فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ

رقم الحديث 3329 [3329] ( إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ) أَيْ وَاضِحٌ لَا يَخْفَى حِلُّهُ ( وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ) أَيْ لَا يَخْفَى حُرْمَتُهُ وَفِيهِ تَقْسِيمٌ لِلْأَحْكَامِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ وَهُوَ تَقْسِيمٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِمَّا أَنْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَى طَلَبِهِ مَعَ الْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ يَنُصُّ عَلَى تَرْكِهِ مَعَ الْوَعِيدِ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ لَا يَنُصُّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْأَوَّلُ الْحَلَالُ الْبَيِّنُ وَالثَّانِي الْحَرَامُ الْبَيِّنُ وَالثَّالِثُ الْمُشْتَبَهُ لِخَفَائِهِ فَلَا يُدْرَى أَحَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَرَامًا فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّبِعَةِ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَقَدِ اسْتَحَقَّ الْأَجْرَ عَلَى التَّرْكِ لِهَذَا الْقَصْدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ حَظْرًا وَإِبَاحَةً
وَهَذَا التَّقْسِيمُ قَدْ وَافَقَ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُبَاحَ وَالْمَكْرُوهَ مِنَ الْمُشَبَّهَاتِ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ حَلَالٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا يَخْفَى حِلُّهُ كَالْخُبْزِ وَالْفَوَاكِهِ وَالزَّيْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَطْعُومَاتِ وَكَذَلِكَ الْكَلَامُ وَالنَّظَرُ وَالْمَشْيُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا حَلَالٌ بَيِّنٌ وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِي حِلِّهِ.
وَأَمَّا الْحَرَامُ الْبَيِّنُ فَكَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ والبول وكذلك الزنى وَالْكَذِبُ وَالْغِيبَةُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ ( وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُتَشَابِهَاتٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُشْتَبِهَاتٌ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ وَفِي بَعْضِهَا مُشَبَّهَاتٌ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ.
وَأَمَّا الْمُشَبَّهَاتُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاضِحَةِ الْحِلِّ وَلَا الْحُرْمَةِ فَلِهَذَا لَا يَعْرِفُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَعْلَمُونَ حُكْمَهَا.
وَأَمَّا الْعُلَمَاءُ فَيَعْرِفُونَ حُكْمَهَا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ أَوِ اسْتِصْحَابٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَطَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ الْكَلَامَ ( أَحْيَانًا) ظَرْفٌ مُقَدَّمٌ لِيَقُولَ أَيْ يَقُولُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ( مُشْتَبِهَةٌ) أَيْ مَكَانَ مُتَشَابِهَاتٌ ( وَسَأَضْرِبُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَثَلًا) أَيْ سَأُبَيِّنُ لِإِيضَاحِ حُكْمَ تِلْكَ الْأُمُورِ مِثَالًا ( إِنَّ اللَّهَ حَمَى حِمًى) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ هُوَ مَا يَحْمِيهُ الْإِمَامُ لِمَوَاشِيهِ وَيَمْنَعُ الْغَيْرَ ( يُوشِكُ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَقْرُبُ ( أَنْ يُخَالِطَهُ) أَيْ يَقَعَ فِي الْحِمَى شَبَّهَ الْمُكَلَّفَ بالراعي والنفس البهيمية بِالْأَنْعَامِ وَالْمُشَبَّهَاتَ بِهِمَا حَوْلَ الْحِمَى وَالْمَعَاصِي بِالْحِمَى وَتَنَاوَلُهُ الْمُشَبَّهَاتِ بِالرَّتْعِ حَوْلَ الْحِمَى فَهُوَ تَشْبِيهٌ بِالْمَحْسُوسِ الَّذِي لَا يَخْفَى حَالُهُ
وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ حُصُولُ الْعِقَابِ بِعَدَمِ الِاحْتِرَازِ فِي ذَلِكَ كَمَا أَنَّ الرَّاعِي إِذَا جَرَّهُ رَعْيُهُ حَوْلَ الْحِمَى إِلَى وُقُوعِهِ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ لِذَلِكَ فَكَذَا مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الشُّبُهَاتِ وَتَعَرَّضَ لِمُقَدِّمَاتِهَا وَقَعَ فِي الْحَرَامِ فَاسْتَحَقَّ الْعِقَابَ ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ ( الرِّيبَةُ) أَيِ الْأَمْرُ الْمُشْتَبَهِ وَالْمَشْكُوكُ ( أَنْ يَجْسُرَ) بِالْجِيمِ مِنَ الْجَسَارَةِ أَيْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَخْسُرَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ



رقم الحديث 3327 [3327]

