فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ

رقم الحديث 582 [582]
( يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَكْثَرُهُمْ لَهُ حِفْظًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ما رواه الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ عَنْ عَمْرِوِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْلَامِ قَوْمِهِ فَكَانَ فِيمَا أَوْصَانَا لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا فَكُنْتُ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَقَدَّمُونِي وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
وَقِيلَ أَحْسَنُهُمْ قِرَاءَةً وَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُمْ حِفْظًا وَقِيلَ أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِهِ ( وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً) وَكَذَا قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ شُعْبَةَ أَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ هَذَا الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً وَلَمْ يَقُلْ فَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَرَّجَةٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَلَى مَا ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ
وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا رِوَايَةُ سُفْيَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يؤم القوم أقرؤهم لكتاب فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُسْتَقِيمُ فِي التَّرْتِيبِ انْتَهَى ( فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ) أَيْ فِي مِقْدَارِهَا أَوْ حُسْنِهَا أَوْ فِي الْعِلْمِ بِهَا ( سَوَاءً) أَيْ مُسْتَوِينَ ( فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً) هَذَا شَامِلٌ لِمَنْ تَقَدَّمَ هِجْرَةً سَوَاءً كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعْدَهُ كَمَنْ يُهَاجِرُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ
وَأَمَّا حَدِيثُ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْهِجْرَةُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَوْ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَضْلُهَا كَفَضْلِ الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ وَهَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ ( أَكْبَرُهُمْ سِنًّا) أَيْ يُقَدَّمُ فِي الْإِمَامَةِ مَنْ كَبِرَ سِنُّهُ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ فَضِيلَةٌ يُرَجَّحُ بِهَا ( وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ فِي بَيْتِهِ إِذَا كَانَ مِنَ الْقِرَاءَةِ أَوِ الْعِلْمِ بِمَحَلٍّ يُمَكِّنُهُ أَنْ يُقِيمَ الصَّلَاةِ
وَقَدْ رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمُّهُمْ ( وَلَا فِي سُلْطَانِهِ) فَهَذَا فِي الْجُمُعَاتِ وَالْأَعْيَادِ لِتَعَلُّقِ هَذِهِ الْأُمُورِ بِالسَّلَاطِينِ فَأَمَّا فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ فَأَعْلَمُهُمْ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ فَإِنْ جَمَعَ السُّلْطَانُ هَذِهِ الْفَضَائِلَ كُلَّهَا فَهُوَ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ وَلَا يَرَاهَا خَلْفَ أَهْلِ الْبِدَعِ
وَقَدْ يُتَأَوَّلُ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا فِي سُلْطَانِهِ عَلَى مَعْنَى مَا يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ مِنْ مِلْكِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ يَكُونُ إِمَامُ مَسْجِدِهِ فِي قَوْمِهِ وَقَبِيلَتِهِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ ( وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ) أَيْ فِرَاشِهِ وَسَرِيرِهِ وَمَا يُعَدُّ لِإِكْرَامِهِ من وطأ وَنَحْوِهِ
قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ
وَذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مِلَاكُ أَمْرِ الْإِمَامَةِ الْقِرَاءَةَ وَجَعَلَهَا مُقَدَّمَةً عَلَى سَائِرِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورِ مَعَهَا وَالْمَعْنَى فِي ذلك أنهم كانوا قوما أميين لا يقروؤن فَمَنْ تَعَلَّمَ مِنْهُمْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَلَّمْهُ لِأَنَّهُ لَا صلاة إلا بقراءه وإذا كَانَتِ الْقِرَاءَةُ مِنْ ضَرُورَةِ الصَّلَاةِ وَكَانَتْ رُكْنًا مِنَ أَرْكَانِهَا صَارَتْ مُقَدَّمَةً فِي التَّرْتِيبِ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنْهَا ثُمَّ تَلَا الْقِرَاءَةَ بِالسُّنَّةِ وَهِيَ الْفِقْهُ وَمَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَمَا سَنَّهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلم فِيهَا وَبَيَّنَهُ مِنْ أَمْرِهَا وَأَنَّ الْإِمَامَ إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ رُبَّمَا يَعْرِضُ فِيهَا مِنْ سَهْوٍ وَيَقَعُ مِنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ أَفْسَدَهَا وَأَخْدَجَهَا فَكَانَ الْعَالِمُ بِهَا الْفَقِيهُ فِيهَا مُقَدَّمًا عَلَى مَنْ لَمْ يَجْمَعْ عِلْمَهَا وَلَمْ يَعْرِفْ أَحْكَامَهَا
وَمَعْرِفَةُ السُّنَّةِ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فِي الذِّكْرِ وَكَانَ الْقِرَاءَةُ مُبْتَدَأَةً بِذِكْرِهَا فَإِنَّ الْفَقِيهَ الْعَالِمَ بِالسُّنَّةِ إِذَا كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنَ الْمَاهِرِ بِالْقِرَاءَةِ إِذَا كَانَ مُخْتَلِفًا عَنْ دَرَجَتِهِ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ وَمَعْرِفَتِهِ السُّنَّةَ
وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْقَارِئُ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّ عَامَّةُ الصَّحَابَةِ إِذَا عتبرت أحوالهم وجدت أقرأهم أفقههم به
وقال بن مَسْعُودٍ كَانَ أَحَدُنَا إِذَا حَفِظَ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا حَتَّى يُحْكِمَ عِلْمَهَا وَيَعْرِفَ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا أَوْ كَمَا قَالَ
فَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ تَأَخَّرَ بِهِمُ الزَّمَانُ فإن أكثرهم يقرأون وَلَا يَفْقَهُونَ فَقُرَّاؤُهُمْ كَثِيرٌ وَالْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ قَلِيلٌ
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنِ اسْتَوَوْا فِي السُّنَّةِ فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنَّ الْهِجْرَةَ قَدِ انْقَطَعَتِ الْيَوْمَ إِلَّا أَنَّ فَضِيلَتَهَا مَوْرُوثَةٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُهَاجِرِينَ أَوْ كَانَ فِي آبَائِهِ وَأَسْلَافِهِ مَنْ لَهُ قَدَمٌ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ سَابِقَةٌ فِيهِ أَوْ كَانَ آبَاؤُهُ أَقْدَمُ إِسْلَامًا فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لِآبَائِهِ سَابِقَةٌ أَوْ كَانُوا مِمَّنْ بَنَى الْعَهْدَ بِالْإِسْلَامِ فإذا كانوا متساويين فِي هَذِهِ الْحَالَاتِ الثَّلَاثَةِ فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ هُوَ أَصْغَرُ سِنًّا لِفَضِيلَةِ السِّنِّ وَلِأَنَّهُ إِذَا تَقَدَّمَ أَصْحَابُهُ فِي السِّنِّ فَقَدْ تَقَدَّمَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ تُوجَدُ أَقَاوِيلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ
قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَؤُمُّهُمْ أَفْقَهُهُمْ فَإِنْ كَانُوا فِي الفقه سواء فأقرأهم فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَسَنُّهُمْ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ يَتَقَدَّمُ الْقَوْمَ أَعْلَمُهُمْ فَقِيلَ لَهُ أقرأهم فَقَالَ قَدْ يَقْرَأُ مَنْ لَا يُرْضَى.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيُّ يَؤُمُّهُمْ أَفْقَهُهُمْ
وَقَالَ الشَّافِعِيِّ إِذَا لَمْ تَجْتَمِعُ الْقِرَاءَةُ وَالْفِقْهُ وَالسِّنُّ فِي وَاحِدٍ قَدَّمُوا أَفْقَهُهُمْ إِذَا كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَكْتَفِي بِهِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ قَدَّمُوا أَقْرَأَهُمْ إِذَا كَانَ يَعْلَمُ مِنَ الْفِقْهِ مَا يَلْزَمُهُ فِي الصَّلَاةِ فَحَسَنٌ
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَؤُمُّهُمْ أَفْقَهُهُمْ إِذَا كَانَ يقرأ القران وإن لم يقرؤه كُلَّهُ
وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ يُقَدِّمُونَ الْقِرَاءَةَ قَوْلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ
انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ



رقم الحديث 583 [583]

رقم الحديث 581 [581] عن (عَلَى) الْإِمَامَةِ (إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ) أَيْ عَلَامَاتِهَا الْمَذْمُومَةِ وَاحِدُهَا شَرَطٌ بِالتَّحْرِيكِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ هَذَا التَّفْسِيرَ وَقِيلَ هِيَ مَا يُنْكِرُهُ النَّاسُ مِنْ صِغَارِ أُمُورِ السَّاعَةِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ
كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (أَنْ يَتَدَافَعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ) أَيْ يَدْرَأُ كُلٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْإِمَامَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَيَقُولُ لَسْتُ أَهْلًا لَهَا لَمَّا تَرَكَ تَعَلُّمَ مَا تَصِحُّ بِهِ الْإِمَامَةُ
ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ
أَوْ يَدْفَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوِ الْمِحْرَابِ لِيَؤُمَّ بِالْجَمَاعَةِ فَيَأْبَى عَنْهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَتِهِ لَهَا لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِهَا
قاله بن الملك
كذا قال علي القارىء
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحُرُّ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ مُشَدَّدَةٌ انْتَهَى

(