فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابٌ فِي كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ

رقم الحديث 4280 [4280] ( عَزِيزًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عزيزا منيعا قال القارىء أَيْ قَوِيًّا شَدِيدًا أَوْ مُسْتَقِيمًا سَدِيدًا ( وَضَجُّوا) أَيْ صَاحُوا وَالضَّجُّ الصِّيَاحُ عِنْدَ الْمَكْرُوهِ وَالْمَشَقَّةِ والجزع ( ثم قال) أي رسول الله ( كَلِمَةً خَفِيفَةً) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خَفِيَّةً وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِكَلِمَةٍ خَفِيَتْ عَلَيَّ ( قُلْتُ لِأَبِي) أَيْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( يَا أَبَتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَكَانَ فِي الْأَصْلِ يَا أَبِي فَأُبْدِلَتِ الْيَاءُ بِالتَّاءِ ( مَا قَالَ) أي رسول الله ( قَالَ) أَيْ أَبِي ( كُلَّهُمْ) أَيْ كُلَّ الْخُلَفَاءِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

رقم الحديث 4279 [4279] لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا أَيْ مُسْتَقِيمًا سَدِيدًا جَارِيًا عَلَى الصَّوَابِ وَالْحَقِّ ( حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً وَلَفْظُ مُسْلِمٍ لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ مَاضِيًا مَا وَلِيَهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ( كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ) الْمُرَادُ بِاجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ انْقِيَادُهَا لَهُ وَإِطَاعَتُهُ
قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ قَدْ مَضَى مِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْعَدَدِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِQوَأَمَّا الْخُلَفَاء الِاثْنَا عَشَر فَلَمْ يَقُلْ فِي خِلَافَتهمْ إِنَّمَا خِلَافَة نُبُوَّة
وَلَكِنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ اِسْم الْخُلَفَاء وَهُوَ مُشْتَرَك وَاخْتَصَّ الْأَئِمَّة الرَّاشِدُونَ مِنْهُمْ بِخَصِيصَةٍ فِي الْخِلَافَة وَهِيَ خِلَافَة النُّبُوَّة وَهِيَ الْمُقَدَّرَة بِثَلَاثِينَ سَنَة خِلَافَة الصِّدِّيق سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَة أَشْهُر وَاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَخِلَافَة عُمَر بْن الْخَطَّاب عَشْر سِنِينَ وَسِتَّة أَشْهُر وَأَرْبَع لَيَالٍ وَخِلَافَة عُثْمَان اِثْنَتَيْ عَشْر سَنَة إِلَّا اِثْنَيْ عَشَر يَوْمًا وَخِلَافَة عَلِيّ خَمْس سِنِينَ وَثَلَاثَة أَشْهُر إِلَّا أَرْبَعَة عَشَر يَوْمًا
وَقُتِلَ عَلِيّ سَنَة أَرْبَعِينَ
فَهَذِهِ خِلَافَة النُّبُوَّة ثَلَاثُونَ سَنَة
وَأَمَّا الْخُلَفَاء اِثْنَا عَشَر فَقَدْ قَالَ جَمَاعَة مِنْهُمْ أَبُو حَاتِم بْن حِبَّانَ وَغَيْره إِنَّ آخِرهمْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز فَذَكَرُوا الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة ثُمَّ مُعَاوِيَة ثُمَّ يَزِيد اِبْنه ثُمَّ مُعَاوِيَة بْن يَزِيد ثُمَّ مَرْوَان بْن الْحَكَم ثُمَّ عَبْد الْمَلِك اِبْنه ثُمَّ الْوَلِيد بْن عَبْد الْمَلِك ثُمَّ سُلَيْمَان بْن عَبْد الْمَلِك ثُمَّ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَكَانَتْ وفاته على رأس المائة وهي القرن الفضل الَّذِي هُوَ خَيْر الْقُرُون وَكَانَ الدِّين فِي هَذَا الْقَرْن فِي غَايَة الْعِزَّة
ثُمَّ وَقَعَ مَا وَقَعَ وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَوْقَع عَلَيْهِمْ اِسْم الْخِلَافَة بِمَعْنَى الْمُلْك فِي غَيْر خِلَافَة النُّبُوَّة قَوْله فِي الْحَدِيث الصَّحِيح مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي خُلَفَاء يَعْمَلُونَ بِمَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ وَسَيَكُونُ مِنْ بَعْدهمْ خُلَفَاء يَعْمَلُونَ بِمَا لَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ من أنكر بريء وَمَنْ أَمْسَكَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ وَقِيلَ إِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ يَفْتَرِقُ النَّاسُ عَلَيْهِمْ
وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ السَّبِيلُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يَعْتَقِبُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُقْسِطِينَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِاسْمِ الْخَلِيفَةِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْوِلَاءِ وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُمْ عَلَى الْوَلَاءِ فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُسَمَّوْنَ بِهَا عَلَى الْمَجَازِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي قَدْ تَوَجَّهَ هُنَا سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَّا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْأَرْبَعَةُ وَالْأَشْهُرُ الَّتِي بُويِعَ فِيهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ
قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ الْمُرَادَ فِي حَدِيثِ الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا
وَلَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا فِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَالسُّؤَالُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ وَلِيَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ
قَالَ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ بَاطِلٌ لأنه لَمْ يَقُلْ لَا يَلِي إِلَّا اثْنَا عَشَرَ خَلِيفةً وَإِنَّمَا قَالَ يَلِي وَقَدْ وَلِيَ هَذَا الْعَدَدُ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ وُجِدَ بَعْدَهُمْ غَيْرُهُمُ انْتَهَى
قَالَ هَذَا إِنْ جُعِلَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ كُلَّ وَالٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُسْتَحِقِّي الْخِلَافَةَ الْعَادِلِينَ وَقَدْ مَضَى مِنْهُمْ مَنْ عُلِمَ وَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ هَذَا الْعَدَدِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ وَلِيُّ اللَّهِ الْمُحَدِّثُ فِي قُرَّةِ الْعَيْنَيْنِ فِي تَفْضِيلِ الشَّيْخَيْنِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ فِي حَدِيثِ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ ظَاهِرًا إِلَى أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَوَجْهُ الِاسْتِشْكَالِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَاظِرٌ إِلَى مَذْهَبِ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا اثْنَيْ عَشَرَ إِمَامًا والأصل إن كلامه بِمَنْزِلَةِ الْقُرْآنِ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَإِنْ يَهْلِكُوا فَسَبِيلُ مَنْ قَدْ هَلَكَ وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يَقُمْ سَبْعِينَ سَنَةً مِمَّا مَضَى وَقَدْ وَقَعَتْ أَغْلَاطٌ كَثِيرَةٌ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَنَحْنُ نَقُولُ مَا فَهِمْنَاهُ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ أَنَّ ابْتِدَاءَ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْجِهَادِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمَعْنَى فَإِنْ يَهْلِكُوا لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الشَّكِّ وَالتَّرْدِيدِ بَلْ بَيَانُ أَنَّهَا تَقَعُ وَقَائِعٌ عَظِيمَةٌ يُرَى نَظَرًا إِلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ أَمْرَ الْإِسْلَامِ قَدِ اضْمَحَلَّ وَشَوْكَةَ الْإِسْلَامِ وَانْتِظَامَ الْجِهَادِ قَدِ انْقَطَعَ ثُمَّ يُظْهِرُ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ الْخِلَافَةِ وَالْإِسْلَامِ وَإِلَى سَبْعِينَ سَنَةً لَا يَزَالُ هَذَا الِانْتِظَامُ وَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ فَفِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ مِنِ ابْتِدَاءِ الْجِهَادِ وَقَعَتْ حَادِثَةُ قَتَلَ ذِي النُّورَيْنِ وَتَفَرَّقَ الْمُسْلِمِينَ وَأَيْضًا فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَقْعَةُ الْجَمَلِ وصفين وَفِي هَذِهِ الْحَوَادِثِ لَمَّا ظَهَرَ الْفَسَادُ وَالتَّقَاتُلُ فِيمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَجُعِلَ جِهَادُ الْكُفَّارِ مَتْرُوكًا وَمَهْجُورًا إِلَى حِينَ عُلِمَ نَظَرًا إِلَى الْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ وَهَنَ وَاضْمَحَلَّ وَكَوْكَبُهُ قَدْ أَفَلَ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ جَعَلَ أَمْرَ الْخِلَافَةِ مُنْتَظِمًا وَأَمْضَى الْجِهَادَ إِلَى ظُهُورِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَتَلَاشِي دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ فَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْضًا فُهِمَ بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ أَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ أُبِيدَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يُرِيدُ ثُمَّ أَيَّدَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَأَشَادَ مَنَارَهُ وَجَلَّى نَهَارَهُ حَتَّى حَدَثَتِ الْحَادِثَةُ الْجَنْكِيزِيَّةُ وَإِلَيْهَا إِشَارَةٌ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَعْجِزَ أُمَّتِي عِنْدَ رَبِّي أَنْ يُؤَخِّرَهَا نِصْفَ يَوْمٍ فَقِيلَ لِسَعْدٍ وَكَمْ نِصْفُ يَوْمٍ قَالَ خَمْسُ مِائَةِ سنة رواه أحمد فتارة أخبر النبي عَنْ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ وَخَصَّصَهُ بِثَلَاثِينَ سَنَةً وَالَّتِي بَعْدَهُمْ عَبَّرَهَا بِمُلْكٍ عَضُوضٍ وَتَارَةً عَنْ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ وَالَّتِي تَتَّصِلُ بِهَا كِلَيْهِمَا مَعًا وَعَبَّرَهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةٍ وَتَارَةً عَنِ الثَّلَاثَةِ كُلِّهَا مَعًا وَعَبَّرَهَا بِخَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ.
وَأَمَّا مَا فَهِمَ هَذَا الْمُسْتَشْكِلُ فُلًّا يَسْتَقِيمُ أَصْلًا بِوُجُوهٍ
الأول أن المذكور ها هنا الْخِلَافَةُ لَا الْإِمَامَةُ وَلَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ مِنْ هَؤُلَاءِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ
الثَّانِي أَنَّ نِسْبَتَهُمْ إِلَى قُرَيْشٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَإِنَّ الْعَادَةَ قَدْ جَرَتْ عَلَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَمَّا فَعَلُوا أَمْرًا وَكُلُّهُمْ مِنْ بَطْنٍ وَاحِدٍ يُسَمُّونَهُمْ بِذَلِكَ الْبَطْنِ وَلَمَّا كَانُوا مِنْ بُطُونٍ شَتَّى يُسَمُّونَهُمْ بِالْقَبِيلَةِ الْفَوْقَانِيَّةِ الَّتِي تَجْمَعُهُمْ
الثَّالِثُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِاثْنَيْ عَشَرَ أَئِمَّةً لَمْ يَقُولُوا بِظُهُورِ الدِّينِ بِهِمْ بَلْ يَزْعُمُونَ أَنَّ الدِّينَ قَدِ اختفى بعد وفاته وَالْأَئِمَّةُ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِالتَّقِيَّةِ وَمَا اسْتَطَاعُوا عَلَى أَنْ يُظْهِرُوهُ حَتَّى إِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِظْهَارِ مَذْهَبِهِ وَمَشْرَبِهِ
الرَّابِعُ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ حَرْفِ إِلَى أَنْ تَقَعَ فَتْرَةً بَعْدَ مَا يَنْقَضِي عَصْرُ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً وَهُمْ قَائِلُونَ بِظُهُورِ عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَمَالِ الدِّينِ بَعْدَهُمْ فَلَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَى الْغَايَةِ وَالْمُغَيَّا كَمَا لَا يَخْفَى
فَالتَّحْقِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَعْتَبِرُوا بِمُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَبَنِيهِ الْأَرْبَعِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِينَ
وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ مِنْ مُخَالِفِيهِ
وَلَنَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ ذَكَرَا عَنِ النبي ما يدل على أن تسلط بن الزُّبَيْرِ وَاسْتِحْلَالَ الْحَرَمِ بِهِ مُصِيبَةٌ مِنْ مَصَائِبِ الْأُمَّةِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا أَحْمَدُ عَنْ قَيْسِ بْنِ أبي حازم قال جاء بن الزُّبَيْرِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْغَزْوِ فَقَالَ عُمَرُ اجْلِسْ فِي بَيْتِكِ فَقَدْ غزوت مع رسول الله
قَالَ فَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الَّتِي تَلِيهَا اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَجِدُ بِطَرَفِ الْمَدِينَةِ مِنْكَ وَمِنْ أَصْحَابِكِ أَنْ تَخْرُجُوا فَتُفْسِدُوا على أصحاب محمد وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فَمِنْ لَفْظِهِ بِطَرَفِ الْمَدِينَةِ يُفْهَمُ أن واقعة الجمل غير مراد ها هنا بَلِ الْمُرَادُ خُرُوجُهُ لِلْخِلَافَةِ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَدْ أَشَارَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ جَوَابِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ ينتظم الْخِلَافَةِ عَلَيْهِ وَيَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ سَاقِطٌ مِنْ هَذَا الْبَيْنِ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِهِ مُدَّةً يُعْتَدُّ بِهَا وَسُوءِ سِيرَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ تعالى وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الْبِشَارَةُ بِوُجُودِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً صَالِحًا يُقِيمُ الْحَقَّ وَيَعْدِلُ فِيهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَوَالِيهِمْ وَتَتَابُعُ أَيَّامِهِمْ بَلْ قَدْ وُجِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ وَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِلَا شَكٍّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَبَعْضِ بَنِي الْعَبَّاسِ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ وِلَايَتُهُمْ لَا مَحَالَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُمِ الْمَهْدِيُّ الْمُبَشَّرُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الواردة بذكره أنه يواطىء اسمه اسم النبي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِيهِ فَيَمْلَأُ عَدْلًا وَقِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا وَلَيْسَ هَذَا بِالْمُنْتَظَرِ الَّذِي يَتَوَهَّمُ الرَّافِضَةُ وُجُودَهُ ثُمَّ ظُهُورَهُ مِنْ سِرْدَابِ سَامِرَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةً ولا جود بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ هُوَ مِنْ هَوَسِ الْعُقُولِ السَّخِيفَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُ فِيهِمُ الِاثْنَا عَشْرِيَّةِ مِنَ الرَّوَافِضِ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمُ انْتَهَى
قُلْتُ زَعَمَتِ الشِّيعَةُ خُصُوصًا الْإِمَامِيَّةَ مِنْهُمْ أَنَّ الْإِمَامَ الْحَقَّ بَعْدَ رسول الله عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ ابْنُهُ الْحَسَنُ ثُمَّ أَخُوهُ الْحُسَيْنُ ثُمَّ ابْنُهُ عَلِيٌّ زَيْنُ الْعَابِدِينَ ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ ثُمَّ ابْنُهُ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ ثُمَّ ابْنُهُ مُوسَى الْكَاظِمُ ثُمَّ ابْنُهُ عَلِيٌّ الرِّضَا ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ التَّقِيُّ ثُمَّ ابْنُهُ عَلِيٌّ النَّقِيُّ ثُمَّ ابْنُهُ الْحَسَنُ الْعَسْكَرِيُّ ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ الْمَهْدِيُّ وَزَعَمُوا أَنَّهُ قَدِ اخْتَفَى خَوْفًا مِنْ أَعْدَائِهِ وَسَيَظْهَرُ فَيَمْلَأُ الدُّنْيَا قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا وَلَا امْتِنَاعَ فِي طُولِ عُمْرِهِ وَامْتِدَادِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ كَعِيسَى وَالْخَضِرِ
