فهرس الكتاب

عون المعبود لابى داود - بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ

رقم الحديث 4122 [4122] ( وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يُنْكِرُ الدِّبَاغَ وَيَقُولُ يُسْتَمْتَعُ بِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ يَقُولُ يُنْتَفَعُ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ دُبِغَتْ أَوْ لَمْ تُدْبَغْ وَتَمَسَّكَ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الدِّبَاغِ وَيُجَابُ بِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَجَاءَتِ الرِّوَايَاتُ الْبَاقِيَةُ بِبَيَانِ الدِّبَاغِ وَأَنَّ دِبَاغَهُ طَهُورُهُ



رقم الحديث 4123 [4123] ( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ ( إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ بِهَذَا الْوَجْهِ أَيُّمَا إِهَابٌ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الدِّبَاغَ مُطَهِّرٌ لِجِلْدِ مَيْتَةِ كُلِّ حَيَوَانٍ كَمَا يُفِيدُهُ لَفْظُ عُمُومِ كَلِمَةِ أَيُّمَا وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْإِهَابُ يَشْمَلُ بِعُمُومِهِ جِلْدَ الْمَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرَهُ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ جِلْدَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لَا يُسَمَّى إِهَابًا وَذَهَبُوا إِلَى أن الدباغ لَا يَعْمَلُ مِنَ الْمَيْتَةِ إِلَّا فِي جِلْدِ الْجِنْسِ الْمَأْكُولِ اللَّحْمِ
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْإِهَابِ يَتَنَاوَلُ جِلْدَ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ كَتَنَاوُلِهِ جِلْدَ الْمَأْكُولِ اللَّحْمِ قَوْلُ عَائِشَةَ حِينَ وَصَفَتْ أَبَاهَا وَحَقَنَ الدِّمَاءَ فِي أُهُبِهَا تُرِيدُ بِهِ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ كَلْبَيْنِ لَا يَذْخَرَانِ مِنَ الْإِيغَالِ بَاقِيَةً حَتَّى يَكَادَ تُفَرَّى عَنْهُمَا الْأُهُبُ انْتَهَى مُلَخَّصًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ



رقم الحديث 4124 [4124] ( قُسَيْطٌ) بِالْقَافِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتِيَّةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا ( أَمَرَ أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ) هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جُلُودَ الْمَيْتَةِ كُلَّهَا طَاهِرَةٌ بَعْدَ الدِّبَاغِ يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ تُنْسَبْ وَلَمْ تُسَمَّ



رقم الحديث 4125 [4125] ( عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ) يفتح الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا نُونٌ ( عَنْ سَلَمَةَ بن المحبق) ويجيء ضبط فِي كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ ( فَسَأَلَ) أَيْ طَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَنَّهَا مَيْتَةٌ) الْمَعْنَى أَنَّ الْقِرْبَةَ مِنْ جِلْدِ الْمَيْتَةِ ( فَقَالَ دِبَاغُهَا طُهُورُهَا) أَيْ طَهَارَتُهَا
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ إِهَابَ الْمَيْتَةِ إِذَا مَسَّهُ الْمَاءُ بَعْدَ الدِّبَاغِ يَنْجُسُ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَطَهَارَةِ الْمُذَكَّى وَأَنَّهُ إِذَا بُسِطَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ أَوْ خُرِزَ مِنْهُ خُفٌّ فَصُلِّيَ فِيهِ جَازَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ جَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ فَقَالَ لَا نعرف هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ
وَجَوْنٌ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدهَا نُونٌ
وَسَلَمَةُ بْنُ الْمُحَبَّقِ لَهُ صُحْبَةٌ وَهُوَ هُذَلِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ كُنْيَتُهُ أَبُو سِنَانٍ وَاسْمُ الْمُحَبَّقِ صَخْرٌ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَقَافٌ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَفْتَحُونَ الْبَاءَ وَيَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ مَكْسُورَةٌ وَإِنَّمَا سماه أبو الْمُحَبَّقَ تَفَاؤُلًا بِشَجَاعَتِهِ أَنَّهُ يُضْرِطُ أَعْدَاءَهُ



رقم الحديث 4126 [4126] ( عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ أُمِّهِ ( فَقَالَتْ أو يحل ذَلِكَ) الِانْتِفَاعُ بِجُلُودِهَا ( مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالٌ إِلَخْ) هَذَا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهَا نَعَمْ ( مِثْلُ الْحِمَارِ) أَيْ مِثْلُ جَرِّهِ أَوْ كَوْنُهَا مَيْتَةٌ مُنْتَفِخَةٌ ( يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ) بِفَتْحَتَيْنِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْقَرَظُ شَجَرٌ يُدْبَغُ بِهِ الْأُهُبُ وَهُوَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُفُوصَةِ والقبض ينشف الملة وَيُذْهِبُ الرَّخَاوَةَ وَيُجَفِّفُ الْجِلْدَ وَيُصْلِحُهُ وَيُطَيِّبُهُ فَكُلُّ شَيْءٍ عَمِلَ عَمَلَ الْقَرَظِ كَانَ حُكْمُهُ فِي التَّطْهِيرِ حُكْمَهُ
وَذِكْرُ الْمَاءِ مَعَ الْقَرَظِ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ الْقَرَظَ يَخْتَلِطُ بِهِ حِينَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِلْدِ وَيَحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْجِلْدَ إِذَا خَرَجَ مِنِ الدِّبَاغِ غُسِلَ بِالْمَاءِ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ مَا خَالَطَهُ مِنْ وَضَرِ الدَّبْغِ وَدَرَنِهِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَلَا يُطَهِّرُهَا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ




رقم الحديث 4127 [4127] ( عن عبد اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ ( قَالَ قُرِئَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( أَنْ لَا تَسْتَمْتِعُوا) أَنْQذكر الشيخ بن القيم رحمه الله حديث بن عُكَيْم وَكَلَام الْمُنْذِرِيِّ ثُمَّ قَالَ.

     وَقَالَ  أَبُو الْفَرَج بْن الْجَوْزِيّ حَدِيث بْن عُكَيْم مُضْطَرِب جِدًّا
فَلَا يُقَاوِم الْأَوَّل وَاخْتَلَفَ مَالِك وَالْفُقَهَاء في حديث بن عُكَيْم وَأَحَادِيث الدِّبَاغ مُفَسِّرَةٌ أَوْ مُخَفَّفَةٌ ( بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ) بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ أَطْنَابُ مَفَاصِلِ الْحَيَوَانِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ



رقم الحديث 4128 [4128] ( رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ ( كَتَبَ إِلَى جُهَيْنَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَدِيثُ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ بِشَيْءٍ سَوَاءٌ دُبِغَ الْجِلْدُ أَوْ لَمْ يُدْبَغْ وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخٌ لِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ فَصَّلَهَا الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ.

