فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي الرَّجُلِ يَعْتَرِفُ بِحَدٍّ وَلَا يُسَمِّيهِ

رقم الحديث 3869 [3869]
( مَا أُبَالِي مَا أَتَيْتُ) أَيْ مَا فَعَلْتُ
مَا الْأُولَى نَافِيَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَوْصُولَةٌ وَالرَّاجِعُ مَحْذُوفٌ وَالْمَوْصُولُ مَعَ الصِّلَةِ مَفْعُولُ أُبَالِي
وَقَولُهُ ( إِنْ أَنَا شَرِبْتُ تِرْيَاقًا) إِلَى آخِرِهِ شَرْطٌ جَزَاؤُهُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ وَالْمَعْنَى إِنْ صَدَرَ مِنِّي أَحَدُ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ كُنْتُ مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِمَا يَفْعَلُ وَلَا يَنْزَجِرُ عَمَّا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ شَرْعًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنِّي إِنْ فَعَلْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كُنْتُ مِمَّنْ لَا يُبَالِي بِمَا فَعَلُهُ مِنَ الْأَفْعَالِ مَشْرُوعَةً أَوْ غَيْرَهَا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَشْرُوعِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى
ثُمَّ التِّرْيَاقُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَجُوِّزَ ضَمُّهُ وَفَتْحُهُ لَكِنِ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا يُسْتَعْمَلُ لِدَفْعِ السُّمِّ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَالْمَعَاجِينِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَيُقَالُ بِالدَّالِ أيضا كذا في المرقاة
وقال بن الْأَثِيرِ إِنَّمَا كَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْأَفَاعِي وَالْخَمْرِ وَهِيَ حَرَامٌ نَجِسَةٌ وَالتِّرْيَاقُ أَنْوَاعٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ
وَقِيلَ الْحَدِيثُ مُطْلَقٌ فَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ كُلُّهُ انْتَهَى ( أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً) أَيْ أَخَذْتُهَا عِلَاقَةً وَالْمُرَادُ مِنَ التَّمِيمَةِ مَا كَانَ مِنْ تَمَائِمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَرُقَاهَا فَإِنَّ الْقِسْمَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلِمَاتِهِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي جُمْلَتِهِ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ خَرَزَاتٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تُعَلِّقُهَا عَلَى أَوْلَادِهِمْ يَتَّقُونَ بِهَا الْعَيْنَ فِي زَعْمِهِمْ فَأَبْطَلَهَا الْإِسْلَامُ
وَفِي الْحَدِيثِ التَّمَائِمُ وَالرُّقَى مِنَ الشِّرْكِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ كَأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَمَامُ الدَّوَاءِ وَالشِّفَاءِ وَإِنَّمَا جَعَلَهَا شِرْكًا لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهَا دَفْعَ الْمَقَادِيرِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَيْهِمْ وَطَلَبُوا دَفْعَ الْأَذَى مِنْ غَيْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ دَافِعُهُ انْتَهَى
قَالَ السِّنْدِيُّ الْمُرَادُ تَمَائِمُ الْجَاهِلِيَّةِ مِثْلُ الْخَرَزَاتِ وَأَظْفَارِ السِّبَاعِ وَعِظَامِهَا.
وَأَمَّا مَا يَكُونُ بِالْقُرْآنِ وَالْأَسْمَاءِ الْإِلَهِيَّةِ فَهُوَ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ
وَقَالَ الْقَاضِي أبو بكر الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ تَعْلِيقُ الْقُرْآنِ لَيْسَ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا السُّنَّةُ فِيهِ الذِّكْرُ دُونَ التَّعْلِيقِ انْتَهَى
( أَوْ.

قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي)
أَيْ قَصَدْتُهُ وَتَقَوَّلْتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وما علمناه الشعر وما ينبغي له.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا النبي لا كذب أنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبْ فَذَلِكَ صَدَرَ لَا عَنْ قَصْدٍ وَلَا الْتِفَاتٍ مِنْهُ إِلَيْهِ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ شُرْبُ التِّرْيَاقِ مَكْرُوهًا مِنْ أَجْلِ التَّدَاوِي وَقَدْ أَبَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّدَاوِي وَالْعِلَاجَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ مَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْأَفَاعِي وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ وَالتِّرْيَاقُ أَنْوَاعٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْأَفَاعِي فَلَا بَأْسَ بِتَنَاوُلِهِ
وَالتَّمِيمَةُ يُقَالُ إِنَّهَا خَرَزَةٌ كَانُوا يُعَلِّقُونَهَا يَرَوْنَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمُ الْآفَاتِ وَاعْتِقَادُ هَذَا الرَّأْيِ جَهْلٌ وَضَلَالٌ إِذْ لَا مَانِعَ وَلَا دَافِعَ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعَوُّذُ بِالْقُرْآنِ وَالتَّبَرُّكُ وَالِاسْتِشْفَاءُ بِهِ لِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَالِاسْتِعَاذَةُ بِهِ تَرْجِعُ إِلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ إِذْ هُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ
وَيُقَالُ بَلِ التَّمِيمَةُ قِلَادَةٌ يُعَلَّقُ فِيهَا الْعَوْذُ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمَكْرُوهَ مِنَ الْعَوْذِ هُوَ مَا كَانَ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ فَلَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ سِحْرٌ أَوْ نَحْوُهُ مِنَ الْمَحْظُورِ انْتَهَى كَلَامُهُ ( هَذَا) أَيِ النَّهْيُ عَنْ شُرْبِ التِّرْيَاقِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ التَّنُوخِيُّ قَاضِي إِفْرِيقِيَّةَ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ بَعْضُ الْمَنَاكِيرِ حَدِيثُهُ فِي المصريين وحكى بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَ هَذَا


( إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ) أَيْ أَحْدَثَهُمَا وَأَوْجَدَهُمَا ( لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ) أَيْ حَلَالًا ( فَتَدَاوَوْا) أَيْ بِحَلَالٍ ( وَلَا تَتَدَاوَوْا بِحَرَامٍ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ إِنْ صَحَّا مَحْمُولَانِ عَلَى النَّهْيِ عَنِ التَّدَاوِيِ بِالْمُسْكِرِ وَالتَّدَاوِي بِالْحَرَامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ انتهى
وقال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ التَّدَاوِي بِجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ سِوَى الْمُسْكِرِ لِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَيْثُ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّرْبِ مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ لِلتَّدَاوِي
قَالَ وَحَدِيثُ الْبَابِ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ دَوَاءٌ غَيْرُهُ يُغْنِي عَنْهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الطَّاهِرَاتِ انْتَهَى
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَمْعِ مِنَ التَّعَسُّفِ فَإِنَّ أَبْوَالَ الْإِبِلِ الخصم يمنع انصافها بكونها حَرَامًا أَوْ نَجَسًا وَعَلَى فَرْضِ التَّسْلِيمِ فَالْوَاجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَامِّ وَهُوَ تَحْرِيمُ التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ وَبَيْنَ الْخَاصِّ وَهُوَ الْإِذْنُ بِالتَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ بِأَنْ يُقَالَ يَحْرُمُ التَّدَاوِي بِكُلِّ حَرَامٍ إِلَّا أَبْوَالَ الْإِبِلِ هَذَا هُوَ الْقَانُونُ الْأُصُولِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِيهِ مَقَالٌ