فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ

رقم الحديث 1779 [1779] ( فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ) الْمُحَقِّقُونَ قَالُوا فِي نُسُكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ الْقِرَانُ فَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِحَيْثُ لَا يُحْتَمَلُ التَّأْوِيلُ
وَقَدْ جَمَعَ أَحَادِيثَهُمُ بن حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَذَكَرَهَا حَدِيثًا حَدِيثًا
قَالُوا وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ
أَمَّا أَحَادِيثُ الْإِفْرَادِ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ فَزَعَمَ أَنَّهُ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ فَأَخْبَرَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِفْرَادِ الْحَجِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الِافْتِرَاضِ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً
وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّمَتُّعِ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْعُمْرَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ وَهَذَا لَا مَانِعَ مِنْهُ مِنْ إِفْرَادِ نُسُكٍ بِالذِّكْرِ لِلْقَارِنِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَخْتَفِي الصَّوْتُ بِالثَّانِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَتُّعِ الْقِرَانُ لِأَنَّهُ مِنْ إِطْلَاقَاتِ الْقَدِيمَةِ وَهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ الْقِرَانَ تَمَتُّعًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًاQكَمَا أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَدَع الْعُمْرَة وَتُهِلّ بِالْحَجِّ
وَهَذَا كَانَ بِسَرِف قَبْل أَنْ يَأْمُر أَصْحَابه بِفَسْخِ حَجّهمْ إِلَى الْعُمْرَة فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْمَرْوَة
وَقَوْله إِنَّهَا أَشَارَتْ بِقَوْلِهَا فَكُنْت فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ إِلَى الْوَقْت الَّذِي نَوَتْ فِيهِ الْفَسْخ فِي غَايَة الْفَسَاد فَإِنَّ صَرِيح الْحَدِيث يَشْهَد بِبُطْلَانِهِ فَإِنَّهَا قَالَتْ فَكُنْت فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْض الطَّرِيق حِضْت فَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهَا حَاضَتْ بَعْد إِهْلَالهَا بِعُمْرَةٍ
وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحَادِيثهَا عَلِمَ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَتْ عَلَيْهَا الْحَجّ فَصَارَتْ قَارِنَة ثُمَّ اِعْتَمَرَتْ مِنْ التَّنْعِيم عُمْرَة مُسْتَقِلَّة تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا
وَقَدْ غَلِطَ فِي قِصَّة عَائِشَة مَنْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ مُفْرِدَة فَإِنَّ عُمْرَتهَا مِنْ التَّنْعِيم هِيَ عُمْرَة الْإِسْلَام الْوَاجِبَة
وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ مُتَمَتِّعَة ثُمَّ فَسَخَتْ الْمُتْعَة إِلَى إِفْرَاد وَكَانَتْ عُمْرَة التَّنْعِيم قَضَاء لِتَلِك الْعُمْرَة
وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ قَارِنَة وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا صَدَقَة وَلَا صَوْم وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَجِب عَلَى الْمُتَمَتِّع
وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحَادِيثهَا عَلِمَ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الصَّوَاب مَا ذَكَرْنَاهُ
وَاَللَّه أَعْلَم

رقم الحديث 1776 [1776] ( أَنَّ ضُبَاعَةَ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ كُنْيَتُهَا أُمُّ حَكِيمٍ وَهِيَ بنت عم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُوهَا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ( آشْتَرِطُ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ( وَمَحِلِّي) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَكَانُ إِحْلَالِي
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنِ اشْتَرَطَ هَذَا الِاشْتِرَاطَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَا يَحْبِسُهُ عَنِ الْحَجِّ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وبن مَسْعُودٍ وَعُمَرُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَبَعْضُ التَّابِعِينَ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ وَهُوَ مروي عن بن عمر
قال البيهقي لو بلغ بن عُمَرَ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ لَقَالَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرِ الِاشْتِرَاطَ كَمَا لَمْ يُنْكِرْ أَبُوهُ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ وَيَنْحَرُ
هَدْيَهُ هُنَاكَ حَرَمًا كَانَ أَوْ حِلًّا وَكَذَلِكَ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أُحْصِرَ نَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ دَمُ الْإِحْصَارِ لَا يُرَاقُ إِلَّا فِي الْحَرَمِ يُقِيمُ الْمُحْصَرُ عَلَى إِحْرَامِهِ وَيَبْعَثُ بِالْهَدْيِ وَيُوَاعِدُهُمْ يَوْمَ يُقَدِّرُ فِيهِ بُلُوغَ الْهَدْيِ الْمَنْسَكَ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ حَلَّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ




رقم الحديث 1777 [1777] ( أَفْرَدَ الْحَجَّ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ وَيَفْرُغُ مِنْهُ ثُمَّ يَعْتَمِرُ وَالتَّمَتُّعُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ تَخْتَلِفِ الْأُمَّةُ فِي أَنَّ الْإِفْرَادَ وَالْقِرَانَ وَالتَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ كُلَّهَا جَائِزَةٌ غَيْرَ أَنَّ طَوَائِفَ الْعُلَمَاءِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ هُوَ الْأَفْضَلُ
وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ ذَهَبَ إِلَى حَدِيثٍ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ وَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ عَلَى اخْتِلَافِهَا مُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا وَعَلَى حَسَبِ مَا وَقَعَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَسَيَأْتِي الْبَيَانُ عَلَى شَرْحِهَا وَكَشْفِ مَوَاضِعِ الْإِشْكَالِ مِنْهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
غَيْرَ أَنَّ نَفَرًا مِنَ الْمُلْحِدِينَ طَعَنُوا فِي أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَهْلِ الرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَالُوا لَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قِيَامِ الْإِسْلَامِ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ الْحَجَّةَ مُفْرِدًا وَقَارِنًا وَمُتَمَتِّعًا وَأَفْعَالُ نُسُكِهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَحْكَامُهَا غَيْرُ مُتَّفِقَةٍ وَأَسَانِيدُهَا كُلُّهَا عِنْدَ أَهْلِ الرِّوَايَةِ وَنَقَلَةِ الْأَخْبَارِ جِيَادٌ صِحَاحٌ ثُمَّ قَدْ وُجِدَ فِيهَا هَذَا التَّنَاقُضُ وَالِاخْتِلَافُ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ تَوْهِينَ الْحَدِيثِ وَتَصْغِيرَ شَأْنِهِ وَضَعْفَ أَمْرِ حَمَلَتِهِ وَرُوَاتِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ



رقم الحديث 1778 [1778] ( عَنْ هِشَامٍ) أَيْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَوُهَيْبٌ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ ( مُوَافِينَ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ) أَيْ مُقَارِنِينَ لِاسْتِهْلَالِهِ وَكَانَ خُرُوجُهُمْ قَبْلَهُ بِخَمْسٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا صَرَّحْتُ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْعُمْرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ ( لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ) أَيْ خَالِصَةٍ لَكِنَّ الْهَدْيَ يَمْنَعُ الْإِحْلَالَ قَبْلَ الْحَجِّ كَالْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ
هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِتَفْضِيلِ التَّمَتُّعِ وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَمَنَّى إِلَّا الْأَفْضَلَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا ( ارْفِضِي عُمْرَتَكِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتْرُكِيهَا وَأَخِّرِيهَا عَلَى الْقَضَاءِ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الْعَمَلَ لِلْعُمْرَةِ مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِأَنَّهَا تَتْرُكُ الْعُمْرَةَ أَصْلًا وَإِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَتَكُونَ قَارِنَةً
قُلْتُ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ تَكُونُ عُمْرَتُهَا مِنَ التَّنْعِيمِ تَطَوُّعًا لَا عَنْ وَاجِبٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنَّ يُطَيِّبَ نَفْسَهَا فَأَعْمَرَهَا وَكَانَتْ قَدْ سَأَلَتْهُ ذَلِكَ
وَقَدْ رُوِيَ مَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَدِيثِ جَابِرٍ انْتَهَى كَلَامُهُ ( لَيْلَةُ الصَّدَرِ) أَيْ لَيْلَةُ طَوَافِ الصَّدَرِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بِمَعْنَى رُجُوعِ الْمُسَافِرِ مِنْ مَقْصِدِهِ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُهَاجِرِ إِقَامَةُ ثَلَاثٍ بَعْدَ الصَّدَرِ يَعْنِي بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ يَقْضِيَ نُسُكَهُ
قَالَ فِي اللِّسَانِ وَالصَّدَرُ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّ النَّاسَ يَصْدُرُونَ فِيهِ عَنْ مَكَّةَ إِلَى أَمَاكِنِهِمْ
وَفِي الْمَثَلِ تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ لَيْلَةِ الصَّدَرِ يَعْنِي حِينَ صَدَرَ النَّاسُ مِنْ حَجِّهِمْ ( لَيْلَةُ الْبَطْحَاءِ) قَالَ فِي اللِّسَانِ الْبَطْحَاءُ مَسِيلٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْأَبْطَحُ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى وَبَطْحَاءُ مَكَّةَ وَأَبْطُحُهَا مَعْرُوفَةٌ وَمِنًى مِنَ الْأَبْطَحِ انْتَهَى
وَالْمَعْنَى أَنَّ عَائِشَةَ طَهُرَتْ فِي لَيْلَةٍ مِنْ أَيَّامِ نُزُولِ الْبَطْحَاءِ وَهِيَ مِنًى فَكَانَتْ طَهَارَتُهَا فِي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي أَيَّامِ مِنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجهQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه اللَّه وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة صَرِيحَة بِأَنَّهَا أَهَلَّتْ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَمَرَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَاضَتْ أَنْ تُهِلّ بِالْحَجِّ فَصَارَتْ قَارِنَة
وَلِهَذَا قَالَ لَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْفِيك طَوَافك بِالْبَيْتِ وَبَيْن الصَّفَّا وَالْمَرْوَة لِحَجِّك وَعُمْرَتك مُتَّفَق عَلَيْهِ وَهُوَ صَرِيح فِي رَدّ قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهَا رَفَضَتْ إِحْرَام الْعُمْرَة رَأْسًا وَانْتَقَلَتْ إِلَى الْإِفْرَاد وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِرَفْضِ أَعْمَال الْعُمْرَة مِنْ الطَّوَاف وَالسَّعْي حَتَّى تَطْهُر لَا بِرَفْضِ إِحْرَامهَا
وَأَمَّا قَوْله وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ هَدْي فَهُوَ مُدْرَج مِنْ كَلَام هِشَام كَمَا بَيَّنَهُ وَكِيع وَغَيْره عَنْهُ حَيْثُ فَصَلَ كَلَام عائشة من كلام هشام وأما بن نُمَيْر وَعَبَدَة فَأَدْرَجَاهُ فِي حَدِيثهمَا وَلَمْ يُمَيِّزَاهُ وَاَلَّذِي مَيَّزَهُ مَعَهُ زِيَادَة عِلْم وَلَمْ يُعَارِض غَيْره فَابْن نُمَيْر وَعَبَدَة لَمْ يَقُولَا قَالَتْ عَائِشَة وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ هَدْي بَلْ أَدْرَجَاهُ وَمَيَّزَهُ غَيْرهمَا
وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهَا أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ ثُمَّ نَوَتْ فَسْخه بِعُمْرَةٍ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى حَجّ مُفْرَد فَهُوَ خِلَاف مَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنْ نَفْسهَا وَخِلَاف مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا يَسَعك طَوَافك لِحَجِّك وعمرتك والنبي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تُهِلّ بِالْحَجِّ لَمَّا حَاضَتْ

رقم الحديث 1780 [178]

رقم الحديث 1781 [1781] ( فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ) اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي إِحْرَامِ عَائِشَةَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَبَسَطَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ( انْقُضِي رَأَسَكِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ حِلِّي ضَفْرَ شَعْرِكِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ بِلَفْظِ وَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ ( وَامْتَشِطِي) أَيْ سَرِّحِي بِالْمُشْطِ
قَالَ الْحَافِظُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَمْرَهُ لَهَا بِنَقْضِ رَأْسِهَا ثُمَّ بِالِامْتِشَاطِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَتَأَوَّلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الْعُمْرَةَ وَتُدْخِلَ عَلَيْهِ الْحَجَّ فَتَصِيرُ قَارِنَةً قَالَ وَهَذَا لَا يُشَاكِلُ الْقِصَّةَ وَقِيلَ إِنَّ مَذْهَبَهَا أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ اسْتَبَاحَ مَا يَسْتَبِيحُهُ الْحَاجُّ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ قال وهذا لا يعلم وجودها لَا يُعْلَمُ وَجْهُهُ وَقِيلَ كَانَتْ مُضْطَرَّةً إِلَى ذَلِكَ
قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَقْضُ رَأْسِهَا كَانَ لِأَجْلِ الْغُسْلِ لِتُهِلَّ بِالْحَجِّ لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ مُلَبِّدَةً فَتَحْتَاجُ إِلَى نَقْضِ الضَّفْرِ.
وَأَمَّا الِامْتِشَاطُ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ تَسْرِيحُهَا شَعْرَهَا بِأَصَابِعِهَا بِرِفْقٍ حَتَّى لَا يَسْقُطَ مِنْهُ شَيْءٌ ثُمَّ تُضَفِّرُهُ كَمَا كَانَ انْتَهَى ( بِالْبَيْتِ) مُتَعَلِّقُ طَافَ أَيْ طَوَافُ الْعُمْرَةِ ( ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ) هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ ( طَوَافًا وَاحِدًا) لِأَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ أفعالQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد احتج به بن حَزْم عَلَى أَنَّ الْمُحْرِم لَا يَحْرُم عَلَيْهِ الِامْتِشَاط وَلَمْ يَأْتِ بِتَحْرِيمِهِ نَصّ وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى اِمْتِشَاط رَفِيق لَا يَقْطَع الشَّعْر وَمَنْ قَالَ كَانَ بَعْد جَمْرَة الْعَقَبَة فَسِيَاق الْحَدِيث يبطل الْعُمْرَةِ تَنْدَرِجُ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَهُوَ مَذْهَبُ عطاء والحسن وطاووس وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ قَالُوا لَا بُدَّ لِلْقَارِنِ مِنْ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ لِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ مَحْكِيٌّ عن أبي بكر وعمر وعلي وبن مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَلَا يَصِحُّ عَنْ واحد منهم واستدل العيني بحديث بن عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا وَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ.

     وَقَالَ  هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ
وَبِحَدِيثِ عَلِيٍّ عند الدارقطني أيضا وبحديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَهُ أَيْضًا وَكُلُّهَا مَطْعُونٌ فِيهَا لِمَا فِي رُوَاتِهَا مِنَ الضَّعْفِ الْمَانِعِ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