     وَقَالَ  بَعْدَ تَفْصِيلِهَا وَمُحَصَّلُ الْأَجْوِبَةِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْإِرْسَالُ لِعَدَمِ سَمَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الِانْقِطَاعُ لِعَدَمِ سَمَاعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ ثُمَّ الِاضْطِرَابُ فِي سَنَدِهِ فَإِنَّهُ تَارَةً قَالَ عَنْ كِتَابِQفَطَائِفَة قَدَّمَتْ أَحَادِيث الدِّبَاغ عَلَيْهِ لِصِحَّتِهَا وَسَلَامَتهَا من الاضطراب وطعنوا في حديث بن عُكَيْم بِالِاضْطِرَابِ فِي إِسْنَاده
وَطَائِفَة قَدَّمَتْ حَدِيث بن عكيم لتأخره وثقة رواته ورأو أَنَّ هَذَا الِاضْطِرَاب لَا يَمْنَع الِاحْتِجَاج بِهِ
وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَة عَنْ الْحَكَم عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ عُبَيْد اللَّه بن عكيم فالحديث مَحْفُوظ
قَالُوا وَيُؤَيِّدهُ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّهْي عَنْ اِفْتِرَاش جُلُود السِّبَاع وَالنُّمُور كَمَا سَيَأْتِي
وَطَائِفَة عَمِلَتْ بِالْأَحَادِيثِ كُلّهَا وَرَأَتْ أَنَّهُ لَا تَعَارُض بينها فحديث بن عُكَيْم إِنَّمَا فِيهِ النَّهْي عَنْ الِانْتِفَاع بِإِهَابِ الْمَيْتَة
وَالْإِهَاب هُوَ الْجِلْد الَّذِي لَمْ يُدْبَغ كَمَا قَالَهُ النَّضْر بْن شُمَيْلٍ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيّ الْإِهَاب الْجِلْد مَا لَمْ يُدْبَغ وَالْجَمْع أُهُب
وَأَحَادِيث الدِّبَاغ تَدُلّ عَلَى الِاسْتِمْتَاع بِهَا بَعْد الدِّبَاغ فَلَا تَنَافِي بَيْنهَا
وَهَذِهِ الطَّرِيقَة حَسَنَة لولا أن قوله في الحديث بن عُكَيْم كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُود الْمَيْتَة فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَة بِإِهَابٍ وَلَا عَصَب وَاَلَّذِي كَانَ رَخَّصَ فِيهِ هُوَ الْمَدْبُوغ
بِدَلِيلِ حَدِيث مَيْمُونَة
وَقَدْ يُجَاب عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَارَةً عَنْ مَشْيَخَةٍ مِنْ جُهَيْنَةَ وَتَارَةً عَمَّنْ قَرَأَ الْكِتَابَ ثُمَّ الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ فَرَوَاهُ الْأَكْثَرُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِتَقْيِيدِ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ التَّرْجِيحُ بِالْمُعَارَضَةِ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الدِّبَاغِ أَصَحُّ ثُمَّ الْقَوْلُ بِمُوجَبِهِ بِأَنَّ الْإِهَابَ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ لَا بَعْدَهُ حَمَلَهُ عَلَى ذلك بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ في الفتح بعد ما تَكَلَّمَ عَلَى بَعْضِ الْأَجْوِبَةِ وَأَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مُعَارَضَةُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَهُ وَأَنَّهَا عَنْ سَمَاعٍ وَهَذَا عَنْ كِتَابَةٍ وَأَنَّهَا أَصَحُّ مَخَارِجٍ وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ الْإِهَابِ عَلَى الجلد قَبْلَ الدِّبَاغِ وَأَنَّهُ بَعْدَ الدِّبَاغِ لَا يُسَمَّى إِهَابًا إِنَّمَا يُسَمَّى قِرْبَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ كَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ انْتَهَى
وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ بَعْدَ تَمَامِ الْحَدِيثِ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ أَيْ ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الميتة بإهاب ولا عصب ولكن ثم تَرَكَ الْحَدِيثَ لِلِاضْطِرَابِ فِي الْإِسْنَادِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَيَجِيءُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي عِبَارَةِ الْمُنْذِرِيِّ ( إِنَّمَا يُسَمَّى شَنًّا) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا نُونٌ أَيْ قِرْبَةً خَلِقَةً
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ أَشْيَاخٍ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَذْهَبُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِمَا ذُكِرَ فِيهِ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ وَكَانَ يَقُولُ كَانَ هَذَا آخِرَ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَرَكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ.