رقم الحديث 3328 [3328]
جَمْعُ مَعْدِنٍ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَمَجْلِسٍ مَنْبَتُ الْجَوَاهِرِ مِنْ ذَهَبٍ وَنَحْوِهِ انْتَهَى ( أَوْ تَأْتِيَنِي بِحَمِيلٍ) أَيْ ضَامِنٍ ( فَتَحَمَّلَ) أَيْ تَكَفَّلَ ( فَأَتَاهُ) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِلْغَرِيمِ وَالْمَنْصُوبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَمَّا رَدُّهُ الذَّهَبَ الَّذِي اسْتَخْرَجَهُ مِنَ الْمَعْدِنِ وَقَولُهُ لَا حَاجَةَ لَنَا إِلَخْ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِسَبَبٍ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ خَاصَّةً لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الذَّهَبَ الْمُسْتَخْرَجَ لَا يُبَاحُ تَمَوُّلُهُ وَتَمَلُّكُهُ فَإِنَّ عَامَّةَ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مُسْتَخْرَجَةٌ مِنَ الْمَعَادِنِ وَقَدْ أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةَ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ عَنْهَا الْحَقَّ وَهُوَ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ إِلَى الْيَوْمِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أَصْحَابَ الْمَعَادِنِ يَبِيعُونَ تُرَابَهَا مِمَّنْ يُعَالِجُهُ فَيَحْصُلُ مَا فِيهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَهُوَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى هَلْ يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا أَوْ لَا وَقَدْ كَرِهَ بَيْعَ تُرَابِ الْمَعَادِنِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرٌ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ لَيْسَ فِيهَا خَيْرٌ أَيْ لَيْسَ فِيهَا رَوَاجٌ وَلَا لِحَاجَتِنَا فِيهَا نَجَاحٌ وَذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ تَحَمَّلَهُ عَنْهُ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةٌ وَالَّذِي جَاءَ بِهِ تِبْرٌ غَيْرُ مَضْرُوبٍ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَضْرِبُهُ دَنَانِيرَ وَإِنَّمَا كَانَ تُحْمَلُ إِلَيْهِمُ الدَّنَانِيرُ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ السِّكَّةَ فِي الْإِسْلَامِ وَضَرَبَ الدَّنَانِيرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فَهِيَ تُدْعَى الْمَرْوَانِيَّةَ إِلَى هَذَا الزَّمَانِ
وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا كَرِهَهُ لِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الشُّبْهَةِ وَيَدْخُلُهُ مِنَ الْغَرَرِ عِنْدَ اسْتِخْرَاجِهِمْ إِيَّاهُ مِنَ الْمَعْدِنِ وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اسْتَخْرَجُوا بِالْعُشْرِ أَوِ الْخُمُسِ أَوِ الثُّلُثِ فَمَا يُصِيبُونَهُ وَهُوَ غَرَرٌ لَا يُدْرَى هَلْ يُصِيبُ الْعَامِلُ فِيهِ شَيْئًا أَمْ لَا فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْعَقْدِ عَلَى رَدِّ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْبَعِيرِ الشَّارِدِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ يَظْفَرُ بِهِمَا أَمْ لَا
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ الْحَمَالَةِ وَالضَّمَانِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ مُلَازَمَةِ الْغَرِيمِ وَمَنْعُهُ مِنَ التَّصَرُّفِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي عليه انتهى
قال المنذري وأخرجه بن ماجه


رقم الحديث 3330 [333] ( وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ أَنَّهَا تَشْتَبِهُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ وَلَيْسَ أَنَّهَا فِي ذَوَاتِ أَنْفُسِهَا مُشْتَبِهَةٌ لَا بَيَانَ لَهَا فِي جُمْلَةِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يَجِبُ لَهُ فِيهِ حُكْمٌ إِلَّا وَقَدْ جَعَلَ فِيهِ لَهُ بَيَانًا وَنَصَبَ عَلَيْهِ دَلِيلًا وَلَكِنَّ الْبَيَانَ ضَرْبَانِ بَيَانٌ جَلِيٌّ يَعْرِفُهُ عَامَّةُ النَّاسِ وَخَفِيٌّ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا الْخَاصُّ مِنَ الْعُلَمَاءِ
قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ وَقَدْ عُقِلَ بِبَيَانِ فَحْوَاهُ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَعْرِفُونَهَا وَإِنْ كَانُوا قَلِيلَ الْعَدَدِ
وَإِذَا صَارَ مَعْلُومًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَلَيْسَ بِمُشْبِهٍ فِي نَفْسِهِ انْتَهَى
مُخْتَصَرًا ( فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ) أَيِ اجْتَنَبَ عَنِ الْأُمُورِ الْمُشْتَبِهَةِ قَبْلَ ظُهُورِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهَا ( اسْتَبْرَأَ دِينَهُ وَعِرْضَهُ) يَعْنِي بَالَغَ فِي بَرَاءَةِ دِينِهِ مِنْ أَنْ يَخْتَلَّ بِالْمَحَارِمِ وَعِرْضِهِ مِنْ أَنْ يُتَّهَمَ بِتَرْكِ الْوَرَعِ وَالسِّينُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تعالى فمن كان غنيا فليستعفف اسْتَعَفَّ أَبْلَغُ مِنْ عَفَّ كَأَنَّهُ طَالِبَ زِيَادَةَ العفة كذا قال بن الْمَلَكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ ( وَقَعَ فِي الْحَرَامِ) يَعْنِي يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ لِأَنَّهُ حَوْلَ حريمه