تَشَاحَحْتُمَا فَأَيُّكُمَا يَحْلِفُ أَقْرَعْتُ بَيْنَكُمَا عَلَى الْحَلِفِ فَأَيُّكُمَا قُرِعَ حَلَفَ قَالَ فَقَضَى بِهَذَا وَأَنَا شَاهِدٌ انْتَهَى
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ الِاسْتِهَامُ وَالِاقْتِرَاعُ إِذَا تَسَاوَتْ دَرَجَاتُهُمْ فِي أَسْبَابِ الِاسْتِحْقَاقِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ فِي يَدِ اثْنَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي كُلَّهُ فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقُّ وَيُرِيدُ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّهُ انْتَهَى
قَالَ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ رَجُلَيْنِ إِذَا تَدَاعَيَا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ.

     وَقَالَ  الثَّالِثُ لَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ لَكُمَا أَوْ لِغَيْرِكُمَا فَحُكْمُهُمَا أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ يَحْلِفُ مَعَهَا وَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ الْمَتَاعِ وَبِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُتْرَكُ فِي يَدِ الثَّالِثِ
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْعَلُ بَيْنَ المتداعيين نصفين
وقال بن الْمَلَكِ وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ وَفِي قَوْلِهِ الْآخَرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا إِنَّهُ يُجْعَلُ بَيْنَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ نِصْفَيْنِ مَعَ يَمِينِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يُتْرَكُ فِي يَدِ الثَّالِثِ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ فِي عَيْنِ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا مِلْكُهُ دُونَ صَاحِبِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ وَكَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدَيْهِمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ مُدَّعٍ فِي نِصْفٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِي نِصْفٍ أَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى دَعْوَاهُ تَسَاقَطَتَا وَصَارَتَا كَالْعَدَمِ وَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ وَكَذَا إِذَا لَمْ يُقِيمَا بَيِّنَةً وَكَذَا إِذَا حَلَفَا أَوْ نَكَلَا انْتَهَى
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  أَحَبَّا أَوْ كَرِهَا فَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِكْرَاهُ هُنَا لَا يُرَادُ بِهِ حَقِيقَتُهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُكْرَهُ عَلَى الْيَمِينِ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى إِذَا تَوَجَّهَتِ الْيَمِينُ عَلَى اثْنَيْنِ وَأَرَادَا الْحَلِفَ سَوَاءٌ كَانَا كَارِهَيْنِ لِذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا وَهُوَ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ أَوْ مُخْتَارَيْنِ لِذَلِكَ بِقَلْبِهِمَا وَهُوَ مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ وَتَنَازَعَا أَيُّهُمَا يَبْدَأُ فَلَا يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِالتَّشَهِّي بَلْ بِالْقُرْعَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَلْيَسْتَهِمَا أَيْ فَلْيَقْتَرِعَا
وَقِيلَ صُورَةُ الِاشْتِرَاكِ فِي الْيَمِينِ أَنْ يَتَنَازَعَ اثْنَانِ عَيْنًا لَيْسَتْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ حَلَفَ وَاسْتَحَقَّهَا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةً أُخْرَى فَيَكُونُ الْقَوْمُ الْمَذْكُورُونَ مُدَّعًى عَلَيْهِمْ بِعَيْنٍ فِي أَيْدِيهِمْ مَثَلًا وَأَنْكَرُوا وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِمُ الْيَمِينُ فَتَسَارَعُوا إِلَى الْحَلِفِ وَالْحَلِفُ لَا يَقَعُ مُعْتَبَرًا إِلَّا بِتَلْقِينِ الْمُحَلِّفِ فَقُطِعَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمْ بِالْقُرْعَةِ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ بَدَأَ بِهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي بَيَانِ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِنَّ الْقُرْعَةَ فِي أَيِّهِمَا تُقَدَّمُ عِنْدَ إِرَادَةِ تَحْلِيفِ الْقَاضِي لَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحَلِّفُ وَاحِدًا ثُمَّ يُحَلِّفُ الْآخَرَ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ الثَّانِي بَعْدَ حَلِفِ الْأَوَّلِ قَضَى بِالْعَيْنِ كُلِّهَا لِلْحَالِفِ أَوَّلًا وَإِنْ حَلَفَ الثَّانِي فَقَدِ اسْتَوَيَا فِي الْيَمِينِ فَتَكُونُ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَا
وقد حمل بن الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ الْحَدِيثَ عَلَى الِاقْتِرَاعِ فِي الْمَقْسُومِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهُوَ بَعِيدٌ وَتَرُدُّهُ الرِّوَايَةُ بِلَفْظِ فَلْيَسْتَهِمَا عَلَيْهَا أَيْ عَلَى الْيَمِينِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