فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي وَقْتِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْفَ كَانَ

رقم الحديث 352 [352] ( كَانَ النَّاسُ مُهَّانَ أَنْفُسِهِمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُهَّانُ جَمْعُ مَاهِنٌ وَهُوَ الْخَادِمُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْدُمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ خَدَمٌ يَكْفُونَ لَهُمُ الْمِهْنَةَ وَالْإِنْسَانُ إِذَا بَاشَرَ الْعَمَلَ الشَّاقَّ حَمِيَ بَدَنَهُ وَعَرِقَ سِيَّمَا فِي الْبَلَدِ الْحَارِّ فَرُبَّمَا تَكُونُ مِنْهُ الرَّائِحَةُ فَأُمِرُوا بِالِاغْتِسَالِ تَنْظِيفًا لِلْبَدَنِ وَقَطْعًا لِلرَّائِحَةِ
انْتَهَى ( فَقِيلَ لَهُمْ لَوِ اغْتَسَلْتُمْ) لَوْ لِلتَّمَنِّي فَلَا تَحْتَاجُ إِلَى جَوَابٍ أَوْ لِلشَّرْطِ فَالْجَوَابُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ أنهم لماأمروا بِالِاغْتِسَالِ لِأَجْلِ تِلْكَ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ فَإِذَا زَالَتْ زَالَ الْوُجُوبُ
وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا إِذَا زَالَتِ الْعِلَّةُ زَالَ الْوُجُوبُ كَمَا فِي وُجُوبِ السَّعْيِ مَعَ زَوَالِ الْعِلَّةِ الَّتِي شُرِعَ لَهَا وَهِيَ إِغَاظَةُ الْمُشْرِكِينَ وَالثَّانِي بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْوُجُوبِ وَبِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ وَالْإِعْلَامُ بِوُجُوبِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بنحوه

رقم الحديث 353 [353] ( كَانَ النَّاسُ مَجْهُودِينَ) الْجَهْدُ بِالْفَتْحِ الْمَشَقَّةُ وَالْعُسْرَةُ يُقَالُ جَهَدَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَجْهُودٌ إِذَا وَجَدَ مَشَقَّةً وَجَهَدَ النَّاسُ فَهُمْ مَجْهُودُونَ إِذَا أَجْدَبُوا وَمُجْهِدُونَ مُعْسِرُونَ
كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْمَشَقَّةِ وَالْعُسْرَةِ لِشِدَّةِ فَقْرِهِمْ ( مُقَارِبَ السَّقْفِ) لِقِلَّةِ ارْتِفَاعِ الْجِدَارِ ( إِنَّمَا هُوَ) أَيْ سَقْفُ الْمَسْجِدِ ( عَرِيشٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ هُوَ كُلُّ مَا يُسْتَظَلُّ بِهِ
وَالْمُرَادُ أَنَّ سَقْفَ الْمَسْجِدِ كَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ كَمَا فِي رِوَايَةِ المؤلف عن بن عُمَرَ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ وَسَقْفُهُ بِجَرِيدٍ وَعُمُدُهُ الْخَشَبُ ( حَتَّى ثَارَتْ مِنْهُمْ رِيَاحٌ) أَيْ طَارَتْ وَانْتَشَرَتْ ( آذَى بِذَلِكَ) الرِّيحِ ( بَعْضُهُمْ) فَاعِلُ آذَى ( بَعْضًا) مَفْعُولُ آذَى ( وَكُفُوا الْعَمَلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ كَفَى يَكْفِي وَلَفْظَةُ كَفَى تَجِيءُ لِمَعَانٍ مِنْهَا أَجْزَأَ وَأَغْنَى وَمِنْهَا وَقَى
وَالْأُولَى مُتَعَدِّيَةٌ لِوَاحِدٍ كَقَوْلِهِ قَلِيلٌ منك يكفيني ولكن قليل لَا يُقَالُ لَهُ قَلِيلُ
وَالثَّانِيَةُ مُتَعَدِّيَةٌ لِاثْنَيْنِ كقوله تعالى كفى الله المؤمنين القتال وههنا بِمَعْنَى وَقَى أَيْ وَقَاهُمْ خُدَّامُهُمْ وَغِلْمَانُهُمْ عَنِ الْعَمَلِ وَالتَّعَبِ وَالشِّدَّةِ ( وَذَهَبَ بَعْضُ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنَ الْعَرَقِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْجَسَدِ وَقْتَ الْحَرَارَةِ
وَقَولُهُ مِنَ الْعَرَقِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ بَعْضُ الَّذِي وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعَرَقَ الَّذِي كَانَ يُؤْذِي بِهِ بَعْضُهُمْ ذَهَبَ وَزَالَ بِسَبَبِ لُبْسِهِمْ غَيْرَ الصُّوفِ