فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي الْكَرْعِ

رقم الحديث 3290 [3290] ( كَفَّارَةً إِذَا كَانَ) النَّذْرُ ( فِي مَعْصِيَةٍ) كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ
( لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً كَشُرْبِ الْخَمْرِ فَنَذْرُهُ بَاطِلٌ لَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا غَيْرُهَا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ العلماءQقال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي سَلَمَة كَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّد بْن أَبِي عَتِيق وَمُوسَى بْن عُقْبَة عَنْ الزُّهْرِيِّ وَسُلَيْمَان بْن أَرْقَمَ مَتْرُوك وَالْحَدِيث عِنْد غَيْره عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ مُحَمَّد بْن الزُّبَيْر الْحَنْظَلِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ رَوَاهُ عَلِيّ بْن الْمُبَارَك عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير إِلَّا فِي حَدِيث الْأَوْزَاعِيِّ لَا نَذْر فِي غَضَب وَكَفَّارَته كَفَّارَة يَمِين وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّاد بْن زَيْد عَنْ مُحَمَّد بْن الزبير ورواه بن أَبِي عَرُوبَة عَنْ مُحَمَّد بْن الزُّبَيْر.

     وَقَالَ  لَا نَذْر فِي مَعْصِيَة اللَّه
وَرَوَاهُ عَبْد الْوَارِث بْن سَعِيد عَنْ مُحَمَّد بْن الزُّبَيْر عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عِمْرَان بْنَ حُصَيْنٍ عَنْ رَجُل حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِي مَسْجِد قَوْمه فَقَالَ عِمْرَان سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لَا نَذْر فِي مَعْصِيَة اللَّه وَكَفَّارَته كَفَّارَة يَمِين وَفِي هَذَا دَلَالَة عَلَى أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ عِمْرَان
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ مُحَمَّد بْن الزُّبَيْر عَنْ رَجُل صَحِبَهُ عَنْ عِمْرَان
وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مُحَمَّد بْن الزُّبَيْر عَنْ الْحَسَن عَنْ عِمْرَان إِلَّا أَنَّهُ قَالَ لَا نَذْر فِي مَعْصِيَة أَوْ فِي غَضَب قَالَ فَهَذَا حَدِيث مُخْتَلَف فِي إِسْنَاده وَمَتْنه كَمَا ذَكَرْنَا
وَلَا تَقُوم الْحُجَّة بِأَمْثَالِ ذَلِكَ
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ أَنَّهُ قَالَ مُحَمَّد بْن الزُّبَيْر الْحَنْظَلِيّ مُنْكَر الْحَدِيث
وَفِيهِ نَظَر
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا الْحَدِيث فِيهِ عَنْ الْحَسَن عَنْ هَيَّاج بْن عِمْرَان الْبُرْجُمِيّ أَنَّ غُلَامًا لِابْنِهِ أَبَقَ فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَيَقْطَعَنَّ يَده فَلَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِ بَعَثَنِي إِلَى عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ فَسَأَلْته فَقَالَ إِنِّي سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحُثّ فِي خُطْبَته عَلَى الصَّدَقَة وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَة
فَقُلْ لِابْنِك فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينه وَلْيَتَجَاوَزْ عَنْ غُلَامه
قَالَ وَبَعَثَنِي إِلَى سَمُرَة فَقَالَ مِثْل ذَلِكَ وَهَذَا أَصَحّ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ عِمْرَان
وَاخْتُلِفَ فِي اِسْم الَّذِي رَوَاهُ عَنْ الْحَسَن فَقِيلَ هَكَذَا
وَقِيلَ حِبَّان بْن عِمْرَان البرجمي وَقَالَ أَحْمَدُ تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ كفارته يمين فضعيف باتفاف الْمُحَدِّثِينَ انْتَهَى لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ.

قُلْتُ قَدْ صَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ فَأَيْنَ الِاتِّفَاقُ انْتَهَى
قَالَ السِّنْدِيُّ لَا نَذْرَ فِي معصية ليسQوَالْأَمْر بِالتَّكْفِيرِ فِيهِ مَوْقُوف عَلَى عِمْرَان وَسَمُرَة
والذي روي عن بن عَبَّاس مَرْفُوعًا مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَة اللَّه فَكَفَّارَته كَفَّارَة يَمِين وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ فَكَفَّارَته كَفَّارَة يَمِين لَمْ يَثْبُت رَفْعه وَاَللَّه أَعْلَم
قَالَ الْمُوجِبُونَ لِلْكَفَّارَةِ فِي نَذْر الْمَعْصِيَة وَهُمْ أَحْمَد وَإِسْحَاق وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه هَذِهِ الْآثَار قَدْ تَعَدَّدَتْ طُرُقهَا
وَرُوَاتهَا ثِقَات
وَحَدِيث عَائِشَة اِحْتَجَّ بِهِ الْإِمَام أَحْمَد وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَإِنْ كَانَ الزُّهْرِيُّ لَمْ يَسْمَعهُ مِنْ أَبِي سَلَمَة فَإِنَّ لَهُ شَوَاهِد تُقَوِّيه رَوَاهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى عَائِشَة جَابِر وَعِمْرَان بْن حُصَيْنٍ وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَهُ التِّرْمِذِيّ وفيه حديث بن عَبَّاس رَفَعَهُ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَة فَكَفَّارَته كَفَّارَة يَمِين رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ بن الجارود في مسنده ولفظه عن بن عَبَّاس عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّذْر نَذْرَانِ فَمَا كَانَ لِلَّهِ فَكَفَّارَته الْوَفَاء بِهِ وَمَا كَانَ لِلشَّيْطَانِ فَلَا وَفَاء فِيهِ وَعَلَيْهِ كَفَّارَة يَمِين وَرَوَى أَبُو إِسْحَاق الْجُوزَجَانِيُّ حَدِيث عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ فِي كِتَابه الْمُتَرْجَم.

