فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي التَّعْزِيَةِ

رقم الحديث 2765 [2765] ( زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَكَّةَ سُمِّيَتْ بِبِئْرٍ هُنَاكَ وَهِيَ مُخَفَّفَةُ الْيَاءِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ يُشَدِّدُونَهَا
وَقَالَ الْحَافِظُ هِيَ بِئْرٌ سُمِّيَ الْمَكَانُ بِهَا
قَالَ وَوَقَعَ عِنْدَ بن سَعْدٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يوم الاثنين لهلال ذي العقدة ( فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً) الْبِضْعُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِفَتْحٍ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى التِّسْعَةِ وَقَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي عَدَدِ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي الْمَغَازِي
فَقَدْ جَاءَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَ عَشَرَ مِائَةً أَوْ خَمْسَ عَشَرَ مِائَةً وَذَكَرُوا فِي التَّوْفِيقِ أَنَّهُمْ أَوَّلُ مَا خَرَجُوا كَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ ثُمَّ زَادُوا
قَالَهُ السِّنْدِيُّ ( قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ) تَقْلِيدُهُ أَنْ يُعَلَّقَ شَيْءٌ عَلَى عُنُقِ الْبَدَنَةِ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ وَإِشْعَارُهُ أَنْ يُطَعْنَ فِي سَنَامِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ مِنْهُ لِيُعْلَمَ أنه هدي قاله بن مالك بِالثَّنِيَّةِ بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ وَهِيَ الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّرِيقُ ( الَّتِي يُهْبَطُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ( مِنْهَا) أَيْ مِنَ الثَّنِيَّةِ ( بَرَكَتْ بِهِ) أَيْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ ( حَلْ حَلْ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلنَّاقَةِ إِذَا تَرَكَتِ السَّيْرَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ إِنْ قُلْتَ حَلْ وَاحِدَةً فَالسُّكُونُ وَإِنْ أَعَدْتَهَا نُوِّنَتْ فِي الْأُولَى وَسُكِّنَتْ فِي الثَّانِيَةِ
وَحَكَى غَيْرُهُ السُّكُونَ فِيهِمَا وَالتَّنْوِينَ كَنَظِيرِهِ فِي بَخٍ بَخٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ( خَلَأَتْ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ وَالْهَمْزَةِ أَيْ بَرَكَتْ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَحَرَنَتْ ( الْقَصْوَى) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا الْقَصْوَاءُ بِالْمَدِّ
قَالَ الْحَافِظُ هُوَ اسْمُ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقِيلَ كَانَ طَرَفُ أُذُنِهَا مَقْطُوعًا وَالْقَصْوُ قَطْعُ طَرَفِ الْأُذُنِ قَالَ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ بِالْقَصْرِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ في بعض نسخ أبي ذر
وزعم الداؤدي أَنَّهَا لَا تُسْبَقُ فَقِيلَ لَهَا الْقَصْوَاءُ لِأَنَّهَا بَلَغَتْ مِنَ السَّبَقِ أَقْصَاهُ ( مَا خَلَأَتْ) أَيِ القصواء
قال القارىء أَيْ لِلْعِلَّةِ الَّتِي تَظُنُّونَهَا
انْتَهَى ( وَمَا ذَلِكَ) أَيِ الْخَلَاءُ وَهُوَ لِلنَّاقَةِ كَالْحِرَانِ لِلْفَرَسِ ( لَهَا بِخُلُقٍ بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي أَيْ بِعَادَةٍ وَلَكِنْ حبسها حابس الفيل) زاد بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَكَّةَ أَيْ حَبَسَهَا الله عزوجل عَنْ دُخُولِ مَكَّةَ كَمَا حَبَسَ الْفِيلَ عَنْ دُخُولِهَا
وَقِصَّةُ الْفِيلِ مَشْهُورَةٌ وَمُنَاسِبَةُ ذِكْرِهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ لَوْ دَخَلُوا مَكَّةَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَصَدَّهُمْ قُرَيْشٌ عَنْ ذَلِكَ لَوَقَعَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ قَدْ يُفْضِي إِلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَنَهْبِ الْأَمْوَالِ كَمَا لَوْ قُدِّرَ دُخُولُ الْفِيلِ وَأَصْحَابُهُ مَكَّةَ لَكِنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ خَلْقٌ مِنْهُمْ وَيُسْتَخْرَجُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ نَاسٌ يُسْلِمُونَ وَيُجَاهِدُونَ
وَكَانَ بِمَكَّةَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ جَمْعٌ كَثِيرٌ مُؤْمِنُونَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ فَلَوْ طَرَقَ الصَّحَابَةُ مَكَّةَ لَمَا أُمِنَ أَنْ يُصَابَ نَاسٌ مِنْهُمْ بِغَيْرِ عَمْدٍ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ تَعَالَى في قوله ولولا رجال مؤمنون الْآيَةِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي ( لَا يَسْأَلُونِي) بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَيُشَدَّدُ وَضَمِيرُ الْجَمْعِ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَعْنَى لَا يَطْلُبُونَنِي ( خُطَّةً) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ خَصْلَةً ( يُعَظِّمُونَ بِهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ) أَيْ مِنْ تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ تَرْكُ الْقِتَالِ فِي الْحَرَمِ وَالْجُنُوحِ إِلَى الْمُسَالَمَةِ وَالْكَفِّ عَنْ إِرَادَةِ سَفْكِ الدِّمَاءِ
كَذَا فِي النَّيْلِ ( إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا) أَيْ أَجَبْتُهُمْ إِلَيْهَا وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلْخُطَّةِ ( ثُمَّ زَجَرَهَا) أَيِ الْقَصْوَاءَ ( فَوَثَبَتْ) أَيْ قَامَتْ بِسُرْعَةٍ ( فَعَدَلَ عَنْهُمْ) أَيْ مَالَ عَنْ طَرِيقِ أَهْلِ مَكَّةَ ودخولها وتوجه غير جانبهم
قاله القارىء ( بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ) أَيْ بِآخِرِهَا مِنْ جَانِبِ الْحَرَمِ ( عَلَى ثَمَدٍ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ أَيْ حَفِيرَةٍ فِيهَا مَاءٌ مَثْمُودٌ أَيْ قَلِيلٌ وَقَولُهُ قَلِيلِ الْمَاءِ تَأْكِيدٌ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنْ يُرَادَ لُغَةُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الثَّمَدَ الْمَاءُ الْكَثِيرُ
قَالَهُ الْحَافِظُ ( فَجَاءَهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بُدَيْلٌ) بِالتَّصْغِيرِ ( ثُمَّ أَتَاهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَاعِلُهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ كَمَا فَسَّرَهُ الرَّاوِي ( أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ) أَيْ لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يَتَنَاوَلَ الرَّجُلُ لِحْيَةَ مَنْ يُكَلِّمُهُ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْمُلَاطَفَةِ ( قَائِمٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ بِقَصْدِ الْحِرَاسَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ تَرْهِيبِ الْعَدُوِّ ( فَضَرَبَ) أَيِ الْمُغِيرَةُ ( يَدَهُ) أَيْ يَدَ عُرْوَةَ حِينَ أَخَذَ لِحْيَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْلَالًا لَهُ لِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَصْنَعُ النَّظِيرُ بِالنَّظِيرِ وَكَانَ عُرْوَةُ عَمَّ الْمُغِيرَةِ ( بِنَعْلِ السَّيْفِ) هُوَ مَا يَكُونُ أَسْفَلَ الْقِرَابِ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( أَيْ غُدَرُ) بِوَزْنِ عُمَرَ مَعْدُولٌ عن غادر مبالغة في وصفه بالغدر ( أو لست أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ) أَيْ فِي دَفْعِ شَرِّ غَدْرَتِكَ وَفِي إِطْفَاءِ شَرِّكَ وَجِنَايَتِكَ بِبَذْلِ الْمَالِ
قال بن هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ أَشَارَ عُرْوَةُ بِهَذَا إِلَى مَا وَقَعَ لِلْمُغِيرَةِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَفَرًا مِنْ ثَقِيفٍ مِنْ بَنِي مَالِكٍ فَغَدَرَ بِهِمْ وَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ فَتَهَايَجَ الْفَرِيقَانِ بَنُو مَالِكٍ وَالْأَحْلَافُ رَهْطُ الْمُغِيرَةِ فَسَعَى عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ عَمُّ الْمُغِيرَةِ حَتَّى أَخَذُوا مِنْهُ دِيَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَفْسًا واصطلحوا وَفِي الْقِصَّةِ طُولٌ
قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ سَاقَ بن الْكَلْبِيِّ وَالْوَاقِدِيُّ الْقِصَّةَ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا خَرَجُوا زَائِرِينَ الْمُقَوْقَسَ بِمِصْرَ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَعْطَاهُمْ وَقَصَّرَ بِالْمُغِيرَةِ فَحَصَلَتْ لَهُ الْغَيْرَةُ مِنْهُمْ فَلَمَّا كَانُوا بِالطَّرِيقِ شَرِبُوا الْخَمْرَ فَلَمَّا سَكِرُوا وَثَبَ الْمُغِيرَةُ فَقَتَلَهُمْ وَلَحِقَ بِالْمَدِينَةِ فَأَسْلَمَ
( لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ) لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا عَلَى طَرِيقَةِ الْغَدْرِ
وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَخْذُ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ فِي حَالِ الْأَمْنِ غَدْرًا وَإِنَّمَا تَحِلُّ بِالْمُحَارَبَةِ والمغالبة كذا في فتح ( فَذَكَرَ الْحَدِيثَ) أَيْ ذَكَرَ الرَّاوِي الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَقَدِ اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْحَدِيثَ فِي مَوَاضِعَ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَهُ بِطُولِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كتاب الشروط والمغازي
( أكتب أي ياعلي هَذَا مَا قَاضَى) بِوَزْنِ فَاعَلَ مِنْ قَضَيْتُ الشَّيْءَ أَيْ فَصَلْتُ الْحُكْمَ فِيهِ
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ هَاتِ أَكْتُبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ في رواية بن إِسْحَاقَ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرَى بَيْنَهُمَا الْقَوْلُ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَهُمَا الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تُوضَعَ الْحَرْبُ بَيْنَهُمَا عَشْرَ سِنِينَ وَأَنْ يَأْمَنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ عَامَهُمْ هَذَا ( وَعَلَى أَنَّهُ) عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ عَلَى أَنْ لَا تَأْتِينَا فِي هَذَا الْعَامِ وَعَلَى أَنْ تَأْتِيَنَا الْعَامَ الْمُقْبِلَ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ إِلَخْ وَالْحَدِيثُ قَدِ اخْتَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُطَوَّلًا ( فَلَمَّا فَرَغَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
( ثُمَّ جَاءَ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ مُهَاجِرَاتٌ الْآيَةَ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ بَعْضُ الْأَلْفَاظِ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ
وَفِي الْمِشْكَاةِ بِرِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ جَاءَ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فأنزل الله تعالى ياأيها الذين امنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية
قال الحافظ ظاهره أنهم جِئْنَ إِلَيْهِ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا جِئْنَ إِلَيْهِ بَعْدُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ ( فَنَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَرُدُّوهُنَّ) نَسْخًا لِعُمُومِ الشَّرْطِ أَوْ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَانَ مَخْصُوصًا بِالرِّجَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ ( وَأَمَرَهُمْ) أَيِ الصَّحَابَةَ ( الصَّدَاقَ) أَيْ صَدَاقَهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ ( ثُمَّ رَجَعَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَبُو بَصِيرٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ ( رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ) بَدَلٌ مِنْ أَبُو بَصِيرٍ
وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ مُسْلِمٌ ( يَعْنِي فَأَرْسَلُوا) أَيْ أَهْلُ مَكَّةَ رَجُلَيْنِ ( فِي طَلَبِهِ) أَيْ فِي طَلَبِ أَبِي بَصِيرٍ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ كَانَتْ مَحْذُوفَةً فِي لَفْظِ حَدِيثِ الرَّاوِي الْأَوَّلِ
كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي ( فَدَفَعَهُ) أَيْ دَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَصِيرٍ جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الْعَهْدِ ( فَاسْتَلَّهُ الْآخَرُ) أَيْ صَاحِبُ السَّيْفِ أَخْرَجَهُ مِنْ غِمْدِهِ ( أَرِنِي) أَمْرٌ مِنَ الْإِرَاءَةِ ( فَأَمْكَنَهُ) أَيْ أَقْدَرَهُ وَمَكَّنَهُ ( مِنْهُ) أَيْ مِنَ السَّيْفِ ( بَرَدَ) أَيْ مَاتَ
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَكَنَتْ مِنْهُ حَرَكَةُ الْحَيَاةِ وَحَرَارَتُهَا ( يَعْدُو) أَيْ مُسْرِعًا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَلْحَقَهُ أَبُو بَصِيرٍ فَيَقْتُلُهُ ( ذُعْرًا) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فَزَعًا ( قُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ) أَيْ قَرِيبٌ مِنَ الْقَتْلِ ( فَقَالَ) أَيْ أَبُو بَصِيرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَدْ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ) أَيْ فَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهُمْ عِقَابٌ فِيمَا صَنَعْتُ أَنَا ( وَيْلُ أُمِّهِ) بِضَمِّ اللَّامِ وَوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْمُشَدَّدَةِ وَهِيَ كَلِمَةُ ذَمٍّ تَقُولُهَا الْعَرَبُ فِي الْمَدْحِ وَلَا يَقْصِدُونَ مَعْنَى مَا فِيهَا مِنَ الذَّمِّ لِأَنَّ الْوَيْلَ الْهَلَاكُ فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ لِأُمِّهِ الْوَيْلُ
وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ .

     قَوْلُهُ  وَيْلُ أُمِّهِ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَمَعْنَاهُ الْحُزْنُ وَالْمَشَقَّةُ وَالْهَلَاكُ وَقَدْ يَرِدُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّبَ مِنْ حُسْنِ نَهْضَتِهِ لِلْحَرْبِ وَجَوْدَةِ مُعَالَجَتِهِ لَهَا مَعَ مَا فِيهِ خَلَاصُهُ مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ انْتَهَى ( مِسْعَرَ حَرْبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَأَصْلُهُ مِنْ مُسَعِّرِ حَرْبٍ أَيْ يُسَعِّرُهَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَأَنَّهُ يَصِفُهُ بِالْإِقْدَامِ فِي الْحَرْبِ وَالتَّسْعِيرِ لِنَارِهَا
كَذَا في فتح الباري
وقال القارىء وَيُرْفَعُ أَيْ هُوَ مَنْ يُحْمِي الْحَرْبَ وَيُهَيِّجُ الْقِتَالَ انْتَهَى
وَفِي الْمُنْتَقَى مِسْعَرُ حَرْبٍ أَيْ مَوْقِدُ حَرْبٍ وَالْمِسْعَرُ وَالْمِسْعَارُ مَا يُحْمَى بِهِ النَّارُ مِنْ خَشَبٍ وَنَحْوِهِ انْتَهَى ( لَوْ كَانَ له أَحَدٌ) جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّابِقُ أَيْ لَوْ فُرِضَ لَهُ أَحَدٌ يَنْصُرُهُ لِإِسْعَارِ الْحَرْبِ لَأَثَارَ الْفِتْنَةَ وَأَفْسَدَ الصُّلْحَ
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ إِذْ لَا نَاصِرَ لَهُ
قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ
وَقَالَ الْحَافِظُ وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ فَلَقَّنَهَا أَبُو بَصِيرٍ فَانْطَلَقَ
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَيْهِ بِالْفِرَارِ لِئَلَّا يَرُدُّهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَرَمْزَ إِلَى مَنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَلْحَقُوا بِهِ ( فَلَمَّا سَمِعَ) أَبُو بَصِيرٍ ( ذَلِكَ) أَيِ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ ( عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ) قَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْوِيهِ وَلَا يُعِينُهُ وَإِنَّمَا خَلَاصُهُ عَنْهُمْ بِأَنْ يَسْتَظْهِرَ بِمَنْ يُعِينُهُ عَلَى مُحَارَبَتِهِمْ ( سِيفَ الْبَحْرِ) بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ الْيَاءِ أَيْ سَاحِلَهُ ( وَيَنْفَلِتُ) أَيْ تَخَلَّصَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ
وَفِي تَعْبِيرِهِ بِالصِّيغَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إِشَارَةٌ إِلَى مُشَاهَدَةِ الْحَالِ ( عِصَابَةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا عَنِ الْمِسْوَرِ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