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ اخْتِفَاءَ الْإِمَامِ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ حُصُولِ الْأَغْرَاضِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْ وُجُودِ الْإِمَامِ وَإِنَّ خَوْفَهُ مِنَ الْأَعْدَاءِ لَا يُوجِبُ الِاخْتِفَاءَ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ إِلَّا الِاسْمُ بَلْ غَايَةُ الأمران يُوجِبَ اخْتِفَاءَ دَعْوَى الْإِمَامَةِ كَمَا فِي حَقِّ آبَائِهِ الَّذِينَ كَانُوا ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَدَّعُونَ الْإِمَامَةَ وَأَيْضًا فَعِنْدَ فَسَادِ الزَّمَانِ وَاخْتِلَافِ الْآرَاءِ وَاسْتِيلَاءِ الظَّلَمَةِ احْتِيَاجُ النَّاسِ إِلَى الْإِمَامِ أشد وَانْقِيَادُهُمْ لَهُ أَسْهَلُ كَذَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ
قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا زَعَمَتِ الشِّيعَةُ مِنْ أَنَّ الْمَهْدِيَّ الْمُبَشَّرَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ وَأَنَّهُ مُخْتَفٍ وَسَيَظْهَرُ هِيَ عَقِيدَةٌ بَاطِلَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ
وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا مَا زَعَمَ أَكْثَرُ الْعَوَامِّ وَبَعْضُ الْخَوَاصِّ فِي حَقِّ الْغَازِي الشَّهِيدِ الْإِمَامِ الْأَمْجَدِ السَّيِّدِ أَحْمَدَ البريلوي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ الْمَوْعُودُ الْمُبَشَّرُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ وَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَشْهِدْ فِي مَعْرَكَةِ الْغَزْوِ بَلْ إِنَّهُ اخْتَفَى عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَهُوَ حَيٌّ مَوْجُودٌ فِي هَذَا الْعَالَمِ إِلَى الْآنَ حَتَّى أَفْرَطَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إِنَّا لَقِينَاهُ فِي مَكَّةَ الْمُعَظَّمَةِ حَوْلَ الْمَطَافِ ثُمَّ غَابَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ سَيَعُودُ وَسَيَخْرُجُ بَعْدَ مُرُورِ الزَّمَانِ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ جورا وظلما وهذا غَلَطٌ وَبَاطِلٌ وَالْحَقُّ الصَّحِيحُ أَنَّ السَّيِّدَ الْإِمَامَ اسْتُشْهِدَ وَنَالَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَلَمْ يَخْتَفِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ قَطُّ وَالْحِكَايَاتُ الْمَرْوِيَّةُ فِي ذَلِكَ كُلُّهَا مَكْذُوبَةٌ مُخْتَرَعَةٌ وَمَا صَحَّ مِنْهَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ وَقَدْ طَالَ النِّزَاعُ قي أَمْرِ السَّيِّدِ الشَّهِيدِ مِنْ حَيَاتِهِ وَاخْتِفَائِهِ حَتَّى جَعَلُوهُ جُزْءَ الْعَقِيدَةِ وَيُجَادِلُونَ مَنْ يُنْكِرُهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى مِنْ صَنِيعِ هَؤُلَاءِ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ الْمُنْكَرَةِ الْوَاهِيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قال المنذري بعد إخراج حديث الجابر ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ أَبَا خَالِدٍ سَعِيدًا وَالِدَ إِسْمَاعِيلَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَسَمِعَ مِنْهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ وَقَولُهُ كُلَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مُسْنَدُ سَمُرَةَ بْنِ جُنَادَةَ وَقِيلَ سَمُرَةُ بْنُ عَمْرٍو السُّوَائِيُّ وَالِدُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِيهِ فَسَأَلْتُ الَّذِي يَلِينِي فَقَالَ كُلٌّ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَيْسَ فِيهِ.

قُلْتُ لِأَبِي.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ النَّمِرِيُّ سَمُرَةَ هَذَا.

     وَقَالَ  رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ حَدِيثًا وَاحِدًا لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ عن النبي يكون بعدي اثني عَشَرَ خَلِيفَةً كُلَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُ وَابْنُهُ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ صَاحِبٌ لَهُ رِوَايَةٌ انْتَهَى