     وَقَالَ  أَبُو بَكْرِ بْنُ حَازِمٍ الْحَافِظُ وَقَدْ حَكَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ فِي حَدِيثِQأَحَدهمَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة لَمْ يَذْكُرهَا أَحَد مِنْ أَهْل السُّنَن فِي هَذَا الْحَدِيث وَإِنَّمَا ذكروا قوله صلى الله عليه وسلم لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَة الْحَدِيث وَإِنَّمَا ذَكَرهَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ خَالِد الْحَذَّاء وَشُعْبَة عَنْ الْحَكَم فَلَمْ يَذْكُرَا كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فَهَذِهِ اللَّفْظَة فِي ثُبُوتهَا شَيْء
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنَّ الرُّخْصَة كَانَتْ مُطْلَقَة غَيْر مُقَيَّدَة بِالدِّبَاغِ وَلَيْسَ فِي حَدِيث الزُّهْرِيِّ ذِكْر الدِّبَاغ وَلِهَذَا كَانَ يُنْكِرهُ وَيَقُول نَسْتَمْتِع بِالْجِلْدِ عَلَى كُلّ حَال فَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ أَخِيرًا وَأَحَادِيث الدِّبَاغ قِسْم آخَر لَمْ يَتَنَاوَلهَا النَّهْي وَلَيْسَتْ بِنَاسِخَةٍ وَلَا مَنْسُوخَة وَهَذِهِ أَحْسَن الطُّرُق
وَلَا يُعَارِض مِنْ ذَلِكَ نَهْيه عَنْ جُلُود السِّبَاع فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ مُلَابَسَتهَا بِاللُّبْسِ وَالِافْتِرَاش كَمَا نَهَى عَنْ أَكْل لُحُومهَا لِمَا فِي أَكْلهَا وَلُبْس جُلُودهَا مِنْ الْمَفْسَدَة وَهَذَا حُكْم لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَلَا نَاسِخ أَيْضًا وَإِنَّمَا هُوَ حُكْم اِبْتِدَائِيّ رَافِع لِحُكْمِ الِاسْتِصْحَاب الْأَصْلِيّ
وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَة تَأْتَلِف السُّنَن وَتَسْتَقِرّ كُلّ سَنَة مِنْهَا فِي مُسْتَقَرّهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق بن عُكَيْمٍ لَمَّا رَأَى تَزَلْزُلَ الرُّوَاةِ فِيهِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ رَجَعَ عَنْهُ
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ تَصْنِيفِهُ وحديث بن عُكَيْمٍ مُضْطَرِبٌ جِدًّا فَلَا يُقَاوِمُ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ في الصحيحين يعني حديث ميمونة وقال أبو عَبْدُ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الله عن بن عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ


جَمْعُ نَمِرٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَهُوَ سَبُعٌ أَجْرَأُ وَأَخْبَثُ مِنَ الْأَسَدِ وَهُوَ مُنَقَّطُ الْجِلْدِ نُقَطٌ سُودٌ وَبِيضٌ وَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْأَسَدِ إِلَّا أَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهُ وَرَائِحَةُ فَمِهِ طَيِّبَةٌ بِخِلَافِ الْأَسَدِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَسَدِ عَدَاوَةٌ وَهُوَ بَعِيدُ الْوَثْبَةِ فَرُبَّمَا وَثَبَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا



رقم الحديث 4129 [4129] ( لَا تَرْكَبُوا الْخَزَّ وَلَا النِّمَارَ) جَمْعُ نَمِرٍ وَالنَّمِرُ كَكَتِفٍ وَبِالْكَسْرِ سَبُعٌ مَعْرُوفٌ جَمْعُهُ أَنْمُرٌ وَأَنْمَارٌ وَنِمَارٌ وَنِمَارَةٌ وَنُمُورَةٌ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ اسْتِعْمَالِ جُلُودِهِ لما فيها من الزينة والخيلاء ولأنه زي الْعَجَمِ وَعُمُومُ النَّهْيِ شَامِلٌ لِلْمُذَكَّى وَغَيْرِهِ وَالْكَلَامُ عَلَى الْخَزِّ تَفْسِيرًا وَحُكْمًا قَدْ تَقَدَّمَ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رُكُوبِ النِّمَارِ وَفِي رِوَايَةٍ النُّمُورِ أَيْ جُلُودِ النُّمُورِ وَهِيَ السِّبَاعُ الْمَعْرُوفَةُ وَاحِدُهَا نَمِرٌ إِنَّمَا نَهَى عَنِ اسْتِعْمَالِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّينَةِ وَالْخُيَلَاءِ وَلِأَنَّهُ زِيُّ الْأَعَاجِمِ أَوْ لِأَنَّ شَعْرَهُ لَا يَقْبَلُ الدِّبَاغَ عِنْدَ أحد الأئمة إذا كان غير زكي وَلَعَلَّ أَكْثَرَ مَا كَانُوا يَأْخُذُونَ جُلُودَ النُّمُورِ إِذَا مَاتَتْ لِأَنَّ اصْطِيَادَهَا عَسِيرٌ انْتَهَى
قَالَ المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ رُكُوبِ النُّمُورِ