     وَقَالَ  سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول النَّذْر نَذْرَانِ فَمَا كَانَ مِنْ نَذْر فِي طَاعَة اللَّه فَذَلِكَ لِلَّهِ وَفِيهِ الْوَفَاء وَمَا كَانَ مِنْ نَذْر فِي مَعْصِيَة اللَّه فَلَا وَفَاء فِيهِ وَيُكَفِّرهُ مَا يُكَفِّر الْيَمِين وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَنْ عَائِشَة عن النبي صلى الله عليه وسلم من نَذَرَ أَنْ يُطِيع اللَّه فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِي اللَّه فَلَا يَعْصِهِ وَيُكَفِّر عَنْ يَمِينه وَهُوَ عِنْد الْبُخَارِيّ إِلَّا ذِكْر الْكَفَّارَة
قَالَ الْإِشْبِيلِيّ وَهَذَا أَصَحّ إِسْنَادًا وَأَحْسَن مِنْ حَدِيث أَبِي دَاوُدَ يَعْنِي حَدِيث الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَة الْمُتَقَدِّم
وَفِي مُصَنَّف عَبْد الرَّزَّاق عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي حَنِيفَة وَعَنْ أَبِي سَلَمَة كِلَاهُمَا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا لَا نَذْر فِي غَضَب وَلَا فِي مَعْصِيَة اللَّه وَكَفَّارَته كَفَّارَة يَمِين قَالُوا وَقَدْ رَوَى مُسْلِم فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث عُقْبَة بْن عَامِر عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ كَفَّارَة النَّذْر كَفَّارَة الْيَمِين
وَهَذَا يَتَنَاوَل نَذْر الْمَعْصِيَة مِنْ وَجْهَيْنِ
أَحَدهمَا أَنَّهُ عَامّ لَمْ يُخَصّ مِنْهُ نَذْر دُون نَذْر مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا إِذْ لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَكَفَّارَتُهُ إِلَخْ بَلْ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ وَهَذَا هُوَ صَرِيحٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ ( وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ انْتَهَى
وَفِي الْمِرْقَاةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ لَمْ يَسْمَعْهُ الزُّهْرِيُّ من أبي سلمة وإنما سَمِعَهُ مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ أرقم متروكQالثَّانِي أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْيَمِينِ وَمَعْلُوم أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْمَعْصِيَة وَحَنِثَ لَزِمَهُ كَفَّارَة يَمِين بَلْ وُجُوب الْكَفَّارَة فِي نَذْر الْمَعْصِيَة أَوْلَى مِنْهَا فِي يَمِين الْمَعْصِيَة لِمَا سَنَذْكُرُهُ
قَالُوا وَوُجُوب الْكَفَّارَة قَوْل عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَعِمْرَان بْن حُصَيْنٍ وَسَمُرَة بْن جُنْدَب وَلَا يُحْفَظ عَنْ صَحَابِيّ خِلَافهمْ
قَالُوا وَهَبْ أَنَّ هَذِهِ الْآثَار لَمْ تَثْبُت فَالْقِيَاس يَقْتَضِي وُجُوب الْكَفَّارَة فِيهِ لِأَنَّ النَّذْر يَمِين وَلَوْ حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْخَمْر أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَة الْيَمِين وَإِنْ كَانَتْ يَمِين مَعْصِيَة فَهَكَذَا إِذَا نَذَرَ الْمَعْصِيَة
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْمِيَة النَّذْر يَمِينًا لَمَّا قَالَ لِأُخْتِ عُقْبَة لَمَّا نَذَرَتْ الْمَشْي إِلَى بَيْت اللَّه فَعَجَزَتْ تُكَفِّر يَمِينهَا وَهُوَ حَدِيث صَحِيح وَسَيَأْتِي
وَعَنْ عُقْبَة مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا النَّذْر حَلْفَة
وَقَالَ بن عَبَّاس فِي اِمْرَأَة نَذَرَتْ ذَبْح اِبْنهَا كَفِّرِي يَمِينك
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّذْر دَاخِل فِي مُسَمَّى الْيَمِين فِي لُغَة مَنْ نَزَلَ الْقُرْآن بِلُغَتِهِمْ
وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَته هِيَ حَقِيقَة الْيَمِين فَإِنَّهُ عَقَدَهُ لِلَّهِ مُلْتَزِمًا لَهُ كَمَا أَنَّ الْحَالِف عَقَدَ يَمِينه بِاَللَّهِ مُلْتَزِمًا لِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ بَلْ مَا عَقَدَ لِلَّهِ أَبْلَغ وَأَلْزَم مِمَّا عَقَدَ بِهِ فَإِنَّ مَا عَقَدَ بِهِ مِنْ الْأَيْمَان لَا يَصِير بِالْيَمِينِ وَاجِبًا فَإِذَا حَلَفَ عَلَى قُرْبَة مُسْتَحَبَّة لَيَفْعَلَنَّهَا لَمْ تَصِرْ وَاجِبَة عَلَيْهِ وَتُجْزِئهُ الْكَفَّارَة وَلَوْ نَذَرَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ تُجْزِئهُ الْكَفَّارَة
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِالْتِزَام بِالنَّذْرِ آكَد مِنْ الِالْتِزَام بِالْيَمِينِ فَكَيْف يُقَال إِذَا اِلْتَزَمَ مَعْصِيَة بِيَمِينِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَإِذَا اِلْتَزَمَهَا بِنَذْرِهِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْ الْيَمِين فَلَا كَفَّارَة فِيهَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا هَذَا وَحْده لَكَانَ كافيا