رقم الحديث 4130 [413] ( لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا جَمَاعَةٌ تُرَافِقُهُمْ فِي سَفَرِكَ ( فِيهَا) أَيْ فِي الرُّفْقَةِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ يُكْرَهُ اتِّخَاذُ جُلُودِ النُّمُورِ وَاسْتِصْحَابُهَا فِي السَّفَرِ وَإِدْخَالُهَا الْبُيُوتَ لِأَنَّ مُفَارَقَةَ الْمَلَائِكَةِ لِلرُّفْقَةِ الَّتِي فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تُجَامِعُ جَمَاعَةً أَوْ مَنْزِلًا وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ إِلَّا لِعَدَمِ جِوَازِ اسْتِعْمَالِهَا كَمَا وَرَدَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ وَجُعِلَ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِ التَّصَاوِيرِ وَجَعْلِهَا فِي الْبُيُوتِ كَذَا فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو الْعَوَّامِ عِمْرَانُ بْنُ دَاوَرٍ الْقَطَّانُ وَثَّقَهُ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَدَاوَرٌ آخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ



رقم الحديث 4131 [4131] ( وَفَدَ الْمِقْدَامُ) أَيْ قَدِمَ
قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَفَدَ إِلَيْهِ وَعَلَيْهِ يَفِدُ وَفْدًا وَقَدِمَ وَوَرَدَ انتهى
والمقدام بن معد يكرب هو بن عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ نَزَلَ الشَّامَ ( وَعَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ) الْعَنْسِيُّ حِمْصِيٌّ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ عَابِدٌ ( وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ مِنْ أَهْلِ قِنَّسْرِينَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ كُورَةٌ بِالشَّامِ ( إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) حِينَ إِمَارَتِهِ ( أُعْلِمْتُ) بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنَ الْإِعْلَامِ أَيْ أُخْبِرْتُ أَوْ بِفَتْحِ التَّاءِ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ وَبِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ ( تُوُفِّيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ مَاتَ وَكَانَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ قَتْلِ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْخِلَافَةِ وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا ثُمَّ جَرَى مَا جَرَى بَيْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنهم وَسَارَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ مِنَ الشَّامِ إِلَى الْعِرَاقِ وَسَارَ هُوَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَلَمَّا تَقَارَبَا رَأَى الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْفِتْنَةَ وَأَنَّ الْأَمْرَ عَظِيمٌ تُرَاقُ فِيهِ الدِّمَاءُ وَرَأَى اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَعَلِمَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَنْ تُغْلَبَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ حَتَّى يُقْتَلَ أَكْثَرُ الْأُخْرَى فَأَرْسَلَ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُسَلِّمُ لَهُ أَمْرَ الْخِلَافَةِ وَعَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَظَهَرَتِ الْمُعْجِزَةُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَيُّ شَرَفٍ أَعْظَمُ مِنْ شَرَفِ مَنْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدًا
وَكَانَ وَفَاةُ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَسْمُومًا سَمَّتْهُ زَوْجَتُهُ جَعْدَةَ بِإِشَارَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ أَوْ سَنَةَ خَمْسِينَ أَوْ بَعْدَهَا وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَشَيْئًا وَعَلَى قَوْلٍ نَحْوَ ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْبَيْتِ ( فَرَجَّعَ) مِنِ التَّرْجِيعِ أَيْ قَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ( فَقَالَ لَهُ فُلَانٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَعَ رَجُلٌ مَكَانَ فُلَانٍ وَالْمُرَادُ بِفُلَانٍ هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالْمُؤَلِّفُ لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ وَهَذَا دَأْبُهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ حَدَّثَنَا بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ وَفَدَ الْمِقْدَامُ بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ وَفِيهِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ أَيَرَاهَا مُصِيبَةُ الْحَدِيثِ ( أَتَعُدُّهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَتَرَاهَا أَيْ أَنَعُدُّ يَا أَيُّهَا الْمِقْدَامُ حَادِثَةَ مَوْتِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُصِيبَةً وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ مَا عَرَفَ قَدْرَ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتَّى قَالَ مَا قَالَ فَإِنَّ مَوْتَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ وَجَزَى اللَّهُ الْمِقْدَامَ وَرَضِيَ عَنْهُ فَإِنَّهُ مَا سَكَتَ عَنْ تَكَلُّمِ الْحَقِّ حَتَّى أَظْهَرَهُ وَهَكَذَا شَأْنُ الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ الْمُخْلِصِ ( فَقَالَ) أَيِ الْمِقْدَامُ ( لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْفُلَانِ وَهُوَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَقَدْ وَضَعَهُ) أَيِ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ ( فَقَالَ هَذَا) أَيِ الْحَسَنُ ( مِنِّي وَحُسَيْنٌ مِنْ عَلِيٍّ) أَيِ الْحَسَنُ يُشْبِهُنِي وَالْحُسَيْنُ يُشْبِهُ عَلِيًّا وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْحَسَنِ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ كَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْحُسَيْنِ الشِّدَّةُ كَعَلِيٍّ
قَالَهُ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ
( فَقَالَ الْأَسَدِيُّ) أَيْ طَلَبًا لِرِضَاءِ مُعَاوِيَةَ وَتَقَرُّبًا إِلَيْهِ ( جَمْرَةٌ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ جَمْرَةُ النَّارِ الْقِطْعَةُ الْمُتَلَهِّبَةُ
وَفِي الْقَامُوسِ النَّارُ الْمُتَّقِدَةُ ( أَطْفَأَهَا اللَّهُ) أَيْ خمد اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الْجَمْرَةَ وَأَمَاتَهَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ إِنَّ حَيَاةَ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ فِتْنَةً فَلَمَّا تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى سَكَنَتِ الْفِتْنَةُ فَاسْتَعَارَ مِنَ الْجَمْرَةِ بِحَيَاةِ الْحَسَنِ وَمِنْ إِطْفَائِهَا بِمَوْتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنَّمَا قَالَ الْأَسَدِيُّ ذَلِكَ الْقَوْلَ الشَّدِيدَ السَّخِيفَ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ زَوَالِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ وَخُرُوجَ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَيْهِ وَكَذَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِذَا خَطَبَ مَرَّةً فَقَالَ مُخَاطِبًا لِابْنِهِ يَزِيدَ وَإِنِّي لَسْتُ أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ يُنَازِعَنَّكَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا أَرْبَعَةُ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ الْأَسَدِيُّ ذَلِكَ الْقَوْلَ لِيُرْضِيَ بِهِ مُعَاوِيَةَ وَيَفْرَحَ بِهِ ( قَالَ) خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ( فَقَالَ الْمِقْدَامُ) مُخَاطِبًا لِمُعَاوِيَةَ ( أَمَّا أَنَا) فَلَا أَقُولُ قَوْلًا بَاطِلًا الَّذِي يَسْخَطُ بِهِ الرَّبُّ كَمَا قَالَ الْأَسَدِيُّ طَلَبًا لِلدُّنْيَا وَتَقَرُّبًا إِلَيْكَ وَمُرِيدًا لِرِضَاكَ بَلْ أَقُولُ كَلَامًا صَحِيحًا وَقَوْلًا حَقًّا ( فَلَا أَبْرَحُ) أَيْ فَلَا أَزَالُ ( الْيَوْمَ حَتَّى أُغَيِّظَكَ) مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ أَيْ أُغْضِبَكَ وَأُسْخِطَكَ ( وَأُسْمِعَكَ) مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ ( مَا تَكْرَهُ) مِنَ الْقَوْلِ فَإِنِّي لَا أُبَالِي بِسَخَطِكَ وَغَضَبِكَ وَإِنِّي جَرِيءٌ عَلَى إِظْهَارِ الْحَقِّ فَأَقُولُ عِنْدَكَ مَا هُوَ الْحَقُّ وَإِنْ كُنْتَ تَكْرَهُ وَتَغْضَبُ عَلَيَّ ( ثُمَّ قَالَ) الْمِقْدَامُ ( يَا مُعَاوِيَةُ) اسْمَعْ مِنِّي مَا أَقُولُ ( إِنْ أَنَا صَدَقْتُ) فِي كَلَامِي ( فَصَدِّقْنِي) فِيهِ وَهُوَ أَمْرٌ مِنَ التَّفْعِيلِ ( وَإِنْ أَنَا كَذَبْتُ) فِي كَلَامِي ( فَكَذِّبْنِي) فِيهِ ( قَالَ) مُعَاوِيَةُ ( أَفْعَلُ) كَذَلِكَ ( فَأَنْشُدُكَ بِاللَّهِ) أَيْ أَسْأَلُكَ بِهِ وَأُذَكِّرُكَ إِيَّاهُ ( فَوَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ هَذَا) الْمَذْكُورَ مِنْ لُبْسِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَلُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا ( كُلَّهُ) بِالنَّصْبِ تَأْكِيدٌ ( فِي بَيْتِكَ يَا مُعَاوِيَةُ) فَإِنَّ أَبْنَاءَكَ وَمَنْ تَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا يَحْتَرِزُونَ عَنِ اسْتِعْمَالِهَا وَأَنْتَ لَا تُنْكِرُ عَلَيْهِمْ وَتَطْعَنُ فِي الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ( أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْكَ) لِأَنَّ كَلَامَكَ حَقٌّ صَحِيحٌ ( فَأَمَرَ لَهُ) أَيْ لِلْمِقْدَامِ مِنَ الْعَطَاءِ وَالْإِنْعَامِ ( بِمَا لَمْ يَأْمُرْ لِصَاحِبَيْهِ) وَهُمَا عَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ وَالرَّجُلُ الْأَسَدِيُّ ( وَفَرَضَ لِابْنِهِ) أَيْ لِابْنِ الْمِقْدَامِ ( فِي الْمِائَتَيْنِ) أَيْ قَدْرَ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رِزْقًا لَهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي الْمِئِينَ فَكَانَ الْمِائَتَيْنِ ( فَفَرَّقَهَا) مِنَ التَّفْرِيقِ أَيْ قَسَمَ الْعَطِيَّةَ الَّتِي أَعْطَاهَا مُعَاوِيَةُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَأَعْطَاهُمْ
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِالرِّجَالِ وَعَلَى النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِيرَادِ الْحَدِيثِ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طريق بقية عن المقدام بن معدى كرب قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَعَنْ مَيَاثِرِ النُّمُورِ ( لِشَيْئِهِ) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ أَيْ حَسَنُ الإمساك لما له وَمَتَاعِهِ
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الشَّيْءُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ كُلِّ مَوْجُودٍ إِمَّا حِسًّا كَالْأَجْسَامِ أَوْ حُكْمًا كَالْأَقْوَالِ نَحْوَ.

قُلْتُ شَيْئًا وَجَمْعُ الشَّيْءِ أَشْيَاءُ
وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْكِتَابِ حَسَنُ الْإِمْسَاكِ كَسْبَهُ فَالْكَسْبُ مَفْعُولٌ لِلْإِمْسَاكِ
قَالَ فِي الْمَجْمَعِ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِكُمْ أَيْ مِنْ أَطْيَبِ مَا وُجِدَ بِتَوَسُّطِ سَعْيِكُمْ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى
قُلْتُ وَفِي إِسْنَادِ مُسْنَدِ أَحْمَدَ صَرَّحَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالتَّحْدِيثِ